للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَتَكَرَّرُ فَتُؤَدِّي إلَى أَنْ يَأْكُلَ نَفْسَهُ (وَمُؤْنَتُهُ) أَيْ التَّجْفِيفِ، أَوْ نَحْوِهِ (عَلَى الْمَالِكِ) التَّصْرِيحُ بِهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ.

(الْحُكْمُ الثَّالِثُ التَّمَلُّكُ) لِلُّقَطَةِ الْمَمْلُوكَةِ (وَتُمْلَكُ بِاللَّفْظِ بَعْدَ تَمَامِ التَّعْرِيفِ) غَنِيًّا كَانَ الْمُلْتَقِطُ، أَوْ فَقِيرًا لِأَنَّهُ تَمَلُّكُ مَالٍ بِبَدَلٍ فَافْتَقَرَ إلَى لَفْظٍ كَالتَّمَلُّكِ بِالشِّرَاءِ (كَ تَمَلَّكْتُ وَلَوْ لَمْ يَتَصَرَّفْ) فِيهَا كَالْقَرْضِ وَعَلَى قِيَاسِ ذَلِكَ يَخْتَارُ نَقْلَ الِاخْتِصَاصِ إلَيْهِ فِي غَيْرِ الْمَمْلُوكَةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَتَكْفِي إشَارَةُ الْأَخْرَسِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ وَكَذَا الْكِنَايَةُ مَعَ النِّيَّةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ وَلَدَ اللُّقَطَةِ كَاللُّقَطَةِ إنْ كَانَتْ حَامِلًا بِهِ عِنْدَ الْتِقَاطِهَا أَوْ انْفَصَلَ مِنْهَا قَبْلَ تَمَلُّكِهَا، وَإِلَّا مَلَكَهُ تَبَعًا لِأُمِّهِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّهُ يُمْلَكُ بَعْدَ التَّعْرِيفِ لِأُمِّهِ أَيْ وَتَمَلُّكِهَا.

(فَرْعٌ: لَا يَلْتَقِطُ) أَحَدٌ (بِحَرَمِ مَكَّةَ) لُقَطَةً (إلَّا لِلْحِفْظِ) لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ إنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ لَا تَحِلُّ لُقَطَتُهُ إلَّا لِمُنْشِدٍ أَيْ لِمُعَرِّفٍ عَلَى الدَّوَامِ، وَإِلَّا فَسَائِرُ الْبِلَادِ كَذَلِكَ فَلَا تَظْهَرُ فَائِدَةُ التَّخْصِيصِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ مَكَّةَ مَثَابَةٌ لِلنَّاسِ يَعُودُونَ إلَيْهَا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى فَرُبَّمَا يَعُودُ مَالِكُهَا، أَوْ نَائِبُهُ لِطَلَبِهَا، وَالْمُرَادُ بِحَرَمِ مَكَّةَ الْحَرَمُ الْمَكِّيُّ فَيَشْمَلُ مَكَّةَ مَعَ أَنَّهَا مَفْهُومَةٌ بِالْأَوْلَى وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ " مَكَّةَ وَحَرَمِ مَكَّةَ " (وَتَجِبُ) عَلَيْهِ (الْإِقَامَةُ) بِهِ (لِيُعَرِّفَهَا، أَوْ يَدْفَعَهَا) أَيْ أَوْ دَفَعَهَا (إلَى الْحَاكِمِ) لِيُعَرِّفَهَا (وَقَدْ يَجِيءُ هَذَا) أَيْ التَّخْيِيرُ (فِي كُلِّ مَا اُلْتُقِطَ لِلْحِفْظِ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِحَرَمِ مَكَّةَ وَالتَّصْرِيحُ بِهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ وَخَرَجَ بِحَرَمِ مَكَّةَ حَرَمُ الْمَدِينَةِ فَهُوَ كَسَائِرِ الْبِلَادِ فِي حُكْمِ اللُّقَطَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ صَاحِبِ الِانْتِصَارِ أَنَّهُ كَحَرَمِ مَكَّةَ كَمَا فِي حُرْمَةِ الصَّيْدِ وَجَرَى عَلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد فِي الْمَدِينَةِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «وَلَا تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا إلَّا لِمَنْ أَشَادَ بِهَا» بِالْمُعْجَمَةِ ثُمَّ بِالْمُهْمَلَةِ أَيْ رَفَعَ صَوْتَهُ بِهَا.

(الْحُكْمُ الرَّابِعُ وُجُوبُ الرَّدِّ) لَهَا أَوْ لِبَدَلِهَا وَلَوْ (بَعْدَ التَّمَلُّكِ إنْ أَثْبَتَ) أَيْ أَقَامَ (بِهَا الْمَالِكُ) حُجَّةً، وَإِلَّا لَمْ يَجِبْ الرَّدُّ بَلْ لَا يَجُوزُ إنْ لَمْ يَصِفْهَا (وَمَتَى وَصَفَهَا وَ) إنْ (أَقَامَ شَاهِدًا) بِهَا وَلَمْ يَحْلِفْ مَعَهُ (لَمْ يَجِبْ التَّسْلِيمُ) إلَيْهِ (فَإِنْ قَالَ) لَهُ (يَلْزَمُك تَسْلِيمُهَا إلَيَّ فَلَهُ) إذَا لَمْ يَعْلَمْ صِدْقَهُ (الْحَلِفُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ) ذَلِكَ وَلَوْ قَالَ: تَعْلَمُ أَنَّهَا مِلْكِي فَلَهُ الْحَلِفُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ لَا يُفِيدُ الْعِلْمَ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ (لَكِنْ يَجُوزُ) لَهُ بَلْ يُسْتَحَبُّ كَمَا نُقِلَ عَنْ النَّصِّ (الدَّفْعُ) إلَيْهِ (إنْ ظَنَّ صِدْقَهُ) فِي وَصْفِهِ لَهَا عَمَلًا بِظَنِّهِ وَلَا يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ مُدَّعٍ فَيَحْتَاجُ إلَى حُجَّةٍ فَإِنْ لَمْ يَظُنَّ صِدْقَهُ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ وَلَوْ وَصَفَهَا جَمَاعَةٌ وَادَّعَاهَا كُلٌّ لِنَفْسِهِ لَمْ تُسَلَّمْ لَهُمْ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ وَكَذَا لَوْ أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمْ بَيِّنَةً كَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ (وَيَجِبُ) الدَّفْعُ إلَيْهِ (إنْ عَلِمَ) صِدْقَهُ (وَيَلْزَمُهُ الْعُهْدَةُ) أَيْ الضَّمَانُ (لَا إنْ أَلْزَمَهُ تَسْلِيمَهَا) إلَيْهِ (بِالْوَصْفِ حَاكِمٌ) يَرَى ذَلِكَ كَمَالِكِيٍّ وَحَنْبَلِيٍّ فَلَا تَلْزَمُهُ الْعُهْدَةُ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ فِي التَّسْلِيمِ (وَإِنْ سَلَّمَهَا، أَوْ) سَلَّمَ (بَدَلَهَا إلَى الْوَاصِفِ بِاخْتِيَارِهِ) لَا بِإِلْزَامِ الْحَاكِمِ لَهُ (ثُمَّ تَلِفَتْ عِنْدَهُ) أَيْ الْوَاصِفِ (وَأَثْبَتَ) أَيْ أَقَامَ (بِهَا آخَرُ) حُجَّةً (وَغَرِمَ الْمُلْتَقِطُ) بَدَلَهَا (رَجَعَ) الْمُلْتَقِطُ بِمَا غَرِمَهُ (عَلَى الْوَاصِفِ إنْ سَلَّمَ) اللُّقَطَةَ لَهُ (أَوْ غَرِمَ) لَهُ (الْبَدَلَ) عَنْهَا كَمَا هُوَ الْفَرْضُ (وَلَمْ يُقِرَّ لَهُ) الْمُلْتَقِطُ (بِالْمِلْكِ) لِحُصُولِ التَّلَفِ عِنْدَهُ وَلِأَنَّ الْمُلْتَقِطَ سَلَّمَهُ بِنَاءً عَلَى ظَاهِرٍ وَقَدْ بَانَ خِلَافُهُ فَإِنْ أَقَرَّ لَهُ بِالْمِلْكِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ (وَلِلْمَالِكِ مُطَالَبَةُ الْوَاصِفِ أَيْضًا) بِهَا، أَوْ بِبَدَلِهَا (إنْ قَبَضَهَا) مِنْ الْمُلْتَقِطِ (بِعَيْنِهَا لَا إنْ قَبَضَ) مِنْهُ (ثَمَنَهَا) يَعْنِي بَدَلَهَا؛ لِأَنَّ الْحَاصِلَ عِنْدَهُ مَالُ الْمُلْتَقِطِ لَا مَالُهُ وَلَا يَرْجِعُ الْوَاصِفُ فِي الْأُولَى عَلَى الْمُلْتَقِطِ بِمَا غَرِمَهُ لِحُصُولِ التَّلَفِ عِنْدَهُ بِلَا تَغْرِيرٍ وَلِأَنَّهُ يَزْعُمُ ظُلْمَ الْمَالِكِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَى غَيْرِ ظَالِمِهِ أَمَّا إذَا كَانَتْ اللُّقَطَةُ بَاقِيَةً عِنْدَ الْوَاصِفِ فَتُنْزَعُ مِنْهُ وَتُدْفَعُ لِلْمَالِكِ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ حُجَّةٌ تُوجِبُ الدَّفْعَ فَقُدِّمَتْ عَلَى الْوَصْفِ الْمُجَرَّدِ.

[فَرْعٌ شَهِدَ لِمُدَّعِي اللُّقَطَةِ فَاسِقَانِ]

(فَرْعٌ:) لَوْ (شَهِدَ لِمُدَّعِي اللُّقَطَةِ فَاسِقَانِ فَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ إلْزَامُ الْمُلْتَقِطِ التَّسْلِيمَ) لَهَا (وَلَوْ اعْتَرَفَ) هُوَ (بِعَدَالَتِهِمَا) لِأَنَّ التَّعْدِيلَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يَكْفِي فِيهِ اعْتِرَافُ الْخَصْمِ.

[فَصْلٌ ظَهَرَ الْمَالِكُ بَعْدَ التَّمَلُّكِ لِلُّقَطَةِ وَهِيَ تَالِفَةٌ]

(فَصْلٌ: وَإِنْ ظَهَرَ الْمَالِكُ بَعْدَ التَّمَلُّكِ) لِلُّقَطَةِ (وَهِيَ تَالِفَةٌ رَدَّ مِثْلَهَا) إنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً (أَوْ قِيمَةَ يَوْمِ التَّمَلُّكِ) إنْ كَانَتْ مُتَقَوِّمَةً لِأَنَّهُ يَوْمُ دُخُولِهَا فِي ضَمَانِهِ، وَضَمَانُهَا ثَابِتٌ فِي ذِمَّتِهِ مِنْ يَوْمِ التَّلَفِ (وَلَوْ كَانَتْ بَاقِيَةً) وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا حَقٌّ لَازِمٌ (تَعَيَّنَ رَدُّهَا) لِمَالِكِهَا فَلَيْسَ لِلْمُلْتَقِطِ إلْزَامُهُ أَخْذَ بَدَلِهَا مَا دَامَتْ فِي مِلْكِهِ كَمَا فِي الْقَرْضِ بَلْ أَوْلَى وَلِخَبَرِ زَيْدٍ السَّابِقِ وَيَلْزَمُ الْمُلْتَقِطَ رَدُّهَا إلَيْهِ قَبْلَ طَلَبِهِ، ذَكَرَهُ الْأَصْلُ فِي الْوَدِيعَةِ (مَعَ) .

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ: كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ) أَيْ وَغَيْرُهُ. (فَرْعٌ) لَوْ الْتَقَطَ مَالًا، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ مِلْكُهُ قُبِلَ قَوْلُهُ: ذَكَرَهُ فِي الْكِفَايَةِ وَمَحَلُّهُ عِنْدَ عَدَمِ الْمُنَازِعِ بِخِلَافِ مَا لَوْ الْتَقَطَ صَغِيرًا، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ مِلْكُهُ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ: فِيهِ.

[فَرْعٌ لَا يَلْتَقِطُ أَحَدٌ بِحَرَمِ مَكَّةَ لُقَطَةً إلَّا لِلْحِفْظِ]

(قَوْلُهُ: لَا يَلْتَقِطُ بِحَرَمِ مَكَّةَ إلَّا لِلْحِفْظِ) فِي لُقَطَةِ عَرَفَةَ وَمُصَلَّى إبْرَاهِيمَ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا تَحِلُّ لُقَطَتُهُ لِأَنَّهُ حِلٌّ وَالثَّانِي لَا تَحِلُّ إلَّا لِمُنْشِدٍ؛ لِأَنَّهُ مُجْتَمَعُ الْحَاجِّ وَأَصَحُّهُمَا أَوَّلُهُمَا (قَوْلُهُ: كَمَا صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَالرُّويَانِيُّ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ. (قَوْلُهُ: إنْ أَثْبَتَ بِهَا الْمَالِكُ حُجَّةً) بِأَنْ أَقَامَ بِهَا بَيِّنَةً عِنْدَ الْحَاكِمِ وَحَكَمَ لَهُ بِهَا (قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَمْ يَجِبْ الرَّدُّ) لِأَنَّهُ مُدَّعٍ فَيَحْتَاجُ إلَى بَيِّنَةٍ كَغَيْرِهِ وَلِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ قَدْ سَمِعَ وَصْفَهَا مِنْ صَاحِبِهَا (قَوْلُهُ: وَيَلْزَمُهُ الْعُهْدَةُ) لِأَنَّهُ سَلَّمَ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ تَسْلِيمُهُ.

(قَوْلُهُ: أَوْ قِيمَةَ يَوْمِ التَّمَلُّكِ) بِمَكَانِهِ (قَوْلُهُ: إنْ كَانَتْ مُتَقَوِّمَةً) لَا مِثْلُهَا الصُّورِيُّ، وَمِثْلُ تَلَفِهَا زَوَالُ مِلْكِهِ عَنْهَا بِبَيْعٍ، أَوْ غَيْرِهِ فَلَوْ كَانَتْ رَقِيقًا وَقَالَ مَالِكُهُ: كُنْت أَعْتَقْته قَبْلَ تَصَرُّفِهِ صُدِّقَ، وَبَانَ فَسَادُهُ، ثُمَّ لَوْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ وَأَقَرَّ بِبَقَاءِ الْحَقِّ لِيَأْخُذَ الثَّمَنَ فَهَلْ يُقْبَلُ؟ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا عَدَمُ قَبُولِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>