للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَغْمِسُ صَاحِبَهَا فِي الْإِثْمِ أَوْ فِي النَّارِ، وَهِيَ مِنْ الْكَبَائِرِ كَمَا وَرَدَ فِي الْبُخَارِيِّ (وَفِيهَا الْكَفَّارَةُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ} [المائدة: ٨٩] الْآيَةَ؛ وَلِأَنَّهُ حَلَفَ بِاَللَّهِ، وَهُوَ مُخْتَارٌ كَاذِبٌ فَصَارَ كَمَا لَوْ حَلَفَ عَلَى مُسْتَقْبَلٍ وَالْإِثْمُ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَهَا كَمَا فِي الظِّهَارِ وَيَجِبُ فِيهَا التَّعْزِيرُ أَيْضًا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ الصَّلَاحِ فَإِنْ كَانَ جَاهِلًا فَفِي وُجُوبِهَا الْقَوْلَانِ فِيمَنْ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ نَاسِيًا

(وَمَنْ حَلَفَ بِلَا قَصْدٍ) بِأَنْ سَبَقَ لِسَانُهُ إلَى لَفْظِ الْيَمِينِ بِلَا قَصْدٍ كَقَوْلِهِ فِي حَالَةِ غَضَبٍ أَوْ لَجَاجٍ أَوْ صِلَةِ كَلَامٍ لَا وَاَللَّهِ تَارَةً بَلَى وَاَللَّهِ أُخْرَى (أَوْ سَبَقَ لِسَانُهُ) بِأَنْ حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ فَسَبَقَ لِسَانُهُ إلَى غَيْرِهِ (فَلَغْوٌ) أَيْ فَهُوَ لَغْوُ يَمِينٍ إذْ لَا يَقْصِدُ بِذَلِكَ تَحْقِيقَ الْيَمِينِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [البقرة: ٢٢٥] وَلِخَبَرِ «لَغْوُ الْيَمِينِ لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ فَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ فِي كَلَامٍ وَاحِدٍ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: الْأُولَى لَغْوٌ وَالثَّانِيَةُ مُنْعَقِدَةٌ؛ لِأَنَّهَا اسْتِدْرَاكٌ مَقْصُودٌ مِنْهُ (وَيُصَدَّقُ حَيْثُ لَا قَرِينَةَ) تَدُلُّ عَلَى قَصْدِهِ الْيَمِينَ الَّتِي حَلَفَهَا (إنْ قَالَ لَمْ أَقْصِدْ) هَا (وَلَا يُصَدَّقُ) ظَاهِرًا (فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْإِيلَاءِ) لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ؛ وَلِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِإِجْرَاءِ أَلْفَاظِ الْيَمِينِ بِلَا قَصْدٍ بِخِلَافِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فَدَعْوَاهُ فِيهَا يُخَالِفُ الظَّاهِرَ فَلَا يُصَدَّقُ فَإِنْ كَانَ ثَمَّ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى قَصْدِهِ الْيَمِينَ لَمْ يُصَدَّقْ ظَاهِرًا

(وَلَوْ قَالَ أَعْزِمُ) أَوْ عَزَمْت (أَوْ أُقْسِمُ) أَوْ أَقْسَمْت أَوْ آلِي أَوْ آلَيْت (عَلَيْك بِاَللَّهِ) أَوْ أَسْأَلُك أَوْ سَأَلْتُك بِاَللَّهِ (لَتَفْعَلَن) كَذَا (وَقَصَدَ عَقْدَ الْيَمِينِ لِنَفْسِهِ كَانَ يَمِينًا) لِظَاهِرِ الْآيَةِ السَّابِقَةِ وَالتَّصْرِيحُ بِعَزَمَ مِنْ زِيَادَتِهِ هُنَا (وَيُنْدَبُ) لِلْمُخَاطَبِ (إبْرَارُهُ) لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِيهِ هَذَا (إنْ أُبِيحَ) الْإِبْرَارُ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ هَذَا إذَا لَمْ يَتَضَمَّنْ الْإِبْرَارُ ارْتِكَابَ مُحَرَّمٍ أَوْ مَكْرُوهٍ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ الَّذِي لَا يُكْرَهُ تَرْكُهُ يُسْتَحَبُّ إبْرَارُ الْحَالِفِ عَلَى تَرْكِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَسَيَأْتِي أَنَّ الْحَلِفَ عَلَى تَرْكِهِ وَالْإِقَامَةِ عَلَيْهِ مَكْرُوهَانِ فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَفِي حَقِّ غَيْرِهِ أَوْلَى انْتَهَى لَكِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ بَعْدَ نَقْلِهِ هَذَا وَاَلَّذِي قَالَهُ الْأَصْحَابُ أَنَّهُ يُنْدَبُ لِلْمُخَاطَبِ إبْرَارُ قَسَمِ الْحَالِفِ حَيْثُ أَمْكَنَهُ شَرْعًا وَرَجَحَتْ مَصْلَحَةُ إبْرَارِهِ انْتَهَى أَمَّا إذَا لَمْ يَقْصِدْ عَقْدَ الْيَمِينِ لِنَفْسِهِ بِأَنْ قَصَدَهُ لِلْمُخَاطَبِ أَوْ قَصَدَ بِهِ الشَّفَاعَةَ أَوْ أَطْلَقَ فَلَيْسَ يَمِينًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ صَرِيحًا فِيهَا وَالْإِطْلَاقُ مَحْمُولٌ عَلَى الشَّفَاعَةِ

(وَيُكْرَهُ السُّؤَالُ بِوَجْهِ اللَّهِ) تَعَالَى (وَرَدُّ السَّائِلِ بِهِ) لِخَبَرِ «لَا يُسْأَلُ بِوَجْهِ اللَّهِ إلَّا الْجَنَّةُ» وَخَبَرِ «مَنْ سَأَلَ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَأَعْطُوهُ رَوَاهُمَا» أَبُو دَاوُد

[فَصْلٌ عَقَّبَ الْحَالِفُ الْيَمِينَ بِإِنْ شَاءَ اللَّهُ]

(فَصْلٌ) لَوْ (عَقَّبَ) الْحَالِفُ (الْيَمِينَ بِإِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَحْنَثْ) بِالْفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ لِمَا مَرَّ فِي الطَّلَاقِ (وَلَمْ تَنْعَقِدْ) يَمِينُهُ لِلتَّعْلِيقِ وَقِيلَ تَنْعَقِدُ لَكِنْ الْمَشِيئَةُ مَجْهُولَةٌ فَلَا يَحْنَثُ وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ هُنَا وَجَزَمَ كَأَصْلِهِ بِهِ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ (وَيُشْتَرَطُ التَّلَفُّظُ بِالِاسْتِثْنَاءِ وَقَصْدُهُ) قَبْلَ فَرَاغِ الْيَمِينِ (وَاتِّصَالُهُ) بِهَا فَلَا يَضُرُّ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

وَالْإِمَامُ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْمَطْلَبِ؛ لِأَنَّ الْحِنْثَ اقْتَرَنَ بِنَفْسِ الْيَمِينِ فِي الظَّاهِرِ وَكَذَا فِي الْبَاطِنِ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَكِنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ يَقْتَضِي انْعِقَادَهَا وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي انْعِقَادِهَا تَظْهَرُ فِي صُوَرٍ مَا لَوْ حَلَفَ عَلَى مَاضٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ فَعَلَهُ لِنِسْيَانِهِ وَجَهْلِهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ خِلَافُهُ كَمَا إذَا قَالَ وَاَللَّهِ مَا دَخَلْت الدَّارَ، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ دَخَلَهَا ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْهَا وَكَمَا لَوْ وَطِئَ زَوْجَتَهُ فِي ظَنِّهِ ثُمَّ قَالَ وَاَللَّهِ مَا وَطِئْتهَا مُتَعَمِّدًا الْكَذِبَ ثُمَّ بَانَ أَنَّ الَّتِي وَطِئَهَا غَيْرُ زَوْجَتِهِ فَإِنْ قُلْنَا أَنَّهَا يَمِينٌ مُنْعَقِدَةٌ فَيَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ الْكَفَّارَةُ لِمُوَافَقَتِهَا الْوَاقِعَ، وَإِنْ قُلْنَا أَنَّهَا غَيْرُ مُنْعَقِدَةٍ وَجَبَتْ لِانْتِهَاكِ الِاسْمِ الْمُعَظَّمِ وَتَعَمُّدِ الْكَذِبِ وَمِنْهَا لَوْ حَلَفَهَا فِي الصَّلَاةِ وَقُلْنَا إنَّهَا غَيْرُ مُنْعَقِدَةٍ بَطَلَتْ قَطْعًا، وَإِنْ قُلْنَا بِانْعِقَادِهَا فَكَمَا لَوْ حَلَفَ غَيْرَهَا فِيهَا وَحُكْمُهُ أَنَّهُ إنْ تَضَمَّنَ خِطَابًا أَبْطَلَهَا وَإِلَّا فَلَا كَمَا لَوْ نَذَرَ فِي الصَّلَاةِ الْحَجَّ وَنَحْوَهُ وَمِنْهَا لَوْ عَقَّبَهَا بِالْمَشِيئَةِ نَفَعَتْهُ إنْ قُلْنَا بِانْعِقَادِهَا وَإِلَّا لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّ الْمَشِيئَةَ لَا تَرْفَعُ عَنْهُ الْكَذِبَ وَقَوْلُهُ وَلَكِنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ يَقْتَضِي انْعِقَادَهَا إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ جَاهِلًا) أَيْ أَوْ نَاسِيًا

(قَوْلُهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: الْأُولَى لَغْوٌ وَالثَّانِيَةُ إلَخْ) ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ جَمْعِهِمَا وَإِفْرَادِهِمَا، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَيُرَدُّ قَوْلُ الْمَاوَرْدِيِّ بِأَنَّ الْغَرَضَ عَدَمُ الْحِنْثِ ش وَكَتَبَ شَيْخُنَا أَيْضًا يُرَدُّ بِأَنَّ الْفَرْضَ عَدَمُ الْقَصْدِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْجَمْعِ وَالْإِفْرَادِ (قَوْلُهُ وَيُصَدَّقُ حَيْثُ لَا قَرِينَةَ إلَخْ) قَالَ فِي الْخَادِمِ: مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّصْدِيقِ فِي الْحَلِفِ بِاَللَّهِ يُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا إذَا كَانَ الْحَلِفُ عَلَى تَرْكِ وَطْءِ زَوْجَتِهِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ آدَمِيٍّ كَذَا حَكَاهُ فِي الْبَيَانِ عَنْ ابْنِ الصَّبَّاغِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ مِنْ تَعْلِيلِ الرَّافِعِيِّ فَلْيَتَقَيَّدْ بِهِ إطْلَاقُهُ وَقَوْلُهُ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

(قَوْلُهُ فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَفِي حَقِّ غَيْرِهِ أَوْلَى) قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ يُخَاطَبُ الْإِنْسَانُ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْعَادَةِ لِحَقِّ الْغَيْرِ وَيُكْرَهُ لَهُ الْخُرُوجُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ وَمِنْ ذَلِكَ صَوْمُ التَّطَوُّعِ إذَا دُعِيَ إلَى وَلِيمَةٍ وَشَقَّ عَلَى الدَّاعِي صَوْمُهُ اُسْتُحِبَّ لَهُ الْفِطْرُ وَقَالَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ: يَنْبَغِي إبْرَارُهُ إنْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِهَا فِي وَقْتٍ لِمَعْنًى دُونَ مَا إذَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِهَا مُطْلَقًا لِغَيْرِ مَعْنًى (قَوْلُهُ وَاَلَّذِي قَالَهُ الْأَصْحَابُ أَنَّهُ يُنْدَبُ) هُوَ الصَّحِيحُ

(قَوْلُهُ لَوْ عَقَّبَ الْحَالِفُ الْيَمِينَ بِإِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَحْنَثْ) شَمِلَ إطْلَاقُهُ الْيَمِينَ تَعْلِيقَهَا بِالْمَاضِي كَمَا لَوْ فَعَلَ شَيْئًا ثُمَّ قَالَ وَاَللَّهِ مَا فَعَلْته إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَفْتَى الْبَارِزِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ قَالَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَلِّقْ الْفِعْلَ عَلَى الْمَشِيئَةِ وَإِنَّمَا عَلَّقَ قَسَمَهُ وَاسْتَشْهَدَ بِقَوْلِ الْأَصْحَابِ فِي الدَّعَاوَى أَنَّ الْحَاكِمَ لَوْ حَلَّفَهُ عَلَى نَفْيِ الْغَصْبِ فَقَالَ وَاَللَّهِ مَا غَصَبْته إنْ شَاءَ اللَّهُ كَانَ نَاكِلًا وَتُعَادُ الْيَمِينُ فَلَوْلَا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَنْفَعُ فِي الْمَاضِي مَا جَعَلُوهُ نَاكِلًا (قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ التَّلَفُّظُ بِالِاسْتِثْنَاءِ) كَقَوْلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ إنْ أَرَادَ اللَّهُ أَوْ إنْ أَحَبَّ اللَّهُ أَوْ اخْتَارَ أَوْ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ أَوْ بِإِرَادَتِهِ أَوْ اخْتِيَارِهِ أَوْ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ أَوْ إلَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ إنْ لَمْ يَشَأْ اللَّهُ وَمَا أَشْبَهَهُ وَلَوْ لَمْ يَتَلَفَّظْ بِالِاسْتِثْنَاءِ بَلْ نَوَاهُ فَلَا اسْتِثْنَاءَ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ؛ لِأَنَّهُ كَالْفَسْخِ فَلَمْ يَصِحَّ بِالنِّيَّةِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ قَالَ أَرَدْت إنْ دَخَلْت فَإِنَّهُ يَدِينُ؛ لِأَنَّهُ تَخْصِيصٌ فَيَجُوزُ بِالنِّيَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>