الْحِلُّ بَاطِنًا سَوَاءٌ الْمَالُ وَالنِّكَاحُ وَغَيْرُهُمَا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِي لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ فَمَنْ قَضَيْت لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ فَلَا يَأْخُذْهُ إنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ نَارٍ» (وَيُنْتَهَضُ) حُكْمُهُ الْمَذْكُورُ (شُبْهَةً فَلَا يُحَدُّ مَحْكُومٌ لَهُ بِمُزَوَّجَةٍ) مِنْ غَيْرِهِ (وَطِئَهَا) لِشُبْهَةِ الْخِلَافِ؛ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَجْعَلُهَا مَنْكُوحَةً بِالْحُكْمِ فَيَكُونُ وَطْؤُهُ وَطْئًا فِي نِكَاحٍ مُخْتَلَفٍ فِي صِحَّتِهِ وَقِيلَ يُحَدُّ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَعَلَى الثَّانِي جَمَاعَةٌ وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ (وَعَلَيْهَا الِامْتِنَاعُ) مِنْهُ (جَهْدُهَا) فَإِنْ أُكْرِهَتْ فَلَا إثْمَ عَلَيْهَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَحَمَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ عَلَى مَا إذَا رُبِطَتْ وَوُطِئَتْ لِئَلَّا يُخَالِفَ مَا مَرَّ فِي أَوَائِلِ الْجِنَايَاتِ مِنْ أَنَّ الزِّنَا لَا يُبَاحُ بِالْإِكْرَاهِ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ ذَاكَ مَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَتَقَدَّمْهُ حُكْمٌ بِخِلَافِ مَا هُنَا.
(وَلِلْأَوَّلِ) فِيمَا إذَا حَكَمَ بِطَلَاقِهَا بِشَاهِدَيْ زُورٍ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بِثَانٍ (وَطْؤُهَا) بَاطِنًا (لَا إنْ وَطِئَهَا الثَّانِي وَلَوْ عَالِمًا) بِالْحَالِ أَوْ نَكَحَهَا أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ وَوَطِئَهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَلَيْسَ لِلْأَوَّلِ وَطْؤُهَا (حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ) لِشُبْهَةِ الْخِلَافِ (مَعَ أَنَّهُ) أَيْ وَطْؤُهُ لَهَا حَيْثُ أُبِيحَ لَهُ (مَكْرُوهٌ) ؛ لِأَنَّهُ يُعَرِّضُ نَفْسَهُ لِلتُّهْمَةِ وَالْحَدِّ وَذِكْرُ الْكَرَاهَةِ فِي وَطْئِهِ بَعْدَ الْعِدَّةِ مِنْ زِيَادَتِهِ أَمَّا مَا بَاطِنُ الْأَمْرِ فِيهِ كَظَاهِرِهِ بِأَنْ تَرَتَّبَ عَلَى أَصْلٍ صَادِقٍ فَيَنْفُذُ الْحُكْمُ فِيهِ بَاطِنًا أَيْضًا قَطْعًا إنْ كَانَ فِي مَحَلِّ اتِّفَاقِ الْمُجْتَهِدِينَ وَعَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرِهِ إنْ كَانَ فِي مَحَلِّ اخْتِلَافِهِمْ، وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ لِمَنْ لَا يَعْتَقِدُهُ كَمَا سَيَأْتِي لِتَتَّفِقَ الْكَلِمَةُ وَيَتِمَّ الِانْتِفَاعُ وَقِيلَ لَا لِتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ وَقِيلَ لَا فِي حَقِّ مَنْ لَا يَعْتَقِدُهُ (وَلَوْ قَضَى حَنَفِيٌّ لِشَافِعِيٍّ بِشُفْعَةِ الْجِوَارِ) أَوْ بِالْإِرْثِ بِالرَّحِمِ (حَلَّ لَهُ الْأَخْذُ) بِهِ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي مَنْعُهُ مِنْ الْأَخْذِ بِذَلِكَ وَلَا مِنْ الدَّعْوَى بِهِ إذَا أَرَادَهَا اعْتِبَارًا بِعَقِيدَةِ الْحَاكِمِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ مُجْتَهَدٌ فِيهِ وَالِاجْتِهَادُ إلَى الْقَاضِي لَا إلَى غَيْرِهِ (وَلَوْ شَهِدَ) شَاهِدٌ (بِمَا يَعْتَقِدُهُ الْقَاضِي لَا الشَّاهِدُ) كَشَافِعِيٍّ شَهِدَ عِنْدَ حَنَفِيٍّ بِشُفْعَةِ الْجِوَارِ (قُبِلَتْ) شَهَادَتُهُ لِذَلِكَ وَلَهَا حَالَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَشْهَدَ بِنَفْسِ الْجِوَارِ، وَهُوَ جَائِزٌ ثَانِيهِمَا أَنْ يَشْهَدَ بِاسْتِحْقَاقِ الْآخِذِ بِالشُّفْعَةِ أَوْ بِشُفْعَةِ الْجِوَارِ وَيَنْبَغِي عَدَمُ جَوَازِهِ لِاعْتِقَادِهِ خِلَافَهُ كَذَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ
(فَرْعٌ لَوْ قَالَ خَصْمَانِ لِقَاضٍ حَكَمَ بَيْنَنَا فُلَانٌ بِكَذَا فَانْقُضْهُ وَاحْكُمْ بَيْنَنَا لَمْ يُجِبْهُمَا) ؛ لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ لَا يُنْقَضُ بِمِثْلِهِ
(فَصْلٌ مَنْثُورٌ) مَسَائِلُهُ (يُسْتَحَبُّ) لِلْقَاضِي (أَنْ يَبْحَثَ) أَيْ يَسْأَلَ (أَصْدِقَاءَهُ) الْأُمَنَاءَ (عَنْ عُيُوبِ نَفْسِهِ لِيَجْتَنِبَهَا وَأَنْ يَرْكَبَ) فِي مَسِيرِهِ (إلَى مَجْلِسِ) وَفِي نُسْخَةٍ مَوْضِعِ (حُكْمِهِ وَ) أَنْ (يُسَلِّمَ فِي طَرِيقِهِ عَلَى النَّاسِ وَإِذَا دَخَلَ) عَلَيْهِمْ (وَ) أَنْ (يَدْعُوَ بِالتَّوْفِيقِ) وَالتَّسْدِيدِ (إذَا جَلَسَ لِلْحُكْمِ وَ) أَنْ (يَقِفَ عِنْدَهُ أَمِينٌ مَمْسُوحٌ) ذَكَرَهُ لِأَجْلِ النِّسَاءِ (يُرَتِّبُ الْخُصُومَ) وَتَعْبِيرُهُ بِالْمَسْمُوحِ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
[فَصْلٌ يَنْفُذُ حُكْمُ الْقَاضِي الصَّادِرُ مِنْهُ فِيمَا بَاطِنُ الْأَمْرِ فِيهِ بِخِلَافِ ظَاهِرِهِ]
قَوْلُهُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ إلَخْ) وقَوْله تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ} [البقرة: ١٨٨] الْآيَةَ «وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِرَجُلٍ يُرِيدُ أَنْ يَقْتُلَ رَجُلًا قِصَاصًا أَنَّهُ إنْ كَانَ صَادِقًا أَنَّهُ مَا قَتَلَ فَقَتَلْتَهُ دَخَلْتَ النَّارَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ فَأَخْبَرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ إذْنِهِ لَهُ فِي قَتْلِهِ أَنَّهُ إنْ صَدَقَ حَرُمَ قَتْلُهُ فَدَلَّ عَلَى نُفُوذِ الْحُكْمِ فِي الظَّاهِرِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَجْعَلُهَا مَنْكُوحَةً بِالْحُكْمِ إلَخْ) وَوَافَقْنَا عَلَى أَنَّهُ إذَا ادَّعَى عَلَى حُرَّةٍ أَنَّهَا أَمَتُهُ وَحَكَمَ الْحَاكِمُ لَهُ بِهَا بِشَهَادَةِ زُورٍ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وَطْؤُهَا وَكَذَلِكَ لَوْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا زَوْجَتُهُ وَشَهِدَ لَهُ شَاهِدَا زُورٍ بِذَلِكَ وَقَضَى بِالزَّوْجِيَّةِ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا وَوَافَقَ عَلَى أَنَّ الْأَمْوَالَ وَالْقِصَاصَ لَا تَحِلُّ لَهُ بِالْحُكْمِ بِشَهَادَةِ الزُّورِ لَنَا الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَالْقِيَاسُ عَلَى مَا وَافَقَ عَلَيْهِ غ (قَوْلُهُ وَجَزَمَ بِهِ) أَيْ بِالتَّرْجِيحِ وَكَتَبَ أَيْضًا الَّذِي جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ عَدَمُ الْحَدِّ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهَا الِامْتِنَاعُ مِنْهُ جَهْدُهَا) فَإِذَا قَصَدَهَا قَالَ كَثِيرٌ جُعِلَ كَالصَّائِلِ عَلَى الْبُضْعِ فَيَجِبُ عَلَيْهَا دَفْعُهُ، وَإِنْ أَتَى عَلَى نَفْسِهِ فَإِنْ قِيلَ لَعَلَّهُ مِمَّنْ يَرَى الْإِبَاحَةَ فَكَيْفَ يَسُوغُ دَفْعُهُ وَقَتْلُهُ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُسَوِّغَ لِلدَّفْعِ وَالْمُوجِبَ انْتِهَاكُ الْفَرْجِ الْمُحَرَّمِ بِغَيْرِ طَرِيقٍ شَرْعِيٍّ، وَإِنْ كَانَ الطَّالِبُ لَا إثْمَ عَلَيْهِ كَمَا لِوِصَالِ صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ عَلَى بُضْعِ امْرَأَةٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهَا دَفْعُهُ بَلْ يَجِبُ فَسُنَّ.
(قَوْلُهُ وَلِلْأَوَّلِ وَطْؤُهَا إلَخْ) وَيَبْقَى التَّوَارُثُ بَيْنَهُمَا لَا النَّفَقَةُ لِلْحَيْلُولَةِ (قَوْلُهُ وَعَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ الْبَغَوِيّ إلَخْ) ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ فِي الْحُكْمِ بِشُفْعَةِ الْجِوَارِ وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَغَيْرُهُ وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الدَّعَاوَى فِي الْكَلَامِ عَلَى الْيَمِينِ عَنْ مَيْلِ الْأَكْثَرِينَ وَفِي دَعْوَى الذَّمِّ عَنْ مَيْلِ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ وَقَدْ حَكَى ابْنُ أَبِي الدَّمِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْحَنَفِيَّ إذَا حَلَّلَ خَمْرًا فَأَتْلَفَهَا عَلَيْهِ شَافِعِيٌّ لَا يَعْتَقِدُ طَهَارَتَهَا بِالتَّخَلُّلِ فَتَرَافَعَا إلَى حَنَفِيٍّ وَثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدَهُ بِطَرِيقِهِ فَقَضَى عَلَى الشَّافِعِيِّ بِضَمَانِهَا لَزِمَهُ ذَلِكَ قَوْلًا وَاحِدًا حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ فَطَالَبَ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَدَاءِ ضَمَانِهَا لَمْ يَجُزْ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ عَلَى خِلَافِ مَا حَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ وَالِاعْتِبَارُ فِي الْحُكْمِ بِاعْتِقَادِ الْقَاضِي دُونَ اعْتِقَادِهِ وَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ مِنْ أَنَّهُ إذَا حَكَمَ حَاكِمٌ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ عَلَى النَّفْسِ وَكَانَ مِمَّنْ يَرَاهُ جَازَ لِلشَّافِعِي فِي الْبَاطِنِ بَيْعُهُ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ بِسَائِرِ أَنْوَاعِ التَّصَرُّفِ كَالْمِلْكِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا بِغَيْرِ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَرْعُهُ عَلَى الرَّأْيِ الْمَرْجُوحِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي تَعْلِيلِهِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا فِي حَقِّ مَنْ لَا يَعْتَقِدُهُ) قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ إنَّ الصَّحِيحَ الْأَوَّلَ فَقَدْ نَقَلَهُ الْقَاضِي وَالْإِمَامُ عَنْ الْجُمْهُورِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى فِي الْكَلَامِ عَلَى الْيَمِينِ عَنْ مَيْلِ الْأَكْثَرِينَ وَفِي دَعْوَى الدَّمِ عَنْ مَيْلِ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَإِطْلَاقُهُمْ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي النُّفُوذِ بَاطِنًا بَيْنَ مَا يُنْقَضُ وَمَا لَا يُنْقَضُ وَفِيهِ نَظَرٌ لَكِنَّهُ مُسْتَقِيمٌ فَإِنَّهُ لَا مُنَافَاةَ اهـ وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي الْقَوَاعِد تَخْصِيصُهُمْ النُّفُوذَ بِمَا لَا يُنْقَضُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْمَاوَرْدِيُّ، وَهُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ ثَانِيهِمَا أَنْ يَشْهَدَ بِاسْتِحْقَاقِ الْآخِذِ إلَخْ) الْمُرَادُ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّهَا عِنْدَك وَعَلَى مَذْهَبِك فَهِيَ شَهَادَةٌ بِالْجَوَازِ
[فَصْلٌ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَ أَصْدِقَاءَهُ الْأُمَنَاءَ عَنْ عُيُوبِ نَفْسِهِ لِيَجْتَنِبَهَا]
(فَصْلٌ مَنْثُورٌ مَسَائِلُهُ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute