للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقِيلَ لَيْسَ بِوَدِيعَةٍ بَلْ أَمَانَةٌ شَرْعِيَّةٌ فِي يَدِهِ يَجِبُ رَدُّهَا فِي الْحَالِ اعْتِبَارًا بِعَقْدِ الرَّهْنِ وَالْإِجَارَةِ وَتَرْجِيحُ الْأَوَّلِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي وَالْإِمَامُ وَقَالَا: لَا فَائِدَةَ لِلْخِلَافِ. قُلْتُ: وَقَدْ يُقَالُ بَلْ لَهُ فَائِدَةٌ وَهِيَ أَنَّ الْعَيْنَ يَجِبُ رَدُّهَا عَلَى الثَّانِي حَالًا وَعَلَى الْأَوَّلِ إنَّمَا يَجِبُ بَعْدَ الطَّلَبِ.

[فَصْلٌ أَحْكَامُ الْوَدِيعَةِ]

(فَصْلٌ وَأَحْكَامُهَا) أَيْ الْوَدِيعَةِ (ثَلَاثَةٌ: الْأَوَّلُ الْجَوَازُ) مِنْ الْجَانِبَيْنِ (فَتَنْفَسِخُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَإِغْمَائِهِ) وَجُنُونِهِ وَحَجْر السَّفَهِ وَالْجُحُودِ الْمُضَمَّنِ وَنَقْلِ الْمِلْكِ عَنْ الْوَدِيعَةِ وَنَحْوِهَا كَالْوَكَالَةِ (وَلَوْ عَزَلَ) الْوَدِيعُ (نَفْسَهُ) أَوْ عَزَلَهُ الْمَالِكُ انْفَسَخَتْ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا عَقْدٌ وَبَقِيَ الْمَالُ فِي يَدِهِ أَمَانَةً شَرْعِيَّةً كَالثَّوْبِ الَّذِي طَيَّرَتْهُ الرِّيحُ إلَى دَارِهِ وَ (لَزِمَهُ الرَّدُّ) وَإِنْ لَمْ يَطْلُبُ مِنْهُ (فَإِنْ أَخَّرَ) هـ (بِلَا عُذْرٍ ضَمِنَ) .

الْحُكْمُ (الثَّانِي الْأَمَانَةُ) لِأَنَّ الْوَدِيعَ يَحْفَظُهَا لِلْمَالِكِ فَيَدُهُ كَيَدِهِ وَلَوْ ضَمِنَ لَرَغِبَ النَّاسُ عَنْ قَبُولِ الْوَدَائِعِ (وَ) إنَّمَا (يَضْمَنُ بِالتَّقْصِيرِ وَلَهُ) أَيْ لِلتَّقْصِيرِ (أَسْبَابٌ) ثَمَانِيَةٌ (أَحَدُهَا: إيدَاعُهَا) بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهَا (بِلَا عُذْرٍ) عِنْدَ غَيْرِهِ (وَلَوْ عِنْدَ الْقَاضِي) ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَمْ يَرْضَ بِيَدِ غَيْرِهِ وَأَمَانَتِهِ وَلَا عُذْرَ وَاسْتَثْنَى السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ مَا لَوْ طَالَتْ غَيْبَةُ الْمَالِكِ فَأَوْدَعَهَا الْوَدِيعُ الْقَاضِيَ (وَلَهُ الِاسْتِعَانَةُ فِي حِفْظِهَا وَعَلَفِهَا) وَسَقْيِهَا وَلَوْ بِأَجْنَبِيٍّ (وَنَظَرُهُ) بَاقٍ (عَلَيْهَا كَالْعَادَةِ) لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِذَلِكَ (فَإِنْ كَانَتْ بِمَخْزَنِهِ فَخَرَجَ لِحَاجَتِهِ وَاسْتَحْفَظَ) عَلَيْهَا (ثِقَةً يَخْتَصُّ بِهِ وَهُوَ يُلَاحِظُ) بِهَا فِي عَوْدَاتِهِ (فَلَا بَأْسَ) بِهِ (وَإِنْ قَطَعَ نَظَرُهُ عَنْهَا وَلَمْ يُلَاحِظْهَا فَفِي تَضْمِينِهِ تَرَدُّدٌ) عَنْ الْإِمَامِ وَصَرَّحَ الْفُورَانِيُّ بِالْمَنْعِ وَقَالَ إنَّهُ الَّذِي يُشْعِرُ بِهِ فَحْوَى كَلَامِ الْأَئِمَّةِ (وَإِنْ كَانَتْ فِي غَيْرِ مَسْكَنِهِ وَلَمْ يُلَاحِظْ) هَا (ضَمِنَ) لِتَقْصِيرِهِ أَمَّا إذَا اُسْتُحْفِظَ غَيْرَ ثِقَةٍ أَوْ مَنْ لَا يَخْتَصُّ بِهِ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ.

(فَرْعٌ: يَجِبُ رَدُّهَا إلَى الْمَالِكِ أَوْ وَكِيلِهِ عِنْدَ خَوْفٍ) عَلَيْهَا (كَالْحَرِيقِ وَاسْتِهْدَامِ الْحِرْزِ وَلَمْ يَجِدْ) حِرْزًا (غَيْرَهُ) يَنْقُلُهَا إلَيْهِ (أَوْ) عِنْدَ (سَفَرٍ ثُمَّ) إنْ تَعَذَّرَ وُصُولُهُ إلَيْهِمَا رَدَّهَا (إلَى الْقَاضِي) ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ كُلِّ غَائِبٍ وَيَلْزَمُهُ الْقَبُولُ مِمَّنْ سَافَرَ وَإِنْ كَانَ سَفَرُهُ لَا لِحَاجَةٍ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُ الْغَائِبِينَ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَيَلْزَمُهُ الْإِشْهَادُ عَلَى نَفْسِهِ بِقَبْضِهَا (وَلَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ الدَّيْنِ) مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ (وَلَا الْمَغْصُوبِ) مِنْ غَاصِبِهِ (لِلْغَائِبِ) فِيهِمَا؛ لِأَنَّ بَقَاءَ كُلٍّ مِنْهُمَا أَحْفَظُ لِمَالِكِهِ؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى مَضْمُونًا لَهُ وَلِأَنَّ الدَّيْنَ فِي الذِّمَّةِ لَا يَتَعَرَّضُ لِلتَّلَفِ وَإِذَا تَعَيَّنَ تَعَرَّضَ لَهُ وَلِأَنَّ مَنْ فِي يَدِهِ الْعَيْنُ يَثْقُلُ عَلَيْهِ حِفْظُهَا (ثُمَّ) إنْ لَمْ يَجِدْ قَاضِيًا رَدَّهَا (إلَى أَمِينٍ) لِئَلَّا يَتَضَرَّرَ بِتَأْخِيرِ السَّفَرِ وَهَلْ يَلْزَمُهُ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ بِقَبْضِهَا وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ أَوْجَهُهُمَا اللُّزُومُ (وَالتَّرْتِيبُ) فِيمَا ذُكِرَ (وَاجِبٌ فَإِنْ تَرَكَهُ) بِلَا عُذْرٍ بِأَنْ رَدَّهَا إلَى الْقَاضِي أَوْ أَمِينٍ مَعَ إمْكَانِ رَدِّهَا إلَى الْمَالِكِ أَوْ وَكِيلِهِ أَوْ رَدَّهَا إلَى أَمِينٍ مَعَ إمْكَانِ رَدِّهَا إلَى الْقَاضِي (ضَمِنَ) لِعُدُولِهِ عَنْ الْأَقْوَى. قَالَ الْفَارِقِيُّ: وَهَذَا فِي غَيْرِ زَمَانِنَا أَمَّا فِيهِ فَلَا يَضْمَنُ بِرَدِّهَا إلَى ثِقَةٍ مَعَ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

كَالْمَحْجُورِ أَوْ كَالرَّشِيدِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ لَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا فِيمَا إذَا أَوْدَعَهُ الْمُطْلَقُ التَّصَرُّفِ مَالَهُ فَإِنْ كَانَتْ لِغَيْرِهِ دَخَلَتْ فِي ضَمَانِهِ بِالِاسْتِيلَاءِ بِمُجَرَّدِهِ كَمَا لَوْ أَوْدَعَهُ صَبِيُّ أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ سَفِيهٌ مَحْجُورٌ أَوْ غَاصِبٌ أَوْ نَحْوُهُ

[وَلَدُ الْوَدِيعَةِ كَأُمِّهِ]

(قَوْلُهُ: الْأَوَّلُ الْجَوَازُ) الْعُقُودُ الْجَائِزَةُ إذَا اقْتَضَى فَسْخُهَا ضَرَرًا عَلَى الْآخَرِ امْتَنَعَ وَصَارَتْ لَازِمَةً وَلِهَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ لِلْمُوصِي عَزْلُ نَفْسِهِ إلَّا أَنْ يَتَعَيَّن عَلَيْهِ أَوْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ تَلَفُ الْمَالِ بِاسْتِيلَاءِ ظَالِمٍ مِنْ قَاضٍ أَوْ غَيْرِهِ قُلْتُ: وَيَجْرِي مِثْلُهُ فِي الشَّرِيكِ وَالْمُقَارِضِ (قَوْلُهُ: وَالْجُحُودُ الْمُضْمَنُ) وَبِكُلِّ فِعْلٍ مُضْمَنٌ وَبِالْإِقْرَارِ بِهِ لِآخَرَ (قَوْلُهُ: وَلَوْ عَزَلَ نَفْسَهُ إلَخْ) يُشْبِهُ تَقْيِيدُهُ بِحَالَةٍ لَا يَلْزَمُهُ فِيهَا الْقَبُولُ وَإِلَّا حَرُمَ الرَّدُّ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ ر غ وَسَيَأْتِي أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ التَّخْلِيَةُ.

(قَوْلُهُ: الثَّانِي الْأَمَانَةُ) ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهَا أَمَانَةً وَالضَّمَانُ يُنَافِيهِ وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ بِجُعْلٍ أَمْ بِغَيْرِهِ كَالْوَكَالَةِ وَكَتَبَ أَيْضًا عَلِمَ مِنْ قَوْلِهِ الْأَمَانَةَ أَنَّهُ لَوْ أَوْدَعَهَا بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ لَمْ يَصِحَّ وَكَذَا عَلَى أَنَّهُ إذَا تَعَدَّى وَفَرَّطَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إبْرَاءٌ عَمَّا لَمْ يَجِبْ فَلَوْ فَرَّطَ ضَمِنَ وَهَذَا فِي صَحِيحِ الْوَدِيعَةِ وَفَاسِدِهَا. وَفِي الْكَافِي لَوْ أَوْدَعَهُ دَابَّةً وَأَذِنَ لَهُ فِي رُكُوبِهَا أَوْ ثَوْبًا وَأَذِنَ لَهُ فِي لُبْسِهِ فَهَذَا إيدَاعٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُخَالِفُ قَضِيَّةَ الْإِيدَاعِ فَلَوْ رَكِبَ أَوْ لَبِسَ صَارَتْ عَارِيَّةً فَاسِدَةً فَلَوْ أَنَّهَا تَلِفَتْ قَبْلَ الرُّكُوبِ وَاللُّبْسِ لَمْ يَضْمَنْ كَمَا لَا يَضْمَنُ فِي صَحِيحِ الْإِيدَاعِ أَوْ بَعْدَهُ ضَمِنَ كَمَا فِي صَحِيحِ الْعَارِيَّةُ (قَوْلُهُ وَلَهُ أَسْبَابٌ) تَزِيدُ جُزْئِيَّاتِهَا عَلَى سِتِّينَ صُورَةً (قَوْلُهُ: وَاسْتَثْنَى السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ إلَخْ) الِاسْتِثْنَاءُ مَرْدُودٌ (قَوْلُهُ وَصَرْحَ الْفُورَانِيُّ بِالْمَنْعِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.

[فَرْعٌ يَجِبُ رَدُّ الْوَدِيعَة إلَى الْمَالِكِ أَوْ وَكِيلِهِ عِنْدَ خَوْفٍ عَلَيْهَا]

(قَوْلُهُ: إلَى الْمَالِكِ أَوْ وَكِيلِهِ) مِثْلُهُ وَلِيُّ مَنْ حَجَرَ عَلَيْهِ لِجُنُونٍ أَوْ سَفَهٍ طَرَأَ غ (قَوْلُهُ: ثُمَّ إنْ تَعَذَّرَ وُصُولُهُ إلَيْهَا) أَيْ لِغَيْبَةٍ أَوْ حَبَسٍ أَوْ نَحْوِهِ (قَوْلُهُ: رَدَّهَا إلَى الْقَاضِي) أَيْ الْأَمِينُ أَمَّا غَيْرُهُ فَكَالْعَدَمِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ غ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ وَكَتَبَ أَيْضًا ذَكَرُوا فِي عَدْلِ الرَّهْنِ إذَا أَرَادَ دَفْعَهُ إلَى الْحَاكِمِ أَوْ أَمِينُهُ عِنْدَ غَيْبَةِ الرَّاهِنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ أَنَّهُ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَتْ غَيْبَةُ الرَّاهِنِ وَوَكِيلِهِ طَوِيلَةٌ وَهِيَ مَسَافَةُ الْقَصْرِ فَإِنَّ الْحَاكِمَ يَقْبِضُهُ عَنْهُمَا وَلَا يُلْجِئُهُ إلَى حِفْظِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاكِمًا أَوْدَعَهُ أَمِينًا وَإِنْ قَصُرَتْ الْمَسَافَةِ فَكَمَا لَوْ كَانَا حَاضِرِينَ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَهَذَا بِعَيْنِهِ يَتَّجِهُ جَرَيَانُهُ هُنَا إذْ لَا يَظْهَرُ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ كَالْأَذْرَعِيِّ: يُفَرَّقُ بِأَنَّ لِلْحَاكِمِ مَدْخَلًا فِي الرَّهْنِ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ (قَوْلُهُ: قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَيَلْزَمُهُ الْإِشْهَادُ عَلَى نَفْسِهِ بِقَبْضِهَا) الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ (قَوْلُهُ: وَلَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ الدَّيْنِ إلَخْ) قَالَ الْفَارِقِيُّ: مَحَلُّهُ إذَا كَانَ الْمَدْيُونُ ثِقَةً مَلِيًّا وَإِلَّا فَعَلَى الْحَاكِمِ قَبْضُهُ بِلَا خِلَافٍ.

(قَوْلُهُ: أَوْجَهُهُمَا اللُّزُومُ) قِيلَ: هُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُنْكِرُ وَأَصَحَّهُمَا عَدَمُ اللُّزُومِ (قَوْلُهُ: ضَمِنَ لِعُدُولِهِ عَنْ الْأَقْوَى) وَجْهُ ضَمَانِهِ بِرَدِّهَا إلَى الْأَمِينِ مَعَ إمْكَانِ رَدِّهَا إلَى الْقَاضِي أَنَّ أَمَانَتَهُ قَطْعِيَّةٌ فَإِنَّهُ لَا يُوَلَّى حَتَّى تُعْرَفَ عَدَالَتُهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَعَدَالَةُ غَيْرِهِ مِنْ طَرِيقِ الظَّاهِرِ فَأَشْبَهَ عُدُولَ الْحَاكِمِ عَنْ النَّصِّ إلَى الِاجْتِهَادِ وَلِأَنَّ الْحَاكِمَ يَحْفَظُهَا بِوِلَايَتِهِ عَلَى مَالِكِهَا الْغَائِبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>