للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِي قِتَالِ كُفَّارٍ وَأَمْكَنَ صِدْقُهُمْ فِيمَا قَالُوهُ (بُلِّغُوا الْمَأْمَنَ، وَأُجْرِيَ عَلَيْهِمْ حُكْمُ الْبُغَاةِ) فِي الْقِتَالِ فَلَا نَسْتَبِيحُهُمْ لِلْأَمَانِ مَعَ عُذْرِهِمْ (فَإِنْ أَعَانَهُمْ) عَلَيْنَا (ذِمِّيُّونَ أَوْ مُسْتَأْمَنُونَ مُخْتَارِينَ عَالِمِينَ بِالتَّحْرِيمِ) لِقِتَالِهِمْ لَنَا (انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ فِي حَقِّنَا وَحَقِّ الْبُغَاةِ) ، وَلَوْ قَالُوا ظَنَنَّاهُمْ الْمُحِقِّينَ كَمَا لَوْ انْفَرَدُوا بِالْقِتَالِ، وَالتَّصْرِيحُ بِالْعِلْمِ بِالتَّحْرِيمِ فِي الْمُسْتَأْمَنِينَ مِنْ زِيَادَتِهِ (وَلَهُمْ) الْأَوْلَى فَلَهُمْ (حُكْمُ أَهْلِ الْحَرْبِ) فَنَسْتَبِيحُهُمْ نَحْنُ وَالْبُغَاةُ، وَنَقْتُلُ أَسِيرَهُمْ، وَلَوْ أَتْلَفُوا بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْقِتَالِ شَيْئًا لَمْ يَضْمَنُوهُ.

(وَإِنْ ذَكَرُوا عُذْرًا) فِي إعَانَتِهِمْ إيَّاهُمْ بِأَنْ قَالُوا ظَنَنَّا أَنَّهُمْ الْمُحِقُّونَ، وَأَنَّ لَنَا إعَانَةَ الْمُحِقِّينَ أَوْ أَنَّهُ يَجُوزُ لَنَا إعَانَتُهُمْ أَوْ أَنَّهُمْ اسْتَعَانُوا بِنَا فِي قِتَالِ كُفَّارٍ وَأَمْكَنَ صِدْقُهُمْ أَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا مُكْرَهِينَ (لَمْ يُنْتَقَضْ) عَهْدُهُمْ لِمُوَافَقَتِهِمْ طَائِفَةً مُسْلِمَةً مَعَ عُذْرِهِمْ (لَا الْمُسْتَأْمَنَ) الشَّامِلُ لِلْمُعَاهَدِ فِي دَعْوَاهُ الْإِكْرَاهَ (فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ) فِي عَدَمِ انْتِقَاضِ أَمَانِهِ (إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بِإِكْرَاهِهِ) فَإِنْ لَمْ يُقِمْهَا انْتَقَضَ؛ لِأَنَّ أَمَانَهُ يُنْتَقَضُ بِخَوْفِ الْقِتَالِ فَبِحَقِيقَتِهِ أَوْلَى بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ (وَيُقَاتَلُونَ) أَيْ الَّذِينَ لَمْ يُنْتَقَضْ عَهْدُهُمْ (كَالْبُغَاةِ لَكِنَّهُمْ يَضْمَنُونَ) مَا أَتْلَفُوهُ عَلَيْنَا مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ أَتْلَفُوهُ فِي الْحَرْبِ أَمْ لَا بِخِلَافِ الْبُغَاةِ كَمَا مَرَّ اسْتِمَالَةً لِقُلُوبِهِمْ لِئَلَّا يُنَفِّرَهُمْ الضَّمَانُ؛ وَلِأَنَّ لَهُمْ تَأْوِيلًا، وَأَهْلُ الذِّمَّةِ وَالْأَمَانِ فِي قَبْضَتِنَا، وَلَا تَأْوِيلَ لَهُمْ (وَهَلْ يُقْتَصُّ مِنْهُمْ) إذَا قَتَلُوا نَفْسًا فِي الْحَرْبِ (وَجْهَانِ) قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ الْمَشْهُورُ الْقَطْعُ بِالْوُجُوبِ، وَصَحَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ، وَقَالَ إنَّهُ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ.

(وَلَوْ حَارَبَ ذِمِّيُّونَ بُغَاةً لَمْ يُنْتَقَضْ عَهْدُهُمْ) ؛ لِأَنَّهُمْ حَارَبُوا مَنْ عَلَى الْإِمَامِ مُحَارَبَتُهُ، وَيُقَاسُ بِهِمْ الْمُسْتَأْمَنُونَ.

(فَصْلٌ) لَوْ (اقْتَتَلَ طَائِفَتَانِ بَاغِيَتَانِ مَنَعَهُمَا الْإِمَامُ) مِنْ الِاقْتِتَالِ فَلَا يُعِينُ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى (فَإِنْ عَجَزَ) عَنْ مَنْعِهِمَا (قَاتَلَ أَشَرَّهُمَا بِالْأُخْرَى) الَّتِي هِيَ أَقْرَبُ إلَى الْحَقِّ (فَإِنْ رَجَعَتْ) مَنْ قَاتَلَهَا إلَى الطَّاعَةِ (لَمْ يُفَاجِئْ الْأُخْرَى بِالْقِتَالِ حَتَّى يُنْذَرَهَا) أَيْ يَدْعُوهَا إلَى الطَّاعَةِ (لِأَنَّهَا) بِاسْتِعَانَتِهِ بِهَا صَارَتْ (فِي أَمَانِهِ فَإِنْ اسْتَوَتَا اجْتَهَدَ) فِيهِمَا (وَقَاتَلَ الْمَضْمُومَةَ) مِنْهُمَا إلَيْهِ الْأُخْرَى (غَيْرَ قَاصِدٍ إعَانَتَهَا) بَلْ قَاصِدًا دَفَعَ الْأُخْرَى، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: فَإِنْ اسْتَوَيَا ضَمَّ إلَيْهِ أَقَلُّهُمَا جَمْعًا ثُمَّ أَقَرَّ بِهِمَا دَارًا ثُمَّ يَجْتَهِدُ (، وَعَلَى الْعَادِلِ) مِنَّا (مُصَابَرَةُ بَاغِيَيْنِ) فِي الْجَمَاعَةِ كَمَا فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ فَلَا يُوَلِّي عَنْهُمَا إلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ.

(وَإِنْ غَزَا الْبُغَاةُ مَعَ الْإِمَامِ) مُشْرِكِينَ (فَكَأَهْلِ الْعَدْلِ فِي) حُكْمِ (الْغَنَائِمِ، وَإِنْ وَادَعُوا) أَيْ الْبُغَاةُ أَيْ عَاهَدُوا (مُشْرِكًا اجْتَنَبْنَاهُ) بِأَنْ لَا نَقْصِدَهُ بِمَا يُقْصَدُ بِهِ الْحَرْبِيُّ غَيْرُ الْمُعَاهَدِ (وَيُسْتَنْقَذُ) وُجُوبًا (مِنْهُمْ سَبَايَا مُشْرِكِينَ أَمَنَّاهُمْ وَمَنْ تَعَمَّدَ قَتْلَ بَاغٍ أَمَّنَهُ عَادِلٌ، وَلَوْ) كَانَ الْمُؤَمِّنُ لَهُ (عَبْدًا) أَوْ امْرَأَةً (اقْتَصَّ مِنْهُ أَوْ قَتَلَهُ جَاهِلًا) بِأَمَانِهِ (فَالدِّيَةُ) تَلْزَمُهُ (وَيُسْتَنْقَذُ) وُجُوبًا (أَسِيرُ الْبُغَاةِ مِنْ الْكُفَّارِ) إنْ قَدَرْنَا عَلَى اسْتِنْقَاذِهِ.

(وَإِنْ قَتَلَ عَادِلٌ عَادِلًا فِي الْقِتَالِ، وَقَالَ ظَنَنْته بَاغِيًا حَلَفَ وَوَجَبَتْ الدِّيَةُ) لَا الْقِصَاصُ لِلْعُذْرِ.

[كِتَابُ الرِّدَّةِ]

[الْبَاب الْأَوَّل حَقِيقَة الرِّدَّةِ]

[الطَّرَف الْأَوَّلُ فِي حَقِيقَة الرِّدَّة]

(كِتَابُ الرِّدَّةِ) . (هِيَ) لُغَةً الرُّجُوعُ عَنْ الشَّيْءِ إلَى غَيْرِهِ وَشَرْعًا مَا سَيَأْتِي، وَهِيَ (أَفْحَشُ الْكُفْرِ، وَأَغْلَظُهُ حُكْمًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ} [البقرة: ٢١٧] الْآيَةَ وَلِقَوْلِهِ {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: ٨٥] وَلِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» (وَفِيهِ بَابَانِ الْأَوَّلُ فِي حَقِيقَتِهَا) وَمَنْ تَصِحُّ مِنْهُ وَفِيهِ طَرَفَانِ الْأَوَّلُ فِي حَقِيقَتِهَا، وَهَذَا سَقَطَ مِنْ نُسْخَةٍ، وَلَا بُدَّ مِنْهُ لِقَوْلِهِ بَعْدَ الطَّرَفِ الثَّانِي فِيمَنْ تَصِحُّ رِدَّتُهُ (وَهِيَ قَطْعُ الْإِسْلَامِ إمَّا بِتَعَمُّدِ فِعْلٍ) ، وَلَوْ بِقَلْبِهِ اسْتِهْزَاءً أَوْ جُحُودًا (كَسُجُودٍ لِصَنَمٍ، وَإِلْقَاءِ مُصْحَفٍ) أَوْ نَحْوِهِ كَكُتُبِ الْحَدِيثِ (فِي قَذِرٍ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ: أَوْ مُسْتَأْمَنُونَ) أَيْ أَوْ مُعَاهَدُونَ

(قَوْلُهُ: وَيُقَاسُ بِهِمْ الْمُسْتَأْمَنُونَ) أَيْ وَالْمُعَاهَدُونَ.

[فَصْلٌ اقْتَتَلَ طَائِفَتَانِ بَاغِيَتَانِ]

(قَوْلُهُ: وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فَإِنْ اسْتَوَتَا ضُمَّ إلَيْهِ أَقَلُّهُمَا جَمْعًا إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَعَلَى الْعَادِلِ مِنَّا مُصَابَرَةُ بَاغِيَيْنِ) كَذَا ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي، قَالَ الْبُلْقِينِيُّ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي خَطَأٌ لَا صَائِرَ إلَيْهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَالْعَجَبُ مِنْ الرَّافِعِيِّ وَالنَّوَوِيِّ كَيْفَ لَمْ يَتَعَقَّبَاهُ، وَكَلَامُهُمَا فِي الطَّرَفِ الرَّابِعِ يَرُدُّ ذَلِكَ فَإِنَّهُمَا قَالَا فِيهِ إنَّ طَرِيقَهُ طَرِيقُ دَفْعِ الصَّائِلِ، وَقَدْ ذَكَرَا فِي دَفْعِ الصَّائِلِ أَنَّهُ إنْ قَصَدَ النَّفْسَ، وَكَانَ مُسْلِمًا أَنَّهُ لَا يَجِبُ الدَّفْعُ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: إنَّهُ الْأَظْهَرُ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُتَوَلِّي قَبْلَ ذِكْرِهِ صُورَةَ الِاثْنَيْنِ أَنَّهُ لَا يَقْصِدُ بِالْقِتَالِ أَنْ يُهْلِكَهُمْ، وَإِنَّمَا يَقْصِدُ أَنْ يُفَرِّقُوا جُمُوعَهُمْ وَيَرُدُّوهُمْ إلَى الطَّاعَةِ، وَقَالَ يَكُونُ حُكْمُ الْإِمَامِ مَعَهُمْ حُكْمَ الْمَصُولِ مَعَ الصَّائِلِ يُدْفَعُ بِالْأَيْسَرِ فَالْأَيْسَرِ، وَقَالَ فِي الصَّائِلِ إنْ قَدَرَ الْمَصُولُ عَلَيْهِ عَلَى الْهَرَبِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مَوْضِعٍ: عَلَيْهِ أَنْ يَهْرُبَ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَهْرُبَ وَحَكَى الِاخْتِلَافَ فِي ذَلِكَ فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ مَعَ ذَلِكَ إيجَابُ مُصَابَرَةِ الْعَادِلِ لِلِاثْنَيْنِ مِنْ الْبُغَاةِ هَذَا لَا يَتَخَيَّلُهُ أَحَدٌ، وَنُصُوصُ الشَّافِعِيِّ، وَكَلَامُ أَصْحَابِهِ يَرُدُّ مَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي، وَكَذَلِكَ كَلَامُ الْعُلَمَاءِ غَيْرُ الشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِهِ، وَقَدْ كَتَبْت أَوْرَاقًا سَمَّيْتهَا الرَّدَّةَ عَلَى صَاحِبِ التَّتِمَّةِ فِيمَا قَالَهُ فِي الْمُصَابَرَةِ الْمُدْلَهِمَّةِ وَالرَّاجِحُ مَا ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي

(كِتَابُ الرِّدَّةِ) (قَوْلُهُ: وَلِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» وَخَبَرِ «لَا يَحِلُّ دَمُ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ كُفْرٍ بَعْدَ إيمَانٍ» ، وَقَدْ ذَكَرَ أَصْحَابُنَا أَنَّ الرِّدَّةَ إنَّمَا تُحْبِطُ الْعَمَلَ بِالْمَوْتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ} [البقرة: ٢١٧] فَلَوْ أَسْلَمَ، وَكَانَ قَدْ حَجَّ قَبْلَ الِارْتِدَادِ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ لَكِنَّ نَصَّ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ عَلَى حُبُوطِ ثَمَرَاتِ الْأَعْمَالِ بِمُجَرَّدِ الرِّدَّةِ، وَهِيَ فَائِدَةٌ نَفِيسَةٌ (قَوْلُهُ: وَهِيَ قَطْعُ الْإِسْلَامِ) فَإِنْ قِيلَ الْإِسْلَامُ مَعْنًى مَعْقُولٌ لَا مَحْسُوسٌ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ قَطْعُهُ قِيلَ الْمُرَادُ قَطْعُ اسْتِمْرَارِهِ وَدَوَامِهِ فَهُوَ مِنْ بَابِ حَذْفِ الْمُضَافِ (قَوْلُهُ: كَكُتُبِ الْحَدِيثِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>