دَعْوَى الْمُرْتَهِنِ وُجُودُ الْفَأْرَةِ فِي الْعَصِيرِ، وَمَوْتُ الْعَبْدِ عِنْدَ الرَّهْنِ فِيهِمَا، وَعِنْدَ الْقَبْضِ فِي الْأُولَى مِنْ زِيَادَتِهِ نَعَمْ ذَكَرَ الْأَصْلُ الْأَوْلَى بِالنِّسْبَةِ لِلْبَيْعِ مُعَبِّرًا فِيهَا بِالْمَائِعِ، وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْعَصِيرِ، وَالْأَمْرُ فِيهِ قَرِيبٌ (وَلَا يَلْزَمُ الْمُرْتَهِنَ إحْضَارُ الرَّهْنِ) أَيْ الْمَرْهُونِ (قَبْلَ الْقَضَاءِ) لِلدَّيْنِ (وَلَا بَعْدَهُ بَلْ عَلَيْهِ التَّمْكِينُ) مِنْهُ (كَالْمُودَعِ، وَعَلَى الرَّاهِنِ مُؤْنَةُ إحْضَارِهِ) ، وَلَوْ (لِلْمَبِيعِ) فِي الدَّيْنِ إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ (وَلَوْ رَهَنَ مَعِيبًا، وَحَدَثَ) بِهِ (مَعَ الْمُرْتَهِنِ عَيْبٌ آخَرُ) أَوْ مَاتَ ثُمَّ عَلِمَ بِالْعَيْبِ (لَمْ يَلْزَمْ) الرَّاهِنَ (الْأَرْشُ) لِيَكُونَ مَرْهُونًا (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ فَسْخُ بَيْعٍ شَرَطَ فِيهِ رَهْنَهُ) كَمَا لَوْ جَرَى ذَلِكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، وَهَذِهِ ذَكَرَهَا كَأَصْلِهِ فِي بَابِ الْبُيُوعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا (وَإِنْ رَهَنَ عَبْدَيْنِ، وَسَلَّمَ أَحَدَهُمَا أَوْ مَاتَ أَوْ تَعَيَّبَ) فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ (وَامْتَنَعَ مِنْ تَسْلِيمِ الْآخَرِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُرْتَهِنِ خِيَارٌ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ الْمَشْرُوطِ) فِيهِ الرَّهْنُ (لِتَعَذُّرِ رَدِّهِ عَلَى حَالِهِ) ، وَتَوَقَّفَ فِيهِ الْأَذْرَعِيُّ
(كِتَابُ التَّفْلِيسِ)
هُوَ لُغَةً النِّدَاءُ عَلَى الْمُفْلِسِ وَشَهْرُهُ بِصِفَةِ الْإِفْلَاسِ الْمَأْخُوذِ مِنْ الْفُلُوسِ الَّتِي هِيَ أَخَسُّ الْأَمْوَالِ وَشَرْعًا جَعْلُ الْحَاكِمِ الْمَدْيُونَ مُفْلِسًا، يَمْنَعُهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ
وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَصَحَّحَ الْحَاكِمُ إسْنَادَهُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَجَرَ عَلَى مُعَاذٍ وَبَاعَ مَالَهُ فِي دَيْنٍ كَانَ عَلَيْهِ وَقَسَّمَهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ فَأَصَابَهُمْ خَمْسَةَ أَسْبَاعِ حُقُوقِهِمْ فَقَالَ لَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَيْسَ لَكُمْ إلَّا ذَلِكَ ثُمَّ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ وَقَالَ: لَعَلَّ اللَّهَ يُجْبِرُك وَيُؤَدِّي عَنْك دَيْنَك فَلَمْ يَزَلْ بِالْيَمَنِ حَتَّى تُوُفِّيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» (الْمُفْلِسُ) لُغَةً الْمُعْسِرُ، وَيُقَالُ مَنْ صَارَ مَالُهُ فُلُوسًا، وَ (شَرْعًا مَنْ حُجِرَ عَلَيْهِ لِنَقْصِ مَالِهِ عَنْ دَيْنٍ عَلَيْهِ لِآدَمِيٍّ) بِخِلَافِ دَيْنِ اللَّهِ تَعَالَى، وَتَقْيِيدُهُ بِالْحَجْرِ وَبِدَيْنِ الْآدَمِيِّ مِنْ زِيَادَتِهِ تَبِعَ فِيهِ الْإِسْنَوِيَّ وَرُدَّ بِأَنَّ الْحَجْرَ حُكْمٌ عَلَى الْمُفْلِسِ فَلَا يُؤْخَذُ قَيْدًا فِيهِ وَدَيْنُ اللَّهِ إنَّمَا لَمْ يَحْجِزْ بِهِ إذَا لَمْ يَكُ فَوْرِيًّا كَنَذْرٍ مُطْلَقٍ وَكَفَّارَةٍ لَمْ يَعْصِ بِسَبَبِهَا (وَمَنْ مَاتَ هَكَذَا) أَيْ نَاقِصًا مَالُهُ عَنْ الدَّيْنِ (فَلَهُ حُكْمُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ) بِالْفَلَسِ (فِي الرُّجُوعِ إلَى الْأَعْيَانِ) كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ لِخَبَرِ «أَيُّمَا رَجُلٍ مَاتَ أَوْ أَفْلَسَ فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ أَحَقُّ بِمَتَاعِهِ إذَا وَجَدَهُ بِعَيْنِهِ مَا لَمْ يَخْلُفُ وَفَاءً» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ (بِخِلَافِ غَيْرِهِ) مِمَّنْ مَاتَ وَلَمْ يَنْقُصْ مَالُهُ عَنْ ذَلِكَ فَلَا رُجُوعَ لَهُ لِتَيَسُّرِ أَخْذِ مُقَابِلِ الْعَيْنِ كَمَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ وَلِمَفْهُومِ الْخَبَرِ السَّابِقِ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ الرُّجُوعَ لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الْإِفْلَاسِ بَلْ لَا بُدَّ مَعَهُ مِنْ الْحَجْرِ، أَوْ الْمَوْتِ (وَلَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَنْ نَقَصَ مَالُهُ عَنْ ذَلِكَ (إلَّا الْحَاكِمُ) لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ وَأَمَّا أَصْلُ الْحَجْرِ فَلِأَنَّ فِيهِ مَصْلَحَةً لِلْغُرَمَاءِ فَقَدْ يَخُصُّ بَعْضَهُمْ بِالْوَفَاءِ فَيَضُرُّ الْبَاقِينَ وَقَدْ يَتَصَرَّفُ فِيهِ فَيُضَيِّعُ حَقَّ الْجَمِيعِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَهَلْ يَكْفِي فِي لَفْظِ الْحَجْرِ مَنْعُ التَّصَرُّفِ أَوْ يُعْتَبَرُ أَنْ يَقُولَ حَجَرْت بِالْفَلَسِ إذْ مَنْعُ التَّصَرُّفِ مِنْ أَحْكَامِ الْحَجْرِ فَلَا يَقَعُ بِهِ الْحَجْرُ وَجْهَانِ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَيَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ الْحَجْرُ إذَا وُجِدَتْ شُرُوطُهُ قَالَ: وَقَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا فَلِلْقَاضِي الْحَجْرُ لَيْسَ مُرَادُهُمْ أَنَّهُ مَخْبَرٌ فِيهِ أَيْ بَلْ إنَّهُ جَائِزٌ بَعْدَ امْتِنَاعِهِ قَبْلَ الْإِفْلَاسِ وَهُوَ صَادِقٌ بِالْوَاجِبِ قَالَ السُّبْكِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا تَعَذَّرَ الْبَيْعُ حَالًا، وَإِلَّا فَيَنْبَغِي عَدَمُ وُجُوبِهِ؛ لِأَنَّهُ ضَرَرٌ بِلَا فَائِدَةٍ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ بَلْ لَهُ فَوَائِدُ مِنْهَا الْمَنْعُ مِنْ التَّصَرُّفِ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ، وَالْمَنْعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيمَا عَسَاهُ يَحْدُثُ بِاصْطِيَادٍ وَنَحْوِهِ وَلَا يُحْجَرُ إلَّا (بِدَيْنٍ) لَازِمٍ (حَالٌّ زَائِدٌ عَلَى مَالِهِ) فَلَا حَجْرَ بِالْجَائِزِ كَنُجُومِ الْكِتَابَةِ، وَإِنْ طَلَبَ السَّيِّدُ الْحَجْرَ لِتَمَكُّنِ الْمَدِينِ مِنْ إسْقَاطِهِ وَلَا بِالْمُؤَجَّلِ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
[فَصْلٌ قَبَضَ الْمُرْتَهِنُ الْمَرْهُونَ فِي ظَرْفٍ أَوْ مَلْفُوفًا بِثَوْبٍ]
قَوْلُهُ وَلَا يَلْزَمُ الْمُرْتَهِنَ إحْضَارُ الرَّهْنِ إلَخْ) لَوْ لَمْ يَتَأَتَّ الْبَيْعُ إلَّا بِالْإِحْضَارِ وَلَمْ يَثِقْ الْمُرْتَهِنُ بِالرَّاهِنِ لَمْ يُسَلَّمْ إلَيْهِ بَلْ يَبْعَثُ الْحَاكِمُ مُعْتَمَدًا لِيُحْضِرَهُ وَأُجْرَتُهُ عَلَى الرَّاهِنِ وَلَوْ قَالَ أُرِيدُ أَدَاءَ حَقِّهِ مِنْ ثَمَنِ الْمَرْهُونِ فَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَلْزَمَهُ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى وَإِنْ كَانَ قَادِرًا وَإِذَا بِيعَ وَأَرَادَ الرَّاهِنُ أَدَاءً مِنْ غَيْرِ ثَمَنِهِ فَلَهُ ذَلِكَ وَلَوْ أَرَادَ التَّصَرُّفَ فِيهِ قَبْلَ أَدَائِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَلَوْ شَرَطَ الْمُرْتَهِنُ أَنَّهُ إذَا حَلَّ الدَّيْنُ لَا يَبِيعُهُ أَحَدٌ سِوَاهُ بَطَلَ الرَّهْنُ وَكَذَا لَوْ شَرَطَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ أَنَّهُ لَا يَبِيعُهُ إلَّا الْعَدْلُ أَوْ الْحَاكِمُ
[كِتَابُ التَّفْلِيسِ]
(كِتَابُ التَّفْلِيسِ) (قَوْلُهُ يَمْنَعُهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ) فَإِنَّهُ يُمْتَنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ إلَّا فِي شَيْءٍ تَافِهٍ (قَوْلُهُ وَرُدَّ بِأَنَّ الْحَجْرَ حُكْمٌ عَلَى الْمُفْلِسِ فَلَا يُؤْخَذُ قَيْدًا فِيهِ) يُرَدُّ بِأَنَّ الْمُفْلِسَ شَرْعًا: هُوَ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْفَلَسِ فَمَدْلُولُهُ ذَاتٌ وَقَعَ عَلَيْهَا الْحَجْرُ فَلَا بُدَّ فِي تَحْقِيقِ مَاهِيَّتِه مِنْ ذِكْرِهِ وَقَدْ فَسَّرَهُ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُمْ فَإِنَّهُ مَتَى لَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ فَتَصَرُّفَاتُهُ صَحِيحَةٌ قَطْعًا (قَوْلُهُ: وَدَيْنُ اللَّهِ إنَّمَا لَمْ يَحْجِزْ بِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ فَوْرِيًّا إلَخْ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ لَهُ الْمُطَالَبَةَ بِهِ قَالَ شَيْخُنَا أَيْ وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ (قَوْلُهُ: أَوْ أَفْلَسَ) أَيْ حُجِرَ عَلَيْهِ بِالْفَلَسِ تَعْبِيرًا بِالسَّبَبِ عَنْ الْمُسَبَّبِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَحْجُرُ عَلَيْهِ إلَّا الْحَاكِمُ) شَمِلَ كَلَامُهُ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ (قَوْلُهُ فَلِأَنَّ فِيهِ مَصْلَحَةً لِلْغُرَمَاءِ فَقَدْ إلَخْ) قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَقَضِيَّةُ الْعِلَّةِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَالُهُ مَرْهُونًا امْتَنَعَ الْحَجْرُ وَلَمْ أَرَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْمَالِ رَقِيقٌ وَقُلْنَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ وَإِنْ كَانَ مَرْهُونًا اهـ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ قَدْ يَأْذَنُ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ، أَوْ يَفُكُّ الرَّهْنَ فَيَحْصُلُ الضَّرَرُ نَعَمْ إنْ فَرَضَهُ مَرْهُونًا عِنْدَ كُلِّ الْغُرَمَاءِ اُتُّجِهَ بَعْضَ اتِّجَاهٍ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ أَيْضًا فَإِنَّ بَعْضَ الْغُرَمَاءِ قَدْ يُبْرِئُ مِنْ دَيْنِهِ وَبِتَقْدِيرِ أَنْ لَا يُبْرِئَ فَقَدْ تَكُونُ حِصَّتُهُ مِنْ الْمَرْهُونِ أَكْثَرَ مِنْ دَيْنِهِ فَيَنْفَكُّ الرَّهْنُ عَنْهُ فَيَحْصُلُ الْمَحْذُورُ ع (قَوْلُهُ وَهَلْ يَكْفِي فِي لَفْظِ الْحَجْرِ مَنْعُ التَّصَرُّفِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَجْهَانِ) وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْجُمْهُورِ التَّخْيِيرُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الصِّيغَتَيْنِ وَنَحْوِهَا وَهَذَا كَانْعِقَادِ الْبَيْعِ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ (قَوْلُهُ: وَيَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ الْحَجْرُ إذَا وُجِدَتْ شُرُوطُهُ) شَمِلَ مَا إذَا كَانَ بِسُؤَالِ الْغُرَمَاءِ وَمَا إذَا كَانَ بِسُؤَالِ الْمُفْلِسِ، وَإِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ بِالْجَوَازِ فِي الثَّانِي، وَالْوُجُوبُ مَعْلُومٌ مِنْ الْقَاعِدَةِ الْأُصُولِيَّةِ أَنَّ مَا كَانَ مَمْنُوعًا إذَا جَازَ وَجَبَ (قَوْلُهُ لِتَمَكُّنِ الْمَدِينِ مِنْ إسْقَاطِهِ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُلْحِقَ بِهِ دُيُونَ الْمُعَامَلَةِ لِلسَّيِّدِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا تَسْقُطُ بِتَعْجِيزِهِ نَفْسِهِ كَالنُّجُومِ، وَفِيهِ اخْتِلَافُ تَرْجِيحٍ وَالْأَصَحُّ سُقُوطُهَا بِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute