للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَالْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ انْتَهَى فَيَجِبُ تَقْيِيدُ الْعَيْنِ هُنَا بِمَا إذَا تَمَكَّنَ مِنْ أَدَائِهَا، وَلَمْ يُؤَدِّهَا، وَفِي مَعْنَى الزَّكَاةِ الْكَفَّارَةُ

(فَصْلٌ) فِي كَفَالَةِ الْبَدَنِ، وَتُسَمَّى أَيْضًا كَفَالَةَ الْوَجْهِ (تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِبَدَنِ مَنْ عَلَيْهِ مَالٌ يَصِحُّ ضَمَانُهُ، وَلَوْ جَهِلَ) قَدْرَهُ، أَوْ كَانَ زَكَاةً لِلْحَاجَةِ إلَيْهَا وَاسْتُؤْنِسَ لَهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ} [يوسف: ٦٦] وَخَرَجَ بِمَنْ عَلَيْهِ مَالٌ يَصِحُّ ضَمَانُهُ التَّكَفُّلُ بِبَدَنِ غَيْرِهِ كَالتَّكَفُّلِ بِبَدَنِ مُكَاتَبٍ لِلنُّجُومِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَشْتَرِطْ الْعِلْمَ بِقَدْرِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ تَكَفَّلَ بِالْبَدَنِ لَا بِالْمَالِ، وَقَوْلُهُ: كَأَصْلِهِ مَنْ عَلَيْهِ مَالٌ يُوهِمُ أَنَّ الْكَفَالَةَ لَا تَصِحُّ بِبَدَنِ مَنْ عِنْدَهُ مَالٌ لِغَيْرِهِ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ تَصِحُّ، وَإِنْ كَانَ الْمَالُ أَمَانَةً كَوَدِيعَةٍ كَمَا شَمِلَهُ قَوْلُهُ فِيمَا يَأْتِي: أَوْ اسْتَحَقَّ إحْضَارَهُ وَشَمِلَ كَلَامُهُ مَا صَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ مِنْ صِحَّةِ الْكَفَالَةِ بِبَدَنِ الْمَحْبُوسِ وَالْغَائِبِ وَإِنْ تَعَذَّرَ تَحْصِيلُ الْغَرَضِ مِنْهُمَا حَالًا (أَوْ) بِبَدَنِ مَنْ عَلَيْهِ (عُقُوبَةٌ لِآدَمِيٍّ) كَقِصَاصٍ وَحَدِّ قَذْفٍ لِأَنَّهَا حَقٌّ لَازِمٌ كَالْمَالِ وَلِأَنَّ الْحُضُورَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ (لَا) بِبَدَنِ مَنْ عَلَيْهِ عُقُوبَةٌ (لِلَّهِ) تَعَالَى لِبِنَاءِ حَقِّهِ - تَعَالَى عَلَى الدَّرْءِ، وَتَعْبِيرُهُ بِالْعُقُوبَةِ فِي حَقِّ اللَّهِ - تَعَالَى أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ فِيهِ بِالْحَدِّ لِشُمُولِهِ التَّعْزِيرَ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْمَنْعِ حَيْثُ لَا يَتَحَتَّمُ اسْتِيفَاءُ الْعُقُوبَةِ فَإِنْ تَحَتَّمَ.

وَقُلْنَا: لَا تَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ فَيُشْبِهُ أَنْ يَحْكُمَ بِالصِّحَّةِ (وَالضَّابِطُ) لِصِحَّةِ الْكَفَالَةِ (صِحَّتُهَا) أَيْ وُقُوعِهَا (بِالْإِذْنِ) مِنْ الْمَكْفُولِ مَعَ مَعْرِفَةِ الْكَفِيلِ لَهُ؛ إذْ لَيْسَ لِأَحَدٍ إلْزَامُ غَيْرِهِ بِالْحُضُورِ إلَى الْحَاكِمِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَمَعْرِفَتِهِ بِخِلَافِ الضَّمَانِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ إذْنُ الْمَضْمُونِ عَنْهُ، وَلَا مَعْرِفَتُهُ لِجَوَازِ التَّبَرُّعِ بِأَدَاءِ دَيْنٍ مِنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَمَعْرِفَتِهِ كَمَا مَرَّ، وَيُعْتَبَرُ مَعَ مَا ذُكِرَ مَعْرِفَةُ الْمَكْفُولِ لَهُ نَظِيرُ مَا مَرَّ فِي الْمَضْمُونِ لَهُ كَمَا أَفَادَهُ كَلَامُ الرُّويَانِيِّ، وَإِنَّمَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ (بِمَنْ) أَيْ بِبَدَنِ مَنْ (لَزِمَهُ إجَابَةٌ إلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ أَوْ اسْتَحَقَّ إحْضَارَهُ) إلَيْهِ عِنْدَ الِاسْتِعْدَادِ لِلْحَقِّ (كَدَعْوَى زَوْجِيَّتِهَا) أَيْ كَالْكَفَالَةِ بِبَدَنِ امْرَأَةٍ يَدَّعِي رَجُلٌ زَوْجِيَّتَهَا؛ لِأَنَّ الْإِجَابَةَ إلَى مَا ذُكِرَ لَازِمَةٌ لَهَا، وَلِأَنَّ الْحُضُورَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهَا (وَعَكْسُهُ) أَيْ وَكَالْكَفَالَةِ بِبَدَنِ رَجُلٍ تَدَّعِي امْرَأَةٌ زَوْجِيَّتَهُ لِذَلِكَ، وَهَذِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ (وَكَذَا الْكَفَالَةُ بِهَا) أَيْ بِالْمَرْأَةِ (لِمَنْ ثَبَتَتْ زَوْجِيَّتُهُ) وَكَذَا عَكْسُهُ فِيمَا يَظْهَرُ كَأَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ مُولِيًا (وَ) تَصِحُّ (بِبَدَنِ آبِقٍ) لِمَالِكِهِ (وَأَجِيرٍ) لِمُسْتَأْجَرِهِ لِمَا ذَكَر وَقَيَّدَهُ الْأَصْلُ بِالْعَيْنِ فَإِنْ اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الْمُشْتَرَكِ فَلَيْسَ بِظَاهِرٍ أَوْ عَنْ الْمُبْهَمِ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِلْعِلْمِ بِهِ مِمَّا يَأْتِي (وَ) بِبَدَنِ (مَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ، وَلَوْ أَنْكَرَ) لِمَا ذُكِرَ وَلِأَنَّ مُعْظَمَ الْكَفَالَاتِ إنَّمَا يَقَعُ قَبْلَ ثُبُوتِ الْحَقِّ وَهَذَا يَشْمَلُ بَعْضَ مَنْ تَقَدَّمَ (وَكَذَا) بِبَدَنِ (مَيِّتٍ وَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ) فِي الْأَخِيرَيْنِ (وَالْوَرَثَةِ) فِي الْأَوَّلِ، وَلِأَنَّهُ قَدْ يَسْتَحِقُّ إحْضَارَهُمْ (لِيَشْهَدَ عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى صُورَتِهِمْ إذَا تَحَمَّلَ الشُّهُودُ كَذَلِكَ، وَلَمْ يَعْرِفُوا اسْمَهُمْ وَنَسَبَهُمْ.

وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ فِي الْمَيِّتِ قَبْلَ دَفْنِهِ فَإِنْ دُفِنَ لَمْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ، وَإِنْ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

[فَرْعٌ ضَمِنَ عَنْهُ زَكَاتَهُ]

قَوْلُهُ كَالْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ) قَالَ فِي التَّوَسُّطِ: وَفِي تَشْبِيهِ ضَمَانِ عَيْنِ مَالِ الزَّكَاةِ بِضَمَانِ رَدِّ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ وَنَحْوِهَا نَظَرٌ ظَاهِرٌ بَلْ هُوَ غَلَطٌ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي الرَّوْضَةِ بَعْدَ هَذَا أَنَّ الْعَيْنَ إذَا لَمْ تَكُنْ مَضْمُونَةً عَلَى مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ كَالْوَدِيعَةِ لَا يَصِحُّ ضَمَانُهَا قَطْعًا. اهـ. يُجَابُ بِأَنَّ كَلَامَيْهِمَا لَمْ يَتَوَارَدَا عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ صُورَةَ الْأَوَّلِ صُدُورُ ضَمَانِهَا بَعْدَ تَمَكُّنِهِ مِنْ إخْرَاجِهَا، وَصُورَةُ الثَّانِي قَبْلَ تَمَكُّنِهِ مِنْهُ

[فَصْلٌ فِي كَفَالَةِ الْبَدَنِ]

فَصْلٌ (قَوْلُهُ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِبَدَنِ مَنْ عَلَيْهِ مَالٌ إلَخْ) قَالَ فِي الْخَادِمِ: هَذَا التَّعْبِيرُ قَاصِرٌ فَإِنَّهُ سَيَأْتِي جَوَازُ الْكَفَالَةِ بِالْحُقُوقِ كَالْمَرْأَةِ لِمَنْ يَدَّعِي زَوْجِيَّتَهَا، وَلِهَذَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: الشَّرْطُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمَكْفُولِ بِبَدَنِهِ حَقٌّ تَسْتَحِقُّ الْمُطَالَبَةَ بِهِ سَوَاءٌ أَكَانَ ثَابِتًا فِي الظَّاهِرِ أَمْ لَا وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: لَا تَصِحُّ بِبَدَنِ مَنْ عَلَيْهِ حَقٌّ مَالِيٌّ لِلَّهِ تَعَالَى كَزَكَاةٍ وَكَفَّارَةٍ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ، وَالظَّاهِرُ صِحَّتُهَا إذَا صَحَّ ضَمَانُ ذَلِكَ فِي الذِّمَّةِ. اهـ. وَسَيَأْتِي أَنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ ضَمَانُ الزَّكَاةِ بِإِذْنِ مَنْ هِيَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ الْأَدَاءُ بِإِذْنِهِ (قَوْلُهُ لِلْحَاجَةِ إلَيْهَا) ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى مُعَامَلَةِ الْغَرِيبِ وَلَا يُوثَقُ بِمِلْكِهِ وَيُخَافُ عَدَمُ الظَّفَرِ بِهِ وَلَوْ ظَهَرَ الِاسْتِحْقَاقُ وَلِأَنَّ الْمَبِيعَ إنْ لَمْ يَخْرُجْ مُسْتَحَقًّا فَلَا ضَمَانَ، وَإِنْ خَرَجَ بَانَ وُجُوبُ رَدِّ الثَّمَنِ وَصِحَّةُ الضَّمَانِ، وَلَا جَهَالَةَ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ مَعْلُومٌ فَإِنْ اسْتَحَقَّ بَعْضَهُ فَهُوَ بَعْضُ مَا ضَمِنَهُ فَلَا يَضُرُّ جَهَالَتُهُ كَصِحَّةِ الْبَيْعِ فِيمَا إذَا خَرَجَ بَعْضُ الْمَبِيعِ مُسْتَحَقًّا وَكَتَبَ أَيْضًا وَلِإِطْبَاقِ النَّاسِ عَلَيْهَا فِي الْإِعْصَارِ كَالْمَالِ، وَاحْتَجَّ لَهُ بِالْعَبَّاسِ تَكَفَّلَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَبِي سُفْيَانَ (قَوْلُهُ كَالتَّكَفُّلِ بِبَدَنِ مُكَاتَبٍ لِلنُّجُومِ) أَوْ بِبَدَنِ مَنْ أَخَذَهُ ظَالِمٌ لِيُصَادِرَهُ.

(قَوْلُهُ كَقِصَاصٍ وَحَدِّ قَذْفٍ) مَثَّلَ بِمِثَالَيْنِ لِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ مِمَّا يَدْخُلُهُ الْمَالُ كَالْقِصَاصِ أَوْ لَا كَالْقَذْفِ (قَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ) أَيْ وَغَيْرُهُ وَقَوْلُهُ: وَيُشْبِهُ إلَخْ مَا تَفَقَّهَهُ لَيْسَ بِظَاهِرٍ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَعْلِيلِهِمْ فَيُؤْخَذُ بِإِطْلَاقِهِمْ، وَاسْتُشْكِلَ تَصْوِيرُ الْكَفَالَةِ بِحَدِّ اللَّهِ - تَعَالَى؛ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَهُ يَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ، وَأُجِيبَ بِتَصْوِيرِهِ بِأَنْ يَثْبُتَ عَلَيْهِ حَدُّ الزِّنَا مِثْلًا فِي وَقْتٍ لَا يَجُوزُ اسْتِيفَاؤُهُ فِيهِ كَالْحَرِّ الشَّدِيدِ وَنَحْوِهِ فَيَجِيءُ مَنْ يَتَكَفَّلُ بِبَدَنِهِ لِيَتْرُكَهُ الْحَاكِمُ (قَوْلُهُ كَمَا أَفَادَهُ كَلَامُ الرُّويَانِيِّ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ عِنْدَ الِاسْتِعْدَادِ لِلْحَقِّ) أَيْ لِإِثْبَاتِهِ أَوْ اسْتِيفَائِهِ (قَوْلُهُ وَبِبَدَنِ آبِقٍ وَأَجِيرٍ) أَيْ وَغَائِبٍ، وَمَحَلُّهُ فِي الْمُمْكِنِ حُضُورُهُ فَأَمَّا الْمُنْقَطِعُ الْخَبَرِ فَلَا يَجُوزُ صَرَّحَ بِهِ فِي التَّجْرِيدِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَنْبَغِي تَقْيِيدُ الْجَوَازِ بِمَا إذَا كَانَ دُونَ مَسَافَةِ الْعَدْوَى أَوْ فَوْقَهَا وَلَكِنْ تَكَفَّلَ بِإِحْضَارِهِ إلَى مَكَان يَلْزَمُهُ الْحُضُورُ فِيهِ. اهـ. مَا بَحَثَهُ مَرْدُودٌ (قَوْلُهُ: أَوْ عَنْ الْمُبْهَمِ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ إلَخْ) قَالَ شَيْخُنَا: أَرَادَ بِهِ مُقَابِلَ الْمُبْهَمِ، وَأَتَى بِهِ هُنَا دَفْعًا لِتَوَهُّمِ أَنْ يُرَادَ بِالْمُعَيَّنِ غَيْرُ الْمُشْتَرَكِ فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْمُعَيَّنَ تَحْتَهُ أَمْرَانِ مُعَيَّنٌ خَاصٌّ وَمُشْتَرَكٌ (قَوْلُهُ وَكَذَا بِبَدَنِ مَيِّتٍ) قَالَ فِي الْقُوتِ: الظَّاهِرُ أَنَّ مَحَلَّهُ قَبْلَ الدَّفْنِ، وَعِنْدَ الْأَمْنِ مِنْ التَّغَيُّرِ بِالتَّأْخِيرِ وَعِنْدَ عَدَمِ النَّقْلِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ، وَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَأْذَنَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ فَإِنْ أَذِنَ فَلَا عِبْرَةَ بِإِذْنِهِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي بِلَا نَقْلٍ، وَقَوْلُهُ: قَالَ فِي الْقُوتِ: الظَّاهِرُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>