للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْإِذْنِ) مِنْ الرَّاهِنِ (لِيَكُونَ رَهْنًا بِالْجَمِيعِ) أَيْ مَرْهُونًا بِالدَّيْنِ وَالْفِدَاءِ (جَازَ لِأَنَّهُ مِنْ مَصَالِحِ الرَّهْنِ) لِتَضَمُّنِهِ اسْتِبْقَاءَهُ، وَلِأَنَّ بِالْجِنَايَةِ صَارَ الرَّهْنُ جَائِزًا فَيَكُونُ كَالْبَيْعِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ يُزَادُ فِي الثَّمَنِ وَالْمُثْمَنِ، وَمِثْلُهُ لَوْ أَنْفَقَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الْمَرْهُونِ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ لِعَجْزِ الرَّاهِنِ عَنْ النَّفَقَةِ أَوْ غَيْبَتِهِ لِيَكُونَ مَرْهُونًا بِالدَّيْنِ وَالنَّفَقَةِ كَمَا سَيَأْتِي، وَكَذَا لَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ بِإِذْنِ الْمَالِكِ كَمَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَالرُّويَانِيِّ ثُمَّ قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ إذَا قَدَرَ الْمَالِكُ عَلَى الْإِنْفَاقِ إذْ لَا ضَرُورَةَ بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ، وَسَبَقَهُ إلَى نَحْوِ ذَلِكَ السُّبْكِيُّ وَالْأَوْجَهُ حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى مَا إذَا عَجَزَ (وَإِنْ اعْتَرَفَ) الرَّاهِنُ (أَنَّهُ مَرْهُونٌ بِعِشْرِينَ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ) رَهَنَهُ أَوَّلًا (بِعَشَرَةٍ ثُمَّ عَشَرَةٍ) ، وَتَنَازَعَا (فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ) بِيَمِينِهِ لِأَنَّ اعْتِرَافَ الرَّاهِنِ يُقَوِّي جَانِبَهُ، وَلِأَنَّهُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ (فَإِنْ قَالَ الْمُرْتَهِنُ) فِي جَوَابِهِ (فَسَخْنَا) الْأَوَّلَ (وَارْتَهَنْت) مِنْك (بِالْجَمِيعِ) أَيْ بِالْعِشْرِينَ (صَدَقَ الرَّاهِنُ) بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْفَسْخِ، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ، وَمَيْلُ الصَّيْدَلَانِيِّ إلَى تَصْدِيقِ الْمُرْتَهِنِ لِاعْتِضَادِهِ بِقَوْلِ الرَّاهِنِ رَهَنَ بِعِشْرِينَ، وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ، وَبِهِ جَزَمَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ لَكِنَّ الْأَقْوَى عِنْدَ الرُّويَانِيِّ الثَّانِي، وَهُوَ مَا رَجَّحَهُ السُّبْكِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ، وَغَيْرُهُمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ، وَلَعَلَّ الْبَغَوِيّ بَنَى مَا صَحَّحَهُ عَلَى طَرِيقَتِهِ مِنْ تَصْحِيحِ قَوْلِ مُدَّعِي الْفَسَادِ، وَعَلَّلَ الرُّويَانِيُّ مَا رَجَّحَهُ بِأَنَّ دَعْوَى الرَّاهِنِ أَنَّا عَقَدْنَا ثَانِيًا كَالدَّلِيلِ عَلَى حُصُولِ الْفَسْخِ بَيْنَهُمَا، وَعَضَّدَهُ بِقَوْلِ الْأَصْحَابِ فِي الصَّدَاقِ إنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ ادَّعَتْ عَلَيْهِ أَنَّهُ نَكَحَهَا يَوْمَ الْخَمِيسِ بِأَلْفٍ، وَيَوْمَ السَّبْتِ بِأَلْفٍ، وَطَلَبَتْ أَلْفَيْنِ، وَأَقَامَتْ بَيِّنَةً بِذَلِكَ لَزِمَهُ الْأَلْفَانِ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَنِّي مَا طَلَّقْت بَلْ جَدَّدْت النِّكَاحَ، وَبِمَا لَوْ قَالَ اشْتَرَيْت مِنْك هَذَا يَكُونُ إقْرَارًا بِأَنَّهُ كَانَ لَهُ مِنْ قَبْلُ (فَلَوْ شَهِدَا) أَيْ شَاهِدَانِ (أَنَّهُ رَهَنَ بِأَلْفٍ ثُمَّ بِأَلْفَيْنِ لَمْ تُسْمَعْ) شَهَادَتُهُمَا فَلَا يَحْكُمُ الْحَاكِمُ (حَتَّى يَقُولَا، وَفَسَخَا) أَيْ الْمُتَرَاهِنَانِ.

وَفِي نُسْخَةٍ، وَفَسَخَ (الْأَوَّلُ) ، وَهَذَا رَتَّبَهُ الْبَغَوِيّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخَانِ عَلَى مَا صَحَّحَهُ فِيمَا مَرَّ قَالَ السُّبْكِيُّ، وَغَيْرُهُ وَنَحْنُ قَدْ ضَعَّفْنَا قَوْلَهُ فِيمَا إذَا سَبَقَ إقْرَارُهُ، وَفِي هَذِهِ لَمْ يَسْبِقْ إقْرَارٌ فَلَا وَجْهَ إلَّا تَخْرِيجُهَا عَلَى دَعْوَى الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ فَمَنْ صَدَّقَ مُدَّعِي الْفَسَادِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْبَغَوِيّ يُنَاسِبُهُ التَّوَقُّفُ فِي الْحُكْمِ حَتَّى يُصَرِّحَ الشَّاهِدَانِ بِالْفَسْخِ، وَمَنْ صَدَّقَ مُدَّعِي الصِّحَّةِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ يُنَاسِبُهُ أَنْ يُحْكَمَ هُنَا بِأَنَّهُ رَهَنَ بِأَلْفَيْنِ انْتَهَى، وَقَدْ يُقَالُ فِي قَوْلِهِمْ لَمْ يَسْبِقْ فِي هَذِهِ إقْرَارٌ نُظِرَ.

(فَرْعٌ: وَإِنْ رَهَنَ) شَيْئًا (بِعَشَرَةٍ ثُمَّ بِعَشَرَةٍ) لِيَكُونَ رَهْنًا بِهِمَا (وَأَشْهَدَ) شَاهِدَيْنِ أَنَّهُ مَرْهُونٌ (بِعِشْرِينَ فَشَهِدَا بِالْإِقْرَارِ) أَيْ بِإِقْرَارِهِ (جَازَ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ اتَّجَرَ الْحَالَّ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ فِيمَا إذَا عَرَفَاهُ اعْتَقَدَا جَوَازَهُ أَمْ لَا عَمِلَا بِمَا تَحَمَّلَاهُ (وَإِنْ عَلِمَا الْحَالَّ) بِالْمُشَاهَدَةِ (وَاعْتَقَدَا فَسَادَهُ) وَشَهِدَا بِالْعَقْدِ (لَمْ يَشْهَدَا إلَّا بِالْعَشَرَةِ) أَيْ بِأَنَّهُ مَرْهُونٌ بِعَشَرَةٍ لَا بِعِشْرِينَ، وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ لَمْ يَشْهَدَا إلَّا بِمَا جَرَى بَاطِنًا فَتَصَدَّقَ بِأَنَّهُ رَهَنَ بِعَشَرَةٍ ثُمَّ بِعَشَرَةٍ، وَإِنْ اعْتَقَدَا صِحَّتَهُ بَيَّنَا الْحَالَّ، وَلَيْسَ لَهُمَا أَنْ يَشْهَدَا بِأَنَّهُ مَرْهُونٌ بِعِشْرِينَ لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ إلَى الْحَاكِمِ لَا إلَيْهِمَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَمَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ يُخَالِفُهُ، وَفِي نُسْخَةٍ بَدَلَ مَا ذَكَرَ فَشَهِدَا بِمَا سَمِعَا حُكِمَ بِشَهَادَتِهِمَا، وَإِنْ عَلِمَا الْحَالَّ لَمْ يَشْهَدَا إلَّا بِالْعَشَرَةِ فَإِنْ اعْتَقَدَا جَوَازَهُ بَيَّنَا الْحَالَّ، وَإِنْ شَهِدَا بِالْإِقْرَارِ جَازَ مُطْلَقًا، وَهَذِهِ النُّسْخَةُ، وَإِنْ وَافَقَتْ الْأَصْلَ لَكِنَّهُمَا مَعًا مُوهِمَانِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ بِالْعَقْدِ إذَا سَمِعَ إقْرَارَ الْعَاقِدِ بِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَمُتَعَرِّضَانِ لِجَوَازِ الْحُكْمِ بِمَا سَمِعَهُ الشَّاهِدُ أَنَّ حَالَةَ عَدَمِ عِلْمِهِمَا بِالْحَالِّ، وَهُوَ مَعْلُومٌ مِنْ بَابِهِ مَعَ أَنَّهُمَا لَمْ يَتَكَلَّمَا عَلَيْهِ بِالنِّسْبَةِ لِحَالَةِ عِلْمِهِمَا بِالْحَالِّ بَلْ انْتَقَلَا إلَى بَيَانِ جَوَازِ الشَّهَادَةِ بِالرَّهْنِ، وَعَدَمِ جَوَازِهَا، وَلَعَلَّهُ عَدَلَ عَنْ هَذِهِ النُّسْخَةِ إلَى تِلْكَ لِيَسْلَمَ مِنْ الْإِيهَامِ وَلِيَكُونَ الْكَلَامُ فِي نَوْعٍ وَاحِدٍ مُسْتَوْفًى، وَهُوَ جَوَازُ الشَّهَادَةِ بِالرَّهْنِ، وَعَدَمُ جَوَازِهَا بِهِ عَلَى أَنَّ فِي كَلَامِ الرَّوْضَةِ خَلَلًا يُعْرَفُ بِمُرَاجَعَةِ نُسَخِ الرَّافِعِيِّ الْمُعْتَمَدَةِ (وَلَوْ رَهَنَ الْوَارِثُ التَّرِكَةَ الْمُسْتَغْرِقَةَ) بَلْ وَغَيْرَ الْمُسْتَغْرِقَةِ (لِلدَّيْنِ) الَّذِي عَلَى مَيِّتِهِ (مِنْ غَرِيمِ الْمَيِّتِ بِدَيْنٍ آخَرَ لَمْ يَصِحَّ) كَالْعَبْدِ الْجَانِي، وَتَنْزِيلًا لِلرَّهْنِ الشَّرْعِيِّ مَنْزِلَةَ الرَّهْنِ الْجُعْلِيِّ.

(الرُّكْنُ الثَّالِثُ الصِّيغَةُ وَيُشْتَرَطُ) الْأَوْلَى فَيُشْتَرَطُ (الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ) كَالْبَيْعِ (وَالْقَوْلُ فِي الْمُعَاطَاةِ وَالِاسْتِيجَابِ) مَعَ الْإِيجَابِ، وَالِاسْتِقْبَالِ مَعَ الْقَبُولِ (فِيهِ) أَيْ فِي الرَّهْنِ (كَالْبَيْعِ) وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ وَصُورَةُ الْمُعَاطَاةِ هُنَا أَنْ يَقُولَ أَقْرِضْنِي عَشَرَةً لِأُعْطِيَك ثَوْبِي هَذَا رَهْنًا فَيُعْطِيهِ الْعَشَرَةَ وَيُقَبِّضُهُ الثَّوْبَ ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي.

(وَالرَّهْنُ قِسْمَانِ رَهْنُ تَبَرُّعٍ) ، وَيُسَمَّى رَهْنًا مُبْتَدَأً (وَرَهْنٌ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ وَلِأَنَّ بِالْجِنَايَةِ صَارَ الرَّهْنُ جَائِزًا إلَخْ) وَلِأَنَّ الْأَرْشَ مُتَعَلِّقٌ بِالرَّقَبَةِ مَعَ بَقَاءِ الرَّهْنِ فَإِذَا رَهَنَهَا بِهِ فَقَدْ عَلَّقَ بِهَا مَا كَانَ مُتَعَلِّقًا بِهَا (قَوْلُهُ وَالْأَوْجَهُ حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى مَا إذَا عَجَزَ) قَالَ شَيْخُنَا الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَجْزِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ) قَالَ شَيْخُنَا هُوَ الْأَصَحُّ (قَوْلُهُ وَعَضَّدَهُ بِقَوْلِ الْأَصْحَابِ فِي الصَّدَاقِ إلَخْ) الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَاضِحٌ فَإِنَّ عَدَمَ لُزُومِ صَدَاقٍ بِتَجْدِيدِ النِّكَاحِ مَعَ بَقَائِهِ لَا يَكَادُ يُشْبِهُ عَلَى أَحَدٍ بِخِلَافِ عَدَمِ صِحَّةِ رَهْنِ الْمَرْهُونِ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ بِدَيْنٍ آخَرَ (قَوْلُهُ فَلَوْ شَهِدَ أَنَّهُ رَهَنَ بِأَلْفٍ ثُمَّ بِأَلْفَيْنِ إلَخْ) قَالَ فِي الْأَنْوَارِ نَعَمْ لَوْ قَالَ عِنْدَ الشَّهَادَةِ كَانَ مَرْهُونًا بِعَشَرَةٍ فَجَعَلْته بِعِشْرِينَ وَنَقَلَ الشَّاهِدَانِ مَا سَمِعَا فَهَلْ يَحْكُمُ الْحَاكِمُ الْمُعْتَقِدُ لِعَدَمِ الْإِلْحَاقِ بِأَنَّهُ رَهَنَ بِعِشْرِينَ وَجْهَانِ. اهـ. وَأَصَحُّهُمَا كَمَا قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ إنَّهُ لَا يَجُوزُ

[فَرْعٌ رَهَنَ شَيْئًا بِعَشَرَةٍ ثُمَّ بِعَشَرَةٍ وَأَشْهَدَ أَنَّهُ بِعِشْرِينَ فَشَهِدَا بِالْإِقْرَارِ]

(قَوْلُهُ فَتُصَدَّقُ) أَيْ عِبَارَةُ الْأَصْلِ

(قَوْلُهُ الرُّكْنُ الثَّالِثُ الصِّيغَةُ) لَوْ قَالَ دَفَعْت هَذِهِ وَثِيقَةً بِحَقِّك فَقَالَ قَبِلْت صَحَّ رَهْنًا عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَشَمَلَ إطْلَاقُهُ مَا لَوْ كَانَ مَشْرُوطًا فِي بَيْعٍ فَلَا يُغْنِي شَرْطُهُ عَنْ الصِّيغَةِ (قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ) لِأَنَّهُ عَقْدٌ مَالِيٌّ فَافْتَقَرَ إلَيْهِمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>