مِثْلِيًّا وَتَرَاضَيَا عَلَى أَخْذِ الْقِيمَةِ مَعَ وُجُودِ الْمِثْلِ وَتَقَدَّمَ فِي الصُّلْحِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْهَا بِالتَّرَاضِي لِجَهَالَتِهَا، وَحَمَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ مَا هُنَاكَ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ مَجْهُولَةَ الصِّفَةِ، وَمَا هُنَا عَلَى مَا إذَا كَانَتْ مَعْلُومَتَهَا.
(الْبَابُ الثَّانِي فِي دِيَةِ مَا دُونَ النَّفْسِ) (وَهِيَ) أَيْ الْجِنَايَةُ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ (ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ) جُرْحٌ، وَإِبَانَةُ طَرَفٍ، وَإِزَالَةُ مَنْفَعَةٍ (الْأَوَّلُ الْجُرُوحُ، وَفِي الْمُوضِحَةِ لِلرَّأْسِ) ، وَلَوْ لِلْعَظْمِ النَّاتِئِ خَلْفَ الْأُذُنِ (وَالْوَجْهِ، وَلَوْ تَحْتَ اللَّحْيَيْنِ نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ صَاحِبِهَا فَلِلْكَامِلِ) ، وَهُوَ الْحُرُّ الْمُسْلِمُ الذَّكَرُ غَيْرُ الْجَنِينِ (خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ) لِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ فِي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ (وَفِي الْهَاشِمَةِ) إنْ لَمْ تُوضِحْ، وَلَمْ تَحَوُّجُ إلَيْهِ، وَلَمْ تَسْرِ (مِثْلُهَا) أَيْ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ مَعَ مَا يَأْتِي (فَإِنْ أَوْضَحَتْ أَوْ أَحْوَجَتْ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْإِيضَاحِ (بِشَقٍّ) لِإِخْرَاجِ الْعَظْمِ أَوْ تَقْوِيمِهِ (أَوْ سَرَتْ) إلَيْهِ (فَعَشْرٌ) مِنْ الْإِبِلِ لِمَا رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَوْجَبَ فِي الْهَاشِمَةِ عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ» وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مَوْقُوفًا عَلَى زَيْدٍ وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ أَوْ سَرَتْ مِنْ زِيَادَتِهِ (، وَفِي الْمُنَقِّلَةِ) الْهَاشِمَةُ إنْ لَمْ تُوضِحْ، وَلَمْ تَحَوُّج إلَيْهِ بِشَقٍّ، وَلَمْ تَسْرِ (عَشْرٌ) مِنْ الْإِبِلِ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ مَعَ مَا يَأْتِي (فَإِنْ أَوْضَحَتْ) أَوْ أَحْوَجَتْ إلَيْهِ بِشَقٍّ أَوْ سَرَتْ إلَيْهِ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ (فَخَمْسَةَ عَشْرَ) لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ فِي خَبَرِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَفِي الْمُنَقِّلَةِ خَمْسَةَ عَشْرَ مِنْ الْإِبِلِ (، وَفِي الْمَأْمُومَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ) لِخَبَرِ عَمْرٍو بِذَلِكَ أَيْضًا (وَكَذَا الدَّامِغَةُ) يَجِبُ فِيهَا ثُلُثُ الدِّيَةِ قِيَاسًا عَلَى الْمَأْمُومَةِ قَالَ فِي الْأَصْلِ بَعْدَ أَنْ صَحَّحَ هَذَا، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: فِيهَا ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَحُكُومَةٌ. انْتَهَى. وَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ قِيَاسُ مَا يَأْتِي فِي خَرْقِ الْأَمْعَاءِ فِي الْجَائِفَةِ.
(فَرْعٌ: لَوْ أَوْضَحَ وَاحِدٌ وَهَشَّمَ) فِي مَحَلِّ الْإِيضَاحِ (آخَرَ وَنَقَّلَ) فِيهِ (ثَالِثٌ، وَأَمَّ) فِيهِ (رَابِعٌ فَعَلَى كُلٍّ) مِنْ الثَّلَاثَةِ (خَمْسٌ) مِنْ الْإِبِلِ (وَعَلَى الْآمِّ تَكْمِلَةُ الثُّلُثِ) أَيْ ثُلُثِ الدِّيَةِ وَذَلِكَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ بَعِيرًا وَثُلُثُ بَعِيرٍ (وَيَجِبُ فِيمَا قَبْلَ الْمُوضِحَةِ مِنْ الشِّجَاجِ) كَالدَّامِيَةِ وَالْبَاضِعَةِ وَالْمُتَلَاحِمَةِ (الْأَكْثَرُ مِنْ الْحُكُومَةِ وَالْقِسْطُ مِنْ الْمُوضِحَةِ) إنْ عُلِمَ الْقِسْطُ بِأَنْ عُرِفَتْ نِسْبَةُ الْجِرَاحَةِ مِنْ الْمُوضِحَةِ فِي عُمْقِ اللَّحْمِ مِنْ نِصْفٍ أَوْ ثُلُثٍ أَوْ غَيْرِهِمَا وَذَلِكَ لِوُجُودِ سَبَبِ كُلٍّ مِنْهُمَا فَإِنْ اسْتَوَيَا وَجَبَ أَحَدُهُمَا، وَاعْتِبَارُ الْأَوَّلِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فَإِنْ شَكَكْنَا فِي قَدْرِهَا مِنْ الْمُوضِحَةِ أَوْجَبْنَا الْيَقِينَ (فَإِنْ جُهِلَ) الْقِسْطُ (فَحُكُومَةٌ) أَيْ فَالْوَاجِبُ حُكُومَةٌ (لَا تَبْلُغُ أَرْشَ مُوضِحَةٍ. وَلَا تَقْدِيرَ لِأَرْشِ شِجَاجِ الْبَدَنِ)
، وَهُوَ مَا عَدَا الرَّأْسَ وَالْوَجْهَ؛ لِأَنَّ أَدِلَّةَ مَا مَرَّ فِي الْإِيضَاحِ وَالْهَشْمِ وَالتَّنْقِيلِ لَمْ تَشْمَلْهُ لِاخْتِصَاصِ أَسْمَاءِ الثَّلَاثَةِ بِجِرَاحَةِ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ، وَلَيْسَ غَيْرُهُمَا فِي مَعْنَاهُمَا لِزِيَادَةِ الْخَطَرِ وَالْقُبْحِ فِيهِمَا؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ مُقَدَّرٌ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِي الْبَدَنِ لَأَدَّى إلَى أَنْ يُؤْخَذَ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْعُضْوِ أَكْثَرُ مِمَّا يُؤْخَذُ فِي الْعُضْوِ نَفْسِهِ كَالْأُنْمُلَةِ مَثَلًا (وَلَا) تَقْدِيرَ (لِمُوضِحَتِهِ) أَيْ الْبَدَنِ (كَالْقَفَا) هَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ، وَهُوَ مَحْضُ تَكْرَارٍ مَعَ إيهَامِ أَنَّ الْهَاشِمَةَ وَالْمُنَقِّلَةَ تُخَالِفَانِ الْمُوضِحَةَ فِي ذَلِكَ فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
مَبْنِيًّا عَلَى جَوَازِ الصُّلْحِ عَنْ إبِلِ الدِّيَةِ نَقَلَهُ عَنْهُ الشَّيْخَانِ، وَمَا فِي الْبَيَانِ تَفَقُّهًا مِنْ الْبِنَاءِ صَرَّحَ بِهِ إبْرَاهِيمُ الْمَرْوَزِيِّ فِي تَعْلِيقِهِ (قَوْلُهُ: وَحَمَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَمَا هُنَا عَلَى مَا إذَا كَانَتْ مَعْلُومَتُهَا فَلَهُ يَجُوزُ جَزْمًا) وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْوَسِيطِ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ وَالْمُرَادُ مَا إذَا ضُبِطَتْ بِصِفَاتِ السَّلَمِ الَّتِي يَجُوزُ مَعَهَا بَيْعُ الْمَوْصُوفِ، وَمَحَلُّ مَنْعِ الصُّلْحِ عَلَيْهَا أَمَّا إذَا عُلِمَ سِنُّهَا وَعَدَدُهَا، وَجُهِلَ وَصْفُهَا وَكُتِبَ أَيْضًا عَلَى قَوْلِهِ إذَا كَانَتْ مَعْلُومَتُهَا أَيْ بِأَنْ تَعَيَّنَتْ، وَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ تَعْيِينَهَا لَا يَقْتَضِي أَنَّ الْقِيمَةَ مَأْخُوذَةٌ عَنْ أَعْيَانِهَا، وَإِنْ عُلِمَتْ صِفَاتُهَا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ لَا يَمْلِكُهَا بِالتَّعْيِينِ لِيَكُونَ أَخْذُ الْقِيمَةِ عِوَضًا عَنْهَا إنَّمَا الْقِيمَةُ مَأْخُوذَةٌ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ، وَهُوَ مَجْهُولُ الصِّفَاتِ، وَأَمَّا مَا فِي الْبَيَانِ فَقَدْ أُجِيبَ عَنْهُ بِمَا حَاصِلُهُ الْفَرْقُ بَيْنَ الصُّلْحِ عَنْ إبِلِ الدِّيَةِ وَبَيْنَ التَّرَاضِي بِالْقِيمَةِ بَدَلَهَا بِأَنَّ الصُّلْحَ عَقْدُ اعْتِيَاضٍ فَاعْتُبِرَ فِيهِ الْعِلْمُ بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَالتَّرَاضِي بِقِيمَةِ الْإِبِلِ تَنْزِيلًا لَهَا مَنْزِلَةَ الْمَعْدُومَةِ الَّتِي يُرْجَعُ إلَى قِيمَتِهَا بَدَلَهَا عَلَى الْجَدِيدِ دُونَ تَعَاقُدٍ، وَفِي كَلَامِ الْإِمَامِ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ هَذَا الْفَرْقُ.
[الْبَابُ الثَّانِي فِي دِيَةِ مَا دُونَ النَّفْسِ]
(الْبَابُ الثَّانِي فِي دِيَةِ مَا دُونَ النَّفْسِ) . قَالَ الْفُورَانِيُّ فِي الْإِبَانَةِ لَا يُتَصَوَّرُ أَكْثَرُ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشْرَ دِيَةً فِي شَخْصٍ مَعَ بَقَائِهِ. اهـ. وَفِي التَّلْخِيصِ أَنَّهُ يَجْتَمِعُ فِي الرَّجُلِ تِسْعَ عَشْرَةَ، وَمَا يَجْتَمِعُ فِي الْمَرْأَةِ فَكَالرَّجُلِ إذَا قُلْنَا فِي حَلَمَتَيْ الرَّجُلِ الدِّيَةُ، وَفِي مُقَابَلَةِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ لَهَا الشُّفْرَانِ وَالْإِفْضَاءُ، وَإِنْ قُلْنَا فِي حَلَمَتَيْ الرَّجُلِ الْحُكُومَةُ فَتَزِيدُ الْمَرْأَةُ بِوَاحِدَةٍ، وَهِيَ الْحَلَمَةُ، وَقَوْلُ ابْنِ الرِّفْعَةِ أَنَّهُ يَجْتَمِعُ فِي الرَّجُلِ، وَهُوَ حَيٌّ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ دِيَةً وَسِتَّةٌ وَعِشْرُونَ فِي الْمَرْأَةِ تَسَمُّحٌ، قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ (قَوْلُهُ: وَلَوْ لِلْعَظْمِ النَّاتِئِ خَلْفَ الْأُذُنِ) أَوْ الْعَظْمِ الَّذِي تَحْتَهَا (قَوْلُهُ: وَفِي الْمُنَقِّلَةِ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ إلَخْ) ، وَإِنْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّ الْمُنَقِّلَةَ لَا بُدَّ مِنْ إيضَاحِهَا لِتَنَقُّلِ الْعَظْمِ الَّذِي فِيهَا فَصَارَ الْإِيضَاحُ عَامِدًا إلَى جَانِبِهَا (قَوْلُهُ: وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِيهَا ثُلُثُ الدِّيَةِ وَحُكُومَةٌ) أَيْ لِخَرْقِ الْخَرِيطَةِ، وَقِيلَ فِيهَا الدِّيَةُ؛ لِأَنَّهَا تُذَفِّفُ، وَمُنِعَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: فَعَلَى كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ) ، وَعَلَى الْأُمِّ تَكْمِلَةُ الثُّلُثِ هَذَا إنْ لَمْ يَمُتْ فَإِنْ مَاتَ مِنْ جَمِيعِهَا، وَجَبَتْ دِيَتُهُ عَلَيْهِمْ بِالسَّوِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ لَا يُفَرَّقُ فِيهِ بَيْنَ الْجُرْحِ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ قَالَهُ الْفَارِقِيُّ فِي فَوَائِدِهِ فَلَوْ خَرَقَ آخِرُ خَرِيطَةَ الدِّمَاغِ فَفِي التَّهْذِيبِ أَنَّ عَلَيْهِ دِيَةَ النَّفْسِ كَالْحَزِّ بَعْدَ قَطْعِ غَيْرِهِ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهَذَا عَلَى طَرِيقَةِ مَنْ جَعَلَ الدَّامِغَةَ مُذَفِّفَةً قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَحَكَاهُ ابْنُ سُرَيْجٍ قَالَ شَيْخُنَا قَدْ جَزَمَ فِي الْعُبَابِ بِوُجُوبِ حُكُومَةٍ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ، وَفَرْضُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَمْ يَمُتْ أَوْ مَاتَ بِسَبَبٍ آخَرَ فَإِنْ مَاتَ بِفِعْلِهِمْ، وَجَبَتْ دِيَتُهُ عَلَيْهِمْ بِالسَّوِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَحْضُ تَكْرَارٍ إلَخْ) هُوَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ ذَكَرَهُ لِأَجْلِ قَوْلِهِ وَيُقْتَصُّ فِيهَا وَلِئَلَّا يُتَوَهَّمَ مِنْ جَرَيَانِ الْقِصَاصِ فِيهَا أَنَّ فِيهَا أَرْشًا مُقَدَّرًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute