للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ اعْتِبَارُ مَا فِيهِ مِنْ الْمَعَانِي كَحِرْفَةِ الْعَبْدِ وَعَدْوِ الدَّابَّةِ فَإِنْ لَمْ يَتَأَتَّ اُعْتُبِرَ مَعَ الصُّورَةِ مُرَاعَاةُ الْقِيمَةِ (وَالْقَوْلُ فِي الصِّفَةِ أَوْ الْقِيمَةِ) عِنْدَ الِاخْتِلَافِ فِيهَا (قَوْلُ الْمُسْتَقْرِضِ) بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ غَارِمٌ.

(وَإِنْ قَالَ أَقْرَضْتُك أَلْفًا، وَقَبِلَ) الْمُقْتَرِضُ (وَتَفَرَّقَا ثُمَّ سَلَّمَ إلَيْهِ أَلْفًا) فَإِنْ كَانَ (قَبْلَ طُولِ الْفَصْلِ جَازَ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ قَصَدَ الدَّفْعَ عَنْ الْقَرْضِ (وَإِلَّا فَلَا) يَجُوزُ (وَعَلَّلَهُ فِي الرَّوْضَةِ) تَبَعًا لِلْمُهَذَّبِ (فَقَالَ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْبِنَاءُ مَعَ طُولِ الْفَصْلِ) أَمَّا لَوْ قَالَ أَقْرَضْتُك هَذِهِ الْأَلْفَ مَثَلًا، وَتَفَرَّقَا ثُمَّ سَلَّمَهَا إلَيْهِ فَيَجُوزُ، وَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ (وَلَا كَرَاهَةَ فِي قَبُولِ هَدِيَّةِ الْمُسْتَقْرِضِ) بِغَيْرِ شَرْطٍ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ، وَالتَّنَزُّهُ عَنْهُ أَوْلَى قَبْلَ رَدِّ الْبَدَلِ، وَأَمَّا مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَغَيْرُهُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى الْحُرْمَةِ فَبَعْضُهُ شَرْطٌ فِيهِ أَجَلٌ، وَبَعْضُهُ مَحْمُولٌ عَلَى اشْتِرَاطِ الْهَدِيَّةِ فِي الْعَقْدِ (وَإِنْ قَالَ) لِغَيْرِهِ (خُذْ مِنْ مَا) أَيْ الَّذِي (لِي مَعَ زَيْدٍ) يَعْنِي الَّذِي فِي جِهَتِهِ (أَلْفًا قَرْضًا) فَأَخَذَهَا مِنْهُ (وَهُوَ) أَيْ مَا فِي جِهَةِ زَيْدٍ (دَيْنٌ) عَلَيْهِ (لَمْ يَصِحَّ) قَرْضًا لِأَنَّ الْإِنْسَانَ فِي إزَالَةِ مِلْكِهِ لَا يَصِيرُ وَكِيلًا لِغَيْرِهِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ تَوْكِيلٌ بِقَبْضِ الدَّيْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ قَرْضٍ جَدِيدٍ (أَوْ عَيْنٌ كَوَدِيعَةٍ صَحَّ) قَرْضًا قَالَ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ وَلَوْ قَالَ أَقْرِضْنِي خَمْسَةً، وَأَدِّهَا عَنْ زَكَاتِي جَازَ، وَهَذَا مِنْهُ بِنَاءً عَلَى مَا جَوَّزَهُ مِنْ اتِّحَادِ الْقَابِضِ وَالْمُقْبِضِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ، وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ اقْتَرِضْ لِي مِائَةً، وَلَك عَلَيَّ عَشَرَةٌ فَهُوَ جِعَالَةٌ فَلَوْ أَنَّ الْمَأْمُورَ أَقْرَضَهُ مِائَةً مِنْ مَالِهِ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْعَشَرَةَ، وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ ادْفَعْ مِائَةً قَرْضًا عَلَيَّ إلَى وَكِيلِي فُلَانٍ فَدَفَعَ ثُمَّ مَاتَ الْآمِرُ فَلَيْسَ لِلدَّافِعِ مُطَالَبَةُ الْآخِذِ لِأَنَّ الْآخِذَ لَمْ يَأْخُذْ لِنَفْسِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ وَكِيلٌ عَنْ الْآمِرِ، وَقَدْ انْتَهَتْ وَكَالَتُهُ بِمَوْتِ الْآمِرِ، وَلَيْسَ لِلْآخِذِ الرَّدُّ عَلَيْهِ، وَلَوْ رَدَّ ضَمِنَ لِلْوَرَثَةِ، وَحَقُّ الدَّافِعِ يَتَعَلَّقُ بِتَرِكَةِ الْمَيِّتِ عُمُومًا لَا بِمَا دَفَعَ خُصُوصًا

(الرَّهْنِ) هُوَ لُغَةً الثُّبُوتُ، وَمِنْهُ الْحَالَةُ الرَّاهِنَةُ أَيْ الثَّابِتَةُ، وَقَالَ الْإِمَامُ الِاحْتِبَاسُ، وَمِنْهُ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ، وَشَرْعًا جَعَلَ عَيْنَ مَالٍ، وَثِيقَةً بِدَيْنٍ يَسْتَوْفِي مِنْهَا عِنْدَ تَعَذُّرِ، وَفَائِهِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: ٢٨٣] قَالَ الْقَاضِي مَعْنَاهُ فَارْهَنُوا وَاقْبِضُوا لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ جُعِلَ جَزَاءً لِلشَّرْطِ بِالْفَاءِ فَجَرَى مَجْرَى الْأَمْرِ كَقَوْلِهِ {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: ٩٢] {فَضَرْبَ الرِّقَابِ} [محمد: ٤] ، وَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَهَنَ دِرْعَهُ عِنْدَ يَهُودِيٍّ يُقَالُ لَهُ أَبُو الشَّحْمِ عَلَى ثَلَاثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ لِأَهْلِهِ ثُمَّ قِيلَ إنَّهُ افْتَكَّهُ قَبْلَ مَوْتِهِ» لِخَبَرِ «نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يَقْضِيَ» ، وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ، وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ «لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ تُوُفِّيَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ» ، وَالْخَبَرُ الْأَوَّلُ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ تَنْزِيهًا لَهُمْ، وَقِيلَ عَلَى مَنْ لَمْ يُخْلِفْ وَفَاءَ الْوَثَائِقِ بِالْحُقُوقِ ثَلَاثَةٌ شَهَادَةٌ، وَرَهْنٌ وَضَمَانٌ فَالشَّهَادَةُ لِخَوْفِ الْجَحْدِ، وَالْآخَرَانِ لِخَوْفِ الْإِفْلَاسِ.

(وَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَبْوَابٍ الْأَوَّلُ فِي أَرْكَانِهِ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ الْأَوَّلُ الْمَرْهُونُ، وَلَهُ شَرْطَانِ الْأَوَّلُ كَوْنُهُ عَيْنًا فَلَا يَصِحُّ رَهْنُ مَنْفَعَةٍ) كَسُكْنَى دَارٍ سَنَةً، وَإِنْ كَانَ الْمَرْهُونُ بِهِ حَالًا لِأَنَّهَا تَتْلَفُ كُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا فَلَا يَحْصُلُ بِهَا تَوَثُّقٌ (وَلَا) رَهْنُ (دَيْنٍ) ، وَلَوْ مِمَّنْ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَى تَسْلِيمِهِ، وَالْكَلَامُ فِي إنْشَاءِ الرَّهْنِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ فَلَا يُنَافِي كَوْنَ الْمَرْهُونِ دَيْنًا بِلَا إنْشَاءٍ كَمَا لَوْ جَنَى عَلَيْهِ فَإِنَّ بَدَلَهُ فِي ذِمَّةِ الْجَانِي مَحْكُومٌ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ رَهْنٌ لِامْتِنَاعِ الْإِبْرَاءِ مِنْهُ كَمَا سَيَأْتِي.

(وَيَصِحُّ رَهْنُ الْمَشَاعِ)

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ اعْتِبَارُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ الْمُرَادُ بِالصُّورَةِ أَنْ يَكُونَ عَلَى هَيْئَتِهِ الَّتِي تَخْتَلِفُ بِهَا الْقِيمَةُ وَفِي التَّتِمَّةِ يَرُدُّ عَلَيْهِ مِنْ جِنْسِهِ مَا يَجْمَعُ أَوْصَافَهُ حَتَّى لَا يَفُوتَ شَيْءٌ مِنْ إقْرَاضِهِ فَلَا يَمْتَنِعُ مِنْ الرِّفْقِ. اهـ. وَفِي التَّدْرِيبِ وَيَجِبُ رَدُّ الْمِثْلِ وَلَوْ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ وَلَوْ فِي الْمُتَقَوِّمِ وَالْمُرَادُ عَلَى صِفَتِهِ الَّتِي تَخْتَلِفُ بِهَا الْقِيَمُ حَتَّى لَوْ اقْتَرَضَ عَبْدًا كَاتِبًا رَدَّ مِثْلَهُ

(قَوْلُهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ قَصَدَ الدَّفْعَ عَنْ الْقَرْضِ) عُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْقَرْضَ لَا يَجِبُ إيرَادُهُ عَلَى مُعَيَّنٍ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى مَوْصُوفٍ ثُمَّ يُعَيَّنُ.

(فَرْعٌ) لَوْ اسْتَقْرَضَ حِنْطَةً مِنْ آخَرَ فَأَجَازَ الْمُقْرِضُ الْآخِذَ مِنْ مَطْمُورَةٍ أَوْ كَنْدُوجٍ مُعَيَّنٍ فَأَخَذَ وَاخْتَلَفَا فِي الْقَدْرِ صُدِّقَ الْقَابِضُ بِيَمِينِهِ وَلَوْ رَدَّهَا إلَيْهِ بِإِذْنِ الْمُقْرِضِ وَهُنَاكَ حَافِظٌ لَهُ بَرِئَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَمْ يَبْرَأْ وَلَوْ تَلِفَتْ تَلِفَتْ مِنْ ضَمَانِهِ وَلَوْ كَانَتْ وَدِيعَةً أَوْ غَصْبًا وَرَدَّهَا بِإِذْنِهِ بَرِئَ وَلَوْ دَفَعَ أَلْفًا إلَى آخَرَ ثُمَّ قَالَ الْآخِذُ كَانَتْ وَدِيعَةً فَهَلَكَتْ وَقَالَ الدَّافِعُ بَلْ قَرْضًا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ (قَوْلُهُ فَلَيْسَ لِلدَّافِعِ مُطَالَبَةُ الْآخِذِ إلَخْ) الْمَذْهَبُ أَنَّ لَهُ مُطَالَبَتَهُ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ

[كِتَابُ الرَّهْنِ]

(قَوْلُهُ رَهِينَةٌ) أَيْ مَحْبُوسَةٌ فِي الْقَبْرِ غَيْرُ مُنْبَسِطَةٍ مَعَ الْأَرْوَاحِ فِي عَالَمِ الْبَرْزَخِ وَفِي الْآخِرَةِ مَعُوقَةٌ عَنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ (قَوْلُهُ جَعْلُ عَيْنِ مَالٍ) أَيْ مُتَمَوِّلَةٍ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مَصْدَرُ) أَيْ مُفْرَدُهُ (قَوْلُهُ «رَهَنَ دِرْعَهُ عِنْدَ يَهُودِيٍّ» إلَخْ) رَهَنَهُ عِنْدَ الْيَهُودِيِّ لِبَيَانِ جَوَازِ مُعَامَلَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَقِيلَ خَشْيَةً مِنْ بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ الشَّرِيفَةِ لَوْ عَامَلَ أَصْحَابَهُ وَمَعْنَى مُعَلَّقَةٌ مَحْبُوسَةٌ فِي الْقَبْرِ غَيْرُ مُنْبَسِطَةٍ مَعَ الْأَرْوَاحِ فِي عَالَمِ الْبَرْزَخِ وَفِي الْآخِرَةِ مَعُوقَةٌ عَنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ حَتَّى يُوَفَّى عَنْهُ

[الْبَاب الْأَوَّل أَرْكَان الرَّهْن]

(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَى تَسْلِيمِهِ) لِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يَلْزَمُ إلَّا بِقَبْضِ الْمُرْتَهِنِ وَقَبْضُهُ هُنَا لَا يُصَادِفُ مَا تَنَاوَلَهُ الْعَقْدُ لِأَنَّهُ فَرْعٌ عَنْ أَخْذِهِ لَهُ وَإِذَا أَخَذَهُ خَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ دَيْنًا (قَوْلُهُ فَلَا يُنَافِي كَوْنُ الْمَرْهُونِ دَيْنًا وَمَنْفَعَةً) كَمَنْ مَاتَ عَنْهَا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَوْ ضَمِنَ عَبْدَهُ بِصَدَاقٍ فِي ذِمَّتِهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ لَمْ يَصِحَّ رَهْنُهُ بِهِ لِاتِّحَادِ الْوَثِيقَةِ وَالْمَوْثُوقِ فِيهِ (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ جَنَى عَلَيْهِ إلَخْ) وَمَا إذَا مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَخَلَفَ دَيْنًا

(قَوْلُهُ وَيَصِحُّ رَهْنُ الْمَشَاعِ إلَخْ) قَالَ فِي الْمَيْدَانِ وَجُمْلَةُ مَا أَقُولُهُ فِي رَهْنِ الْمَشَاعِ وَقِسْمَتِهِ إنَّهُ إمَّا أَنْ يَصْدُرَ مِنْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَوْ مِنْهُمَا وَإِذَا صَدَرَ مِنْ أَحَدِهِمَا فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِإِذْنِ الْآخَرِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَفِي الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ تَجُوزُ الْقِسْمَةُ حَيْثُ نَقُولُ إنَّهَا إفْرَازٌ وَلَمْ يَحْصُلْ بِهَا نَقْصٌ فَإِنْ حَصَلَ بِهَا نَقْصٌ وَرَضِيَ بِهَا الْمُرْتَهِنُ جَازَتْ وَإِلَّا فَاتَ طَلَبَهَا الرَّاهِنُ أَوْ الشَّرِيكُ الْآخَرُ بَعْدَ رِضَاهُ بِالرَّهْنِ فَلَا يُجَابُ وَإِلَّا فَيُجَابُ وَأَمَّا إذَا قُلْنَا إنَّهَا بَيْعٌ فَإِنْ طَلَبَهَا الشَّرِيكُ الَّذِي لَمْ يَرْهَنْ وَلَمْ يَرْضَ بِرَهْنِ شَرِيكِهِ أُجِيبَ وَإِنْ طَلَبَهَا الرَّاهِنُ أَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>