للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ؛ وَلِأَنَّ الْإِعَارَةَ بِرٌّ، وَمَكْرُمَةٌ فَلَوْ لَمْ تُجْعَلْ الْمُؤْنَةُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ لَامْتَنَعَ النَّاسُ مِنْهَا، وَخَرَجَ بِمُؤْنَةِ الرَّدِّ مُؤْنَةُ الْعَارِيَّةِ فَتَلْزَمُ الْمَالِكَ لَا الْمُسْتَعِيرَ؛ لِأَنَّهَا مِنْ حُقُوقِ الْمِلْكِ جَزَمَ بِذَلِكَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَاقْتَضَاهُ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَعَرْتُك دَابَّتِي لِتَعْلِفَهَا كَانَ إجَارَةً فَاسِدَةً (وَإِنَّمَا يَبْرَأُ) مِنْ ضَمَانِهَا (بِالرَّدِّ) لَهَا (إلَى الْمَالِكِ أَوْ وَكِيلِهِ) فِيهِ أَوْ الْحَاكِمِ عِنْدَ غَيْبَتِهِ أَوْ حَجْرِهِ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ أَوْ فَلَسٍ فَلَوْ رَدَّ الدَّابَّةَ لِلْإِصْطَبْلِ أَوْ الثَّوْبَ وَنَحْوَهُ لِلْبَيْتِ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْهُ لَمْ يَبْرَأْ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ بِهِ الْمَالِكُ أَوْ يُخْبِرَهُ بِهِ ثِقَةٌ، كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي هُنَا وَنَقَلَهُ عَنْهُ الْأَصْلُ فِي بَابِ الْغَصْبِ وَأَقَرَّهُ، وَكَذَا (لَا) يَبْرَأُ بِالرَّدِّ إلَى (وَلَدِهِ وَزَوْجَتِهِ) ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمَالِكَ أَوْ وَكِيلَهُ (بَلْ يَضْمَنَانِ) بِالرَّدِّ إلَيْهِمَا لِعَدَمِ إذْنِ الْمَالِكِ (فَإِنْ أَرْسَلَاهَا الْمَرْعَى وَتَلِفَتْ فَالْقَرَارُ عَلَيْهِمَا) لِحُصُولِ التَّلَفِ فِي يَدِهِمَا حَتَّى لَوْ غَرِمَا لَمْ يَرْجِعَا عَلَى الْمُسْتَعِيرِ، وَلَوْ غَرِمَ الْمُسْتَعِيرُ رَجَعَ عَلَيْهِمَا.

(وَلَوْ اسْتَعَارَ مِنْ مُسْتَأْجِرٍ) أَوْ نَحْوِهِ كَمُوصًى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ فَتَلِفَتْ الْعَيْنُ (لَمْ يَضْمَنْ) ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْهُ، وَهُوَ أَمِينٌ؛ وَلِأَنَّ هَذَا الِانْتِفَاعَ مُسْتَحَقٌّ عَلَى الْمَالِكِ فَأَشْبَهَ انْتِفَاعَ الْمُسْتَأْجِرِ بِخِلَافِ الْمُسْتَعِيرِ مِنْ مُسْتَأْجِرٍ إجَارَةً فَاسِدَةً؛ لِأَنَّ مُعِيرَهُ ضَامِنٌ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْبَغَوِيّ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ فِعْلُ مَا لَيْسَ لَهُ قَالَ وَالْقَرَارُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ وَلَا يُقَالُ حُكْمُ الْفَاسِدَةِ حُكْمُ الصَّحِيحَةِ فِي كُلِّ مَا تَقْتَضِيهِ بَلْ فِي سُقُوطِ الضَّمَانِ بِمَا تَنَاوَلَهُ الْإِذْنُ لَا بِمَا اقْتَضَاهُ حُكْمُهَا (وَعَلَيْهِ الْمُؤْنَةُ) لِلرَّدِّ (إنْ رَدَّ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ) كَمَا فِي سَائِرِ الْعَوَارِيِّ (وَتَجِبُ) الْمُؤْنَةُ (عَلَى الْمَالِكِ إنْ رُدَّ إلَيْهِ) كَمَا لَوْ رَدَّ عَلَيْهِ الْمُسْتَأْجِرُ.

(فَرْعٌ: عَلَى الْمُسْتَعِيرِ) لِلْعَيْنِ (مِنْ الْغَاصِبِ) إنْ تَلِفَتْ فِي يَدِهِ (قَرَارُ ضَمَانِ قِيمَتِهَا يَوْمَ التَّلَفِ، وَكَذَا قَرَارُ) بَدَلِ (مَنَافِعَ اسْتَوْفَاهَا) لِمُبَاشَرَتِهِ إتْلَافَهَا (وَلَا يَضْمَنُ زِيَادَةً) كَانَتْ (فِي يَدِ الْمُعِيرِ) لَهُ (وَلَا فِي يَدِهِ إنْ تَلِفَتْ بِنَفْسِهَا) قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ التَّالِفَةَ فِي يَدِهِ أَصْلًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَضْمَنُهَا لَكِنَّ قَرَارَ ضَمَانِهَا عَلَى الْمُعِيرِ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمُسْتَعِيرِ فِي الْمَنَافِعِ لَيْسَتْ يَدَ ضَمَانٍ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ (وَإِنْ اسْتَعَارَ مِنْ مُسْتَأْجِرٍ مِنْ غَاصِبٍ ضَمِنَ وَرَجَعَ) بِمَا غَرِمَهُ (عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ، وَيَرْجِعُ الْمُسْتَأْجِرُ عَلَى الْغَاصِبِ) .

[فَرْعٌ أَرْكَبَ مَالِكُ دَابَّةٍ دَابَّتَهُ وَكِيلَهُ فِي حَاجَتِهِ وَتَلِفَتْ فِي يَدِهِ بِلَا تَفْرِيطٍ]

(فَرْعٌ: لَوْ أَرْكَبَ) مَالِكُ دَابَّةٍ (دَابَّتَهُ وَكِيلَهُ) فِي حَاجَتِهِ (أَوْ حَافِظَ مَتَاعِهِ) الَّذِي (عَلَيْهَا أَوْ الرَّائِضَ) لِيُرَوِّضَهَا أَيْ يُعَلِّمَهَا السَّيْرَ (وَتَلِفَتْ) فِي يَدِهِ (بِلَا تَفْرِيطٍ لَمْ يَضْمَنْ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْكَبْهَا إلَّا لِغَرَضِ الْمَالِكِ (أَوْ) أَرْكَبَهَا (مُنْقَطِعًا) فِي الطَّرِيقِ تَقَرُّبًا (لِلَّهِ تَعَالَى) فَتَلِفَتْ (ضَمِنَ) سَوَاءٌ الْتَمَسَ الرَّاكِبُ أَمْ ابْتَدَأَهُ الْمُرْكِبُ كَسَائِرِ الْعَوَارِيِّ وَالتَّصْرِيحُ بِلِلَّهِ تَعَالَى مِنْ زِيَادَتِهِ (وَإِنْ أَرْدَفَهُ) أَيْ أَرْكَبهُ مَعَهُ عَلَيْهَا فَتَلِفَتْ بِغَيْرِ الرُّكُوبِ (فَنِصْفُ الضَّمَانِ) عَلَى الرَّدِيفِ (وَإِنْ وَضَعَ مَتَاعَهُ عَلَى دَابَّةِ رَجُلٍ، وَقَالَ) لَهُ (سَيِّرْهَا فَفَعَلَ فَتَلِفَتْ) بِغَيْرِ الْوَضْعِ (ضَمِنَهَا) كَسَائِرِ الْعَوَارِيِّ (وَإِنْ كَانَ عَلَيْهَا مَتَاعٌ لِغَيْرِهِ) فَتَلِفَتْ بِذَلِكَ (ضَمِنَ مِنْهَا قِسْطَ مَتَاعِهِ) أَيْ بِقِسْطِهِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَعِيرٌ مِنْهَا بِقِسْطِهِ مِمَّا (عَلَيْهَا) حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَيْهَا مِثْلُ مَتَاعِهِ ضَمِنَ نِصْفَهَا (وَإِنْ سَيَّرَهَا) مَالِكُهَا (بِغَيْرِ أَمْرِهِ) أَيْ الْوَاضِعِ فَتَلِفَتْ (لَمْ يَضْمَنْ الْوَاضِعُ) ؛ لِأَنَّهَا تَحْتَ يَدِ مَالِكِهَا (بَلْ يَضْمَنُ الْمَالِكُ مَتَاعَهُ إذْ لَهُ طَرْحُهُ عَنْهَا، وَإِنْ حَمَلَ صَاحِبُ الدَّابَّةِ مَتَاعَك) فَإِنْ كَانَ (بِسُؤَالِك فَهُوَ مُعِيرٌ) لَك كُلَّ الدَّابَّةِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا شَيْءٌ، وَإِلَّا فَبِقَدْرِ مَتَاعِك (أَوْ بِسُؤَالِهِ فَهُوَ وَدِيعٌ) أَوْ مُسْتَوْدَعٌ مَتَاعَك، وَلَا تَدْخُلُ الدَّابَّةُ فِي ضَمَانِك.

قَالَ السُّبْكِيُّ وَلَك أَنْ تَقُولَ لِمَ جَعَلَ ذَلِكَ مَعَ سُؤَالِك عَارِيَّةً، وَمَعَ سُؤَالِهِ وَدِيعَةً مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَصِحُّ بِالِاسْتِيجَابِ وَالْإِيجَابِ وَلَمْ نَجِدْ مَا يُمَيِّزُ أَحَدَهُمَا عَنْ الْآخَرِ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْغَرَضُ فِي الِانْتِفَاعِ فِي تِلْكَ لِصَاحِبِ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ: جَزَمَ بِذَلِكَ الْمَاوَرْدِيُّ إلَخْ) وَنَقَلَهُ النَّوَوِيُّ فِي نُكَتِ التَّنْبِيهِ، وَأَقَرَّهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكِفَايَةِ وَصَوَّبَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا يَبْرَأُ بِالرَّدِّ إلَى الْمَالِكِ أَوْ وَكِيلِهِ) لَوْ اسْتَعَارَ مُصْحَفًا أَوْ عَبْدًا مُسْلِمًا مِنْ مُسْلِمٍ ثُمَّ ارْتَدَّ وَطَلَبَهُ لَمْ يَجُزْ رَدُّهُ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَنَقَلَهُ عَنْهُ الْأَصْلُ فِي بَابِ الْغَصْبِ) ، وَأَقَرَّهُ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ.

ثُمَّ (قَوْلُهُ: أَوْ نَحْوِهِ كَمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ) أَيْ وَمَوْقُوفٍ عَلَيْهِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ: وَالضَّابِطُ لِذَلِكَ أَنْ تَكُونَ الْمَنْفَعَةُ مُسْتَحَقَّةً لِشَخْصٍ اسْتِحْقَاقًا لَازِمًا وَلَيْسَتْ الرَّقَبَةُ لَهُ فَإِذَا أَعَارَ لَا يَضْمَنُ الْمُسْتَعِيرُ مِنْهُ، وَعَلَى هَذَا فَلَوْ أَصْدَقَ زَوْجَتَهُ مَنْفَعَةً أَوْ جَعَلَهَا رَأْسَ مَالِ سَلَمٍ فَفِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ، وَأَنْظَارِهَا إذَا أَعَارَ مُسْتَحِقُّ الْمَنْفَعَةِ شَخْصًا فَتَلِفَ تَحْتَ يَدِهِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ يَجِبُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِمَالِكِ الْمَنْفَعَةِ فَقَطْ الْإِعَارَةُ إلَّا مِمَّنْ يَجُوزُ إيدَاعُ تِلْكَ الْعَيْنِ عِنْدَهُ وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ وَلَمْ أَرَهُ نَصًّا (قَوْلُهُ: كَمَا جَزَمَ بِهِ الْبَغَوِيّ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَتَجِبُ الْمُؤْنَةُ عَلَى الْمَالِكِ إنْ رَدَّ إلَيْهِ) كَمَا لَوْ رَدَّ عَلَيْهِ الْمُسْتَأْجِرُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا حَيْثُ تَكُونُ مُؤْنَةُ الرَّدِّ مِنْ عِنْدِهِ كَهِيَ مِنْ عِنْدِ الْمُسْتَأْجِرِ أَمَّا لَوْ أَجَّرَهُ شَيْئًا لِيَنْتَفِعَ بِهِ فِي مَنْزِلِهِ، وَهُوَ جَارُ الْمُؤَجِّرِ فِي وَسَطِ الْبَلَدِ فَأَجَّرَهُ لِآخَرَ فِي طَرَفِ الْبَلَدِ فَفِيهِ نَظَرٌ فَتَأَمَّلْهُ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ لَا مَعْنَى لِلتَّوَقُّفِ فِي هَذَا وَالِاعْتِبَارُ بِمَوْضِعِ الْعَقْدِ فَعَلَى هَذَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ فِي الزَّائِدِ عَنْهَا عَلَى الْمُسْتَعِيرِ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي الصَّدَاقِ إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِبَغْدَادَ

[فَرْعٌ الْمُسْتَعِيرِ لِلْعَيْنِ مِنْ الْغَاصِبِ إنْ تَلِفَتْ فِي يَدِهِ]

(قَوْلُهُ: أَوْ الرَّائِضَ وَتَلِفَتْ بِلَا تَفْرِيطٍ لَمْ يَضْمَنْ) هَذَا إذَا رَكِبَهَا فِي الرِّيَاضَةِ فَإِنْ رَكِبَهَا فِي غَيْرِهَا فَتَلِفَتْ ضَمِنَهَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ قَالَ: وَهَكَذَا لَوْ دَفَعَ غُلَامَهُ لِيُعَلِّمَهُ حِرْفَةً فَاسْتَعْمَلَهُ فِيهَا لَمْ يَضْمَنْهُ أَوْ فِي غَيْرِهَا ضَمِنَهُ (قَوْلُهُ: كَسَائِرِ الْعَوَارِيّ) كَأَنْ اسْتَعَارَ ثَوْرَيْنِ وَاسْتَعَانَ بِمَالِكِهِمَا يَحْرُثُ عَلَيْهِمَا وَكَأَنْ رَكِبَ الدَّابَّةَ وَمَالِكُهَا يَسُوقُهَا أَوْ يَقُودُهَا.

(فَرْعٌ) قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ أَعْطِ فَرَسَك لِفُلَانٍ لِيَجِيءَ مَعِي فِي شُغْلِي فَهُوَ مُسْتَعِيرٌ، وَإِنْ قَالَ لِيَجِيءَ مَعِي فِي شُغْلِهِ فَالرَّاكِبُ مُسْتَعِيرٌ إنْ كَانَ الْقَائِلُ صَادِقًا وَقَدْ أَذِنَ لَهُ أَنْ يَسْتَعِيرَ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْوَكِيلِ كَالْوَكِيلِ فِي السَّوْمِ، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَالْمُسْتَعِيرُ الْمُلْتَمِسُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا ضَمِنَا وَالْقَرَارُ عَلَى الرَّاكِبِ، وَإِنْ أَطْلَقَ وَلَمْ يُضْفِ الشُّغْلَ لِأَحَدٍ فَإِنْ كَانَ الشُّغْلُ لَهُ فَهُوَ الْمُسْتَعِيرُ أَوْ لِلرَّاكِبِ وَبِإِذْنِهِ فَالرَّاكِبُ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ ضَمِنَا، وَالْقَرَارُ عَلَى الرَّاكِبِ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُقَالَ الْغَرَضُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>