للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(الْبَابُ الثَّالِثُ فِي مُسْتَنَدِ عِلْمِ الشَّاهِدِ) وَحُكْمِ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ وَأَدَائِهَا

(وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَطْرَافٍ الْأَوَّلُ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَى الْأَبْصَارِ) وَمَبْنَى الشَّهَادَةِ عَلَى الْيَقِينِ قَالَ تَعَالَى {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: ٣٦] وَقَالَ تَعَالَى {إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: ٨٦] وَتَقَدَّمَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ عَلَى مِثْلِ هَذَا فَاشْهَدْ أَوْ دَعْ» وَقَدْ يَتَعَذَّرُ الْيَقِينُ فِي مَوَاضِعَ فَيَكْفِي الظَّنُّ الْمُؤَكَّدُ كَمَا سَيَأْتِي وَقَدْ قَسَّمُوا الْمَشْهُودَ بِهِ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ أَحَدُهَا مَا يَكْفِي فِيهِ السَّمَاعُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْإِبْصَارُ وَمَحِلُّ بَيَانِهِ الطَّرَفُ الثَّانِي ثَانِيهِمَا مَا يَكْفِي فِيهِ الْإِبْصَارُ (فَقَطْ وَهُوَ الْأَفْعَالُ) وَمَا فِي مَعْنَاهَا (كَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالْغَصْبِ وَالْإِتْلَافِ وَالْوِلَادَةِ وَالرَّضَاعِ وَالِاصْطِيَادِ وَالْإِحْيَاءِ وَ) كَوْنِ (الْيَدِ عَلَى الْمَالِ فَيُشْتَرَطُ فِيهَا الرُّؤْيَةُ) الْمُتَعَلِّقَةُ بِهَا وَبِفَاعِلِهَا (وَلَا يَكْفِي) فِيهَا (السَّمَاعُ) مِنْ الْغَيْرِ لَكِنَّهُ مُعْتَرَضٌ فِي كَوْنِ الْيَدِ عَلَى الْمَالِ إذْ يَكْفِي فِيهِ الِاسْتِفَاضَةُ كَمَا سَيَأْتِي وَقَدْ نَقَلَ الْأَصْلُ ثَمَّ الِاكْتِفَاءُ بِهَا وَأَبْدَى مَا جَزَمَ بِهِ هُنَا بَحْثًا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَالِاكْتِفَاءُ بِهَا هُوَ الصَّوَابُ فَقَدْ نَقَلَهُ الْجُورِيُّ عَنْ النَّصِّ وَقَالَ إنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَإِنْ اُخْتُلِفَ فِي ثُبُوتِ الْمِلْكِ بِهَا (وَيَشْهَدُ بِهَا الْأَصَمُّ) لِإِبْصَارِهِ.

(الثَّانِي) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ الطَّرَفُ الثَّانِي وَلَيْسَ مُرَادًا فَإِنَّهُ مَذْكُورٌ بَعْدُ وَإِنَّمَا هَذَا ثَالِثُ الْأَقْسَامِ الَّتِي ذَكَرْتهَا وَهِيَ مَذْكُورَةٌ فِي الْأَصْلِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ وَقَدْ حَذَفَ هُوَ بَعْضَهَا فَحَصَلَ بِهِ خَلَلٌ فِي تَعْبِيرِهِ الَّذِي لَزِمَ مِنْهُ ذَلِكَ مَعَ ذِكْرِ فَقَطْ فِي غَيْرِ مَحِلِّهَا كَمَا عَرَفْت فَكَانَ حَقُّهُ ذِكْرَ الْأَقْسَامِ كَمَا ذَكَرَهَا الْأَصْلُ وَبِالْجُمْلَةِ ثَالِثُهَا (مَا يَحْتَاجُ إلَى السَّمْعِ وَالْبَصَرِ) مَعًا (كَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْبَيْعِ وَسَائِرِ الْأَقْوَالِ) كَالْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ وَالْأَقَارِيرِ (فَلَا بُدَّ) فِيهَا (مِنْ سَمَاعٍ وَمُشَاهَدَةٍ وَلَا تُقْبَلُ فِيهَا شَهَادَةُ الْأَصَمِّ) الَّذِي لَا يَسْمَعُ شَيْئًا (وَ) لَا شَهَادَةُ (الْأَعْمَى) اعْتِمَادًا عَلَى الصَّوْتِ لِأَنَّ الْأَصْوَاتَ تَتَشَابَهُ وَيَتَطَرَّقُ إلَيْهَا التَّلْبِيسُ مَعَ أَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ لِشَهَادَتِهِ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

[الْبَابُ الثَّالِثُ فِي مستند عِلْم الشَّاهِدِ وَحُكْمِ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ وَأَدَائِهَا]

الْبَابُ الثَّالِثُ فِي مُسْتَنِدِ عِلْمِ الشَّاهِدِ) (قَوْلُهُ وَمَبْنَى الشَّهَادَةِ عَلَى الْيَقِينِ) لِأَنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْمُشَاهَدَةِ الَّتِي هِيَ أَقْوَى الْحَوَاسِّ إدْرَاكًا (قَوْلُهُ قَالَ تَعَالَى {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: ٣٦] قَالَ فِي الْحَاوِي فِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَشْهَدُ بِمَا عَلِمَهُ بِسَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَفُؤَادِهِ فَالسَّمْعُ لِلْأَصْوَاتِ وَالْبَصَرُ لِلْمَرْئِيَّاتِ وَالْفُؤَادُ لِلْمَعْلُومَاتِ (قَوْلُهُ وَلَا يَكْفِي فِيهَا السَّمَاعُ مِنْ الْغَيْرِ) لِأَنَّهُ يَصِلُ بِهَا الْعِلْمُ مِنْ أَقْصَى جِهَاتِهِ وَمَا أَمْكَنَ فِيهِ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُعْدَلَ عَنْهُ إلَى الْأَضْعَفِ وَكَتَبَ أَيْضًا لِأَنَّ مَا أَمْكَنَ إدْرَاكُهُ بِالْحَوَاسِّ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُعْمَلَ فِيهِ بِالِاسْتِدْلَالِ الْمُقْتَضِي لِغَلَبَةِ الظَّنِّ وَاقْتَضَى كَلَامُ الْمُصَنِّفِ جَوَازَ النَّظَرِ فِي الزِّنَا لِتَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ أَمَّا لَوْ رَأَوْهُ اتِّفَاقًا لَا عَنْ قَصْدٍ فَتُقْبَلُ قَطْعًا وَإِنْ رَأَوْهُ عَبَثًا عَصَوْا وَمَعَ ذَلِكَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ (قَوْلُهُ إذْ يَكْفِي الِاسْتِفَاضَةُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ مَا يَحْتَاجُ إلَى السَّمْعِ وَالْبَصَرِ مَعًا كَالنِّكَاحِ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ يَحْتَاجُ إلَى شَرْطٍ ثَالِثٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدَانِ عَارِفَيْنِ بِاللُّغَةِ الَّتِي يُعْقَدُ بِهَا النِّكَاحُ عَلَى الصَّحِيحِ فَإِنْ قِيلَ هَذَا شَرْطٌ لِانْعِقَادِ النِّكَاحِ وَالْكَلَامُ فِي شَرْطِ الْأَدَاءِ فِي الْأَقْوَالِ قُلْنَا أَدَاءُ الشَّهَادَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى صِحَّةِ التَّحَمُّلِ وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ لَا يَصِحُّ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ. اهـ.

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لَوْ حَالَ بَيْنَهُمَا ثَوْبٌ خَفِيفٌ يَشِفُّ فَفِي جَوَازِ شَهَادَتِهِ وَجْهَانِ وَمُقْتَضَى مَا رَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي جَوَازِ نِقَابِ الْمَرْأَةِ الْجَوَازُ وَاعْلَمْ أَنَّ مَا شَرَطُوهُ مِنْ السَّمْعِ وَالْإِبْصَارِ وَإِنْ تَحَقَّقَ بِدُونِ ذَلِكَ مُشْكِلٌ وَقَالَ صَاحِبُ الْوَافِي يَنْبَغِي لَوْ سَمِعَاهُ مِنْ وَرَاءِ الْحَائِلِ وَعَرَفَا صَوْتَهُ ثُمَّ كُشِفَ الْحَائِلُ وَلَيْسَ ثَمَّ غَيْرُهُ أَنْ لَا تَمْتَنِعَ الشَّهَادَةُ قُلْت وَيَشْهَدُ لَهُ مَا فِي الْكِفَايَةِ لَوْ دَخَلَ رَجُلَانِ بَيْتًا لَا ثَالِثَ لَهُمَا فِيهِ وَقَدْ عَرَفَ ذَلِكَ شَخْصٌ وَجَلَسَ عَلَى بَابِهِ فَسَمِعَهُمَا عَقَدَا عَقْدًا قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ قَالَ أَصْحَابُنَا يَصِيرُ مُتَحَمِّلًا لِلشَّهَادَةِ لِأَنَّهُ يَقْطَعُ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْبَيْتِ سِوَاهُمَا قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَهَذَا عِنْدِي فَاسِدٌ لِأَنَّهُ إنْ وَقَعَ لَهُ أَنْ لَا أَحَدَ سِوَاهُمَا فَهُوَ لَا يَعْرِفُ الْبَائِعَ مِنْ الْمُشْتَرِي مِنْهُمَا اهـ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ إنْ عَرَفَ الْبَائِعَ مِنْ الْمُشْتَرِي صَحَّ قَطْعًا وَيُتَصَوَّرُ بِأَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْمَبِيعَ مِلْكُ أَحَدِهِمَا وَيُؤَيِّدُهُ مَسْأَلَةُ ضَبْطِ الْأَعْمَى ر وَبِأَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي بَيْتٍ بِمُفْرَدِهِ وَالشَّاهِدُ بَيْنَ الْبَيْتَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا عِنْدَهُ وَالْآخَرُ بِمُفْرَدِهِ فِي الْبَيْتِ وَيَرَى الْمُوجِبَ وَحْدَهُ أَوْ بِالْعَكْسِ وَفِي مَعْنَى ذَلِكَ لَوْ لَمْ يَكُنْ بِالْبَيْتِ إلَّا وَاحِدٌ وَالشَّاهِدُ عَلَى بَابِهِ لَا يَرَاهُ فَأَقَرَّ بِشَيْءٍ وَهُوَ يَسْمَعُهُ وَلَا يَرَاهُ أَنَّهُ يَصِحُّ التَّحَمُّلُ لَا سِيَّمَا إذَا اسْتَرْعَاهُ وَحِينَئِذٍ إنْ سَلِمَ هَذَا يُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِمْ صُوَرٌ كَثِيرَةٌ.

ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ أَبِي الدَّمِ قَالَ اعْلَمْ أَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ إنْ كَانَ مُدْرَكًا بِالسَّمْعِ كَالْأَقَارِيرِ وَالْعُقُودِ وَالْإِنْشَاءَاتِ الْقَوْلِيَّةِ أَوْ بِالْبَصَرِ كَالْإِتْلَافَاتِ فَلَا بُدَّ فِي تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مِنْ مُشَاهَدَةِ الْمُقِرِّ أَوْ الْقَابِلِ عَقْدًا أَوْ الْمُنْشِئِ إنْشَاءً مِنْ الْإِنْشَاءَاتِ أَوْ فَاعِلًا فِعْلًا مِنْ الْأَفْعَالِ الْمُشَارِ إلَيْهَا بِحَاسَّتِهِ وَبَصَرِهِ فَفِي الْأَقْوَالِ لَا بُدَّ مِنْ مُشَاهَدَةِ الْقَائِلِ فِي حَالِ تَلَفُّظِهِ بِبَصَرِهِ وَسَمَاعِهِ مَا يَتَلَفَّظُ بِهِ وَفِي الْأَفْعَالِ تَكْفِي مُشَاهَدَتُهُ فَاعِلًا كَذَا وَسَوَاءٌ فِي هَذَا مَنْ يَتَحَقَّقُ السَّامِعُ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ مَنْ يَظُنُّ ذَلِكَ لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ الْمُقِرِّ حَالَةَ إقْرَارِهِ بِحَاسَّةِ بَصَرِ السَّامِعِ. اهـ. وَمَا ذَكَرَهُ هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ وَمِنْهُمْ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ وَقَضِيَّتُهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُشَاهِدَ تَلَفُّظَهُ بِبَصَرِهِ حِينَ يَنْطِقُ بِهِ حَتَّى لَوْ وَلَّى الشَّاهِدُ ظَهْرَهُ مَثَلًا ثُمَّ تَكَلَّمَ وَلَيْسَ ثَمَّ غَيْرُهُ إنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّحَمُّلُ وَلَا خَفَاءَ فِي اسْتِبْعَادِهِ هَذَا وَمَا فِيهِ مِنْ الْجُمُودِ وَحِينَئِذٍ لَا يَبْعُدُ حَمْلُ إطْلَاقِ الْجُمْهُورِ عَلَى الْغَالِبِ وَتَخْصِيصُهُ بِغَيْرِ الصُّوَرِ الَّتِي يَحْصُلُ الْعِلْمُ فِيهَا بِصُدُورِ الْقَوْلِ فِيهَا مِنْ قَائِلِهِ وَإِنْ لَمْ يُشَاهَدْ فِيهِ فِي حَالِ تَلَفُّظِهِ بِإِقْرَارٍ أَوْ عَقْدٍ أَوْ فَسْخٍ وَقَدْ حَكَى الصَّيْمَرِيُّ فِيهَا وَجْهَيْنِ وَالْمُخْتَارُ الْجَوَازُ وَيَدُلُّ لَهُ مَسْأَلَةُ ضَبْطِ الْأَعْمَى غ وَقَوْلُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ يَحْتَاجُ إلَى شَرْطٍ ثَالِثٍ هُوَ إلَخْ كَتَبَ عَلَيْهِ هَذَا مَعَ أَنَّهُ مَعْلُومٌ لَا يَخْتَصُّ بِعَقْدِ النِّكَاحِ بَلْ يَجْرِي فِي سَائِرِ الْعُقُودِ.

(قَوْلُهُ وَلَا شَهَادَةُ الْأَعْمَى) فِي مَعْنَى الْأَعْمَى مَا لَوْ كَانَ عَلَى بَابِ بَيْتٍ لَيْسَ فِيهِ إلَّا شَخْصٌ فَأَقَرَّ بِشَيْءٍ وَهُوَ يَسْمَعُهُ وَلَا يَرَاهُ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْأَصْوَاتَ تَتَشَابَهُ إلَخْ) وَلِأَنَّ مَا أَمْكَنَ إدْرَاكُهُ بِعِلْمِ الْحَوَاسِّ لَا جَوَازَ أَنْ يُعْمَلَ فِيهِ بِالِاسْتِدْلَالِ الْمُقْتَضِي لِغَلَبَةِ الظَّنِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>