للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْل مُدَّةُ الْإِيلَاءِ حَالَ الطَّلَاق وَالرِّدَّة]

(فَصْلٌ لَا تُحْسَبُ الْمُدَّةُ حَالَ طَلَاقٍ وَرِدَّةٍ) مِنْ الزَّوْجَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا، وَإِنْ رَاجَعَ الزَّوْجُ أَوْ أَسْلَمَ الْمُرْتَدُّ لِمَا مَرَّ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ (وَتُقْطَعُ) الْمُدَّةُ (بِطَرَيَانِ ذَلِكَ) أَيْ كُلٍّ مِنْ الطَّلَاقِ وَالرِّدَّةِ (وَيَسْتَأْنِفُ) فِي صُورَةِ الطَّلَاقِ (وَلَوْ طَلَّقَ بَعْدَ الْمُطَالَبَةِ) يَعْنِي بَعْدَ الْمُدَّةِ بِمُطَالَبَةٍ أَوْ بِدُونِهَا (بِرَجْعَةٍ) أَيْ تُسْتَأْنَفُ الْمُدَّةُ بِالرَّجْعَةِ؛ لِأَنَّ الْإِضْرَارَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالِامْتِنَاعِ الْمُتَوَالِي فِي نِكَاحٍ سَلِيمٍ (لَا تَجْدِيدِ نِكَاحٍ) بَعْدَ بَيْنُونَتِهَا لِعَدَمِ عَوْدِ الْإِيلَاءِ (وَبِإِسْلَامٍ) أَيْ وَتُسْتَأْنَفُ فِي صُورَةِ الرِّدَّةِ بِإِسْلَامِ الْمُرْتَدِّ (فِي الْعِدَّةِ) وَلَوْ ارْتَدَّ بَعْدَ الْمُدَّةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ؛ لِأَنَّ الرِّدَّةَ تُؤَثِّرُ فِي قَطْعِ النِّكَاحِ كَالطَّلَاقِ وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْعِدَّةِ أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَرْتَدَّ بَعْدَ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ارْتَدَّ قَبْلَهُ انْقَطَعَ النِّكَاحُ هَذَا (إنْ بَقِيَ) مِنْ مُدَّةِ الْيَمِينِ بَعْدَ الرَّجْعَةِ وَالْإِسْلَامِ (فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الْوَطْءِ بَاقٍ وَالْمُضَارَّةُ حَاصِلَةٌ وَكَأَنَّهُ رَاجَعَ أَوْ أَسْلَمَ، ثُمَّ حَلَفَ ثَانِيًا قَالَ الْإِمَامُ وَكَانَ يَنْقَدِحُ أَنْ يُقَالَ كُلَّمَا رَاجَعَهَا تَعُودُ الطُّلْبَةُ لِاتِّحَادِ النِّكَاحِ لَكِنَّهُ لَمَّا طَلَّقَ أَتَى بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ الْمَطْلُوبِ أَحَدِهِمَا فَأَسْقَطَ الطُّلْبَةَ وَمَا قَالَهُ يَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ الرِّدَّةِ، فَإِنْ لَمْ يَبْقَ ذَلِكَ فَلَا اسْتِئْنَافَ (وَكَذَا حُكْمُ أَعْذَارِهَا الْمَانِعَةِ مِنْ الْوَطْءِ كَالنُّشُوزِ وَالْمَرَضِ وَالصِّغَرِ وَجُنُونٍ) الْأَوْلَى وَالْجُنُونِ حَالَةَ كَوْنِ كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ (يَمْنَعُ التَّمْكِينَ) مِنْ الْوَطْءِ (وَصَوْمٍ وَاعْتِكَافٍ فَرْضَيْنِ) وَإِحْرَامِ فَرْضٍ (وَعِدَّةِ شُبْهَةٍ) فَلَا تُحْسَبُ الْمُدَّةُ مَعَهَا وَتُسْتَأْنَفُ إذَا زَالَتْ لِمَا مَرَّ فِي صُورَتَيْ الطَّلَاقِ وَالرِّدَّةِ نَعَمْ إنْ طَرَأَ شَيْءٌ مِنْهَا بَعْدَ الْمُدَّةِ وَقَبْلَ الْمُطَالَبَةِ، ثُمَّ زَالَتْ فَلَهَا الْمُطَالَبَةُ بِلَا اسْتِئْنَافِ مُدَّةٍ لِوُجُودِ الْمُضَارَّةِ فِي الْمُدَّةِ عَلَى التَّوَالِي ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَرَجَّحَهُ وَخَرَجَ بِالْفَرْضِ النَّفَلُ فَلَا يُؤَثِّرُ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ وَطْئِهَا فِيهِ (لَا حَيْضٍ وَنِفَاسٍ) فَتُحْسَبُ الْمُدَّةُ مَعَهُمَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو عَنْ الْحَيْضِ غَالِبًا فَلَوْ لَمْ تُحْسَبْ مَعَهُ لَتَضَرَّرَتْ بِطُولِهَا وَأُلْحِقَ بِهِ النِّفَاسُ لِمُشَارَكَتِهِ لَهُ فِي أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ وَتَبِعَ كَأَصْلِهِ فِي ذِكْرِهِ لَهُ الْبَغَوِيّ كَشَيْخِهِ الْقَاضِي كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ وَالْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْمُدَّةَ لَا تُحْسَبُ مَعَهُ لِنَدُورَهُ وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ إنَّهُ الصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ.

(وَتُحْسَبُ) الْمُدَّةُ (حَالَ جُنُونِهِ وَمَرَضِهِ وَسَائِرِ أَعْذَارِهِ) كَصَوْمِهِ وَاعْتِكَافِهِ وَإِحْرَامِهِ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا؛ لِأَنَّهَا مُمْكِنَةٌ وَالْمَانِعُ مِنْهُ وَهُوَ الْمُقَصِّرُ بِإِيلَائِهِ وَلِهَذَا اسْتَحَقَّتْ النَّفَقَةَ وَإِنَّمَا لَمْ تُحْسَبُ مَعَ طَلَاقِهِ وَرِدَّتِهِ لِإِخْلَالِهِمَا بِالنِّكَاحِ

[الطَّرَفُ الثَّانِي فِي كَيْفِيَّةِ الْمُطَالَبَةِ بِالرُّجُوعِ إلَى الْوَطْءِ]

(الطَّرَفُ الثَّانِي فِي كَيْفِيَّةِ الْمُطَالَبَةِ فَلَهَا بَعْدَ) مُضِيِّ (الْمُدَّةِ الطَّلَبُ بِالْفَيْئَةِ) أَيْ الرُّجُوعُ إلَى الْوَطْءِ الَّذِي امْتَنَعَ مِنْهُ بِالْإِيلَاءِ (أَوْ الطَّلَاقِ) إنْ لَمْ يَفِ كَمَا سَيَأْتِي لِلْآيَةِ وَلِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهَا وَإِنَّمَا طَالَبَتْهُ بِالْفَيْئَةِ أَوَّلًا لِأَنَّ حَقَّهَا فِيهَا (فَإِنْ أَسْقَطَتْهُ) أَيْ الطَّلَبَ (ثُمَّ نَدِمَتْ طَالَبَتْ) مَا لَمْ تَنْقَضِ الْمُدَّةُ لِتَجَدُّدِ الضَّرَرِ كَمَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ الرِّضَا بِالْإِعْسَارِ بِالنَّفَقَةِ وَيُفَارِقُ نَظِيرَهُ فِي الْعُنَّةِ بِأَنَّهَا خَصْلَةٌ وَاحِدَةٌ لَا تَتَقَسَّطُ عَلَى الْأَيَّامِ بِخِلَافِ حَقِّ الْوَطْءِ وَالنَّفَقَةِ وَلِأَنَّهَا عَيْبٌ وَالرِّضَا بِهِ يُسْقِطُ حَقَّ الْفَسْخِ (وَلَا يُطَالَبُ) الزَّوْجُ (لِمُرَاهِقَةٍ وَمَجْنُونَةٍ بَلْ يُخَوَّفُ) نَدْبًا (مِنْ اللَّهِ) تَعَالَى بِنَحْوِ اتَّقِ اللَّهَ بِالْفَيْئَةِ أَوْ الطَّلَاقِ وَإِنَّمَا يُضَيَّقُ عَلَيْهِ إذَا بَلَغَتْ أَوْ أَفَاقَتْ وَطَلَبَتْ فَعُلِمَ أَنَّ الْمُطَالَبَةَ تَخْتَصُّ بِالزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّ التَّمَتُّعَ حَقُّهَا كَالْفَسْخِ بِالْعُنَّةِ وَكَمَا أَنَّ الطَّلَاقَ يَخْتَصُّ بِالزَّوْجِ (وَ) لِهَذَا كَانَ (الطَّلَبُ لِلْأَمَةِ لَا لِلسَّيِّدِ)

(فَرْعٌ لَا تُطَالِبُ) الزَّوْجَةُ زَوْجَهَا (وَبِهَا عُذْرٌ يَمْنَعُ الْوَطْءَ كَحَيْضٍ) وَنِفَاسٍ (وَصَوْمِ فَرْضٍ وَحَبْسٍ) يَمْنَعُ التَّمْكِينَ لِامْتِنَاعِ الْوَطْءِ الْمَطْلُوبِ بِخِلَافِ صَوْمِ النَّفْلِ (فَإِنْ كَانَ الْعُذْرُ بِهِ وَهُوَ طَبْعِيٌّ كَالْمَرَضِ أَوْ خَوْفِ زِيَادَتِهِ) أَوْ بُطْءِ الْبُرْءِ مِنْهُ (لَوْ وَطِئَ طُولِبَ بِفَيْئَةِ اللِّسَانِ أَوْ الطَّلَاقِ) إنْ لَمْ يَفِ؛ لِأَنَّهُ بِهِ يَنْدَفِعُ الْأَذَى الَّذِي حَصَلَ بِاللِّسَانِ (بِلَا مُهْلَةٍ) لِفَيْئَةِ اللِّسَانِ، وَإِنْ اُسْتُمْهِلَ؛ لِأَنَّ الْوَعْدَ هَيِّنٌ مُتَيَسِّرٌ (فَيَقُولُ) فِيهَا (إذَا قَدَرْت فِئْت) وَزَادَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَنَدِمْت عَلَى مَا فَعَلْت وَجَرَى عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْمَرَاوِزَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُمْ التَّأْكِيدُ وَالِاسْتِحْبَابُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ.

(وَحِينَ يَقْدِرُ) عَلَى وَطْئِهَا (يُطَالَبُ بِالْوَطْءِ أَوْ الطَّلَاقِ) إنْ لَمْ يَطَأْ تَحْقِيقًا لِفَيْئَةِ اللِّسَانِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى اسْتِئْنَافِ مُدَّةٍ (وَإِنْ حُبِسَ بِدَيْنٍ وَقَدَرَ عَلَى قَضَائِهِ لَمْ يَكُنْ) أَيْ الْحَبْسُ (عُذْرًا) فَيُؤْمَرُ بِالْقَضَاءِ وَالْفَيْئَةِ بِالْوَطْءِ أَوْ الطَّلَاقِ بِخِلَافِ مَا لَوْ حُبِسَ ظُلْمًا (، وَإِنْ كَانَ) عُذْرُهُ (شَرْعِيًّا كَإِحْرَامٍ) وَصَوْمٍ وَاجِبٍ (وَظِهَارٍ قَبْلَ التَّكْفِيرِ طُولِبَ بِالطَّلَاقِ فَقَطْ) أَيْ دُونَ الْفَيْئَةِ بِاللِّسَانِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يُمْكِنُهُ بِخِلَافِ عُذْرِهِ الطَّبِيعِيِّ؛ لِأَنَّ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ فَلَهَا بَعْدَ الْمُدَّةِ الطَّلَبُ بِالْفَيْئَةِ أَوْ الطَّلَاقُ) فِي الْعَزِيزِ أَنَّ لِلْمَرْأَةِ بَعْدَ الْمُدَّةِ إذَا لَمْ يَفِ الْمُولِي طَلَبَ الْفَيْئَةِ وَحْدَهَا، فَإِنْ لَمْ يَفِ أُمِرَ بِالطَّلَاقِ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ وَأَقَرَّهُ الْمَنْعَ بَلْ تَرَدَّدَ الطَّلَبُ بَيْنَ الْفَيْئَةِ وَالطَّلَاقِ وَاقْتَصَرَ فِي الرَّوْضَةِ وَالْمِنْهَاجِ عَلَى هَذَا وَفِي الصَّغِيرِ عَلَى الْأَوَّلِ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَهُوَ يُبَيِّنُ أَنَّ الْعُمْدَةَ عَلَى غَيْرِ مَا فِي الرَّوْضَةِ وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ أَيْضًا الصَّوَابُ وَظَاهِرُ النَّصِّ الْأَوَّلُ وَاعْتَمَدَ الْإِسْنَوِيُّ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ مَا فِي الرَّوْضَةِ وَرَدَّ بِهِ عَلَى مَا فِي التَّنْبِيهِ وَعَبَّرَ عَنْهُ بِالصَّوَابِ.

[فَرْعٌ لَا تُطَالِبُ الزَّوْجَةُ زَوْجَهَا وَبِهَا عُذْرٌ يَمْنَعُ الْوَطْءَ]

(قَوْلُهُ كَالْمَرَضِ إلَخْ) أَوْ الْجَبِّ الطَّارِئِ أَوْ الْجُنُونِ (قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُمْ التَّأْكِيدُ وَالِاسْتِحْبَابُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ. وَكَتَبَ عَلَيْهِ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ أَيْضًا (قَوْلُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ) وَلِهَذَا اقْتَصَرَ الشَّافِعِيُّ عَلَى الْوَعْدِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>