للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَيَّدَهَا بِمَجْهُولٍ لَا يَصِحُّ لِتَعَذُّرِهِ بَيْعًا وَهِبَةً (وَتَثْبُتُ فِيهِ) أَيْ فِي عَقْدِ الْهِبَةِ بِثَوَابٍ مَعْلُومٍ (أَحْكَامُهُ) أَيْ الْبَيْعِ كَالْخِيَارِ وَالشُّفْعَةِ وَاللُّزُومِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يَأْتِي (بِالْعَقْدِ لَا الْقَبْضِ) لِلْمَوْهُوبِ كَالْبَيْعِ (فَلَا رُجُوعَ لِلْأَبِ) فِيهِ (وَيَجْتَنِبُ فِيهِ الرِّبَا) وَفِي نُسْخَةٍ: الزِّيَادَةُ، أَيْ الْمُفَاضَلَةُ فِي الرِّبَوِيِّ (وَيَرُدُّ) الثَّوَابَ (بِالْعَيْبِ) الَّذِي ظَهَرَ فِيهِ ثَمَّ إنْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ طَالَبَ بِسَلِيمٍ، أَوْ مُعَيَّنًا رَجَعَ إلَى عَيْنِ الْمَوْهُوبِ إنْ كَانَ بَاقِيًا، وَإِلَّا طَالَبَ بِبَدَلِهِ (وَيَسْتَرِدُّ) الْمُثِيبُ (ثَوَابَهُ إنْ خَرَجَ الْمَوْهُوبُ مُسْتَحَقًّا) بِنَاءً فِي ذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ الْمَذْكُورَ بَيْعٌ، وَإِنْ خَرَجَ بَعْضُهُ مُسْتَحَقًّا تَخَيَّرَ بَيْنَ أَنْ يَرْجِعَ بِقِسْطِهِ مِنْ الثَّوَابِ وَبَيْنَ أَنْ يَرُدَّ الْبَاقِيَ وَيَرْجِعَ بِجَمِيعِ الثَّوَابِ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ (وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي ذِكْرِ الْبَدَلِ صُدِّقَ الْمُتَّهِبُ) لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ مِلْكُهُ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ ذِكْرِ الْبَدَلِ.

(فَصْلٌ فِيهِ مَسَائِلُ) تَتَعَلَّقُ بِالْكِتَابِ لَوْ (وَهَبَ لَهُ مَنَافِعَ دَارٍ فَهَلْ الدَّارُ عَارِيَّةٌ) لَهُ فَلَا يَمْلِكُ مَنَافِعَهَا، أَوْ لَا فَتَكُونُ أَمَانَةً وَيَمْلِكَ مَنَافِعَهَا بِقَبْضِهَا وَهُوَ اسْتِيفَاؤُهَا لَا بِقَبْضِ الدَّارِ فِيهِ (وَجْهَانِ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: أَرْجَحُهُمَا الْأَوَّلُ وَبِهِ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَرَجَّحَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالسُّبْكِيُّ وَالْبُلْقِينِيُّ الثَّانِيَ.

(وَلَوْ فَسَدَتْ الْهِبَةُ لَمْ يَضْمَنْ الْمَقْبُوضَ) بِهَا أَيْ لَمْ يَضْمَنْهُ الْمُتَّهِبُ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِيهَا عَلَى أَنْ لَا يَكُونَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِهَا كَمَا فِي الْهِبَةِ الصَّحِيحَةِ وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْمِلْكُ بِالْقَبْضِ فِيهَا وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ (فَإِنْ جَدَّدَ لَهُ) الْوَاهِبُ (الْهِبَةَ) بَعْدَ فَسَادِهَا (وَهُوَ يَعْتَقِدُ صِحَّةَ الْأُولَى فَكَمَنْ بَاعَ مَالَ أَبِيهِ) وَهُوَ (يَظُنُّهُ حَيًّا) فَبَانَ مَيِّتًا فَتَصِحُّ كَمَا تَصِحُّ فِيمَا لَوْ اعْتَقَدَ فَسَادَهَا (وَقَوْلُهُ) لِغَيْرِهِ (كَسَوْتُك) هَذَا (الثَّوْبَ كِنَايَةٌ) فِي الْهِبَةِ فَلَوْ قَالَ الْوَاهِبُ لَمْ أُرِدْهَا صُدِّقَ؛ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ لِلْعَارِيَّةِ فَلَا يَكُونُ صَرِيحًا فِي الْهِبَةِ بَلْ كِنَايَةً (بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ مَنَحْتُك) هَذَا (فَقَبِلَ وَأَقْبَضَهُ) لَهُ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِيهَا هَذَا مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَصْلِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ الْعُرْفُ أَنَّهُ كِنَايَةٌ لِعَدَمِ الشُّيُوعِ.

(وَإِنْ وَهَبَ لِوَلَدِهِ عَيْنًا وَأَقْبَضَهُ) إيَّاهَا (فِي الصِّحَّةِ فَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ) لِبَاقِي الْوَرَثَةِ (أَنَّ أَبَاهُ) قَدْ (رَجَعَ فِيمَا وَهَبَ لَهُ مُطْلَقًا) بِأَنْ لَمْ تَذْكُرْ مَا رَجَعَ فِيهِ (لَمْ تُسْمَعْ) شَهَادَتُهَا فَلَا تُنْزَعُ بِهَا الْعَيْنُ مِنْهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْمَرْجُوعِ فِيهِ (وَلَوْ اخْتَلَفَا) أَيْ الْمُتَّهِبُ وَبَاقِي الْوَرَثَةِ (هَلْ كَانَتْ) أَيْ الْهِبَةُ (فِي مَرَضِ الْوَاهِبِ، أَوْ) فِي (صِحَّتِهِ) بِأَنْ ادَّعَى الْمُتَّهِبُ أَنَّهَا كَانَتْ فِي الصِّحَّةِ وَبَاقِي الْوَرَثَةِ أَنَّهَا كَانَتْ فِي الْمَرَضِ (صُدِّقَ الْمُتَّهِبُ بِيَمِينِهِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ الصِّحَّةُ وَقَوْلُهُ بِيَمِينِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ (وَإِنْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ) غَيْرُهُ (بِثَوْبٍ فَظَنَّهُ) أَنَّهُ (أَوْدَعَهُ) أَوْ أَعَارَهُ لَهُ (مَلَكَهُ) اعْتِبَارًا بِنِيَّةِ الدَّافِعِ فَلَوْ رَدَّهُ عَلَيْهِ الْمَدْفُوعُ لَهُ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَخْذُهُ لِأَنَّهُ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ فَإِنْ أَخَذَهُ لَزِمَهُ رَدُّهُ إلَيْهِ.

(وَأَفْضَلُ الْبِرِّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ بِالْإِحْسَانِ إلَيْهِمَا) وَفِعْلِ مَا يَسُرُّهُمَا مِنْ الطَّاعَاتِ لِلَّهِ تَعَالَى وَغَيْرِهَا مِمَّا لَيْسَ بِمَنْهِيٍّ عَنْهُ قَالَ تَعَالَى {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: ٢٣] الْآيَةَ «وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ كَانَ تَحْتِي امْرَأَةٌ وَكُنْت أُحِبُّهَا وَكَانَ عُمَرُ يَكْرَهُهَا فَقَالَ لِي طَلِّقْهَا فَأَبَيْت فَأَتَى عُمَرُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ لِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَلِّقْهَا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَذِكْرُ أَفْضَلِيَّةِ الْبِرِّ مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ (وَمِنْ بِرِّهِمَا الْإِحْسَانُ إلَى صَدِيقِهِمَا) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «إنَّ مِنْ أَبَرِّ الْبِرِّ أَنْ يَصِلَ الرَّجُلُ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ» (وَمِنْ الْكَبَائِرِ عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ) بِنَصِّ الْحَدِيثِ وَفِي نُسْخَةٍ عُقُوقُ كُلٍّ مِنْهُمَا (وَهُوَ أَنْ يُؤْذِيَهُمَا أَذًى لَيْسَ بِهَيِّنٍ) مَا لَمْ يَكُنْ مَا آذَاهُمَا بِهِ وَاجِبًا كَمَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ (وَصِلَةُ الرَّحِمِ) أَيْ الْقَرَابَةِ (مَأْمُورٌ بِهَا) وَهِيَ فِعْلُك مَعَ قَرِيبِك مَا تُعَدُّ بِهِ وَاصِلًا غَيْرَ مُنَافِرٍ وَمُقَاطِعٍ لَهُ (وَتَكُونُ) صِلَتُهُمَا (بِالْمَالِ وَقَضَاءِ الْحَوَائِجِ وَالزِّيَارَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ، وَالْمُرَاسَلَةِ بِالسَّلَامِ) وَنَحْوِهَا (وَيَتَأَكَّدُ اسْتِحْبَابُ وَفَاءِ الْوَعْدِ) قَالَ تَعَالَى {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} [النحل: ٩١] وَقَالَ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: ١] وَقَالَ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

[فَصْلٌ فِي مَسَائِلُ تَتَعَلَّقُ بِالْهِبَةِ]

قَوْلُهُ: أَوْ لَا) فَتَكُونُ أَمَانَةً فَلَا يَضْمَنُ الدَّارَ لَوْ انْهَدَمَتْ (قَوْلُهُ: وَهُوَ اسْتِيفَاؤُهَا) فِيهِ إشْكَالٌ وَهُوَ أَنَّ اسْتِيفَاءَهَا إتْلَافٌ لَهَا فَكَيْفَ يَمْلِكُهَا بَعْدَ تَلَفِهَا قَالَ شَيْخُنَا يُجَابُ بِأَنَّهُ بِاسْتِيفَائِهَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ مَلَكَهَا قُبَيْلَهُ وَلَهُ نَظَائِرُ، كَاتِبُهُ.

(قَوْلُهُ: بِقَبْضِ الدَّارِ) وَاكْتُفِيَ فِي الْإِجَارَةِ بِقَبْضِ الْعَيْنِ لِأَنَّ ذَلِكَ لِأَجْلِ اسْتِقْرَارِ الْأُجْرَةِ وَالتَّصَرُّفِ فِي الْمَنْفَعَةِ (قَوْلُهُ: وَبِهِ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ) وَقَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي الْإِقْرَارِ مَا يُرَجِّحُ أَنَّهَا عَارِيَّةٌ فَإِنَّهُ جَعَلَ قَوْلَهُ: هَذِهِ الدَّارُ لَك هِبَةُ سُكْنَى إقْرَارًا بِالْعَارِيَّةِ. اهـ. فَقَوْلُهُ: وَهَبْتُك سُكْنَاهَا إنْشَاءٌ لِلْعَارِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَرَجَّحَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالسُّبْكِيُّ وَالْبُلْقِينِيُّ الثَّانِيَ) وَهُوَ الْأَصَحُّ وَبِهِ أَفْتَيْت.

(قَوْلُهُ: لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْمَرْجُوعِ فِيهِ) فَلَوْ ثَبَتَ إقْرَارُ الْوَلَدِ بِأَنَّ الْأَبَ لَمْ يَهَبْهُ شَيْئًا غَيْرَ هَذِهِ ثَبَتَ الرُّجُوعُ (قَوْلُهُ: صُدِّقَ الْمُتَّهِبُ بِيَمِينِهِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ الصِّحَّةُ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ الْقَوْلُ قَوْلُ الْوَارِثِ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ اللُّزُومِ فَلَوْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ عَلَى ذَلِكَ فَالْقِيَاسُ تَقْدِيمُ بَيِّنَةِ الْوَارِثِ لِزِيَادَةِ الْعِلْمِ إلَّا أَنْ تُفْصِحَ بَيِّنَةُ الْمُتَّهِبِ بِأَنَّهُ عُوفِيَ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ، ثُمَّ تُوُفِّيَ مِنْ مَرَضٍ آخَرَ وَفِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ أَنَّهُ لَوْ وَهَبَهُ عَبْدًا فِي مَرَضِهِ، ثُمَّ مَاتَ ثُمَّ اخْتَلَفَا فَقَالَ الْوَارِثُ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ وَقَالَ الْمُتَّهِبُ بَلْ انْدَمَلَ ثُمَّ مَرِضَ، ثُمَّ مَاتَ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْمَرَضُ مَخُوفًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَارِثِ وَإِلَّا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُتَّهِبِ غ وَفِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ اثْنَانِ بِأَنَّ فُلَانًا وُهِبَ هَذَا مِنْ فُلَانٍ يَوْمَ كَذَا وَآخَرَانِ بِأَنَّهُ وَهَبَهُ يَوْمَئِذٍ وَهُوَ مَرِيضٌ فَبَيِّنَةُ الْمَرَضِ أَوْلَى وَفِي فَتَاوَى الْبَغَوِيّ أَنَّهُمَا لَوْ شَهِدَا عَلَى إقْرَارِ زَيْدٍ لِعَمْرٍو بِمَالٍ فِي مَكَانِ كَذَا فِي يَوْمِ كَذَا وَآخَرَانِ بِأَنَّ زَيْدًا كَانَ مَجْنُونًا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَإِقْرَارُهُ كَانَ فِي جُنُونِهِ، قَالَ: إنْ لَمْ يُعْرَفْ بِهِ جُنُونٌ سَابِقٌ فَبَيِّنَةُ الْجُنُونِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ وَإِنْ كَانَ يُجَنُّ أَحْيَانًا وَيُفِيقُ أَحْيَانًا وَعُرِفَ ذَلِكَ مِنْهُ فَالْبَيِّنَتَانِ مُتَقَابِلَتَانِ. اهـ. وَقَدْ أَفْتَى النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ بِأَنَّ بَيِّنَةَ مَرَضِ الْمَوْتِ مُقَدَّمَةٌ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْقَفَّالُ وَغَيْرُهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>