(التَّظْلِيلُ) عَلَى مَوْضِعِ جُلُوسِهِ بِمَا لَا يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ مِنْ ثَوْبٍ وَبَارِيَة وَنَحْوِهِمَا لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِهِ (لَا الْبِنَاءُ) لِدَكَّةٍ أَوْ لِمَا يُظَلَّلُ بِهِ، أَوْ لِغَيْرِهِمَا وَهَذَا أَوْلَى مِنْ اقْتِصَارِ الْأَصْلِ عَلَى بِنَاءِ الدَّكَّةِ قَالَ الْخُوَارِزْمِيَّ وَهَلْ لَهُ وَضْعُ سَرِيرٍ فِيهِ احْتِمَالَانِ (وَيَخْتَصُّ الْجَالِسُ بِمَكَانِهِ وَمَكَانِ مَتَاعِهِ وَآلَتِهِ وَمُعَامِلِيهِ) وَقَوْلُهُ " وَآلَتِهِ " مِنْ زِيَادَتِهِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِدُخُولِهِ فِي مَتَاعِهِ (وَلَا يُضَيَّقُ عَلَيْهِ) أَيْ لَيْسَ لِغَيْرِهِ أَنْ يُضَيِّقَ عَلَيْهِ فِي الْمَكَانِ بِحَيْثُ يَضُرُّ بِهِ فِي الْكَيْلِ، وَالْوَزْنِ وَالْأَخْذِ، وَالْعَطَاءِ (فَيَمْنَعَ) أَيْ فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَ (وَاقِفًا) بِقُرْبِهِ (إنْ مَنَعَ رُؤْيَةَ مَتَاعِهِ أَوْ وُصُولَ الْوَاصِلِينَ) الْأَوْلَى قَوْلُ أَصْلِهِ " الْمُعَامِلِينَ " (إلَيْهِ) قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَلَيْسَ لَهُ مَنْعُ مَنْ قَعَدَ لِبَيْعِ مِثْلِ مَتَاعِهِ إذَا لَمْ يُزَاحِمْهُ فِيمَا يَخْتَصُّ بِهِ مِنْ الْمَرَافِقِ الْمَذْكُورَةِ (وَلَوْ أَقْطَعَهُ إيَّاهُ الْإِمَامُ) ارْتِفَاقًا (جَازَ) أَيْ وَلِلْإِمَامِ أَنْ يُقْطِعَ بُقْعَةً مِنْ الشَّارِعِ لِمَنْ يَرْتَفِقُ فِيهَا بِالْمُعَامَلَةِ؛ لِأَنَّ لَهُ نَظَرًا وَاجْتِهَادًا فِي أَنَّ الْجُلُوسَ فِيهِ مُضِرٌّ، أَوْ لَا وَلِهَذَا يُزْعِجُ مَنْ رَأَى جُلُوسَهُ مُضِرًّا (لَا) إنْ أَقْطَعَهُ (بِعِوَضٍ) عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ: وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ وَلَا لِغَيْرِهِ مِنْ الْوُلَاةِ أَنْ يَأْخُذَ مِمَّنْ يَرْتَفِقُ بِالْجُلُوسِ، وَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ فِي الشَّوَارِعِ عِوَضًا بِلَا خِلَافٍ (وَلَا) إنْ أَقْطَعَهُ (تَمْلِيكًا) وَإِنْ فَضَلَ عَنْ حَاجَةِ الطُّرُوقِ وَمِنْ هُنَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْهُ وَمَا يَفْعَلُهُ وُكَلَاءُ بَيْتِ الْمَالِ مِنْ بَيْعِ مَا يَزْعُمُونَ أَنَّهُ فَاضِلٌ عَنْ حَاجَةِ الْمُسْلِمِينَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَسْتَدْعِي تَقَدُّمَ الْمِلْكِ وَهُوَ مُنْتَفٍ وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ لَجَازَ بَيْعُ الْمَوَاتِ وَلَا قَائِلَ بِهِ نَبَّهَ عَلَيْهِ السُّبْكِيُّ (وَإِنْ سَبَقَ اثْنَانِ) إلَى مَكَان مِنْهُ (أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا) لِعَدَمِ الْمَزِيَّةِ فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا فَهُوَ أَحَقُّ قَطْعًا قَالَهُ الدَّارِمِيُّ.
(فَرْعٌ لَوْ قَامَ الْمُعَيَّنُ) وَلَوْ بِلَا عُذْرٍ مِنْ مَكَانِهِ (لِيَعُودَ) إلَيْهِ (فَهُوَ أَحَقُّ بِمَكَانِهِ مَا لَمْ يَمْضِ زَمَنٌ يَنْقَطِعُ فِيهِ عَنْهُ إلَافُهُ) لِلْمُعَامَلَةِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «مَنْ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» ، وَلِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ تَعَيُّنِ الْمَكَانِ أَنْ يُعْرَفَ فَيُعَامَلَ فَإِنْ مَضَى ذَلِكَ بَطَلَ حَقُّهُ، وَإِنْ تَرَكَ فِيهِ شَيْئًا مِنْ مَتَاعِهِ، أَوْ كَانَ جُلُوسُهُ فِيهِ بِإِقْطَاعِ الْإِمَامِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ (وَكَذَا الْمَجَالِسُ) الْمُعَيَّنَةُ (بِأَسْوَاقٍ يُجْتَمَعُ لَهَا فِي وَقْتٍ) مِنْ كُلِّ أُسْبُوعٍ، أَوْ كُلِّ شَهْرٍ، أَوْ كُلِّ سَنَةٍ يَأْتِي فِيهَا التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ، وَإِذَا لَمْ يَنْقَطِعْ حَقُّهُ بِقِيَامِهِ مِنْهُ (فَإِنْ جَلَسَ غَيْرُهُ) فِيهِ (مُدَّةَ غَيْبَتِهِ الْقَصِيرَةِ) وَهِيَ الَّتِي غَابَ عَنْهُ زَمَنًا لَا يَنْقَطِعُ عَنْهُ فِيهِ إلَافُهُ (وَلَوْ مُعَامِلًا) إلَى أَنْ يَعُودَ (جَازَ) لِئَلَّا تَتَعَطَّلَ مَنْفَعَةُ الْمَوْضِعِ فِي الْحَالِ (وَمَنْ ضَيَّقَ الشَّارِعَ بِآلَةِ بِنَاءٍ وَنَحْوِهَا) مِمَّا وَضَعَهُ ارْتِفَاقًا لِيَنْقُلَهَا شَيْئًا فَشَيْئًا وَكَانَ (يَضُرُّ) الْمَارَّةَ (ضَرَرًا ظَاهِرًا مُنِعَ) وَإِلَّا فَلَا (وَإِلَّا انْتَقَلَ) مِنْهُ (إلَى مَكَان آخَرَ) أَوْ تَرَكَ الْمُعَامَلَةَ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ (أَوْ كَانَ جُلُوسُهُ) فِيهِ (لِلِاسْتِرَاحَةِ) أَوْ نَحْوِهَا وَانْتَقَلَ مِنْهُ وَلَوْ بِنِيَّةِ الْعَوْدِ إلَيْهِ (بَطَلَ حَقُّهُ بِقِيَامِهِ) .
(فَصْلٌ مَنْ جَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ لِتَدْرِيسٍ) لِعُلُومٍ مُتَعَلِّقَةٍ بِالشَّرِيعَةِ (وَإِفْتَاءٍ) فِيهَا (وَإِقْرَاءٍ) لِقُرْآنٍ، أَوْ حَدِيثٍ (وَ) سَمَاعِ (دَرْسٍ بَيْنَ يَدَيْ مُدَرِّسٍ فَكَجَالِسٍ بِمَقْعَدِ سُوقٍ) فِيمَا مَرَّ فَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ بِمُفَارَقَتِهِ الْمَوْضِعَ لِأَنَّ لَهُ غَرَضًا فِي مُلَازَمَتِهِ لِيَأْلَفَهُ النَّاسُ وَهَذَا مَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ الْعَبَّادِيِّ وَالْغَزَالِيِّ وَقَالَ: إنَّهُ أَشْبَهُ بِمَأْخَذِ الْبَابِ وَنُقِلَ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ أَنَّهُ يَبْطُلُ حَقُّهُ بِذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} [الحج: ٢٥] زَادَ النَّوَوِيُّ قُلْت وَهُوَ مَا حَكَاهُ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ عَنْ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَعَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ أَحَقُّ فَمُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ وَأَصْحَابَهُ مِنْ الْجُمْهُورِ - زَادَ الْأَذْرَعِيُّ وَقَالَ - يَعْنِي الْمَاوَرْدِيَّ -: إنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ أَحَقُّ لَيْسَ بِصَحِيحٍ.
وَقَالَ فِي الْبَحْرِ إنَّهُ غَلَطٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ هُوَ الْمَذْهَبُ الْمَنْقُولُ وَهُوَ مَا ارْتَضَاهُ الْإِمَامُ كَأَبِيهِ قَالَ وَقَوْلُ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ إنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا: إنَّهُ أَحَقُّ بِهِ، وَإِذَا حَضَرَ لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ أَنْ يَقْعُدَ فِيهِ؛ الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ كَلَامِ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ: احْتِمَالَانِ) أَوْجَهُهُمَا جَوَازُهُ عِنْدَ جَرَيَانِ الْعَادَةِ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ وَلَا لِغَيْرِهِ مِنْ الْوُلَاةِ أَنْ يَأْخُذَ إلَخْ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَمَوْضِعُهُ إذَا لَمْ يَبْنِ دَكَّةً أَوْ نَحْوَهَا فَإِنْ بَنَى لَزِمَتْهُ الْأُجْرَةُ كَمَا سَبَقَ فِي الصُّلْحِ وَفِي كِتَابِ الْغَصْبِ أَنَّ مَنْفَعَةَ الشَّارِعِ مَضْمُونَةٌ بِالتَّفْوِيتِ لَكِنَّ ذَاكَ فِي الْمُتَعَدِّي وَالْكَلَامُ هُنَا فِي غَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: لَوْ قَامَ الْمُعَامِلُ لِيَعُودَ إلَخْ) لَوْ فَارَقَهُ لِيَعُودَ وَلَكِنْ جَعَلَ يَقْعُدُ كُلَّ يَوْمٍ فِي مَوْضِعٍ مِنْ السُّوقِ انْقَطَعَ حَقُّهُ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ لِيَعُودَ إلَيْهِ مَا لَوْ فَارَقَهُ تَارِكًا لِحِرْفَتِهِ أَوْ بَاذِلًا حَقَّهُ لِآخَرَ فَإِنَّ حَقَّهُ يَبْطُلُ وَلَوْ اعْتَدَلَ ظَنُّ الْإِعْرَاضِ وَعَدَمِهِ لَمْ يَبْطُلْ.
[فَصْلٌ فِيمَنْ جَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ لِتَدْرِيسِ عُلُومٍ مُتَعَلِّقَةٍ بِالشَّرِيعَةِ وَغَيْرُهُ]
(قَوْلُهُ: مَنْ جَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ إلَخْ) لَا مَدْخَلَ لِإِقْطَاعِ الْإِمَامِ فِيهِ وَفِي رَحْبَتِهِ (قَوْلُهُ: وَإِقْرَاءٍ لِقُرْآنٍ) قَالَ وَالِدُ النَّاشِرِيِّ: سُئِلْت عَنْ تَعْلِيمِ الصِّبْيَانِ فِي جَنَاحِ الْمَسْجِدِ فَأَجَبْت بِأَنَّهُ أَمْرٌ حَسَنٌ وَالصِّبْيَانُ يَدْخُلُونَ الْمَسْجِدَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِلَى الْآنَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَالْقَوْلُ بِكَرَاهَةِ دُخُولِ الصِّبْيَانِ الْمَسْجِدَ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ يَخْتَصُّ بِمَنْ لَا تَمْيِيزَ لَهُ وَبِحَالِهِ لَا طَاعَةَ فِيهَا وَلَا حَاجَةَ إلَيْهَا وَإِلَّا فَأَجْرُ التَّعْلِيمِ قَدْ يَزِيدُ عَلَى نُقْصَانِ الْأَجْرِ بِكَرَاهَةِ الدُّخُولِ أَلَيْسَ أَنَّ الضَّبَّةَ الصَّغِيرَةَ إذَا كَانَتْ لِزِينَةٍ كُرِهَتْ وَإِنْ كَانَتْ لِحَاجَةٍ ارْتَفَعَتْ الْكَرَاهَةُ وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ الْمَكْرُوهَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ. (قَوْلُهُ: فَكَالْجَالِسِ بِمَقْعَدِ سُوقٍ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيُتَّجَهُ أَنَّ مَحَلَّ الِاخْتِصَاصِ إذَا كَانَ أَهْلًا لِلْجُلُوسِ فِيهِ أَمَّا لَوْ كَانَ لَا يُفِيدُ وَلَا يَسْتَفِيدُ فَلَا مَعْنَى لَهُ وَلَوْ سَبَقَ اثْنَانِ إلَى مَكَان وَاحِدٍ وَتَنَازَعَاهُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ الَّذِي يَظْهَرُ تَعَيُّنُ الْقُرْعَةِ لِحَدِيثِ «الِاسْتِهَامِ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ» قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ يُقَدِّمُ الْمُدَرِّسُ مَنْ رَآهُ أَوْلَى بِالْمَجْلِسِ لِفَضْلِهِ وَعِلْمِهِ وَإِفَادَتِهِ وَاسْتِفَادَتِهِ وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَ مُزَاحِمُهُ غَيْرَ مَرْجُوِّ الْفَلَاحِ.
وَقَوْلُهُ: قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيُتَّجَهُ أَنَّ مَحَلَّ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.
(قَوْلُهُ: وَهَذَا مَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ الْعَبَّادِيِّ إلَخْ) وَهُوَ الرَّاجِحُ (قَوْلُهُ: وَنُقِلَ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ أَنَّهُ بَطَلَ حَقُّهُ بِذَلِكَ) يُوهِمُ أَنَّ الْمَاوَرْدِيَّ لَا يَجْعَلُهُ كَمَقَاعِدِ الْأَسْوَاقِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ يُخَالِفُ أَيْضًا فِي مَقَاعِدِ الْأَسْوَاقِ وَيَقُولُ فِيهَا: إنَّهُ إذَا قَامَ بَطَلَ حَقُّهُ فَهُوَ مُوَافِقٌ لَهُمَا عَلَى أَنَّهُ كَمَقَاعِدِ الْأَسْوَاقِ وَيُخَالِفُهُمَا فِي الْمَقَاعِدِ أَيْضًا