فَاتَتْهُ بِعُذْرٍ؛ لِأَنَّ وَقْتَهَا مُوَسَّعٌ أَوْ بِلَا عُذْرٍ وَقَالَ أُصَلِّيهَا لِتَوْبَتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ كَمَا مَرَّ آنِفًا وَالتَّصْرِيحُ بِهَذَا الِاسْتِدْرَاكِ مِنْ زِيَادَتِهِ (فَائِدَةٌ) قَالَ الْغَزَالِيُّ لَوْ زَعَمَ زَاعِمٌ أَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حَالَةً أَسْقَطَتْ عَنْهُ الصَّلَاةَ وَأَحَلَّتْ لَهُ شُرْبَ الْخَمْرِ وَأَكْلُ مَالِ السُّلْطَانِ كَمَا زَعَمَهُ بَعْضُ الْمُتَصَوِّفَةِ فَلَا شَكَّ فِي وُجُوبِ قَتْلِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي خُلُودِهِ فِي النَّارِ نَظَرٌ وَقَتْلُ مِثْلِهِ أَفْضَلُ مِنْ قَتْلِ مِائَةِ كَافِرٍ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُ أَكْثَرُ.
(كِتَابُ الزَّكَاةِ) هِيَ لُغَةً التَّطْهِيرُ وَالْإِصْلَاحُ وَالنَّمَاءُ وَالْمَدْحُ وَمِنْهُ وَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ وَشَرْعًا اسْمٌ لِمَا يُخْرَجُ عَنْ مَالٍ أَوْ بَدَنٍ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ سُمِّيَ بِهَا ذَلِكَ لِأَنَّهُ يُطَهِّرُ وَيُصْلِحُ وَيُنَمِّي وَيَمْدَحُ الْمُخْرَجَ عَنْهُ وَيَقِيهِ مِنْ الْآفَاتِ وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: ٤٣] وَقَوْلُهُ {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: ١٠٣] وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» (هِيَ أَحَدُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ) لِهَذَا الْخَبَرِ (يَكْفُرُ جَاحِدُهَا) وَإِنْ أَتَى بِهَا وَزَادَ قَوْلَهُ (كَالصَّلَاةِ) لِيَسْتَغْنِيَ عَنْ اسْتِثْنَاءِ الْجَاهِلِ الْمُتَقَدِّمِ نَظِيرُهُ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ وَأَنْتَ تَعْلَمُ مِمَّا مَرَّ أَنَّ هَذَا خَارِجٌ بِالْجُحُودِ فَلَا حَاجَةَ لِمَا زَادَهُ (وَيُقَاتَلُ الْمُمْتَنِعُونَ) مِنْ أَدَائِهَا (عَلَيْهَا وَتُؤْخَذُ) مِنْهُمْ وَإِنْ لَمْ يُقَاتَلُوا (قَهْرًا) كَمَا فَعَلَ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (وَتَلْزَمُ الزَّكَاةُ كُلَّ مُسْلِمٍ) وَلَوْ غَيْرَ مُكَلَّفٍ لِقَوْلِهِ فِي الْخَبَرِ الْآتِي فِي زَكَاةِ الْمَوَاشِي فَرْضُهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ (حُرٍّ وَلَوْ مُبَعَّضًا مُلِكَ بِحُرِّيَّتِهِ) لِتَمَامِ مِلْكِهِ عَلَى مَا مَلَكَهُ بِبَعْضِهِ الْحُرِّ وَلِهَذَا يَكْفُرُ كَالْحُرِّ الْمُوسِرِ عَلَى مَا سَيَأْتِي وَالْمُرَادُ بِلُزُومِهَا غَيْرُ الْمُكَلَّفِ أَنَّهَا تَلْزَمُ فِي مَالِهِ.
(فَعَلَى الْوَلِيِّ إخْرَاجُهَا مِنْ مَالِ الطِّفْلِ) وَلَوْ مُرَاهِقًا (وَالْمَجْنُونِ) كَقِيمَةِ مَا أَتْلَفَاهُ وَغَيْرِهَا مِنْ الْحُقُوقِ الْمُوَجَّهَةِ عَلَيْهِمَا كَنَفَقَةِ الْقَرِيبِ (لَا الْجَنِينِ) فَلَا زَكَاةَ فِي الْمَالِ الْمَوْقُوفِ لِأَنَّهُ لَا ثِقَةَ بِوُجُودِهِ وَلَا بِحَيَاتِهِ فَإِنْ انْفَصَلَ مَيِّتًا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فَيُتَّجَهُ أَنَّهَا لَا تَلْزَمُ بَقِيَّةَ الْوَرَثَةِ لِضَعْفِ مِلْكِهِمْ وَمَحِلُّ وُجُوبِهَا عَلَى الْوَلِيِّ فِي مَالِ الطِّفْلِ وَالْمَجْنُونِ إذَا كَانَ مِمَّنْ يَرَى وُجُوبَهَا فِي مَالِهِمَا فَإِنْ كَانَ لَا يَرَاهُ كَحَنَفِيٍّ فَلَا وُجُوبَ وَالِاحْتِيَاطُ لَهُ أَنْ تُحْسَبَ زَكَاتُهُ حَتَّى يَكْمُلَا فَيُخْبِرَهُمَا بِذَلِكَ وَلَا يُخْرِجُهَا فَيُغَرِّمُهُ الْحَاكِمُ قَالَهُ الْقَفَّالُ وَفَرَضَهُ فِي الطِّفْلِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فَلَوْ كَانَ الْوَلِيُّ غَيْرَ مُتَمَذْهِبٍ بَلْ عَامِّيًّا صِرْفًا فَإِنْ أَلْزَمَهُ حَاكِمٌ يَرَاهَا بِإِخْرَاجِهَا فَوَاضِحٌ وَإِلَّا فَهَلْ نَقُولُ يَسْتَفْتِي وَيَعْمَلُ بِذَلِكَ أَوْ يُؤَخِّرُ الْأَمْرَ إلَى كَمَالِهِمَا أَوْ يَرْفَعُ الْأَمْرَ إلَى حَاكِمٍ عَدْلٍ مَأْمُونٍ وَيَعْمَلُ مَا يَأْمُرُهُ بِهِ لَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا وَقَيِّمُ الْحَاكِمِ يُرَاجِعُهُ وَيَعْمَلُ بِقَوْلِهِ. اهـ.
وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ يَعْمَلُ بِمُقْتَضَى مَذْهَبِهِ كَحَاكِمٍ أَنَابَهُ حَاكِمٌ آخَرُ يُخَالِفُهُ فِي مَذْهَبِهِ وَالْأَوْجَهُ فِيمَا فِيهِ التَّرْدِيدَاتُ الْمَذْكُورَةُ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ الْقَفَّالِ السَّابِقِ الِاحْتِيَاطُ بِمِثْلِ مَا مَرَّ (فَإِنْ لَمْ يُخْرِجْهَا) الْوَلِيُّ مِنْ مَالِ الطِّفْلِ وَالْمَجْنُونِ (أَخْرَجَاهُ إنْ كَمُلَا) لِأَنَّ الْحَقَّ تَوَجَّهَ إلَى مَالِهِمَا لَكِنَّ الْوَلِيَّ عَصَى بِالتَّأْخِيرِ فَلَا يَسْقُطُ مَا تَوَجَّهَ إلَيْهِمَا وَمِثْلُهُمَا فِيمَا ذَكَرَ السَّفِيهُ (وَلَا يَلْزَمُ الْكَافِرَ إخْرَاجُهَا) لَا فِي الْحَالِ وَلَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ (وَلَا تَسْقُطُ) الزَّكَاةُ الْوَاجِبَةُ فِي الْإِسْلَامِ (بِالرِّدَّةِ) مُؤَاخَذَةً لَهُ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ (فَإِنْ مَاتَ مُرْتَدًّا) وَقَدْ مَضَى عَلَى مَالِهِ حَوْلٌ أَوْ أَكْثَرُ فِي رِدَّتِهِ (بَانَ أَنْ لَا مَالَ لَهُ) مِنْ حِينِهَا فَلَا زَكَاةَ وَإِنْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ أَخْرَجَ الْوَاجِبَ فِي الرِّدَّةِ وَقَبْلَهَا وَإِنْ أَخْرَجَ حَالَ رِدَّتِهِ أَجْزَأَهُ كَمَا لَوْ أَطْعَمَ عَنْ الْكَفَّارَةِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ لَا يَصِحُّ مِنْهُ لِأَنَّهُ عَمَلٌ بَدَنِيٌّ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ (وَلَا زَكَاةَ) عَلَى السَّيِّدِ وَلَا مُكَاتَبِهِ (فِي مَالِ الْمُكَاتَبِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ مِلْكًا لِلسَّيِّدِ وَالْمُكَاتَبُ لَيْسَ بِحُرٍّ وَمِلْكُهُ ضَعِيفٌ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَتْلِهِ بِالصَّلَوَاتِ
[كِتَابُ الزَّكَاةِ]
(كِتَابُ الزَّكَاةِ) فُرِضَتْ الزَّكَاةُ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ بَعْدَ زَكَاةِ الْفِطْرِ (قَوْلُهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: ٤٣] اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَقِيلَ هِيَ عَامَّةٌ كَآيَةِ قَطْعِ السَّرِقَةِ فَتَكُونُ حُجَّةً فِي كُلِّ مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ إلَّا مَا أَخْرَجَهُ الدَّلِيلُ وَقِيلَ هِيَ مُجْمَلَةٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: ١٤١] وَقَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالرُّويَانِيُّ إنَّهُ الْمَذْهَبُ وَقِيلَ مُطْلَقَةٌ حَمْلًا لَهُ عَلَى مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ (قَوْلُهُ فَلَا حَاجَةَ لِمَا زَادَهُ) أَفَادَ بِزِيَادَتِهِ أَنَّ مَحَلَّهُ فِي زَكَاةٍ أُجْمِعَ عَلَيْهَا لِيَخْرُجَ مَالُ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ وَالرِّكَازُ وَالتِّجَارَةُ وَزَكَاةُ الْفِطْرِ لِأَنَّ الرِّكَازَ لَيْسَ فِيهِ زَكَاةٌ عَلَى وَجْهٍ وَالتِّجَارَةُ وَزَكَاةُ الْفِطْرِ لَا تَجِبَانِ عَلَى رَأْيٍ وَإِنَّمَا لَمْ يَحْكُمْ الشَّافِعِيُّ بِكُفْرِ مَانِعِي الزَّكَاةِ فِي عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ لَمْ يَكُنْ اسْتَقَرَّ عَلَى وُجُوبِهَا بَعْدُ وَكَانُوا يَظُنُّونَ أَنَّ وُجُوبَهَا مُتَعَلِّقٌ بِدَفْعِهَا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا اسْتَقَرَّ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى وُجُوبِهَا كَفَرَ جَاحِدُهَا وَوَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِي ثَمَانِيَةِ أَصْنَافٍ مِنْ أَجْنَاسِ الْمَالِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالزَّرْعِ وَالنَّخْلِ وَالْكَرْمِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَوَجَبَتْ لِثَمَانِيَةِ أَصْنَافٍ
(قَوْلُهُ فَعَلَى الْوَلِيِّ إخْرَاجُهَا مِنْ مَالِ الطِّفْلِ) لِخَبَرِ «ابْتَغُوا فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى لَا تَسْتَهْلِكُهَا الصَّدَقَةُ» وَفِي رِوَايَةٍ الزَّكَاةُ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ مُرْسَلًا وَرُوِيَ مُسْنَدًا بِأَسَانِيدَ ضَعِيفَةٍ وَقَدْ اعْتَضَدَ بِقَوْلِ خَمْسَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى زَكَاةِ الْمُعَشَّرَاتِ وَزَكَاةِ الْفِطْرِ فَإِنَّ الْخَصْمَ وَهُوَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَدْ وَافَقَ عَلَيْهِمَا وَحِينَئِذٍ يَصِيرُ حُجَّةً وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ وَلِيَ يَتِيمًا لَهُ مَالٌ فَلْيَتَّجِرْ فِيهِ وَلَا يَتْرُكُهُ حَتَّى تَأْكُلَهُ الصَّدَقَةُ» وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الزَّكَاةِ سَدُّ الْخُلَّةِ وَتَطْهِيرُ الْمَالِ وَمَا لَهُمَا قَابِلٌ لِأَدَاءِ النَّفَقَاتِ وَالْغَرَامَاتِ وَلَيْسَتْ الزَّكَاةُ مَحْضَ عِبَادَةٍ حَتَّى تَخْتَصَّ بِالْمُكَلَّفِ (قَوْلُهُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فَيُتَّجَهُ أَنَّهَا لَا تَلْزَمُ بَقِيَّةَ الْوَرَثَةِ إلَخْ) الظَّاهِرُ خِلَافُهُ ثُمَّ رَأَيْت الْإِمَامَ قَيَّدَ الْمَسْأَلَةَ بِخُرُوجِ الْجَنِينِ حَيًّا وَهُوَ قِيَاسُ مَا ذَكَرُوهُ فِيمَا إذَا بَدَا الصَّلَاحُ أَوْ الِاشْتِدَادُ فِي زَمَنِ خِيَارِهِمَا أَنَّ مَنْ ثَبَتَ لَهُ الْمِلْكُ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ عَلَيْهِ مَعَ كَوْنِ الْمِلْكِ مَوْقُوفًا (قَوْلُهُ لَا فِي الْحَالِ) لِأَنَّهُ مُمْتَنِعٌ لِتَوَقُّفِهَا عَلَى النِّيَّةِ وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا وَتَكْلِيفُهُ بِالْفُرُوعِ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا الزَّكَاةُ مَعْنَاهُ إلْزَامُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا بَعْدَ إتْيَانِهِ بِشَرْطِهَا وَهُوَ الْإِسْلَامُ (قَوْلُهُ وَلَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ إلَخْ) تَرْغِيبًا لَهُ فِي الْإِسْلَامِ (قَوْلُهُ وَمِلْكُهُ ضَعِيفٌ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ فِي مَالِ الْمُكَاتَبِ زَكَاةٌ حَتَّى يَعْتِقَ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَمِثْلُهُ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute