للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَيْتِ الْمَقْدِسِ (ثُمَّ) أُمِرَ (بِاسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ ثُمَّ فُرِضَ الصَّوْمُ) بَعْدَ الْهِجْرَةِ بِسَنَتَيْنِ تَقْرِيبًا (وَ) فُرِضَتْ (الزَّكَاةُ) بَعْدَ الصَّوْمِ وَقِيلَ قَبْلَهُ (ثُمَّ) فُرِضَ (الْحَجُّ) سَنَةَ سِتٍّ وَقِيلَ سَنَةَ خَمْسٍ (وَلَمْ يَحُجَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ الْهِجْرَةِ إلَّا حَجَّةَ الْوَدَاعِ) سَنَةَ عَشْرٍ (وَاعْتَمَرَ أَرْبَعًا) .

(وَمَنَعَ) أُمَّتَهُ أَوَّلَ الْإِسْلَامِ (مِنْ قِتَالِ الْكُفَّارِ) وَأُمِرُوا بِالصَّبْرِ عَلَى أَذَاهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ} [آل عمران: ١٨٦] الْآيَةَ (ثُمَّ أُمِرَ بِهِ إذَا اُبْتُدِئُوا) بِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} [البقرة: ١٩٠] (ثُمَّ أُبِيحَ) لَهُ (ابْتِدَاؤُهُ فِي غَيْرِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ) بِقَوْلِهِ {فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ} [التوبة: ٥] الْآيَةَ (ثُمَّ أَمَرَ بِهِ مُطْلَقًا) مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِشَرْطٍ وَلَا زَمَانٍ بِقَوْلِهِ {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} [البقرة: ١٩١] .

(وَمَا عَبَدَ صَنَمًا قَطُّ) قَالَ الرَّافِعِيُّ وَرَوَوْا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَا كَفَرَ بِاَللَّهِ نَبِيٌّ قَطُّ» انْتَهَى وَمَعْنَاهُ صَحِيحٌ إجْمَاعًا قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ كَانَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ يَتَعَبَّدُ عَلَى دِينِ إبْرَاهِيمَ أَمْ نُوحٍ أَمْ مُوسَى أَمْ عِيسَى أَمْ لَمْ يَلْتَزِمْ دِينَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُجْزَمُ فِي ذَلِكَ بِشَيْءٍ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ اهـ وَصَحَّحَ الْوَاحِدِيُّ الْأَوَّلَ وَعَزَى إلَى الشَّافِعِيِّ وَاقْتَصَرَ الرَّافِعِيُّ عَلَى نَقْلِهِ عَنْ صَاحِبِ الْبَيَانِ.

(وَالْأَنْبِيَاءُ مَعْصُومُونَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ مِنْ الْكُفْرِ وَفِي) عِصْمَتِهِمْ قَبْلَهَا مِنْ (الْمَعَاصِي خِلَافٌ وَ) هُمْ مَعْصُومُونَ (بَعْدَهَا مِنْ الْكَبَائِرِ) وَمِنْ كُلِّ مَا يُزْرِي بِالْمُرُوءَةِ (وَكَذَا) مِنْ (الصَّغَائِرِ) وَلَوْ سَهْوًا (عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ) لِكَرَامَتِهِمْ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَصْدُرَ عَنْهُمْ شَيْءٌ مِنْهَا وَتَأَوَّلُوا الظَّوَاهِرَ الْوَارِدَةَ فِيهَا وَجَوَّزَ الْأَكْثَرُونَ صُدُورَهَا عَنْهُمْ سَهْوًا إلَّا الدَّالَّةَ عَلَى الْخِسَّةِ كَسَرِقَةِ لُقْمَةٍ.

(وَشَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا لَيْسَ بِشَرْعٍ لَنَا) وَإِنْ لَمْ يَرِدْ شَرْعُنَا بِنَسْخِ ذَلِكَ الْحُكْمِ.

قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَبُعِثَ وَلَهُ أَرْبَعُونَ سَنَةً وَأَقَامَ بِمَكَّةَ بَعْدَ النُّبُوَّةِ ثَلَاثَ عَشَرَةَ سَنَةً عَلَى الصَّحِيحِ فِيهِمَا ثُمَّ هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ فَأَقَامَ بِهَا عَشْرًا بِالْإِجْمَاعِ وَدَخَلَهَا ضُحَى يَوْمِ الِاثْنَيْنِ لِثِنْتَيْ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعِ الْأَوَّلِ وَتُوُفِّيَ ضُحَى يَوْمِ الِاثْنَيْنِ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ إحْدَى عَشْرَةَ مِنْ الْهِجْرَةِ.

(الطَّرَفُ الثَّانِي فِي وُجُوبِ الْجِهَادِ وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ) لَا فَرْضُ عَيْنٍ وَإِلَّا لَتَعَطَّلَ الْمَعَاشُ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: ٩٥] الْآيَةَ ذَكَرَ فَضْلَ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ وَوَعَدَ كُلًّا الْحُسْنَى وَالْعَاصِي لَا يُوعَدُ بِهَا وَفِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فَقَدْ غَزَا وَمِنْ خَلَفَهُ فِي أَهْلِهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا» (فَلَوْ عُطِّلَ) الْجِهَادُ بِأَنْ امْتَنَعَ كُلُّ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ وَفُرِضَتْ الزَّكَاةُ بَعْدَ الصَّوْمِ إلَخْ) فُرِضَتْ زَكَاةُ الْفِطْرِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ ثُمَّ فُرِضَتْ زَكَاةُ الْمَالِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ سَنَةَ خَمْسٍ) جَزَمَ الرَّافِعِيُّ فِي أَوَائِلِ الْحَجِّ بِأَنَّهُ سَنَةَ خَمْسٍ.

(قَوْلُهُ وَصَحَّحَ الْوَاحِدِيُّ الْأَوَّلَ) هُوَ الرَّاجِحُ.

(قَوْلُهُ وَفِي الْمَعَاصِي خِلَافٌ) فَالْأَشَاعِرَةُ عَلَى جَوَازِهِ عَقْلًا خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ وَالرَّوَافِضِ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ الْأَصْلِ الْفَاسِدِ مِنْ الْقُبْحِ الْعَقْلِيِّ وَكَتَبَ أَيْضًا فَقَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا وَجَمْعٌ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ: لَا يَمْنَعُ أَنْ تَصْدُرَ عَنْهُمْ كَبِيرَةٌ إذْ لَا دَلَالَةَ لِلْمُعْجِزَةِ عَلَى امْتِنَاعِهَا قَبْلَ الْبَعْثَةِ وَلَا حُكْمَ لِلْعَقْلِ بِامْتِنَاعِهَا وَلَا دَلَالَةَ سَمْعِيَّةً عَلَيْهِ أَيْضًا وَقَالَ أَكْثَرُ الْمُعْتَزِلَةِ تَمْتَنِعُ الْكَبِيرَةُ وَإِنْ تَابَ مِنْهَا لِأَنَّهُ يُوجِبُ النَّفْرَةَ فَهِيَ تَمْنَعُ عَنْ اتِّبَاعِهِ فَتَفُوتُ مَصْلَحَةُ الْبَعْثَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْنَعُ عَنْ مُتَابَعَتِهِمْ مُطْلَقًا سَوَاءٌ لَمْ يَكُنْ ذَنْبًا لَهُمْ أَوْ كَانَ كَزِنًا لِأُمَّهَاتٍ وَفُجُورِ الْآبَاءِ وَدَنَاءَتِهِمْ وَاسْتِرْذَالِهِمْ أَوْ الصَّغَائِرِ الْخَسِيسَةِ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ الصَّغَائِرِ

وَقَالَتْ الرَّوَافِضُ: لَا تَجُوزُ عَلَيْهِمْ صَغِيرَةٌ وَلَا كَبِيرَةٌ لَا عَمْدًا وَلَا سَهْوًا وَلَا خَطَأً فِي التَّأْوِيلِ بَلْ هُمْ مُبَرَّءُونَ عَنْهَا بِأَسْرِهَا قَبْلَ الْوَحْيِ فَكَيْفَ بَعْدَهُ (قَوْلُهُ وَكَذَا مِنْ الصَّغَائِرِ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ) وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنَّهُ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا وَنَقَلَهُ ابْنُ حَزْمٍ فِي الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُجَاهِدٍ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ فُورَكٍ وَقَالَ: إنَّهُ الَّذِي نَدِينُ اللَّهَ بِهِ وَعَلَى ذَلِكَ جَرَى الْمُتَأَخِّرُونَ كَالْبُلْقِينِيِّ وَمَنْ عَاصَرَهُ وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ فِي تَفْسِيرِهِ الَّذِي أَقُولُ: إنَّهُمْ مَعْصُومُونَ مِنْ الْجَمِيعِ وَذَكَرَ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ التَّوْبَةَ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إلَيْهِ فِي الْيَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً تَوْبَةً» لُغَوِيَّةٌ لِرُجُوعِهِ مِنْ كَمَالٍ إلَى أَكْمَلَ بِسَبَبِ تَزَايُدِ عُلُومِهِ وَاطِّلَاعِهِ عَلَى مَا لَمْ يَكُنْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ مِنْ قَبْلُ، وَقَدْ وَافَقَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْإِرْشَادِ الْمُحَقِّقِينَ عَلَى مَنْعِ تَصَوُّرِ الْمَعْصِيَةِ مِنْهُمْ (قَوْلُهُ وَجَوَّزَ الْأَكْثَرُونَ صُدُورَهَا عَنْهُمْ سَهْوًا) لَكِنْ لَا يُصِرُّونَ وَلَا يُقِرُّونَ بَلْ يُنَبَّهُونَ فَيَنْتَبِهُونَ.

(قَوْلُهُ وَتُوُفِّيَ ضُحَى يَوْمِ الِاثْنَيْنِ لِاثْنَيْ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَبِيعِ الْأَوَّلِ إلَخْ) لَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يَكُونَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ ثَانِيَ عَشْرَ رَبِيعِ الْأَوَّلِ مَعَ كَوْنِ الْوَقْفَةِ بِعَرَفَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لَا عَلَى تَقْدِيرِ تَمَامِ الشُّهُورِ وَلَا عَلَى نَقْصِهَا وَلَا عَلَى تَقْدِيرِ تَمَامِ بَعْضِهَا وَنَقْصِ بَعْضِهَا إنْ تَمَّتْ كُلُّهَا فَثَانِيَ عَشَرَ رَبِيعِ الْأَوَّلِ يَوْمُ الْأَحَدِ، وَإِنْ نَقَصْت فَهُوَ يَوْمُ الْخَمِيسِ وَإِنْ تَمَّ اثْنَانِ فَهُوَ يَوْمُ السَّبْتِ وَإِنْ نَقَصَ اثْنَانِ فَيَوْمُ الْجُمُعَةِ وَأُجِيبَ عَنْ اعْتِرَاضِهِ بِأَنَّهُ عَجِيبٌ لِأَنَّ حَاصِلَ كَلَامِ النَّوَوِيِّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تُوُفِّيَ فِي الثَّالِثَ عَشَرَ لِأَنَّهُ إذَا خَلَتْ ثِنْتَا عَشْرَةَ ثُمَّ تُوُفِّيَ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ ضُحًى يَوْمَ الِاثْنَيْنِ ثَالِثَ عَشْرَ رَبِيعَ الْأَوَّلِ عَلَى تَقْدِيرِ تَمَامِ تِلْكَ الْأَشْهُرِ وَبِأَنَّهُ صَحِيحٌ إذَا اتَّفَقَتْ الْمَطَالِعُ أَمَّا إذَا اخْتَلَفَ فَيَنْدَفِعُ بِكَوْنِ ذِي الْقَعْدَةِ نَاقِصًا بِمَكَّةَ كَامِلًا بِالْمَدِينَةِ وَمُؤَرَّخٌ لِوَفَاةِ مَدَنِيٍّ (تَنْبِيهٌ)

حَاصِلُ مَا صَحَّحَهُ أَنَّ عُمُرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثٌ وَسِتُّونَ سَنَةً وَرَوَى الْبُخَارِيُّ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَهَذَا عِنْدِي أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ رَبِيعَةَ وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ هَذَا أَثْبَتُ الْأَقْوَالِ قَالَ فِي الْخَادِمِ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ خَمْسٌ وَسِتُّونَ سَنَةً وَصَحَّحَهُ أَبُو حَاتِمٍ فِي تَارِيخِهِ وَصَحَّحَ الْحَاكِمُ سِتِّينَ وَفِي تَارِيخِ ابْنِ عَسَاكِرَ ثِنْتَانِ وَسِتُّونَ وَنِصْفُ سَنَةٍ وَأَصْلُ هَذَا الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي مُدَّةِ الْإِقَامَةِ بِمَكَّةَ بَعْدَ الْبَعْثَةِ هَلْ هِيَ ثَلَاثَ عَشَرَ أَوْ عَشَرًا وَخَمْسَ عَشْرَةَ وَقَدْ جُمِعَ بَيْنَ هَذِهِ الْأَقْوَالَ بِأَنَّ مَنْ قَالَ خَمْسًا وَسِتِّينَ حَسَبَ السَّنَةِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا وَاَلَّتِي قُبِضَ فِيهَا وَمَنْ قَالَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَسْقَطَهُمَا وَمَنْ قَالَ سِتِّينَ أَسْقَطَ الْكُسُورَ وَمَنْ قَالَ ثِنْتَيْنِ وَسِتِّينَ وَنِصْفًا اعْتَمَدَ عَلَى حَدِيثِ «لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ إلَّا عَاشَ نِصْفَ عُمُرِ الَّذِي قَبْلَهُ» .

[الطَّرَفُ الثَّانِي فِي وُجُوبِ الْجِهَادِ]

(قَوْلُهُ الطَّرَفُ الثَّانِي فِي وُجُوبِ الْجِهَادِ إلَخْ) فَرْضُهُ الْعَامُّ نَزَلَ فِي سُورَةِ {بَرَاءَةٌ} [التوبة: ١] سَنَةَ ثَمَانٍ بَعْدَ الْفَتْحِ قَالَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>