للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُسْلِمِينَ مِنْهُ (أَثِمَ كُلُّ مَنْ لَا عُذْرَ لَهُ) مِنْ الْأَعْذَارِ الْآتِي بَيَانُهَا كَتَرْكِ سَائِرِ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ.

(وَإِنْ جَاهَدَ مَنْ فِيهِ كِفَايَةٌ سَقَطَ) الْفَرْضُ (عَنْ الْبَاقِينَ وَتَحْصُلُ الْكِفَايَةُ بِأَنْ يَشْحَنَ الْإِمَامُ الثُّغُورَ بِمُكَافِئِينَ لِلْكُفَّارِ مَعَ إحْكَامِ الْحُصُونِ وَ) حَفْرِ (الْخَنَادِقِ) وَنَحْوِهَا (وَتَقْلِيدِ الْأُمَرَاءِ) بِأَنْ يُرَتِّبَ فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ أَمِيرًا كَافِيًا يُقَلِّدُهُ أُمُورَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْجِهَادِ وَغَيْرِهِ (أَوْ بِأَنْ يَدْخُلَ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ دَارَ الْكُفْرِ بِالْجُيُوشِ لِقِتَالِهِمْ) .

(وَأَقَلُّهُ) أَيْ الْجِهَادِ (مَرَّةٌ) وَاحِدَةٌ (فِي السَّنَةِ) كَإِحْيَاءِ الْكَعْبَةِ وَلِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ مُنْذُ أُمِرَ بِهِ كُلَّ سَنَةٍ فَكَانَتْ غَزْوَةُ بَدْرٍ الْكُبْرَى فِي الثَّانِيَةِ وَأُحُدٍ ثُمَّ بَدْرٍ الصُّغْرَى ثُمَّ بَنِي النَّضِيرِ فِي الثَّالِثَةِ وَالْخَنْدَقِ فِي الرَّابِعَةِ وَذَاتِ الرِّقَاعِ ثُمَّ دُومَةِ الْجَنْدَلِ وَبَنِي قُرَيْظَةَ فِي الْخَامِسَةِ وَالْحُدَيْبِيَةِ وَبَنِي الْمُصْطَلِقِ فِي السَّادِسَةِ وَخَيْبَرَ فِي السَّابِعَةِ وَمُؤْتَةَ وَذَاتِ السَّلَاسِلِ وَفَتْحِ مَكَّةَ وَحُنَيْنٍ وَالطَّائِفِ فِي الثَّامِنَةِ وَتَبُوكَ فِي التَّاسِعَةِ عَلَى خِلَافٍ فِي بَعْضِ ذَلِكَ جَرَى عَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ وَتَبِعْته عَلَيْهِ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَلِأَنَّ الْجِزْيَةَ لِكَفِّ الْقِتَالِ وإنَّمَا تُؤْخَذُ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً وَكَذَا سَهْمُ الْغُزَاةِ فَلَا بُدَّ مِنْ جِهَادٍ فِيهَا، فَإِنْ زَادَ عَلَى مَرَّةٍ فَهُوَ أَفْضَلُ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ (لَا أَقَلُّ) مِنْ مَرَّةٍ يَعْنِي لَا يَجُوزُ إخْلَاءُ سَنَةٍ عَنْهَا (إلَّا لِضَرُورَةٍ كَعَجْزٍ) عَنْ قِتَالِهِمْ (أَوْ عُذْرٍ كَعِزَّةٍ زَادَ) فِي الطَّرِيقِ (وَانْتِظَارِ) لَحَاقِ (مَدَدٍ وَتَوَقُّعِ إسْلَامِ قَوْمٍ) مِنْهُمْ فَيُؤَخَّرُ الْجِهَادُ حَتَّى تَزُولَ الضَّرُورَةُ أَوْ الْعُذْرُ وَإِنْ دَعَتْ الْحَاجَةُ لِأَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ فِي السَّنَةِ وَجَبَ ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ.

(وَيَبْدَأُ) وُجُوبًا إنْ لَمْ يُمْكِنْ بَثُّ الْأَجْنَادِ لِلْجِهَادِ فِي جَمِيعِ النَّوَاحِي (بِالْأَهَمِّ) فَالْأَهَمِّ مِنْهَا وَقَوْلُهُ (وَهُوَ الْأَشَدُّ ضَرَرًا) عَلَيْنَا مِنْ زِيَادَتِهِ (ثُمَّ) نَدْبًا (الْأَقْرَبَ) إلَيْنَا إنْ لَمْ يَكُنْ أَهَمَّ.

(وَيُنَاوِبُ بَيْنَ الْغُزَاةِ) مُرَاعَاةً لِلنَّصَفَةِ فَلَا يَتَحَامَلُ عَلَى طَائِفَةٍ بِتَكْرِيرِ الْإِغْزَاءِ مَعَ إرَاحَةِ الْآخَرِينَ.

(وَلَا يَجِبُ) الْجِهَادُ (إلَّا عَلَى مُسْلِمٍ بَالِغٍ عَاقِلٍ ذَكَرٍ حُرٍّ مُسْتَطِيعٍ) لَهُ وَلَوْ سَكْرَانَ (لَا) عَلَى (صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ) لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِمَا (وَ) لَا عَلَى (امْرَأَةٍ وَخُنْثَى) لِضَعْفِهِمَا عَنْ الْقِتَالِ غَالِبًا وَلِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ وَغَيْرِهِ عَنْ عَائِشَةَ «قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ عَلَى النِّسَاءِ جِهَادٌ قَالَ نَعَمْ جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ» (وَ) لَا عَلَى (مَنْ فِيهِ رِقٌّ) وَلَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مُبَعَّضًا (وَإِنْ أَمَرَهُ سَيِّدُهُ) بِهِ كَمَا فِي الْحَجِّ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لَهُ نَعَمْ لِلسَّيِّدِ اسْتِصْحَابُ غَيْرِ الْمُكَاتَبِ لِلْخِدْمَةِ كَمَا فِي الْحَضَرِ (وَ) لَا عَلَى (ذِمِّيٍّ) وَغَيْرِهِ مِنْ سَائِرِ الْكُفَّارِ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُطَالَبِينَ بِهِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَالذِّمِّيُّ بَذَلَ الْجِزْيَةَ لِنَذُبَّ عَنْهُ لَا لِيَذُبَّ عَنَّا (وَ) لَا عَلَى (بَيِّنِ الْعَرَجِ وَلَوْ رَكِبَ) لِعَجْزِهِ وَالدَّابَّةُ قَدْ تَتَعَطَّلُ فَيَتَعَذَّرُ الْفِرَارُ (وَ) لَا عَلَى (مَرِيضٍ تَعْظُمُ مَشَقَّتُهُ وَأَشَلَّ يَدٍ وَفَاقِدِ مُعْظَمِ أَصَابِعِهَا) وَفَاقِدِ الْأَنَامِلِ (وَأَعْمَى وَعَادِمِ أُهْبَةٍ وَذِي عُذْرٍ يُسْقِطُ الْحَجَّ) أَيْ وُجُوبَهُ كَعَدَمِ رَاحِلَةٍ فِي سَفَرِ الْقَصْرِ لِعَجْزِهِمْ (إلَّا الْخَوْفَ) مِنْ الْكُفَّارِ وَمُتَلَصِّصِي الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الْجِهَادِ لِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى رُكُوبِ الْمَخَاوِفِ (فَإِنْ بَذَلَ الْأُهْبَةَ) لِفَاقِدِهَا (غَيْرُ الْإِمَامِ لَمْ يَلْزَمْ الْقَبُولُ) بِخِلَافِ مَا لَوْ بَذَلَهَا لَهُ الْإِمَامُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ يَلْزَمُهُ قَبُولُهَا لِأَنَّهَا حَقُّهُ.

(وَيَجِبُ) الْجِهَادُ (عَلَى أَعْوَرَ وَأَعْشَى وَضَعِيفِ نَظَرٍ يُبْصِرُ الشَّخْصَ وَالسِّلَاحَ) لِيَتَّقِيَهُمَا وَفَاقِدِ أَقَلِّ أَصَابِعِ يَدٍ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ مُكَافَحَةَ الْعَدُوِّ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى فَاقِدِ الْإِبْهَامِ وَالْمُسَبِّحَةِ وَفَاقِدِ الْوُسْطَى وَالْبِنْصِرِ لَكِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا أَيْ كَمَا لَا يُجْزِئَانِ فِي الْكَفَّارَةِ، وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا (وَ) عَلَى (ذِي صُدَاعٍ وَعَرَجٍ يَسِيرَيْنِ) لِأَنَّهُمَا لَا يَمْنَعَانِ مُكَافَحَةَ الْعَدُوِّ.

(وَيُؤْذَنُ لِلْمُرَاهِقِ) أَيْ يَأْذَنُ لَهُ الْإِمَامُ مَعَ أَصْلِهِ فِي الْخُرُوجِ لِلْجِهَادِ لِمُدَاوَاةِ الْجَرْحَى وَسَقْيِ الْمَاءِ وَحِفْظِ الْأَمْتِعَةِ وَنَحْوِهَا (لَا لِلْمَجْنُونِ) إذْ لَا فَائِدَةَ لَهُ بَلْ قَدْ يُشَوِّشُ.

(وَيَسْتَصْحِبُ) مَعَهُ (النِّسَاءُ لِلْمُدَاوَاةِ وَالسَّقْيِ) وَنَحْوِهِمَا عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَأْذَنَ لِلْمُرَاهِقِينَ وَالنِّسَاءِ فِي الْخُرُوجِ وَأَنْ يَسْتَصْحِبَهُمْ لِسَقْيِ الْمَاءِ وَمُدَاوَاةِ الْمَرْضَى وَمُعَالَجَةِ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ وَإِنْ جَاهَدَ مَنْ فِيهِ كِفَايَةٌ سَقَطَ الْفَرْضُ عَنْ الْبَاقِينَ) شَمِلَ مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ فَرْضِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ فَلَوْ قَامَ بِهِ مُرَاهِقُونَ سَقَطَ الْحَرَجُ عَنْ أَهْلِ الْفَرْضِ (قَوْلُهُ أَوْ بِأَنْ يَدْخُلَ الْإِمَامُ إلَخْ) عَبَّرَ بِأَوْ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْوَاوَ فِي عِبَارَةِ أَصْلِهِ بِمَعْنَاهَا وَكُتِبَ أَيْضًا مَا ذَكَرَهُ مِنْ حُصُولِ الْكِفَايَةِ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ أَصَرْحُ مِنْ عِبَارَةِ أَصْلِهِ وَعِبَارَتِهِ فِي شَرْحِ إرْشَادِهِ وَيَسْقُطُ هَذَا الْفَرْضُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ يَشْحَنَ الْإِمَامُ الثُّغُورَ بِالرِّجَالِ الْكَامِنِينَ لِلْعَدُوِّ فِي الْقِتَالِ وَيُوَلِّي عَلَى كُلِّ نَفَرٍ أَمِينًا كَافِيًا يُقَلِّدُهُ أَمْرَ الْجِهَادِ وَأُمُورَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَّا أَنْ يَدْخُلَ دَارَ الْكُفْرِ غَازِيًا بِنَفْسِهِ بِالْجُيُوشِ أَوْ يُؤَمِّرَ عَلَيْهِمْ مِنْ يَصْلُحُ لِذَلِكَ وَتَبِعَهُ ابْنُ أَبِي شَرِيفٍ فِي شَرْحِهِ وَعِبَارَةُ الْمُنْتَقَى وَالْكِفَايَةِ إمَّا بِإِشْحَانِ الْإِمَامِ الثُّغُورَ بِكِفَايَةِ مَنْ بِإِزَائِهِمْ وَإِمَّا بِدُخُولِهِ دَارَهُمْ غَازِيًا أَوْ بَعْثِهِ صَالِحًا لَهُ اهـ وَقَالَ ابْنُ زُهْرَةَ فِي تَفْسِيرِهِ قَالَ عُلَمَاؤُنَا وَتَحْصُلُ الْكِفَايَةُ بِأَنْ يَشْحَنَ الْإِمَامُ الثُّغُورَ بِجَمَاعَةٍ يُكَافِئُونَ مَنْ بِإِزَائِهِمْ أَوْ يَدْخُلَ دَارَ الْكُفْرِ غَازِيًا إمَّا بِنَفْسِهِ أَوْ بِجَيْشٍ يُؤَمِّرُ عَلَيْهِمْ مَنْ يَصْلُحُ لِذَلِكَ.

(قَوْلُهُ كَإِحْيَاءِ الْكَعْبَةِ) وَلِأَنَّ الْجِزْيَةَ تَجِبُ بَدَلًا عَنْهُ وَهِيَ وَاجِبَةٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ فَكَذَلِكَ هُوَ لِأَنَّ تَأْخِيرَهُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ يَطْمَعُ الْعَدُوُّ فِي الْمُسْلِمِينَ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْجِزْيَةَ لِكَفِّ الْقِتَالِ إلَخْ) وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ} [التوبة: ١٢٦] قَالَ مُجَاهِدٌ نَزَلَتْ فِي الْجِهَادِ وَلِأَنَّهُ فَرْضٌ يَتَكَرَّرُ وَأَقَلُّ مَا وَجَبَ الْمُتَكَرِّرُ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةٌ كَالصَّوْمِ (قَوْلُهُ ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.

(قَوْلُهُ وَلَا عَلَى مَرِيضٍ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الرَّمَدَ كَالْمَرَضِ إنْ كَانَ شَدِيدًا مَنَعَ الْوُجُوبَ وَإِلَّا فَلَا (قَوْلُهُ: وَفَاقِدِ مُعْظَمِ أَصَابِعِهَا) أَيْ أَوْ أَشَلِّهَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيَظْهَرُ أَنَّ فَقْدَ الْإِبْهَامِ وَالْمُسَبِّحَةِ وَالْوُسْطَى وَالْبِنْصِرِ كَفَقْدِ أَكْثَرِهَا إذْ بَقِيَّةُ الْأَصَابِعِ لَا تُمْسِكُ السَّيْفَ وَنَحْوَهُ إمْسَاكًا يَنْتَفِعُ بِهِ الْمُقَاتِلُ وَقَوْلُهُ وَيَظْهَرُ أَنَّ فَقْدَ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.

(قَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ قَالَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ فَقْدَ الْأَنَامِلِ كَفَقْدِ الْأَصَابِعِ وَبِذَا جَزَمَ الشَّارِحُ فِيمَا مَرَّ وَجَزَمَ بِهِ الْأَذْرَعِيُّ فِي غُنْيَتِهِ وَهُوَ الرَّاجِحُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>