قَالَ فِي الرَّوْضَةِ كَانَ يَقْرَأُ هَاتَيْنِ فِي وَقْتٍ وَهَاتَيْنِ فِي وَقْتٍ فَالصَّوَابُ أَنَّهُمَا سُنَّتَانِ لَا قَوْلَانِ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ قَالَ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الرُّبَيِّعُ قَالَ سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ إنَّهُ يَخْتَارُ الْجُمُعَةَ وَالْمُنَافِقِينَ وَلَوْ قَرَأَ بِسَبِّحْ وَهَلْ أَتَاك كَانَ حَسَنًا وَفِيمَا نَقَلَهُ إشَارَةً إلَى أَنَّ قِرَاءَةَ الْأُولَيَيْنِ أَوْلَى وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ (وَإِنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ فِي الْأُولَى) عَمْدًا أَوْ سَهْوًا أَوْ جَهْلًا (جَمَعَهُمَا) أَيْ الْجُمُعَةَ وَالْمُنَافِقِينَ (فِي الثَّانِيَةِ) كَيْ لَا تَخْلُوَ صَلَاتُهُ عَنْهُمَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَلَا يُعَارَضُ بِتَطْوِيلِهَا عَلَى الْأَوْلَى فَإِنْ تَرَكَهُ أُدِّبَ لَا يُقَاوَمُ فَضْلُهُمَا قُلْت؛ وَلِأَنَّ تَرْكَهُ مَحَلُّهُ إذْ لَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِخِلَافِهِ وَهُنَا وَرَدَ بِخِلَافِهِ إذْ السُّنَّةُ قِرَاءَةُ الْجُمُعَةِ أَوْ سَبِّحْ فِي الْأُولَى وَالْمُنَافِقِينَ أَوْ الْغَاشِيَةَ فِي الثَّانِيَةِ كَمَا مَرَّ أَنَّ فِيهِ تَطْوِيلَهَا عَلَى الْأُولَى (وَإِنْ عَكَسَ) بِأَنْ قَرَأَ الْمُنَافِقِينَ فِي الْأُولَى وَالْجُمُعَةَ فِي الثَّانِيَةِ (لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَهُمَا) فِيهَا بَلْ يَقْتَصِرُ فِيهَا عَلَى الْجُمُعَةِ وَمَا ذُكِرَ فِي الْجُمُعَةِ وَالْمُنَافِقِينَ يَأْتِي فِي سَبِّحْ وَالْغَاشِيَةِ
(فَرْعٌ يُكْرَهُ) لِكُلِّ أَحَدٍ (تَخَطِّي الرِّقَابِ) «؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ فَقَالَ لَهُ اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْت وَأَنَيْت أَيْ تَأَخَّرْت» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَاهُ (إلَّا لِلْإِمَامِ) إذَا لَمْ يَبْلُغْ الْمِنْبَرَ أَوْ الْمِحْرَابَ إلَّا بِالتَّخَطِّي فَلَا يُكْرَهُ لِاضْطِرَارِهِ إلَيْهِ (وَمَنْ لَمْ يَجِدْ فُرْجَةً) بِأَنْ لَمْ يَبْلُغْهَا (إلَّا بِتَخَطِّي صَفٍّ أَوْ صَفَّيْنِ) فَلَا يُكْرَهُ، وَإِنْ وَجَدَ غَيْرَهَا لِتَقْصِيرِ الْقَوْمِ بِإِخْلَاءِ الْفُرْجَةِ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهُ إنْ وَجَدَ غَيْرَهَا أَنْ لَا يَتَخَطَّى وَذِكْرُ الْكَرَاهَةِ وَالتَّقْيِيدِ بِصَفٍّ أَوْ صَفَّيْنِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَعَبَّرَ عَنْهُ الشَّافِعِيُّ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ بِرَجُلٍ أَوْ رَجُلَيْنِ فَالْمُرَادُ كَمَا فِي التَّوْشِيحِ وَغَيْرِهِ اثْنَانِ مُطْلَقًا فَقَدْ يَحْصُلُ تَخَطِّيهمَا مِنْ صَفٍّ وَاحِدٍ لِازْدِحَامٍ فَإِنْ أَرَادَ فِي التَّخَطِّي عَلَيْهِمَا وَرَجَا أَنْ يَتَقَدَّمُوا إلَى الْفُرْجَةِ إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ كُرِهَ لِكَثْرَةِ الْأَذَى وَحَيْثُ قُلْنَا بِالْكَرَاهَةِ فَهِيَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ وَاخْتَارَهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي الشَّهَادَاتِ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ وَيُفَارِقُ إبَاحَةَ التَّخَطِّي حَيْثُ قُيِّدْت بِمَا ذُكِرَ إبَاحَةُ خَرْقِ الصُّفُوفِ حَيْثُ لَمْ تُقَيَّدْ بِذَلِكَ كَمَا مَرَّ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَصِفَةِ الْأَئِمَّةِ بِأَنَّ فِي تَرْكِ خَرْقِهَا إدْخَالًا لِلنَّقْصِ عَلَى صَلَاتِهِ وَصَلَاتِهِمْ بِخِلَافِ تَخَطِّي الرِّقَابِ فَإِنَّهُ إذَا صَبَرَ تَقَدَّمُوا عِنْدَ إقَامَةِ الصُّفُوفِ وَتَسْوِيَتِهَا لِلصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يُنْدَبُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْمُرَ بِتَسْوِيَتِهَا كَمَا فَعَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
(وَيَحْرُمُ أَنْ يُقِيمَ أَحَدًا) لِيَجْلِسَ مَكَانَهُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «لَا يُقِيمُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ يَجْلِسُ فِيهِ وَلَكِنْ يَقُولُ تَفَسَّحُوا أَوْ تَوَسَّعُوا فَإِنْ قَامَ الْجَالِسُ بِاخْتِيَارِهِ وَأَجْلَسَ غَيْرُهُ فَلَا كَرَاهَةَ فِي جُلُوسِ غَيْرِهِ» ، وَأَمَّا هُوَ فَإِنْ انْتَقَلَ إلَى مَكَان أَقْرَبَ إلَى الْإِمَامِ أَوْ مِثْلِهِ لَمْ يُكْرَهْ وَإِلَّا كُرِهَ إنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ؛ لِأَنَّ الْإِيثَارَ بِالْقُرْبِ مَكْرُوهٌ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} [الحشر: ٩] فَالْمُرَادُ الْإِيثَارُ فِي حُظُوظِ النُّفُوسِ (وَيَجُوزُ أَنْ يَبْعَثَ مَنْ يَقْعُدُ لَهُ) فِي مَكَان (لِيَقُومَ عَنْهُ) إذَا جَاءَ هُوَ (وَإِذَا فُرِشَ لِأَحَدٍ ثَوْبٌ) أَوْ نَحْوُهُ (فَلَهُ) أَيْ فَلِغَيْرِهِ (تَنْحِيَتُهُ) وَالصَّلَاةُ مَكَانَهُ (لَا الْجُلُوسُ عَلَيْهِ) بِغَيْرِ رِضَا صَاحِبِهِ (وَلَا يَرْفَعُهُ) بِيَدِهِ أَوْ غَيْرِهَا (فَيَضْمَنُهُ) أَيْ لِئَلَّا يَدْخُلَ فِي ضَمَانِهِ
(وَلْيَشْتَغِلْ) نَدْبًا مَنْ حَضَرَ (قَبْلَ الْخُطْبَةِ بِالذِّكْرِ وَالتِّلَاوَةِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) لِيَنَالَ ثَوَابَهَا فِي هَذَا الْوَقْتِ الْعَظِيمِ (وَيُكْثِرُ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الصَّلَاةِ (عَلَيْهِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فِي يَوْمِهَا وَلَيْلَتِهَا) لِخَبَرِ «إنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهِ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَخَبَرِ «أَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنْ الصَّلَاةِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ فَمَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَأَفْهَمَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ مِنْ زِيَادَتِهِ عَلَيْهِ أَنَّ الْإِكْثَارَ خَاصٌّ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِهِ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ كَيْ لَا تَخْلُوَ صَلَاتُهُ عَنْهُمَا) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي أَذْكَارِهِ وَكَذَا صَلَاةُ الْعِيدِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَالْوِتْرِ وَسُنَّةِ الْفَجْرِ وَغَيْرِهَا مِمَّا ذَكَرْنَاهُ مِمَّا هُوَ فِي مَعْنَاهُ إذَا تَرَكَ فِي الْأُولَى مَا هُوَ مَسْنُونٌ فِيهَا أَتَى فِي الثَّانِيَةِ بِالْأَوَّلِ وَالثَّانِي لِئَلَّا تَخْلُوَ صَلَاتُهُ مِنْ هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ
[فَرْعٌ تَخَطِّي الرِّقَابِ فِي صَلَاة الْجُمُعَة]
(قَوْلُهُ؛ «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا يَتَخَطَّى» إلَخْ) وَلِقَوْلِهِ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ اتَّخِذْ جِسْرًا إلَى جَهَنَّمَ» أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ (قَوْلُهُ إلَّا لِلْإِمَامِ إلَخْ) وَيُسْتَثْنَى مِنْ كَرَاهَةِ التَّخَطِّي صُورَةٌ مِنْهَا الرَّجُلُ الْعَظِيمُ فِي النُّفُوسِ إذَا أَلِفَ مَوْضِعًا فَلَا يُكْرَهُ لَهُ لِقِصَّةِ عُثْمَانَ الْمَشْهُورَةِ وَتَخَطِّيهِ وَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ قَالَهُ الْقَفَّالُ وَالْمُتَوَلِّي قَالَ الْأَذْرَعِيُّ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَنْ ظَهَرَ صَلَاحُهُ وَوِلَايَتُهُ فَإِنَّ النَّاسَ يَتَبَرَّكُونَ بِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَظَّمًا فَلَا يَتَخَطَّى وَإِنْ أَلِفَ مَوْضِعًا يُصَلِّي فِيهِ قَالَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَمِنْهَا مَا إذَا أَذِنَ لَهُ الْقَوْمُ فِي التَّخَطِّي فَلَا يُكْرَهُ لَهُمْ الْإِذْنُ وَالرِّضَا بِإِدْخَالِهِمْ الضَّرَرَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ إلَّا أَنْ يُكْرَهَ لَهُمْ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، وَهُوَ أَنَّ الْإِيثَارَ بِالْقُرْبِ مَكْرُوهٌ كَذَا قَالَهُ ابْنُ الْعِمَادِ الْأَقْفَهْسِيُّ لَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّ كَرَاهَةَ التَّخَطِّي لَا تَزُولُ فَإِنَّهُ لَمَّا حَكَى مَذَاهِبَ الْعُلَمَاءِ قَالَ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ مَكْرُوهٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ قُدَّامَهُ فُرْجَةٌ وَالْقَوْلُ الثَّانِي يُكْرَهُ مُطْلَقًا وَعَنْ مَالِكٍ إذَا جَلَسَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ وَلَا بَأْسَ بِهِ قَبْلَهُ وَعَنْ أَبِي نَصْرٍ جَوَازُ ذَلِكَ بِإِذْنِهِمْ وَحِكَايَةُ هَذَا عَنْ أَبِي نَصْرٍ تَقْتَضِي بَقَاءَ الْكَرَاهَةِ عِنْدَ غَيْرِهِ مَعَ الْإِذْنِ وَيُمْكِنُ تَوْجِيهُهُ بِأَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا لَوْ رَضِيَ الْمُسْلِمُ بِأَنْ يُعْلِيَ الْكَافِرُ بِنَاءً عَلَى بِنَائِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَمِنْهَا إذَا كَانَ الْجَالِسُونَ عَبِيدًا لَهُ أَوْ أَوْلَادًا وَلِهَذَا يَجُوزُ أَنْ يَبْعَثَ لِيَأْخُذَ لَهُ مَوْضِعًا فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ فَإِذَا حَضَرَ السَّيِّدُ تَأَخَّرَ الْعَبْدُ قَالَهُ ابْنُ الْعِمَادِ وَمِنْهَا إذَا جَلَسَ دَاخِلَ الْجَامِعِ عَلَى طَرِيقِ النَّاسِ وَمِنْهَا إذَا سَبَقَ الْعَبِيدُ وَالصِّبْيَانُ أَنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِينَ أَوْ غَيْرَ الْمُسْتَوْطِنِينَ إلَى الْجَامِعِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْكَامِلِينَ إذَا حَضَرُوا التَّخَطِّي لِسَمَاعِ الْخُطْبَةِ إذَا كَانُوا لَا يَسْمَعُونَهَا مَعَ الْعَبْدِ قس وَقَوْلُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى قَالَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ فَالْمُرَادُ كَمَا فِي التَّوْشِيحِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute