بِغَيْرِ عُدْوَانٍ كَأَخْذِهِ مَالَ غَيْرِهِ بِظَنِّهِ مَالَهُ قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَالْأَشْبَهُ التَّقْيِيدُ بِهِ وَالثَّابِتُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ حُكْمُ الْغَصْبِ لَا حَقِيقَتُهُ وَأُورِدَ عَلَى التَّعْرِيفِ السَّرِقَةُ فَإِنَّهُ صَادِقٌ بِهَا وَلَيْسَتْ غَصْبًا وَأُجِيبَ بِأَنَّهَا خَرَجَتْ بِالِاسْتِيلَاءِ فَإِنَّهُ يُبْنَى عَلَى الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ وَالْحَقُّ أَنَّهَا غَصْبٌ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا سَرِقَةٌ يُرَتَّبُ عَلَيْهَا حُكْمٌ زَائِدٌ عَلَى الْغَصْبِ بِشَرْطِهِ، وَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ التَّعْرِيفِ هُوَ مَا جَزَمَ بِهِ فِي أَصْلِ الْمِنْهَاجِ لَكِنْ اخْتَارَ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى حَقِّ الْغَيْرِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَاعْتَرَضَهُ الْإِسْنَوِيُّ بِأَنَّ قَوْلَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ ذُهُولٌ، وَصَوَابُهُ عُدْوَانًا لِمَا قَدَّمَهُ مِنْ مُوَافَقَةِ الرَّافِعِيِّ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، وَإِنَّمَا قَصَدَ الِانْتِقَادَ عَلَى مَنْ عَبَّرَ بِالْمَالِ قُلْت الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يُذْهَلْ بَلْ قَصَدَ ذَلِكَ لِيُدْخِلَ الصُّورَةَ الَّتِي قَالَهَا الْإِمَامُ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ وَافَقَ الرَّافِعِيَّ عَلَى الْفَرْقِ، وَإِنَّمَا نَقَلَ كَلَامَهُ عَلَى عَادَتِهِ ثُمَّ اخْتَارَ ذَلِكَ وَحِينَئِذٍ فَيَصِحُّ حَمْلُ قَوْلِهِمْ عُدْوَانًا عَلَى قَوْلِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَيَكُونُ ذَلِكَ حَقِيقَةَ الْغَصْبِ عِنْدَهُ وَلَا يُؤَثِّرُ عَدَمُ الْإِثْمِ فِي نَحْوِ صُورَةِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ لَا يَسْتَلْزِمُ الْإِثْمَ كَمَا لَا يَسْتَلْزِمُهُ ارْتِكَابُ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى الْعِلْمِ بِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ.
(وَفِيهِ بَابَانِ. الْأَوَّلُ فِي الضَّمَانِ، وَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَطْرَافٍ الْأَوَّلُ فِي مُوجِبِ الضَّمَانِ) بِكَسْرِ الْجِيمِ أَيْ سَبَبُهُ أَيْ فِي مُوجِبِ دُخُولِ الْمَالِ فِي ضَمَانِهِ (وَلَا يَنْحَصِرُ) مُوجِبُهُ (فِي الْغَصْبِ بَلْ الْإِتْلَافُ وَالِاسْتِعَارَةُ وَالِاسْتِيَامُ وَغَيْرُهَا مَضْمُونَةٌ) الْأَوْلَى وَالْمُوَافِقُ لِكَلَامِ أَصْلِهِ مُضَمَّنَةٌ وَالْإِتْلَافُ هُوَ التَّفْوِيتُ بِمُبَاشَرَةٍ، وَهِيَ مَا يُحَصِّلُ الْهَلَاكَ كَالْقَتْلِ أَوْ سَبَبٍ، وَهُوَ مَا يَحْصُلُ الْهَلَاكُ بِهِ كَالْإِكْرَاهِ عَلَى الْقَتْلِ أَوْ شَرْطٍ، وَهُوَ مَا لَا يُحَصِّلُهُمَا لَكِنْ يُحَصِّلُ الْهَلَاكَ بِهِ كَحَفْرِ بِئْرٍ عُدْوَانًا وَسَيَأْتِي تَحْقِيقُهَا فِي الْجِنَايَاتِ لَكِنَّ الْمُصَنِّفَ كَأَصْلِهِ أَرَادَ بِالسَّبَبِ هُنَا مَا يَشْمَلُ الشَّرْطَ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي (وَإِنْ فَتَحَ رَأْسَ زِقٍّ غَيْرَ مُنْتَصِبٍ فَسَالَ) مَا فِيهِ بِفَتْحِهِ وَتَلِفَ (أَوْ مُنْتَصِبٍ فَسَقَطَ بِفِعْلِهِ) كَأَنْ حَرَّكَ الْوِكَاءَ، وَجَذَبَهُ (أَوْ بِتَقَاطُرِ مَا فِيهِ وَابْتِلَالِ أَسْفَلِهِ بِهِ) أَيْ بِمَا تَقَاطَرَ مِنْهُ (وَلَوْ) كَانَ التَّقَاطُرُ (بِإِذَابَةِ شَمْسٍ) أَوْ حَرَارَةِ رِيحٍ مَعَ مُرُورِ الزَّمَانِ فَسَالَ مَا فِيهِ وَتَلِفَ (ضَمِنَ) ؛ لِأَنَّهُ بَاشَرَ الْإِتْلَافَ فِي الْأُولَيَيْنِ وَالْإِتْلَافُ نَاشِئٌ عَنْ فِعْلِهِ فِي الْبَاقِي سَوَاءٌ أَحَضَرَ الْمَالِكُ، وَأَمْكَنَهُ التَّدَارُكُ فَلَمْ يَفْعَلْ أَمْ لَا كَمَا لَوْ حَرَقَ ثَوْبَهُ أَوْ قَتَلَ عَبْدَهُ، وَأَمْكَنَهُ الدَّفْعُ فَلَمْ يَفْعَلْ ذَكَرَهُ الْقَمُولِيُّ (لَا إنْ أَسْقَطَتْهُ) بَعْدَ فَتْحِهِ لَهُ (رِيحٌ عَارِضَةٌ) أَوْ نَحْوُهَا كَزَلْزَلَةٍ وَوُقُوعِ طَائِرٍ (أَوْ جُهِلَ الْحَالُ) فَلَمْ يُعْلَمْ سَبَبُ سُقُوطِهِ فَلَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ لَمْ يَحْصُلْ بِفِعْلِهِ وَلَيْسَ فِعْلُهُ فِي الْأُولَى مِمَّا يُقْصَدُ بِهِ تَحْصِيلُ ذَلِكَ الْعَارِضِ وَلِلشَّكِّ فِي الْمُوجِبِ فِي الثَّانِيَةِ، وَقِيلَ يَضْمَنُ فِيهَا وَالتَّرْجِيحُ فِيهَا مِنْ زِيَادَتِهِ وَبِهِ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَفَارَقَ حُكْمُ الْأُولَى حُكْمَ إذَابَةِ الشَّمْسِ بِأَنَّ طُلُوعَ الشَّمْسِ مُحَقَّقٌ فَلِذَلِكَ قَدْ يَقْصِدُهُ الْفَاتِحُ بِخِلَافِ الرِّيحِ، وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ كَأَصْلِهِ أَنَّ الرِّيحَ لَوْ كَانَتْ هَابَّةً عِنْدَ الْفَتْحِ ضَمِنَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْفَرْقِ الْمَذْكُورِ، وَمِنْ تَفْرِقَتِهِمْ بَيْنَ الْمُقَارِنِ وَالْعَارِضِ فِيمَا إذَا أَوْقَدَ نَارًا فِي أَرْضِهِ فَحَمَلَهَا الرِّيحُ إلَى أَرْضِ غَيْرِهِ فَأَتْلَفَتْ شَيْئًا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ.
(فَلَوْ أَذَابَهُ آخَرُ) غَيْرُ الْفَاتِحِ (بِنَارٍ) قَرَّبَهَا إلَيْهِ (أَوْ نَكَّسَهُ) بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ أَيْ قَلَبَ الزِّقَّ (وَهُوَ) أَيْ مَا فِيهِ (يَتَقَاطَرُ فَالضَّمَانُ مِنْ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ إذَابَتِهِ أَوْ تَنْكِيسِهِ أَيْ ضَمَانُ التَّلَفِ بِهِمَا (عَلَيْهِ) دُونَ الْفَاتِحِ كَالْحَازِّ مَعَ الْجَارِحِ (وَكَذَا يَضْمَنُ بِالسَّبَبِ) كَالْمُبَاشَرَةِ، وَقَدْ مَرَّ مِثْلُهُ فِي فَتْحِ الزِّقِّ، وَمَثَّلَ لَهُ هُنَا أَيْضًا بِأَمْثِلَةٍ فَقَالَ (كَمَا لَوْ أَزَالَ وَرَقَ الْعِنَبِ فَفَسَدَتْ عَنَاقِيدُهُ) بِالشَّمْسِ (أَوْ ذَبَحَ شَاةَ رَجُلٍ أَوْ حَمَامَتَهُ فَهَلَكَ الْفَرْخُ) فِي الثَّانِيَةِ (أَوْ السَّخْلَةُ) فِي الْأُولَى لِفَقْدِ مَا يَعِيشَانِ بِهِ، وَيُفَارِقُ عَدَمَ الضَّمَانِ فِيمَا لَوْ حَبَسَ الْمَالِكُ عَنْ مَاشِيَتِهِ حَتَّى تَلِفَتْ كَمَا سَيَأْتِي بِأَنَّ التَّالِفَ هُنَا جُزْءٌ أَوْ كَالْجُزْءِ مِنْ الْمَذْبُوحِ بِخِلَافِ الْمَاشِيَةِ مَعَ مَالِكِهَا وَبِأَنَّهُ هُنَا أَتْلَفَ غِذَاءَ الْوَلَدِ الْمُتَعَيِّنِ لَهُ بِإِتْلَافِ أُمِّهِ بِخِلَافِهِ ثُمَّ (أَوْ قَرَّبَ النَّارَ إلَى جَامِدٍ) فِي زِقٍّ مَفْتُوحٍ (فَذَابَ، وَخَرَجَ) وَتَلِفَ.
(فَرْعٌ) لَوْ (حَلَّ رِبَاطَ سَفِينَةٍ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
[الْبَاب الْأَوَّل فِي الضَّمَان]
قَوْلُهُ: وَهِيَ مَا يُحَصِّلُ الْهَلَاكَ) كَأَنْ أَتْلَفَ مَنْ يَضْمَنُهُ مَالًا فِي يَدِ مَالِكِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ (قَوْلُهُ: فَسَقَطَ بِفِعْلِهِ) قَالَ الْإِمَامُ لَوْ اتَّصَلَ بِفَتْحِهِ سُقُوطُهُ وَلَمْ يَظْهَرْ لَنَا أَنَّ سُقُوطَهُ بِسَبَبِ الْفَتْحِ فَقَدْ أَطْلَقَ الْأَئِمَّةُ الضَّمَانَ لِعِلْمِنَا بِأَنَّ سَبَبَ سُقُوطِهِ الْفَتْحُ (قَوْلُهُ: لَا إنْ أَسْقَطَتْهُ رِيحٌ عَاصِفَةٌ) شَمِلَ غَيْرَ الَّتِي كَانَتْ مَوْجُودَةً حَالَ الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ التَّلَفَ لَمْ يَحْصُلْ بِفِعْلِهِ) وَوَجَّهَهُ الْفَارِقِيُّ بِأَنَّ فِعْلَهُ شَرْطٌ وَالرِّيحُ عِلَّةٌ فَهُوَ كَالْمُمْسِكِ مَعَ الْجَارِحِ قَالَ وَكَذَا نَقُولُ فِيمَنْ حَفَرَ بِئْرًا فَأَلْقَتْ الرِّيحُ فِيهَا رَجُلًا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ كَأَصْلِهِ أَنَّ الرِّيحَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (فَرْعٌ) لَوْ دَخَلَ دُكَّانَ حَدَّادٍ، وَهُوَ يَطْرُقُ الْحَدِيدَ فَطَارَتْ شَرَارَةٌ، وَأَحْرَقَتْ ثَوْبَهُ فَهَدَرٌ، وَإِنْ دَخَلَ بِإِذْنِ الْحَدَّادِ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ (قَوْلُهُ: نَبَّهَ عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ) أَيْ وَغَيْرُهُ وَبِهِ صَرَّحَ الْفَارِقِيُّ فَقَالَ، وَهَكَذَا لَوْ فَتَحَ فِي وَقْتِ هُبُوبِ الرِّيحِ أَوْ شِدَّةِ الْحَرِّ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ (فُرُوعٌ) لَوْ أَوْقَدَ نَارًا فِي مِلْكِهِ أَوْ فِي مَوْضِعٍ يَخْتَصُّ بِهِ بِإِجَارَةٍ أَوْ عَارِيَّةٍ أَوْ فِي مَوَاتٍ وَطَارَ الشِّرَارُ إلَى بَيْتِ غَيْرِهِ أَوْ كَدَّسَهُ أَوْ زَرَعَهُ، وَأَحْرَقَتْهُ فَلَا ضَمَانَ إنْ لَمْ يُجَاوِزْ الْعَادَةَ فِي قَدْرِ النَّارِ وَلَمْ يُوقِدْ فِي رِيحٍ عَاصِفَةٍ، وَإِنْ جَاوَرَ أَوْ أَوْقَدَ فِي عَاصِفَةٍ ضَمِنَ وَلَوْ عَصَفَتْ بَغْتَةً فَلَا ضَمَانَ ثُمَّ إنْ تَحَقَّقْنَا الْمُجَاوَزَةَ أَثْبَتْنَا الضَّمَانَ، وَإِنْ تَحَقَّقْنَا الِاقْتِصَادَ نَفَيْنَا الضَّمَانَ، وَإِنْ شَكَكْنَا فَلَا ضَمَانَ، وَإِنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ الْمُجَاوَزَةُ فَفِيهِ تَرَدَّدَ اجْتِمَاعُ الْأَصْلِ وَالظَّاهِرُ.
وَالْأَصَحُّ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ فَلَا يَضْمَنُ إيقَادَ النَّارِ الْقَلِيلَةِ فِي يَوْمِ الرِّيحِ فِي الْعَرَائِشِ وَبُيُوتِ الْقَصَبِ كَإِيقَادِ النَّارِ الْعَظِيمَةِ الْمُجَاوِزَةِ لِلْحَدِّ (قَوْلُهُ: أَوْ قَرَّبَ النَّارَ إلَى جَامِدٍ فَذَابَ) وَخَرَجَ وَتَلِفَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ دُونَ الْفَاتِحِ وَفَارَقَ مَا لَوْ فَتَحَ رَأْسَ زِقٍّ فَأَخَذَ مَا فِيهِ فِي الْخُرُوجِ ثُمَّ جَاءَ آخَرُ وَنَكَّسَهُ حَيْثُ ضَمِنَا كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ بِأَنَّ صُورَةَ التَّنْكِيسِ اجْتَمَعَ فِيهَا مُبَاشَرَتَانِ، وَهُنَا سَبَبَانِ فَأُحِيلَ الضَّمَانُ عَلَى أَقْوَاهُمَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute