للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِمَّا تَقَرَّرَ فِي جَمْعَيْ الظُّهْرِ، وَالْعَصْرِ، وَالْأَوْلَى مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ مَا تَقَرَّرَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ (فَرْعٌ)

قَدْ جَمَعَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ مَا يَخْتَصُّ بِالسَّفَرِ الطَّوِيلِ وَمَا لَا يَخْتَصُّ فَقَالَ: الرُّخَصُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالسَّفَرِ الطَّوِيلِ أَرْبَعٌ: الْقَصْرُ، وَالْفِطْرُ، وَالْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَالْجَمْعُ عَلَى الْأَظْهَرِ وَاَلَّذِي يَجُوزُ فِي الْقَصِيرِ أَيْضًا أَرْبَعٌ: تَرْكُ الْجُمُعَةِ وَأَكْلُ الْمَيْتَةِ وَلَيْسَ مُخْتَصًّا بِالسَّفَرِ، وَالتَّنَفُّلُ عَلَى الرَّاحِلَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَالتَّيَمُّمُ وَإِسْقَاطُ الْفَرْضِ بِهِ عَلَى الصَّحِيحِ فِيهِمَا. وَلَا يَخْتَصُّ هَذَا بِالسَّفَرِ أَيْضًا كَمَا مَرَّ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ نَبَّهَ عَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ وَزِيدَ عَلَى ذَلِكَ صُوَرٌ مِنْهَا مَا لَوْ سَافَرَ الْمُودَعُ وَلَمْ يَجِدْ الْمَالِكَ وَلَا وَكِيلَهُ وَلَا الْحَاكِمَ وَلَا الْأَمِينَ فَلَهُ أَخْذُهَا مَعَهُ عَلَى الصَّحِيحِ وَمِنْهَا مَا لَوْ اسْتَصْحَبَ مَعَهُ ضَرَّةَ زَوْجَتِهِ بِقُرْعَةٍ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا يَخْتَصُّ بِالطَّوِيلِ عَلَى الصَّحِيحِ وَوَقَعَ فِي الْمُهِمَّاتِ تَصْحِيحُ عَكْسِهِ، وَهُوَ سَهْوٌ نَبَّهَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ.

(فَصْلٌ إذَا بَلَغَ السَّفَرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَالْقَصْرُ أَفْضَلُ)

لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَخُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَيُخَالِفُ الصَّوْمَ فِي السَّفَرِ، وَإِنْ مَنَعَهُ أَهْلُ الظَّاهِرِ؛ لِأَنَّ مُحَقِّقِي الْعُلَمَاءِ لَا يُقِيمُونَ لِمَذْهَبِهِمْ وَزْنًا قَالَهُ الْإِمَامُ وَلِبَقَاءِ شُغْلِ الذِّمَّةِ إذَا أَفْطَرَ (إلَّا لِمَلَّاحٍ يُسَافِرُ) فِي الْبَحْرِ (بِأَهْلِهِ وَمَنْ لَا يَزَالُ مُسَافِرًا بِلَا وَطَنٍ) ، فَالْإِتْمَامُ لَهُمَا أَفْضَلُ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ عَلَيْهِمَا كَالْإِمَامِ أَحْمَدَ وَرُوعِيَ فِيهِمَا خِلَافُهُ دُونَ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ لِاعْتِضَادِهِ بِالْأَصْلِ (وَالْغَسْلُ) لِلرَّجُلِ (وَتَرْكُ الْجَمْعِ أَفْضَلُ مِنْ مَسْحِ الْخُفِّ وَ) مِنْ (الْجَمْعِ) لِأَصَالَتِهِمَا وَفَارَقَا الْقَصْرَ بِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يُؤْتَ فِيهِ بِجِنْسِ الْوَاجِبِ، وَالثَّانِي فِيهِ إخْلَاءُ أَحَدِ الْوَقْتَيْنِ عَنْ وَظِيفَتِهِ بِخِلَافِ الْقَصْرِ فِيهِمَا نَعَمْ يُسْتَثْنَى مِنْهُمَا مَنْ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ كَرَاهَةَ ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي.

وَمِنْ الثَّانِيَةِ الْحَاجُّ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ أَرْفَقُ لَهُ فِي الدُّعَاءِ فِي الْأَوَّلِ وَفِي السَّيْرِ فِي الثَّانِي وَمَنْ إذَا جَمَعَ صَلَّى جَمَاعَةً أَوْ خَلَا عَنْ حَدَثِهِ الدَّائِمِ، أَوْ كَشَفَ عَوْرَتَهُ (وَكُرِهَ تَرْكُ التَّرَخُّصِ) بِالْقَصْرِ، وَالْجَمْعِ وَسَائِرُ الرُّخَصِ (لِمَنْ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ كَرَاهَتَهُ) أَيْ كَرَاهَةَ التَّرَخُّصِ فَيَكَادُ يَكُونُ رَغْبَةً عَنْ السُّنَّةِ وَيَسْتَمِرُّ ذَلِكَ إلَى أَنْ تَزُولَ عَنْهُ الْكَرَاهَةُ وَمِثْلُهَا مَا لَوْ كَانَ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ، أَوْ تَرَكَهُ شَكًّا فِي جَوَازِهِ، وَهَذِهِ الْأَخِيرَةُ ذَكَرَهَا فِي الرَّوْضَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَسْحِ الْخُفِّ.

(وَإِنْ نَوَى الْكَافِرُ، أَوْ الصَّبِيُّ مَسَافَةَ الْقَصْرِ، ثُمَّ أَسْلَمَ) الْكَافِرُ (أَوْ بَلَغَ) الصَّبِيُّ (فِي أَثْنَائِهَا) أَيْ الْمَسَافَةِ (قَصَرَ فِي الْبَقِيَّةِ مِنْهَا) وَمَا ذَكَرَهُ كَالرَّوْضَةِ فِي الصَّبِيِّ نَقْلٌ عَنْ الرُّويَانِيِّ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ قَصْرُهُ قَبْلَ بُلُوغِهِ.

وَهُوَ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْقَصْرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ، وَالصَّوَابُ صِحَّتُهُ مِنْهُ، وَقَدْ قَالُوا لَوْ جَمَعَ تَقْدِيمًا، ثُمَّ بَلَغَ، وَالْوَقْتُ بَاقٍ لَمْ يَحْتَجْ إلَى إعَادَتِهَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ وَلَمْ يُنَبِّهْ عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ بَلْ نَبَّهَ عَلَى غَيْرِهِ فَقَالَ مَا ذُكِرَ فِي الصَّبِيِّ مُتَّجَهٌ إنْ بَعَثَهُ وَلِيُّهُ، فَإِنْ سَافَرَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَا أَثَرَ لِمَا قَطَعَهُ قَبْلَ بُلُوغِهِ، وَإِنْ سَافَرَ مَعَهُ فَيُتَّجَهُ أَنْ يَجِيءَ فِيهِ مَا مَرَّ فِي غَيْرِهِ مِنْ التَّابِعِينَ (وَإِنْ نَوَى اثْنَانِ إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَأَحَدُهُمَا حَنَفِيٌّ يَعْتَقِدُ الْقَصْرَ فَاقْتَدَى بِهِ الْآخَرُ) ، وَهُوَ لَا يَعْتَقِدُهُ كَشَافِعِيٍّ (كُرِهَ وَيُتِمُّ) صَلَاتَهُ (بَعْدَ سَلَامِهِ) أَيْ الْحَنَفِيِّ؛ لِأَنَّهُ مُقِيمٌ فَعُلِمَ صِحَّةُ صَلَاتِهِ. وَاسْتَشْكَلَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ بِأَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ الْقَوَاعِدِ لِاعْتِقَادِهِ فَسَادَ صَلَاةِ إمَامِهِ. وَقَدَّمْت فِي صِفَةِ الْأَئِمَّةِ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

[فَصْلٌ إذَا بَلَغَ السَّفَرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَقَصْرُ الصَّلَاة أَفْضَلُ]

قَوْلُهُ: إذَا بَلَغَ السَّفَرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إلَخْ) ، فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْهَا، فَالْإِتْمَامُ أَفْضَلُ إلَّا لِمَنْ إذَا أَتَمَّ جَرَى حَدَثُهُ الدَّائِمُ فِي بَعْضِ صَلَاتِهِ، أَوْ فَاتَهُ خَلَاصُ أَسِيرٍ، أَوْ خَافَ فَوْتَ عَرَفَةَ أَوْ لِمَاسِحِ خُفٍّ لَا مَاءَ مَعَهُ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ مُدَّتِهِ مَا لَا يَسَعُ الصَّلَاةَ إلَّا مَقْصُورَةً أَوْ لِعَبْدٍ أَمَرَهُ سَيِّدُهُ بِعَمَلِ شَيْءٍ فِي يَوْمٍ لَا يُكْمِلُهُ فِيهِ إلَّا إنْ صَلَّى قَاصِرًا، أَوْ لِجَمْعٍ تَنَاوَبُوا مَكَانًا طَاهِرًا لِلصَّلَاةِ فِيهِ وَلَوْ أَتَمُّوا لَوَقَعَتْ صَلَاةُ بَعْضِهِمْ بَعْدَ الْوَقْتِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ مُحَقِّقِي الْعُلَمَاءِ لَا يُقِيمُونَ لِمَذْهَبِهِمْ وَزْنًا إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ السُّبْكِيُّ: مَحْمَلُهُ عِنْدِي ابْنُ حَزْمٍ وَأَمْثَالُهُ.

وَأَمَّا دَاوُد فَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَقُولَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَوْ غَيْرُهُ إنَّ خِلَافَهُ لَا يُعْتَبَرُ فَلَقَدْ كَانَ جَبَلًا مِنْ جِبَالِ الْعِلْمِ، وَالدِّينِ لَهُ مِنْ سَدَادِ النَّظَرِ وَسَعَةِ الْعِلْمِ وَنُورِ الْبَصِيرَةِ، وَالْإِحَاطَةِ بِأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ، وَالْقُدْرَةِ عَلَى الِاسْتِنْبَاطِ مَا يَعْظُمُ وَقْعُهُ، وَقَدْ دُوِّنَتْ كُتُبُهُ وَكَثُرَتْ أَتْبَاعُهُ وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْمَتْبُوعِينَ فِي الْفُرُوعِ، وَقَدْ كَانَ مَشْهُورًا فِي زَمَنِ الشَّيْخِ وَبَعْدَهُ بِكَثِيرٍ لَا سِيَّمَا فِي بِلَادِ فَارِسَ شِيرَازَ وَمَا وَالَاهَا إلَى نَاحِيَةِ الْعِرَاقِ وَفِي بِلَادِ الْمَغْرِبِ ر (قَوْلُهُ: وَلِبَقَاءِ شُغْلِ الذِّمَّةِ إذَا أَفْطَرَ) وَفِيهِ تَغْرِيرٌ بِالْعِبَادَةِ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيَعِيشُ حَتَّى يَقْضِيَهُ أَمْ لَا؟ وَأَيْضًا الْمُفْطِرُ لَمْ يَأْتِ فِي مَحَلِّ الرُّخْصَةِ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَصْلِ، وَكَذَا مَاسِحُ الْخُفِّ بِخِلَافِ الْقَاصِرِ.

(قَوْلُهُ: وَرُوعِيَ فِيهِمَا خِلَافُهُ دُونَ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ إلَخْ) ذَكَرَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ أَنَّ الْإِتْمَامَ أَفْضَلُ أَيْضًا فِي مَوْضِعَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا وَقَعَ فِيهِ الِاخْتِلَافُ فِي حُرْمَةِ الْقَصْرِ الثَّانِي إذَا قَدِمَ مِنْ السَّفَرِ الطَّوِيلِ وَبَقِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَقْصِدِهِ دُونَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَإِنَّ الْإِتْمَامَ أَفْضَلُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهَذَا خَطَأٌ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ الْأَصْحَابِ وَلِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ «لَمَّا خَرَجَ إلَى حِجَّةِ الْوَدَاعِ لَمْ يَزَلْ يَقْصُرُ حَتَّى رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ» قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيَظْهَرُ أَنَّ الْقَصْرَ أَفْضَلُ مُطْلَقًا فِي دَائِمِ الْحَدَثِ إذَا كَانَ لَوْ قَصَرَ لَخَلَا زَمَنُ صَلَاتِهِ عَنْ جَرَيَانِ حَدَثِهِ وَلَوْ أَتَمَّ لَجَرَى فِيهَا قَالَ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فِي الثَّانِي غَلَطٌ فَاحِشٌ. وَلَوْ رَأَى جَمَاعَةً يُصَلُّونَ إتْمَامًا فَهَلْ الْأَفْضَلُ فِي حَقِّهِ أَنْ يُصَلِّيَ قَصْرًا أَوْ يُصَلِّيَ جَمَاعَةً إتْمَامًا؟ قَالَ بَعْضُهُمْ الْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ جَمَاعَةً إتْمَامًا فَإِنَّ النَّوَوِيَّ نَقَلَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ إنَّمَا يُوجِبُ الْقَصْرَ إذَا لَمْ يَقْتَدِ بِمُتِمٍّ فَأَمَّا إذَا اقْتَدَى بِهِ فَيَجُوزُ لَهُ الْإِتْمَامُ، وَالْقَصْرُ (قَوْلُهُ: أَوْ كَشَفَ عَوْرَتَهُ، أَوْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ) بَلْ قَدْ يُقَالُ بِوُجُوبِهِ، وَقَدْ يُقَالُ مِثْلُهُ فِي بَعْضِ صُوَرِ مُلَاقَاةِ الْغُزَاةِ، وَالْمُجَاهِدِينَ وَمُسْتَنْقِذِي الْأَسْرَى مِنْ أَيْدِي الْكُفَّارِ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَيُلْحَقُ بِذَلِكَ مَنْ لَوْ جَمَعَ تَأْخِيرًا صَارَ مُقِيمًا قَبْلَ فَرَاغِهِمَا فَيَمْتَنِعُ حِينَئِذٍ جَمْعُ التَّأْخِيرِ، أَوْ صَلَّى بِطَهَارَةِ الْمَاءِ كُلًّا مِنْ الصَّلَاتَيْنِ، أَوْ أَتَى بِشَرْطٍ مِنْ شُرُوطِهَا، أَوْ صَلَّى قَائِمًا (قَوْلُهُ:، وَالصَّوَابُ صِحَّتُهُ مِنْهُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>