للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْجَلَّادَ يُسْأَلُ طَرِيقَةٌ حَكَاهَا الْأَصْلُ وَحَكَى مَعَهَا طَرِيقَةً أُخْرَى أَنَّهُ إنْ قَالَ الْمُخْرِجُ ظَنَنْتهَا الْيَمِينَ أَوْ أَنَّهَا تُجْزِئُ أَجْزَأَتْهُ وَإِلَّا فَلَا فَالتَّرْجِيحُ لِلْأُولَى مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَكَلَامُ الْأَصْلِ يُومِئُ إلَيْهِ لَكِنْ صَحَّحَ الْإِسْنَوِيُّ الثَّانِيَةَ وَقَالَ كَذَا صَحَّحَهَا الرَّافِعِيُّ فِي آخِرِ بَابِ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ وَالنَّوَوِيُّ فِي تَصْحِيحِهِ وَمَا نَقَلَهُ عَنْ الرَّافِعِيِّ مُنِعَ بِأَنَّ الرَّافِعِيَّ لَمْ يَذْكُرْ ثَمَّ النَّظَرَ إلَى الْمُخْرِجِ وَلَا إلَى الْقَاطِعِ أَصْلًا بَلْ أَطْلَقَ أَنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ إجْزَاءُ الْيَسَارِ عَنْ الْيَمِينِ

(كِتَابُ قَاطِعِ الطَّرِيقِ) الْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المائدة: ٣٣] الْآيَةَ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ: نَزَلَتْ فِي قُطَّاعِ الطَّرِيقِ لَا فِي الْكُفَّارِ وَاحْتَجُّوا لَهُ بِقَوْلِهِ {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: ٣٤] الْآيَةَ إذْ الْمُرَادُ التَّوْبَةُ عَنْ قَطْعِ الطَّرِيقِ وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ الْكُفَّارَ لَكَانَتْ تَوْبَتُهُمْ بِالْإِسْلَامِ وَهُوَ دَافِعٌ لِلْعُقُوبَةِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ وَبَعْدَهَا وَقَطْعُ الطَّرِيقِ هُوَ الْبُرُوزُ لِأَخْذِ مَالٍ أَوْ لِقَتْلٍ أَوْ إرْعَابٍ مُكَابَرَةً اعْتِمَادًا عَلَى الشَّوْكَةِ مَعَ الْبُعْدِ عَنْ الْغَوْثِ كَمَا سَيَأْتِي (وَفِيهِ أَطْرَافٌ) ثَلَاثَةٌ (الْأَوَّلُ فِي صِفَتِهِمْ وَهُمْ كُلُّ مُلْتَزِمٍ) لِلْأَحْكَامِ وَلَوْ ذِمِّيًّا وَمُرْتَدًّا كَمَا فِي السَّارِقِ خِلَافًا لِمَا اقْتَضَاهُ تَقْيِيدُ الْأَصْلِ بِالْمُسْلِمِ مِنْ إخْرَاجِهَا وَلِمَا أَطْلَقَهُ مِنْ أَنَّ الْكُفَّارَ لَيْسُوا بِقُطَّاعٍ (مُكَلَّفٍ أَخَذَ الْمَالَ بِقُوَّةٍ وَغَلَبَةٍ فِي) حَالَةِ (الْبُعْدِ عَنْ) مَحَلِّ (الْغَوْثِ) لِبُعْدِ السُّلْطَانِ وَأَعْوَانِهِ أَوْ لِضَعْفِهِ وَخَرَجَ بِالْمُلْتَزِمِ الْحَرْبِيُّ، وَالْمُعَاهَدُ وَبِالْمُكَلَّفِ غَيْرُهُ أَيْ إلَّا السَّكْرَانَ وَبِمَا بَعْدَهُ الْأَخْذُ بِغَيْرِ قُوَّةٍ أَوْ فِي الْقُرْبِ مِنْ الْغَوْثِ كَمَا سَيَأْتِي بَعْضُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ بُعْدُهُ عَنْ الْغَوْثِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الِاسْتِيلَاءِ، وَالْقَهْرِ مُجَاهَرَةً.

(فَإِنْ اسْتَسْلَمَ لَهُمْ الْقَادِرُونَ عَلَى دَفْعِهِمْ) حَتَّى قُتِلُوا أَوْ أُخِذَتْ أَمْوَالُهُمْ (فَمُنْتَهِبُونَ) لَا قُطَّاعٌ وَإِنْ كَانُوا ضَامِنِينَ لِمَا أَخَذُوهُ؛ لِأَنَّ مَا فَعَلُوهُ لَمْ يَصْدُرْ عَنْ شَوْكَتِهِمْ بَلْ عَنْ تَفْرِيطِ الْقَافِلَةِ (أَوْ كَانَ الْقَاصِدُونَ) لِقَطْعِ الطَّرِيقِ (قَلِيلِينَ اعْتِمَادُهُمْ عَلَى الْهَرَبِ) بِرَكْضِ الْخَيْلِ أَوْ نَحْوِهَا أَوْ الْعَدْوِ عَلَى الْأَقْدَامِ (يَخْتَطِفُونَ مِنْ) قَافِلَةٍ (كَثِيرِينَ فَمُخْتَلِسُونَ) لَا قُطَّاعٌ لِمَا ذَكِرُ وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمُعْتَمِدَ عَلَى الشَّوْكَةِ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ مِنْ الْقَافِلَةِ فَغُلِّظَتْ عُقُوبَتُهُ رَدْعًا لَهُ بِخِلَافِ الْمُنْتَهِبِ، وَالْمُخْتَلِسِ (فَلَوْ قَهَرُوهُمْ) وَلَوْ (مَعَ الْقِلَّةِ) أَيْ مَعَ كَوْنِهِمْ قَلِيلِينَ (فَقُطَّاعٌ) لِاعْتِمَادِهِمْ الشَّوْكَةَ (فَلَا يُعَدُّونَ) أَيْ الْقَافِلَةُ (مُقَصِّرِينَ؛ لِأَنَّ الْقَافِلَةَ لَا تَجْتَمِعُ كَلِمَتُهُمْ) وَلَا يَضْبِطُهُمْ مُطَاعٌ وَلَا عَزْمَ لَهُمْ عَلَى الْقِتَالِ (وَلَوْ دَخَلُوا) أَيْ جَمَاعَةٌ (الدَّارَ لَيْلًا) عَلَى صَاحِبِهَا (وَمَنَعُوهُ الِاسْتِغَاثَةَ) بِأَنْ خَوَّفُوهُ بِالْقَتْلِ أَوْ نَحْوِهِ (أَوْ أَغَارُوا عَلَى بَلَدٍ وَلَوْ لَيْلًا) مَعَ الْبُعْدِ عَنْ الْغَوْثِ (فَقُطَّاعٌ) سَوَاءٌ أَكَانُوا مِنْ الْبَلَدِ أَمْ لَا كَمَا لَوْ كَانُوا بِبَرِيَّةٍ وَلِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ الِاسْتِغَاثَةِ كَالْبُعْدِ عَنْ مَحَلِّ الْغَوْثِ (وَلَا يُشْتَرَطُ) فِي قَاطِعِ الطَّرِيقِ (سِلَاحٌ وَذُكُورَةٌ وَعَدَدٌ بَلْ الْوَاحِدُ) وَلَوْ أُنْثَى، وَالْخَارِجُ بِغَيْرِ سِلَاحٍ (قَاطِعٌ إنْ غَلَبَ) أَيْ إنْ كَانَ لَهُ قُوَّةٌ يَغْلِبُ بِهَا الْجَمَاعَةَ وَلَوْ بِاللَّكْزِ، وَالضَّرْبِ بِجَمْعِ الْكَفِّ وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ آلَةٍ، وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ مِنْ زِيَادَتِهِ (وَالْمُرَاهِقُونَ) وَمِثْلُهُمْ سَائِرُ غَيْرِ الْمُكَلَّفِينَ كَالْمَجَانِينِ (لَا عُقُوبَةَ عَلَيْهِمْ وَيَضْمَنُونَ النَّفْسَ، وَالْمَالَ) كَمَا لَوْ أَتْلَفُوا فِي غَيْرِ هَذَا الْحَالِ

(الطَّرَفُ الثَّانِي فِي عُقُوبَتِهِمْ فَمَنْ أَخَافَ الطَّرِيقَ وَلَمْ يَأْخُذْ) مَالًا وَلَا نَفْسًا (أَوْ كَانَ رِدْءً) لِلْقَاطِعِ أَيْ عَوْنًا لَهُ كَأَنْ كَثُرَ جَمْعُهُ أَوْ أَخَافَ الرُّفْقَةَ (عُزِّرَ بِحَبْسٍ أَوْ نَحْوِهِ) كَتَغْرِيبٍ كَمَا فِي سَائِرِ الْجَرَائِمِ الَّتِي لَا حَدَّ فِيهِ وَيَمْتَدُّ الْحَبْسُ وَنَحْوُهُ إلَى أَنْ تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ، وَالْحَبْسُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ وَأَبْلَغُ فِي الزَّجْرِ (وَإِنْ أَخَذَ نِصَابًا مِمَّنْ يُحْرِزُهُ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى، فَإِنْ عَادَ) ثَانِيًا وَأَخَذَ ذَلِكَ (فَعَكْسُهُ) أَيْ فَتُقْطَعُ يَدُهُ الْيُسْرَى وَرِجْلُهُ الْيُمْنَى لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ وَإِنَّمَا قُطِعَ مِنْ خِلَافٍ لِمَا مَرَّ فِي السَّرِقَةِ وَقُطِعَتْ الْيَمِينُ لِلْمَالِ كَالسَّرِقَةِ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ لَكِنْ صَحَّحَ الْإِسْنَوِيُّ الثَّانِيَةَ) هِيَ الْمُرَجَّحَةُ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْأَدَاءِ إنَّمَا هُوَ بِقَصْدِ الدَّافِعِ (قَوْلُهُ وَالنَّوَوِيُّ فِي تَصْحِيحِهِ) فَقَالَ: وَإِنَّهُ إذَا وَجَبَ قَطْعُ يَمِينِهِ فَقَطَعَ الْجَلَّادُ يَسَارَهُ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا أَجْزَأَتْ عَنْ الْيَمِينِ وَلَا قِصَاصَ عَلَى الْقَاطِعِ وَلَا دِيَةَ وَمُقْتَضَاهُ بِعُمُومِهِ تَصْحِيحُ الْإِجْزَاءِ فِيمَا إذَا قَطَعَ الْجَلَّادُ مِنْ غَيْرِ إخْرَاجِ السَّارِقِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ اتِّفَاقًا وَفِيمَا إذَا قَالَ الْمُخْرِجُ عَلِمْت أَنَّهَا الْيَسَارُ وَأَنَّهَا لَا تُجْزِئُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ أَيْضًا وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ فِي الْقِصَاصِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْإِخْرَاجُ عَلَى قَصْدِ حُسْبَانِهَا عَنْ الْيَمِينِ أَمْ لَا وَهُوَ وَاضِحٌ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَصْدَ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهَا لَا تَقَعُ لَا أَثَرَ لَهُ

[كِتَابُ قَاطِعِ الطَّرِيقِ]

[الطَّرَف الْأَوَّلُ فِي صِفَة قُطَّاعِ الطَّرِيقِ]

(بَابُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ)

(قَوْلُهُ خِلَافًا لِمَا اقْتَضَاهُ تَقْيِيدُ الْأَصْلِ بِالْمُسْلِمِ إلَخْ) يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مَخْصُوصٌ بِغَيْرِ الذِّمِّيِّ أَوْ أَنَّ جَمِيعَ أَحْكَامِ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ لَا تَأْتِي فِيهِمْ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الْأَشْرَافِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَإِذَا قَطَعَ أَهْلُ الذِّمَّةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ حُدُّوا حَدَّ الْمُسْلِمِينَ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَهُوَ قَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْأَصْحَابِ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَشْتَرِطُوا الْإِسْلَامَ وَلَا أَثَرَ لِلتَّعْلِيقِ بِسَبَبِ النُّزُولِ، فَإِنَّهُ لَا يَقْتَضِي التَّخْصِيصَ عَلَى الْأَصَحِّ فَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ بَدَلَ هَذَا الشَّرْطِ الْتِزَامُ الْأَحْكَامِ وَكَتَبَ أَيْضًا كَلَامَ الْجُرْجَانِيِّ فِي الشَّافِي يَقْتَضِي أَنَّ الشَّرْطَ كَوْنُهُ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ لَا كَوْنُهُ مُسْلِمًا (قَوْلُهُ وَالْمُعَاهَدُ) أَيْ وَالْمُسْتَأْمَنُ وَكَتَبَ أَيْضًا أَمَّا الْمُعَاهَدُونَ فَيُنْقَضُ عَهْدُهُمْ بِهِ وَتُقَامُ عَلَيْهِمْ الْحُدُودُ إذَا ظَفِرْنَا بِهِمْ ع هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى رَأْيٍ مَرْجُوحٍ (قَوْلُهُ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ مِنْ زِيَادَتِهِ) وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ

[الطَّرَفُ الثَّانِي فِي عُقُوبَة قُطَّاع الطَّرِيق]

(قَوْلُهُ وَلَمْ يَأْخُذُوا مَالًا وَلَا نَفْسًا) هُوَ مِنْ بَابِ عَلَفْتهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا فَيَجِيءُ الْوَجْهَانِ أَمَّا بِتَقْدِيرِ عَامِلِ الثَّانِي مُوَافِقٌ أَيْ وَلَمْ يَقْتُلُوا نَفْسًا أَوْ تَضْمِينِ الْأَوَّلِ مَعْنًى مُشْتَرَكًا يَجْمَعُ الْمَذْكُورَيْنِ وَهُوَ الْإِتْلَافُ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَخَذُوا نِصَابًا إلَخْ) أَيْ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ وَتُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْمَأْخُوذِ فِي مَوْضِعِ الْأَخْذِ إنْ كَانَ مَوْضِعَ بَيْعٍ وَشِرَاءٍ حَالَ السَّلَامَةِ لَا عِنْدَ اسْتِلَامِ النَّاسِ لِأَخْذِ أَمْوَالِهِمْ بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْضِعُ بَيْعٍ وَشِرَاءٍ فَأَقْرَبُ مَوْضِعٍ إلَيْهِ يُوجَدُ فِيهِ بَيْعُ ذَلِكَ وَشِرَاؤُهُ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ (قَوْلُهُ وَقُطِعَتْ الْيُمْنَى لِلْمَالِ كَالسَّرِقَةِ) قَالَ شَيْخُنَا لَا يَقْدَحُ فِي ذَلِكَ سُقُوطُ قَطْعِهَا بِالتَّوْبَةِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ لِلْمَالِ لَكِنْ مَعَ رِعَايَةِ الْمُحَارَبَةِ وَقَطْعُ الرِّجْلِ مَعَهُ حَدٌّ وَاحِدٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>