وَلِيٌّ خَاصٌّ فَيَنْبَغِي اعْتِبَارُ طَلَبِهِ وَكَالصَّبِيِّ فِي ذَلِكَ، وَفِيمَا يَأْتِي فِي الْفَرْعِ وَالْفَصْلِ الْآتِيَيْنِ الْمَجْنُونُ وَالسَّفِيهُ، وَتَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الزَّكَاةِ أَنَّ مَحَلَّ وُجُوبِ إخْرَاجِهَا عَلَى الْوَلِيِّ إذَا كَانَ مِمَّنْ يَرَى وُجُوبَهَا، وَفِي وُجُوبِ إخْرَاجِهَا وَإِخْرَاجِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ بِلَا طَلَبٍ نَظَرٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ التَّفْلِيسِ أَنَّ الدَّيْنَ إنَّمَا يَجِبُ أَدَاؤُهُ بِالطَّلَبِ، وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ ذَاكَ ثَبَتَ بِالِاخْتِيَارِ فَتَوَقَّفَ وُجُوبُ أَدَائِهِ عَلَى طَلَبِهِ بِخِلَافِ مَا هُنَا
(فَرْعٌ وَيَجُوزُ) لَهُ (السَّفَرُ وَالتَّسْفِيرُ بِمَالِهِ مَعَ ثِقَةٍ وَلَوْ بِلَا ضَرُورَةٍ) مِنْ نَحْوِ حَرِيقٍ أَوْ نَهْبٍ؛ لِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ قَدْ تَقْتَضِي ذَلِكَ، وَالْوَلِيُّ مَأْمُورٌ بِهَا بِخِلَافِ الْمُودِعِ إذَا لَمْ تَكُنْ ضَرُورَةُ هَذَا إنْ سَافَرَ أَوْ سَفَّرَ بِمَالِهِ (فِي طَرِيقٍ آمِنٍ) وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ هَذَا شَرْطٌ فِي حَالَتَيْ الضَّرُورَةِ وَعَدَمِهَا، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ أَصْلُهُ هُنَا أَنَّهُ شَرْطٌ فِي حَالَةِ عَدَمِهَا فَقَطْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ، وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ: إنْ كَانَ الْبَلَدُ أَخْوَفَ جَازَ ذَلِكَ، أَوْ الطَّرِيقُ فَلَا، وَإِنْ اسْتَوَيَا فَتَرَدَّدَ وَالْأَوْجَهُ الْمَنْعُ (لَا) فِي (بَحْرٍ) وَإِنْ غَلَبَتْ سَلَامَتُهُ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ عَدَمِهَا (وَلَا يَرْكَبُ بِالصَّبِيِّ الْبَحْرَ) وَإِنْ غَلَبَتْ سَلَامَتُهُ (كَمَالِهِ) هَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ تَبِعَ فِيهِ الْإِسْنَوِيَّ وَهُوَ قِيَاسٌ حَسَنٌ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِمْ: إنَّ وَلِيَّهُ يَمْنَعُ مِنْ قَطْعِ سِلْعَتِهِ إنْ لَمْ يَزِدْ خَطَرُ تَرْكِهَا، وَقَدْ يُفَرَّقُ عَلَى بُعْدٍ بِأَنَّهُ إنَّمَا حُرِّمَ ذَلِكَ فِي مَالِهِ لِمُنَافَاتِهِ غَرَضَ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ مِنْ حِفْظِهِ وَتَنْمِيَتِهِ بِخِلَافِهِ هُوَ فَيَجُوزُ أَنْ يُرْكِبَهُ الْبَحْرَ إذَا غَلَبَتْ سَلَامَتُهُ كَمَا يَجُوزُ إرْكَابُ نَفْسِهِ وَقَاسَ الْإِسْنَوِيُّ عَلَى مَا ذُكِرَ أَيْضًا تَحْرِيمَ رُكُوبِ الْحَامِلِ حَتَّى تَضَعَ الْحَمْلَ وَتَسْقِيَهُ اللِّبَأَ بَلْ وَتَفْطِمُهُ إنْ تَعَيَّنَتْ لِلْإِرْضَاعِ، وَإِلَّا فَفِيهِ نَظَرٌ قَالَ: وَقِيَاسُهُ أَيْضًا تَحْرِيمُ إرْكَابِ الْبَهَائِمِ وَكَذَا الزَّوْجَةُ وَالْأَرِقَّاءُ الْبَالِغُونَ عِنْدَ عَدَمِ رِضَاهُمْ إلَّا إنْ كَانَ الْإِرْكَابُ لِنَقْلِهِمْ مِنْ دَارِ الشِّرْكِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَيَجُوزُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالصَّوَابُ عَدَمُ تَحْرِيمِ إرْكَابِ الْبَهَائِمِ وَالْأَرِقَّاءِ عِنْدَ غَلَبَةِ السَّلَامَةِ، وَكَذَا رُكُوبُ الْحَامِلِ
(فَصْلٌ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِ الْقَاضِي إقْرَاضُ مَالِ الصَّبِيِّ إلَّا لِضَرُورَةٍ كَسَفَرٍ) أَوْ نَهْبٍ أَمَّا الْقَاضِي فَلَهُ ذَلِكَ مُطْلَقًا لِكَثْرَةِ أَشْغَالِهِ، وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ أَنَّ لِلْأَبِ ذَلِكَ كَالْقَاضِي، وَإِذَا أَقْرَضَهُ الْقَاضِي أَوْ غَيْرُهُ (فَيُقْرِضُهُ) وَفِي نُسْخَةٍ: وَيُقْرِضُهُ (مَلِيًّا أَمِينًا وَيَأْخُذُ رَهْنًا إنْ رَأَى) فِي أَخْذِهِ مَصْلَحَةً، وَإِلَّا تَرَكَهُ (وَلَا يُودِعُهُ أَمِينًا إلَّا إنْ عُدِمَ ذَلِكَ) أَيْ التَّمَكُّنُ مِنْ إقْرَاضِهِ
(فَصْلٌ وَيُسْتَحَبُّ) لِلْقَاضِي (أَنْ يَشْهَدَ عَلَى حَجْرِ السَّفِيهِ) إذَا حُجِرَ عَلَيْهِ (وَإِنْ رَأَى النِّدَاءَ عَلَيْهِ لِيُجْتَنَبَ) فِي الْمُعَامَلَةِ (فِعْلٌ وَيُجْبِرُ الصَّبِيَّ وَالسَّفِيهَ عَلَى الِاكْتِسَابِ) إنْ كَانَ لَهُمَا كَسْبٌ لِيَرْتَفِقَا بِهِ فِي النَّفَقَةِ وَغَيْرِهَا (وَلِلسَّفِيهِ) إذَا وَجَبَ لَهُ قِصَاصٌ (أَنْ يَقْتَصَّ وَأَنْ يَعْفُوَ) بِمَالٍ وَبِدُونِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ بِجِنَايَةِ الْعَمْدِ الْقِصَاصُ عَيْنًا (فَإِنْ عَفَا عَلَى مَالٍ قَبَضَهُ وَلِيُّهُ) لَا هُوَ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّصَرُّفِ الْمَالِيِّ كَمَا مَرَّ د.
[كِتَابُ الصُّلْحِ وَفِيهِ ثَلَاثَة أَبْوَاب]
[الْبَاب الْأَوَّل أَحْكَام الصُّلْح]
(كِتَابُ الصُّلْحِ) وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ مِنْ التَّزَاحُمِ عَلَى الْحُقُوقِ وَالتَّنَازُعِ فِيهَا وَالصُّلْحُ لُغَةً قَطْعُ النِّزَاعِ وَشَرْعًا عَقْدٌ يَحْصُلُ بِهِ ذَلِكَ، وَهُوَ أَنْوَاعٌ صُلْحٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ، وَبَيْنَ الْإِمَامِ وَالْبُغَاةِ، وَبَيْنَ الزَّوْجَيْنِ عِنْدَ الشِّقَاقِ، وَصُلْحٌ فِي الْمُعَامَلَةِ، وَهُوَ مَقْصُودُ الْبَابِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: ١٢٨] وَخَبَرُ «الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ وَالْكُفَّارُ كَالْمُسْلِمِينَ وَإِنَّمَا خَصَّهُمْ بِالذِّكْرِ لِانْقِيَادِهِمْ إلَى الْأَحْكَامِ غَالِبًا، وَلَفْظُهُ يَتَعَدَّى لِلْمَتْرُوكِ بِ مِنْ وَعَنْ وَلِلْمَأْخُوذِ بِ عَلَى وَالْبَاءِ (وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ الْأَوَّلُ فِي أَحْكَامِهِ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
وَلَمْ يَأْخُذْ فِيهَا شَيْئًا سَقَطَ حُكْمُهَا.
[فَصْلٌ خَلْطُ وَلِيُّ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ مَالِهِ بِمَالِ الصَّبِيِّ]
(قَوْلُهُ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ ذَلِكَ ثَبَتَ بِالِاخْتِبَارِ فَتَوَقَّفَ وَاجِبُهُ عَلَى الطَّلَبِ إلَخْ) وَيُوَفِّي عَنْهُ دَيْنَ الْآدَمِيِّ إذَا طَلَبَهُ صَاحِبُهُ فَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهُ فَإِنْ كَانَ مَالُ الْمَحْجُورِ نَاضًّا أَلْزَمَهُ قَبْضَ دَيْنِهِ أَوْ الْإِبْرَاءَ مِنْهُ خَوْفًا مِنْ تَلَفِ مَالِهِ، وَإِنْ كَانَ عَقَارًا تَرَكَهُ عَلَى خِيَارِهِ فِي الْمُطَالَبَةِ إذَا شَاءَ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إذْ كَانَ الدَّيْنُ لِرَشِيدٍ فَإِنْ كَانَ لِمَحْجُورٍ عَلَيْهِ أَيْضًا حَرُمَ التَّأْخِيرُ مُطْلَقًا.
(قَوْلُهُ وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَقَدْ يُفَرَّقُ عَلَى بُعْدٍ بِأَنَّهُ إلَخْ) وَأُجِيبَ بِأَنَّهُمْ جَوَّزُوا إرْكَابَ الصَّبِيِّ وَإِحْضَارَهُ صَفَّ الْقِتَالِ لِيَعْتَادَ الْجِهَادَ، وَإِنْ خِيفَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ وَالسَّبْيُ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّمْرِينِ عَلَى الْعِبَادَةِ فَإِرْكَابُهُ الْبَحْرَ مَعَ غَلَبَةِ السَّلَامَةِ؛ إذْ هُوَ الْغَرَضُ لِتَمْرِينِهِ وَاعْتِيَادِهِ فَيَتَوَصَّلُ بِهِ إلَى مَصَالِحِهِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ مِنْ حَجٍّ وَتِجَارَةٍ إذَا بَلَغَ سِيَّمَا إذَا كَانَتْ حِرْفَتُهُ بِرُكُوبِهِ كَيْفَ لَا يَجُوزُ، وَهَذَا الْمَعْنَى مُنْتَفٍ فِي السَّفَرِ بِمَالِهِ؛ إذْ لَا تَمْرِينَ فِيهِ مَعَ التَّغْرِيرِ، وَالْمُرُورُ تَحْتَ الْحَائِطِ الْمَائِلِ جَائِزٌ إذَا غَلَبَتْ السَّلَامَةُ فَإِذَا غَلَبَتْ السَّلَامَةُ فِي رُكُوبِ الْحَوَامِلِ الْبَحْرَ كَيْفَ لَا يَجُوزُ رُكُوبُهُنَّ.
[فَصْلٌ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِ الْقَاضِي إقْرَاضُ مَالِ الصَّبِيِّ إلَّا لِضَرُورَةٍ كَسَفَرٍ أَوْ نَهْبٍ]
(قَوْلُهُ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ فِي الْقَضَاءِ عَلَى إلَخْ) هُوَ وَجْهٌ ضَعِيفٌ (قَوْلُهُ: وَيَأْخُذُ بِهِ رَهْنًا إنْ رَأَى فِي أَخْذِهِ مَصْلَحَةً، وَإِلَّا تَرَكَهُ) قَالَ فِي الْخَادِمِ: وَهَذَا مُخَالِفٌ لِجَزْمِهِ فِي بَابِ الرَّهْنِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي إقْرَاضِ مَالِهِ أَخْذُ الرَّهْنِ، وَهُوَ الصَّوَابُ وَقَدْ سَبَقَ فِي الْبَيْعِ نَسِيئَةً أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الرَّهْنِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَرْضِ بِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْمُطَالَبَةِ بِهِ مَتَى شَاءَ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، فَقَدْ يُسْرِعُ مَنْ عَلَيْهِ فِي ضَيَاعِ مَالِهِ، وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ مُطَالَبَتِهِ فَاحْتِيجَ إلَى الِاسْتِيثَاقِ بِالرَّهْنِ
(تَنْبِيهٌ) لَوْ كَانَ لِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ بُسْتَانٌ فَأَجَّرَ وَلِيُّهُ بَيَاضَ أَرْضِهِ بِأُجْرَةٍ بَالِغَةٍ وَافِيَةٍ بِمِقْدَارِ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ وَقِيمَةِ الثَّمَرَةِ ثُمَّ سَاقَى عَلَى الشَّجَرِ عَلَى سَهْمٍ مِنْ أَلْفِ سَهْمٍ، وَالْبَاقِي لِلْمُسْتَأْجِرِ كَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فَالظَّاهِرُ صِحَّةُ الْمُسَاقَاةِ قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ نَفِيسَةٌ، وَذَكَرَهَا الْإِسْنَوِيُّ فِي كِتَابِهِ الْأَلْغَازِ عَنْهُ وَقَالَ هِيَ مَسْأَلَةٌ حَسَنَةٌ وَحُكْمُهَا مُتَّجَهٌ.
[فَصْلٌ يُسْتَحَبُّ لِلْقَاضِي أَنْ يَشْهَدَ عَلَى حَجْرِ السَّفِيهِ]
(كِتَابُ الصُّلْحِ) (قَوْلُهُ إلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا إلَخْ) الصُّلْحُ الَّذِي يُحِلُّ الْحَرَامَ أَنْ يُصَالِحَ عَلَى خَمْرٍ أَوْ نَحْوِهِ أَوْ مِنْ دَرَاهِمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهَا، وَاَلَّذِي يُحَرِّمُ الْحَلَالَ أَنْ يُصَالِحَ زَوْجَتَهُ عَلَى أَنْ لَا يُطَلِّقَهَا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَمِنْهُ الصُّلْحُ عَلَى الْإِنْكَارِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْمُدَّعِي كَاذِبًا فَقَدْ اسْتَحَلَّ بِهِ مَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَهُوَ حَرَامٌ، وَإِنْ كَانَ صَادِقًا فَقَدْ حَرُمَ عَلَيْهِ مَالُهُ الْحَلَالُ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ جَمِيعَ مَا يَدَّعِيهِ