للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّ الْوُجُوبَ يُلَاقِيهِ ابْتِدَاءً كَمَا فِي سَائِرِ الْمُتْلَفَاتِ فَإِنْ كَانَ تَعَذَّرَ ذَلِكَ لِعَدَمِ انْتِظَامِ بَيْتِ الْمَالِ أُخِذَ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ قَبْلَ الْجَانِي عَلَى مَا مَرَّ (لَا) عَلَى (فَرْعِهِ، وَأَصْلِهِ) ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْإِيجَابِ بِخِلَافِهِمَا.

(فَصْلٌ: قِسْطُ الْغَنِيِّ كُلَّ سَنَةٍ، وَهُوَ مَنْ يَمْلِكُ عِشْرِينَ دِينَارًا) أَوْ قَدْرَهَا اعْتِبَارًا بِالزَّكَاةِ (نِصْفُ دِينَارٍ أَوْ قَدْرُهُ دَرَاهِمَ) ، وَهُوَ سِتَّةٌ مِنْهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَوَّلُ دَرَجَةِ الْمُوَاسَاةِ فِي زَكَاةِ النَّقْدِ (وَالْمُتَوَسِّطُ مَنْ مَلَكَ دُونَهَا) أَيْ دُونَ الْعِشْرِينَ (وَفَوْقَ الرُّبْعِ) أَيْ رُبْعِ الدِّينَارِ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْهُ، وَإِنَّمَا شُرِطَ هَذَا (لِئَلَّا يَبْقَى فَقِيرًا) ، وَقَدْ يُقَالُ يُقَاسُ بِهِ الْغَنِيُّ لِئَلَّا يَبْقَى مُتَوَسِّطًا، وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الْمُتَوَسِّطَ مِنْ أَهْلِ التَّحَمُّلِ بِخِلَافِ الْفَقِيرِ، وَشَرْطُهُمَا أَنْ يَكُونَ مَا يَمْلِكَانِهِ (فَاضِلًا عَمَّا يَبْقَى) لَهُمَا (فِي الْكَفَّارَةِ) مِنْ مَسْكَنٍ وَثِيَابٍ وَسَائِرِ مَا لَا يُكَلَّفُ بَيْعَهُ فِيهَا (، وَقِسْطُهُ) أَيْ الْمُتَوَسِّطُ (رُبْعُ دِينَارٍ) أَوْ قَدْرُهُ؛ لِأَنَّ مَا دُونَهُ تَافِهٌ بِدَلِيلِ عَدَمِ الْقَطْعِ بِهِ فِي السَّرِقَةِ، وَإِلْحَاقُهُ بِالْغَنِيِّ أَوْ بِالْفَقِيرِ إفْرَاطٌ أَوْ تَفْرِيطٌ وَضَبْطُ الْغَنِيِّ وَالْمُتَوَسِّطِ بِمَا ذُكِرَ قَالَهُ الْإِمَامُ وَتَبِعَهُ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ وَضَبَطَهُ الْبَغَوِيّ تَبَعًا لِلْقَاضِي بِالْعُرْفِ، وَلَا تَرْجِيحَ فِي الْأَصْلِ فَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ (فَلَوْ كَثُرُوا) أَيْ الْعَاقِلَةُ أَوْ قَلَّ الْوَاجِبُ (نَقَصَ) الْقِسْطُ فَيُؤْخَذُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمْ حِصَّتُهُ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصِ أَحَدٍ مِنْهُمْ لِشُمُولِ جِهَةِ التَّحَمُّلِ لَهُمْ (وَلَا عَكْسَ) أَيْ لَوْ قَلُّوا، وَكَثُرَ الْوَاجِبُ لَمْ يَزِدْ الْقِسْطُ وَالتَّصْرِيحُ بِهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ.

(فَرْعٌ: الْوَاجِبُ النَّقْدُ فَيَجْمَعُ الْعَاقِلُ الْمَالَ) الَّذِي عَلَيْهِ مِنْ نِصْفٍ أَوْ رُبْعٍ (بَعْدَ) تَمَامِ (الْحَوْلِ، وَيَشْتَرِي) بِهِ (الْإِبِلَ) ؛ لِأَنَّهَا الْوَاجِبَةُ لَا النَّقْدُ بِعَيْنِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَفِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْوَاجِبُ النَّقْدُ تَسَمُّحٌ (فَإِنْ فُقِدَتْ ثُمَّ وُجِدَتْ قَبْلَ الْأَدَاءِ) لِلْمَالِ (تَعَيَّنَتْ) كَوُجُودِ الْمَاءِ قَبْلَ صَلَاتِهِ بِالتَّيَمُّمِ (وَإِلَّا) يَعْنِي، وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ قَبْلَ الْأَدَاءِ، وَلَا عِنْدَهُ (فَالْقِيمَةُ) أَيْ فَالْمُعْتَبَرُ قِيمَتُهَا بِنَقْدِ الْبَلَدِ، وَإِنْ وُجِدَتْ بَعْدَهُ لَمْ يُؤَثِّرْ فَإِنْ حَلَّ نَجْمٌ وَالْإِبِلُ بِالْبَلَدِ قُوِّمَتْ يَوْمَئِذٍ وَأُخِذَتْ قِيمَتُهَا، وَلَا يُعْتَبَرُ بَعْضُ النُّجُومِ بِبَعْضٍ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ.

(وَيُعْتَبَرُ الْغِنَى وَالتَّوَسُّطُ آخِرَ الْحَوْلِ) ؛ لِأَنَّهُ، وَقْتُ الْأَدَاءِ فَلَا يُؤَثِّرُ الْغِنَى وَضِدُّهُ قَبْلَهُ، وَلَا بَعْدَهُ كَالزَّكَاةِ فَلَوْ أَيْسَرَ آخِرَهُ، وَلَمْ يُؤَدِّ ثُمَّ أَعْسَرَ ثَبَتَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ، وَلَوْ افْتَقَرَ آخِرَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلْمُوَاسَاةِ بِخِلَافِ الْجِزْيَةِ؛ لِأَنَّهَا كَالْأُجْرَةِ لِسُكْنَى دَارِ الْإِسْلَامِ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَوْ ادَّعَى الْفَقْرَ بَعْدَ الْغِنَى حَلَفَ، وَلَا يُكَلَّفُ الْبَيِّنَةَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَحَمَّلُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِغِنَاهُ (وَأَمَّا الْكَمَالُ) بِالتَّكْلِيفِ وَالْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ (فَمِنْ) أَيْ فَيُعْتَبَرُ مِنْ (الْفِعْلِ إلَى الزُّهُوقِ) بَلْ إلَى مُضِيِّ الْأَجَلِ، وَالتَّصْرِيحُ بِهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ، وَاَلَّذِي فِي الْأَصْلِ، وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ كَافِرًا أَوْ رَقِيقًا أَوْ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا، وَكَمَّلَ فِي آخِرِهِ لَمْ تُؤْخَذْ مِنْهُ حِصَّةُ تِلْكَ السَّنَةِ، وَمَا بَعْدَهَا قَالَ الرَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا أَهْلًا لِلنُّصْرَةِ بِالْبَدَنِ فِي الِابْتِدَاءِ فَلَا يُكَلَّفُونَ النُّصْرَةَ بِالْمَالِ فِي الِانْتِهَاءِ، وَالْمُعْسِرُ كَامِلٌ أَهْلٌ لِلنُّصْرَةِ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ الْمَالُ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْأَدَاءِ فَيُعْتَبَرُ وَقْتُهُ.

(الطَّرَفُ الثَّالِثُ فِي كَيْفِيَّةِ الضَّرْبِ) عَلَى الْعَاقِلَةِ (لَوْ فُقِدَ بَيْتُ الْمَالِ لَزِمَتْ) الدِّيَةُ (الْجَانِيَ لَا أَصْلَهُ، وَفَرْعَهُ) هَذَا مُكَرَّرٌ وَالِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ هُنَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِلْأَصْلِ (وَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِالْجِنَايَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ) كَسَائِرِ الْأَقَارِيرِ (وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ) بِالتَّحَمُّلِ (بِحَلِفٍ) مِنْ الْمُدَّعِي (بَعْدَ نُكُولِهِ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ كَالْإِقْرَارِ (وَلَا) يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِالْجِنَايَةِ (عَلَى بَيْتِ الْمَالِ) ، وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالتَّحَمُّلِ بِمَا ذُكِرَ (، وَعَلَى الْعَاقِلَةِ يَمِينٌ) نَفْيُ الْعِلْمِ بِالْجِنَايَةِ فَإِذَا حَلَفُوا كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَى الْمُقِرِّ إذْ لَا سَبِيلَ إلَى التَّعْطِيلِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ التَّحَمُّلُ.

(وَتَلْزَمُهُ) أَيْ الدِّيَةُ الْجَانِيَ (مُؤَجَّلَةً) كَالْعَاقِلَةِ (فَلَوْ مَاتَ غَنِيًّا حَلَّتْ) عَلَيْهِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ الْمُؤَجَّلَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ مَاتَ أَحَدُ الْعَاقِلَةِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ لَا يُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ عَلَيْهِمْ سَبِيلُهُ الْمُوَاسَاةُ، وَعَلَى الْجَانِي سَبِيلُهُ صِيَانَةُ الْحَقِّ عَنْ الضَّيَاعِ فَلَا يَسْقُطُ (أَوْ) مَاتَ (مُعْسِرًا سَقَطَتْ) عَنْهُ الْمُطَالَبَةُ بِهَا كَمَا لَوْ كَانَ حَيًّا مُعْسِرًا (وَلَوْ غَرِمَ وَاعْتَرَفُوا) بَعْدَ ذَلِكَ بِالْقَتْلِ (لَمْ يَسْتَرِدَّ) مَا غَرِمَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوُجُوبَ يُلَاقِيهِ ابْتِدَاءً (بَلْ يَرْجِعُ) بِهِ (عَلَيْهِمْ) .

(فَصْلٌ: تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ الْأُرُوشَ وَالْغُرَّةَ وَالْحُكُومَاتِ، وَكَذَا قِيمَةُ الْعَبْدِ) كَالدِّيَةِ وَأَلْحَقَ بَدَلَ الْعَبْدِ بِبَدَلِ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

[فَصْلٌ قِسْطُ الْغَنِيِّ مِنْ الدِّيَة فِي تَحْمَلْ الْعَاقِلَة لَهَا]

قَوْلُهُ: لِأَنَّ مَا دُونَهُ تَافِهٌ) ؛ وَلِأَنَّ نَفَقَةَ الْمُعْسِرِ نِصْفُ نَفَقَةِ الْمُوسِرِ (قَوْلُهُ: وَتَبِعَهُ الْغَزَالِيُّ) وَغَيْرُهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْأَنْوَارِ وَغَيْرِهِمَا، وَقَالَ الْعِمْرَانِيُّ فِي مَسَائِلِهِ الْمَنْثُورَةِ، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْغَنِيُّ الَّذِي يَحْمِلُ الْعَقْلَ هُوَ مَنْ يَمْلِكُ مِنْ الْمَالِ مَا يَكْفِيهِ عَلَى الدَّوَامِ وَالْفَقِيرُ هُوَ مَنْ لَا يَمْلِكُ مِنْ الْمَالِ مَا يَكْفِيهِ عَلَى الدَّوَامِ، وَجَرَى عَلَيْهِ فِي الْبَيَانِ مِنْ غَيْرِ عَزْوِهِ إلَيْهِ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَقَوْلُهُ وَالْفَقِيرُ إلَى آخِرِهِ مُشْكِلٌ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ الْمُتَوَسِّطَ، وَإِنَّمَا وَقَعَ فِي النَّقْلِ خَلَلٌ، وَمَا ذَكَرَهُ الْعِمْرَانِيُّ اسْتَنْبَطَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ مِنْ غَيْرِ نَقْلٍ فَقَالَ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْفَقِيرِ هُنَا مَنْ لَا يَمْلِكُ كِفَايَتَهُ عَلَى الدَّوَامِ. اهـ. وَاسْتِنْبَاطُ ابْنِ الرِّفْعَةِ يُبْعِدُ قَوْلَ الْأَذْرَعِيِّ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ الْمُتَوَسِّطُ فس (قَوْلُهُ: لِشُمُولِ جِهَةِ التَّحَمُّلِ لَهُمْ) ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ بِالتَّعْصِيبِ فَقُسِّمَ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ بَيْنَ الْجَمِيعِ الْمُسْتَوِينَ فِي الدَّرَجَةِ وَالتَّعْصِيبِ كَالْمِيرَاثِ

[فَرْعٌ لَمْ تُوجَدْ الْإِبِلُ الْوَاجِبَةُ فِي الدِّيَةِ قَبْلَ الْأَدَاءِ وَلَا عِنْدَهُ]

(قَوْلُهُ: فَرْعٌ الْوَاجِبُ) أَيْ أَخْذُهُ مِنْ الْعَاقِلَةِ (قَوْلُهُ: وَيَشْتَرِي بِهِ الْإِبِلَ) ؛ لِأَنَّهَا الْوَاجِبَةُ قَدْ ذَكَرُوا فِي أَوَائِلِ الدِّيَاتِ أَنَّ إبِلَ الْعَاقِلَةِ إذَا اخْتَلَفَتْ أَنْوَاعُهَا وَجَبَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ مِنْ نَوْعِ إبِلِهِ حَتَّى لَوْ اخْتَلَفَتْ أَنْوَاعُ إبِلِ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ يُؤْخَذُ مِنْ أَغْلِبْهَا أَوْ مِنْ الْجَمِيعِ بِالْقِسْطِ، وَأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يُعْطِيَ مِنْ نَوْعٍ آخَرَ غَيْرَ مَا فِي يَدِهِ أُجْبِرَ الْمُسْتَحِقُّ عَلَى قَبُولِهِ إنْ كَانَ مِنْ غَالِبِ إبِلِ الْبَلَدِ أَوْ الْقَبِيلَةِ

(قَوْلُهُ: كَالزَّكَاةِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ مَالِيٌّ يَتَعَلَّقُ بِالْحَوْلِ مُوَاسَاةً فَأَشْبَهَ الزَّكَاةَ

[الطَّرَفُ الثَّالِثُ فِي كَيْفِيَّة الضَّرْب عَلَى الْعَاقِلَةِ]

(قَوْلُهُ: فَإِذَا حَلَفُوا كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَى الْمُقِرِّ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا، وَلَا عَبْدًا، وَلَا اعْتِرَافًا» . اهـ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ، وَلَا عَبْدًا أَنَّهَا لَا تَحْمِلُ عَنْ عَبْدٍ (قَوْلُهُ: كَالدِّيَةِ) ؛ وَلِأَنَّهُ لَا تَحْمِلُ الْجَانِي الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>