للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْفِتْنَةِ وَمُحَرِّكٌ لِلشَّهْوَةِ فَاللَّائِقُ بِمَحَاسِن الشَّرِيعَةِ سَدُّ الْبَابِ وَالْإِعْرَاضُ عَنْ تَفَاصِيلِ الْأَحْوَالِ كَالْخَلْوَةِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ، وَصَوَّبَ فِي الْمُهِمَّاتِ الْأَوَّلَ لِكَوْنِ الْأَكْثَرِينَ عَلَيْهِ، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ التَّرْجِيحُ بِقُوَّةِ الْمُدْرَكِ وَالْفَتْوَى عَلَى مَا فِي الْمِنْهَاجِ انْتَهَى وَمَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى مَنْعِ النِّسَاءِ أَيْ مَنْعِ الْوُلَاةِ لَهُنَّ مِمَّا ذُكِرَ لَا يُنَافِي مَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ سَتْرُ وَجْهِهَا فِي طَرِيقِهَا وَإِنَّمَا ذَلِكَ سُنَّةٌ وَعَلَى الرِّجَالِ غَضُّ الْبَصَرِ عَنْهُنَّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: ٣٠] ؛ لِأَنَّ مَنْعَهُنَّ مِنْ ذَلِكَ لَا؛ لِأَنَّ السَّتْرَ وَاجِبٌ عَلَيْهِنَّ فِي ذَاتِهِ بَلْ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ وَفِيهِ مَصْلَحَةٌ عَامَّةٌ وَفِي تَرْكِهِ إخْلَالٌ بِالْمُرُوءَةِ (كَالْإِصْغَاءِ) مِنْ الرَّجُلِ (لِصَوْتِهَا) فَإِنَّهُ جَائِزٌ عِنْدَ أَمْنِ الْفِتْنَةِ وَصَوْتُهَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْأَصْلِ (وَلِتَشَوُّشِهِ) نَدْبًا إذَا أَقْرَعَ بَابَهَا بِأَنْ لَا تُجِيبَ بِصَوْتٍ رَخِيمٍ بَلْ تُغَلِّظُ صَوْتَهَا (بِوَضْعِ يَدِهَا) عِبَارَةُ الْأَصْلِ بِظَهْرِ كَفِّهَا (عَلَى الْفَمِ) .

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَالتَّشْوِيشُ التَّخْلِيطُ أَمَّا النَّظَرُ وَالْإِصْغَاءُ لِمَا ذُكِرَ عِنْدَ خَوْفِ الْفِتْنَةِ أَيْ الدَّاعِي إلَى جِمَاعٍ أَوْ خَلْوَةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا فَحَرَامٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَوْرَةً لِلْإِجْمَاعِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور: ٣١] وَقَوْلِهِ {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: ٣٠] وَأَمَّا نَظَرُ عَائِشَةَ إلَى الْحَبَشَةِ وَهُمْ يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ بِحَضْرَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهَا نَظَرَتْ إلَى وُجُوهِهِمْ وَأَبْدَانِهِمْ وَإِنَّمَا نَظَرَتْ إلَى لَعِبِهِمْ وَحِرَابِهِمْ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ تَعَمُّدُ النَّظَرِ إلَى الْبَدَنِ، وَإِنْ وَقَعَ بِلَا قَصْدٍ صَرَفَتْهُ فِي الْحَالِ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مَعَ أَمْنِ الْفِتْنَةِ وَفِي التَّحْرِيمِ حِينَئِذٍ خِلَافٌ تَقَدَّمَ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَيُلْتَحَقُ بِالْإِصْغَاءِ لِصَوْتِهَا عِنْدَ خَوْفِ الْفِتْنَةِ التَّلَذُّذُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَخَفْهَا

(وَلَوْ نَظَرَ فَرْجَ صَغِيرَةٍ لَا تُشْتَهَى وَغَيْرَ عَوْرَةِ أَمَةٍ) مِنْهَا بِغَيْرِ شَهْوَةٍ (جَازَ) لِتَسَامُحِ النَّاسِ بِنَظَرِ فَرْجِ الصَّغِيرَةِ إلَى بُلُوغِهَا سِنَّ التَّمْيِيزِ وَمَصِيرُهَا بِحَيْثُ يُمْكِنُهَا سَتْرُ عَوْرَتِهَا عَنْ النَّاسِ وَأَمَّا مَا ذُكِرَ فِي الْأَمَةِ فَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ حُرْمَةِ نَظَرِ غَيْرِ الْعَوْرَةِ (وَكَرِهَ) ذَلِكَ وَالتَّصْرِيحُ بِهَذَا فِي الْأُولَى مِنْ زِيَادَتِهِ وَمَا ذُكِرَ فِيهِمَا مِنْ الْجَوَازِ غَيْرُ مُعْتَمَدٍ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ فِي الْأُولَى وَعِنْدَ النَّوَوِيِّ فِي الثَّانِيَةِ فَقَدْ جَزَمَ فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ فِي الْأُولَى بِالْحُرْمَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ كَصَاحِبِ الْعُدَّةِ وَغَيْرِهِ اتِّفَاقًا نَعَمْ رَدَّ فِي الرَّوْضَةِ الْجَزْمَ وَالِاتِّفَاقَ بِأَنَّ الْقَاضِيَ جَوَّزَهُ جَزْمًا وَالْمُصَنِّفُ فَهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ رَدَّ الْحُكْمَ فَجَرَى عَلَى مُقْتَضَاهُ وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ وَبِمَا فِي الْمِنْهَاجِ وَأَصْلِهِ جَزَمَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ، ثُمَّ قَالَ تَبَعًا لِلْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي وَيَجُوزُ النَّظَرُ إلَى فَرْجِ الصَّغِيرِ إلَى التَّمْيِيزِ، وَقَالَ فِي الْمِنْهَاجِ فِي الثَّانِيَةِ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّ الْأَمَةَ كَالْحُرَّةِ، وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ الْأَرْجَحُ دَلِيلًا

(وَالْمُرَاهِقُ كَالْبَالِغِ فِي) حُرْمَةِ (النَّظَرِ) فَيَلْزَمُ الْوَلِيَّ مَنْعُهُ مِنْهُ كَمَا سَيَأْتِي لِظُهُورِهِ عَلَى الْعَوْرَاتِ (لَا) فِي حُرْمَةِ (الدُّخُولِ) عَلَى النِّسَاءِ الْأَجَانِبِ بِغَيْرِ اسْتِئْذَانٍ بَلْ يَجُوزُ بِدُونِهِ (إلَّا) فِي دُخُولِهِ عَلَيْهِنَّ (فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ) الَّتِي يَضَعْنَ فِيهَا ثِيَابَهُنَّ فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِئْذَانِهِ فِي دُخُولِهِ فِيهَا عَلَيْهِنَّ لِآيَةِ {لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ} [النور: ٥٨] (وَيَمْنَعُهُ الْوَلِيُّ) وُجُوبًا مِنْ النَّظَرِ إلَيْهِنَّ كَمَا يَمْنَعُهُ وُجُوبًا مِنْ الزِّنَا وَسَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ وَيَلْزَمُهُنَّ الِاحْتِجَابُ مِنْهُ (كَالْمَجْنُونِ) فِي ذَلِكَ (وَلِلْمُمَيِّزِ) غَيْرِ الْمُرَاهِقِ (وَالْمُحَرَّمِ بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ الْخَلْوَةُ وَنَظَرُ مَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَتَحْتَ الرُّكْبَةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْمُحَرَّمِ {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ} [النور: ٣١] الْآيَةَ وَلِأَنَّ الْمَحْرَمِيَّةَ مَعْنَى يَمْنَعُ الْمُنَاكَحَةَ أَبَدًا فَكَانَا كَالرَّجُلَيْنِ وَالْمَرْأَتَيْنِ وَالْمُمَيِّزُ غَيْرُ الْمُرَاهِقِ فِي مَعْنَى الْمَحْرَمِ وَأَفَادَ تَعْبِيرُهُ بِمَا ذُكِرَ حُرْمَةَ نَظَرِ السُّرَّةِ -

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

لِلْكَافِرَةِ وَفَتْوَى النَّوَوِيِّ بِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمَةِ كَشْفُ وَجْهِهَا لَهَا عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ نَقَلَ أَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا نَقَلَهُ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَعَلَيْهِ فَلَا مُخَالَفَةَ (قَوْلُهُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ التَّرْجِيحُ بِقُوَّةِ الْمُدْرِكِ إلَخْ) قَالَ شَيْخُنَا مُرَادُهُ بِذَلِكَ أَنَّ الْمُدْرِكَ مَعَ مَا فِي الْمِنْهَاجِ كَمَا أَنَّ الْفَتْوَى عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَالْفَتْوَى عَلَى مَا فِي الْمِنْهَاجِ) قَالَ فِي التَّوَسُّطِ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ اخْتِيَارُ الْجُمْهُورِ اهـ وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّدْرِيبِ وَقُوَّةُ كَلَامِ الصَّغِيرِ تَقْتَضِي رَجْحَتَهُ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ امْرَأَةٌ تَنْظُرُ مِنْ طَاقٍ فِي غُرْفَةٍ أَوْ غَيْرِهَا إلَى الْأَجَانِبِ أَوْ يَنْظُرُونَ إلَيْهَا مِنْهَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِنَاءُ الطَّاقِ أَوْ سَدُّهَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ هَلْ يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَى الْمُنَقَّبَةِ الَّتِي لَا يَبِينُ مِنْهَا إلَّا عَيْنَاهَا وَمَحَاجِرُهَا لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ جَمِيلَةً فَكَمْ فِي الْمَحَاجِرِ مِنْ حَنَاجِرَ (قَوْلُهُ فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهَا نَظَرَتْ إلَى وُجُوهِهِمْ إلَخْ) أَوْ أَنَّ ذَلِكَ لَعَلَّهُ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ الْحِجَابِ أَوْ كَانَتْ عَائِشَةُ لَمْ تَبْلُغْ مَبْلَغَ النِّسَاءِ إذْ ذَاكَ

(قَوْلُهُ وَغَيْرُ عَوْرَةِ أَمَةٍ جَازَ) يُقَالُ عَلَيْهِ امْرَأَةٌ يَحْرُمُ عَلَى الرِّجَالِ أَنْ يَنْظُرُوا إلَى وَجْهِهَا إنْ أَذِنَتْ لَهُمْ فِي النَّظَرِ وَيُبَاحُ لَهُمْ إنْ مَنَعَتْ مِنْهُ وَصُورَتُهُ إذَا كَانَتْ أَمَةً وَعَلَّقَ سَيِّدُهَا عِتْقَهَا عَلَى إذْنِهَا فِي ذَلِكَ وَصُورَةٌ أُخْرَى وَهِيَ مَا إذَا عَلَّقَ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا عَلَى الْمَنْعِ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِمَنْ يَخْطُبُهَا نَظَرُهُ إلَيْهَا وَقَوْلُهُ يُقَالُ عَلَيْهِ قَالَ شَيْخُنَا أَيْ عَلَى رَأْيِ الْمُصَنِّفِ الضَّعِيفِ (قَوْلُهُ فَقَدْ جَزَمَ فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ فِي الْأُولَى بِالْحُرْمَةِ) لِمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمَنَاقِبِ مِنْ مُسْتَدْرَكِهِ «عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيَاضٍ قَالَ رُفِعْت إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صِغَرِي وَعَلَيَّ خِرْقَةٌ وَقَدْ كُشِفَتْ عَوْرَتِي فَقَالَ غَطُّوا حُرْمَةَ عَوْرَتِهِ فَإِنَّ حُرْمَةَ عَوْرَةِ الصَّغِيرِ كَحُرْمَةِ عَوْرَةِ الْكَبِيرِ» وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ فِي الْمُنْتَقَى وَإِلَى صَغِيرَةٍ سِوَى فَرْجِهَا قُلْت وَفِيهِ وَجْهٌ وَكَتَبَ أَيْضًا بِإِزَاءِ كَلَامِ الْمُنْتَقَى شَمِلَ إطْلَاقُهُمْ الدُّبُرَ أَيْضًا وَبِهِ صَرَّحَ الصَّيْمَرِيُّ فِي شَرْحِ الْكِفَايَةِ (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ النَّظَرُ إلَى فَرْجِ الصَّغِيرِ إلَى التَّمْيِيزِ) الرَّاجِحُ أَنَّ الصَّغِيرَ كَالصَّغِيرَةِ (قَوْلُهُ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

(قَوْلُهُ وَالْمُرَاهِقُ كَالْبَالِغِ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ إنَّهُمْ أَلْحَقُوا الْمُرَاهِقَ بِالْبَالِغِ فِي جَوَازِ رَمْيِهِ إذَا نَظَرَ إلَى حُرْمَةِ الْغَيْرِ وَفِيمَا إذَا صَاحَ عَلَيْهِ فَمَاتَ لَا يَضْمَنُ إلَّا أَنَّهُمْ قَيَّدُوهُ بِالْمُتَيَقِّظِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا مِثْلُهُ وَكَلَامُ الْإِمَامِ يُشِيرُ إلَيْهِ وَقَوْلُهُ وَكَلَامُ الْإِمَامِ يُشِيرُ إلَيْهِ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>