الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لَا الْمَغْشُوشَةِ)
وَالْفُلُوسِ وَالْحُلِيِّ وَالتِّبْرِ وَسَائِرِ الْعُرُوضِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْدُ؛ لِأَنَّ فِي الْقِرَاضِ إغْرَارًا؛ إذْ الْعَمَلُ فِيهِ غَيْرُ مَضْبُوطٍ وَالرِّبْحُ غَيْرُ مَوْثُوقٍ بِهِ وَإِنَّمَا جُوِّزَ لِلْحَاجَةِ فَاخْتَصَّ بِمَا يَرُوجُ بِكُلِّ حَالٍ وَتَسْهُلُ التِّجَارَةُ بِهِ وَلِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ ثَمَنَانِ لَا يَخْتَلِفَانِ بِالْأَزْمِنَةِ وَالْأَمْكِنَةِ إلَّا قَلِيلًا وَلَا يُقَوَّمَانِ بِغَيْرِهِمَا، وَالْعُرُوضُ تَخْتَلِفُ قِيمَتُهَا فَلَوْ رَجَعَتْ رَأْسَ مَالٍ لَزِمَ إمَّا أَخْذُ الْمَالِكِ جَمِيعَ الرِّبْحِ، أَوْ أَخْذُ الْعَامِلِ بَعْضَ رَأْسِ الْمَالِ وَوَضْعُ الْقِرَاضِ عَلَى أَنْ يَشْتَرِكَا فِي الرِّبْحِ وَيَنْفَرِدَ الْمَالِكُ بِرَأْسِ الْمَالِ، وَجَعَلَ الرَّافِعِيُّ التَّعْلِيلَ الثَّانِيَ أَشْهَرَ وَبَيَّنَهُ وَنَظَرَ فِيهِ بِمَا يَطُولُ ذِكْرُهُ.
(فَإِنْ قَارَضَهُ عَلَى عَرَضٍ) كَمَنْفَعَةٍ (أَوْ عَلَى ثَمَنِهِ إنْ بَاعَهُ، أَوْ عَلَى مَا فِي ذِمَّةِ فُلَانٍ لَمْ يَصِحَّ) أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِمَا مَرَّ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِلْجَهْلِ بِالْمِقْدَارِ وَلِتَعْلِيقِ الْعَقْدِ، وَأَمَّا فِي الْأَخِيرَةِ فَقِيَاسًا عَلَى الْعَرَضِ بَلْ أَوْلَى.
(وَلَوْ قَارَضَهُ عَلَى أَلْفٍ وَعَيَّنَهُ فِي الْمَجْلِسِ جَازَ) كَالصَّرْفِ وَالسَّلَمِ وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا.
(وَإِنْ قَالَ) لِمَدِينِهِ (اعْزِلْ مَالِي الَّذِي فِي ذِمَّتِك فَعَزَلَهُ وَلَمْ يَقْبِضْهُ وَقَارَضَهُ عَلَيْهِ فَاشْتَرَى لَهُ) أَيْ لِلْقِرَاضِ (بِعَيْنِهِ) شَيْئًا (فَكَالْفُضُولِيِّ يَشْتَرِي بِعَيْنِ مَالِهِ لِلْغَيْرِ) فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَا عَزَلَهُ لَهُ بِغَيْرِ قَبْضٍ (وَلَوْ اشْتَرَاهُ لَهُ فِي الذِّمَّةِ وَقَعَ) الْعَقْدُ (لِلْآمِرِ) لِأَنَّهُ اشْتَرَى لَهُ بِإِذْنِهِ وَقِيلَ لِلْمَأْمُورِ؛ لِأَنَّ الْآمِرَ لَمْ يَمْلِكْ الثَّمَنَ، وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْقَاضِي وَالْإِمَامُ (وَكَانَ الرِّبْحُ لَهُ) أَيْ لِلْآمِرِ لِفَسَادِ الْقِرَاضِ (وَلِلْعَامِلِ) عَلَيْهِ (أُجْرَةُ الْمِثْلِ) كَنَظَائِرِهِ مِنْ عُقُودِ الْقِرَاضِ الْفَاسِدَةِ.
(وَلَوْ أَعْطَاهُ أَلْفَيْنِ وَقَالَ: قَارَضْتُك) وَفِي نُسْخَةٍ " وَقَارَضَهُ " (عَلَى أَحَدِهِمَا لَمْ يَصِحَّ) لِعَدَمِ التَّعْيِينِ كَالْبَيْعِ وَكَذَا لَوْ كَانَ مَجْهُولَ الْقَدْرِ، أَوْ الصِّفَةِ وَلَوْ مَرْئِيًّا لِلْجَهْلِ بِالرِّبْحِ وَيُفَارِقُ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ بِأَنَّ الْقِرَاضَ عُقِدَ لِيَفْسَخَ، وَيُمَيِّزَ بَيْنَ رَأْسِ الْمَالِ وَالرِّبْحِ بِخِلَافِ السَّلَمِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ عَدَمُ صِحَّةِ الْقِرَاضِ فِيمَا قَالَهُ، وَإِنْ عَيَّنَ الْأَلْفَ فِي الْمَجْلِسِ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِفَسَادِ الصِّيغَةِ لَكِنْ صَحَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ الصِّحَّةَ حِينَئِذٍ.
(وَيَصِحُّ قِرَاضُهُ عَلَى الْوَدِيعَةِ) مَعَ الْوَدِيعِ (وَكَذَا الْمَغْصُوبُ) مَعَ غَاصِبِهِ لِتَعَيُّنِهِمَا فِي يَدِ الْعَامِلِ بِخِلَافِ مَا فِي الذِّمَّةِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَتَعَيَّنُ بِالْقَبْضِ (وَيَبْرَأُ) الْعَامِلُ (بِإِقْبَاضِهِ) لِلْمَغْصُوبِ (الْبَائِعَ) لَهُ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ ضَمَانِ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّهُ أَقْبَضَهُ لَهُ بِإِذْنِ مَالِكِهِ وَزَالَتْ عَنْهُ يَدُهُ وَمَا يَقْبِضُهُ مِنْ الْأَعْوَاضِ يَكُونُ أَمَانَةً بِيَدِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ مُضَمَّنٌ وَكَلَامُهُ يَشْمَلُ صِحَّةَ الْقِرَاضِ مَعَ غَيْرِ الْوَدِيعِ وَالْغَاصِبِ بِشَرْطِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ (وَإِنْ شَرَطَ كَوْنَ الْمَالِ فِي يَدِ الْمَالِكِ) يُوفِي مِنْهُ ثَمَنَ مَا اشْتَرَاهُ الْعَامِلُ (أَوْ) شَرَطَ (عَمَلَهُ مَعَهُ، أَوْ مُرَاجَعَتَهُ) فِي التَّصَرُّفِ (لَمْ يَصِحَّ) لِفَوَاتِ اسْتِقْلَالِ الْعَامِلِ الَّذِي هُوَ شَرْطٌ فِي الْقِرَاضِ وَلِأَنَّهُ فِي الْأُولَى وَالْأَخِيرَةِ قَدْ لَا يَجِدُهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ، أَوْ لَا يُسَاعِدُهُ عَلَى رَأْيِهِ فَيَفُوتُ التَّصَرُّفُ الرَّابِحُ وَكَالْمَالِكِ فِي ذَلِكَ نَائِبُهُ كَمُشْرِفٍ نَصَبَهُ.
(وَلَوْ شَرَطَ عَمَلَ عَبْدِهِ مَعَهُ مُعَيَّنًا) لَهُ (لَا شَرِيكًا) لَهُ (فِي الرَّأْيِ جَازَ كَشَرْطِ) إعْطَاءِ (بَهِيمَتِهِ) لَهُ لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ عَبْدَهُ وَبَهِيمَتَهُ مَالٌ فَجُعِلَ عَمَلُهُمَا تَبَعًا لِلْمَالِ بِخِلَافِ الْمَالِكِ وَبِخِلَافِ عَبْدِهِ إذَا جَعَلَهُ شَرِيكًا فِي الرَّأْيِ لِمَا مَرَّ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ وَالْبَهِيمَةُ مَعْلُومَيْنِ بِالرُّؤْيَةِ أَوْ الْوَصْفِ، وَتَعْبِيرُ أَصْلِهِ بِغُلَامِهِ أَوْلَى لِيَشْمَلَ أَجِيرَهُ الْحُرَّ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَعَبْدِهِ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِمَنْفَعَتِهِ وَقَدْ ذَكَرَ مِثْلَهُ الْأَذْرَعِيُّ فِي الْمُسَاقَاةِ (وَإِنْ شَرَطَ لَهُ) أَيْ لِعَبْدِهِ (رِبْحًا جَازَ، وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْ عَمَلَهُ مَعَهُ) لِرُجُوعِ مَا شَرَطَهُ لِعَبْدِهِ إلَيْهِ.
(فَرْعٌ يَصِحُّ)
الْقِرَاضُ (فِي الْمَشَاعِ فَلَوْ) وَفِي نُسْخَةٍ " فَإِنْ " (خَلَطَ أَلْفَيْنِ بِأَلْفٍ لِآخَرَ وَشَارَكَهُ بِأَحَدِهِمَا وَقَارَضَهُ بِالْآخَرِ جَازَ) لِأَنَّ الْإِشَاعَةَ لَا تَمْنَعُ التَّصَرُّفَ (وَتَصَرَّفَا) فِي الثُّلُثَيْنِ أَلْفَيْ.
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ: لَا الْمَغْشُوشَةِ) ؛ لِأَنَّ الْغِشَّ لَوْ مُيِّزَ لَمْ يَصِحَّ الْقِرَاضُ عَلَيْهِ فَكَذَا عِنْدَ اخْتِلَاطِهِ
(قَوْلُهُ: أَوْ عَلَى مَا فِي ذِمَّةِ فُلَانٍ لَمْ يَصِحَّ) وَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِ التَّصَرُّفِ إنْ قَالَ إذَا أُقْبِضْت فَقَدْ قَارَضْتُك وَأُجْرَةُ مِثْلِ التَّقَاضِي وَالتَّصَرُّفِ إنْ قَالَ قَارَضْتُك عَلَيْهِ لِتَقْبِضَ وَتَتَصَرَّفَ.
(قَوْلُهُ: وَبِهِ صَرَّحَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ إلَخْ) وَإِنْ قَالَ فِي الْخَادِمِ إنَّ الْأَفْقَهَ خِلَافُهُ
(قَوْلُهُ: وَلَوْ أَعْطَاهُ أَلْفَيْنِ وَقَالَ قَارَضْتُك عَلَى أَحَدِهِمَا لَمْ يَصِحَّ إلَخْ) قَالَ فِي الْخَادِمِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ مَا إذَا لَمْ يَنْوِيَا وَاحِدًا مُعَيَّنًا فَإِنْ نَوَيَاهُ صَحَّ قَطْعًا وَلَهُ نَظَائِرُ سَبَقَتْ فِي الْبَيْعِ.
(قَوْلُهُ: وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ عَدَمُ صِحَّةِ الْقِرَاضِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ ظَاهِرٌ لِفَسَادِ الصِّيغَةِ) قَالَ شَيْخُنَا: يُرَدُّ بِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ فَسَادَهَا مِنْ حَيْثُ الْجَهْلُ يَأْتِي ذَلِكَ فِي " قَارَضْتُك عَلَى أَلْفٍ "، ثُمَّ عَيَّنَهُ وَقَدْ مَرَّ صِحَّتُهُ، أَوْ مِنْ حَيْثُ الْإِبْهَامُ الْأَبْلَغُ مِنْ الْجَهْلِ قُلْنَا مَمْنُوعٌ بَلْ هُمَا مُسْتَوِيَانِ فِي الْمُعَامَلَاتِ (قَوْلُهُ: لَكِنْ صَحَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.
(قَوْلُهُ: عَلَى الْوَدِيعَةِ مَعَ الْوَدِيعِ) وَعَلَى الْمُشْتَرَكِ مَعَ الشَّرِيكِ وَعَلَى الْمُسْتَلَمِ.
(قَوْلُهُ: وَكَلَامُهُ يَشْمَلُ صِحَّةَ الْقِرَاضِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.
(قَوْلُهُ: وَالْغَاصِبِ بِشَرْطِهِ) بِأَنْ يَكُونَ الْمَالِكُ، أَوْ الْعَامِلُ قَادِرًا عَلَى أَخْذِهِ.
(قَوْلُهُ: أَوْ لَا يُسَاعِدُهُ عَلَى رَأْيِهِ إلَخْ) قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ هَذَا التَّعْلِيلُ مُنْتَقِضٌ بِمَا إذَا قَارَضَ اثْنَيْنِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ وَالْأَوْلَى التَّعْلِيلُ بِأَنَّ مَوْضُوعَ الْقِرَاضِ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ لِلْعَامِلِ وَالْمَالُ مِنْ الْمَالِكِ فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا يُنَافِي مُقْتَضَاهُ قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ التَّعْلِيلُ الْأَوَّلُ أَحْسَنُ لِأَنَّ عَمَلَ الْمَالِكِ لَا يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ إذَا عَمِلَ فِي مَالِهِ
(قَوْلُهُ: وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ وَالْبَهِيمَةُ إلَخْ) قَالَ النَّاشِرِيُّ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ السُّبْكِيّ وَأَنْ يَكُونَ الشَّرْطُ مِنْ الْعَامِلِ فَإِنْ كَانَ مِنْ الْمَالِكِ فَسَدَ الْعَقْدُ. اهـ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ التَّفْصِيلُ الَّذِي فَهَّمَهُ السُّبْكِيُّ حَسَنٌ لَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ كَثِيرِينَ أَنَّ الشَّرْطَ إذَا كَانَ مِنْ الْمَالِكِ لَمْ يَضُرَّ إذَا لَمْ نَجْعَلْ لَهُ يَدًا وَلَا تَصَرُّفًا وَرُبَّمَا رَأَيْته صَرِيحًا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ فِي التَّهْذِيبِ فِيمَا إذَا شَرَطَ رَبُّ الْمَالِ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ شَرَطَ الْعَامِلُ عَلَيْهِ بَلْ فَرَضَهَا الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ فِي شَرْطِ الْمَالِكِ عَمَلَ غُلَامِهِ مَعَهُ.
(قَوْلُهُ: لِيَشْمَلَ أَجِيرَهُ الْحُرَّ) أَيْ وَالْمُوصَى لَهُ بِمَنْفَعَتِهِ بَعْدَ إعْتَاقِ الْوَارِثِ إيَّاهُ، وَأَجِيرَهُ الرَّقِيقَ.
(قَوْلُهُ: فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَعَبْدِهِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ