للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ (وَوَقْتُهُ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ) كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَبَعْدَ قَطْعِ جُمْهُورِ الْعِرَاقِيِّينَ وَأَكْثَرِ الْخُرَاسَانِيِّينَ فَالْمُعْتَبَرُ الْحُصُولُ فِيهَا لَحْظَةً مِنْ النِّصْفِ الثَّانِي لَا لِكَوْنِهِ يُسَمَّى مَبِيتًا إذْ الْأَمْرُ بِالْمَبِيتِ لَمْ يَرِدْ هُنَا بَلْ لِمَا سَيَأْتِي فِي إشْكَالِ الرَّافِعِيِّ بِخِلَافِ الْمَبِيتِ بِمِنًى لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْمُعْظَمِ كَذَا قَرَّرَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَقِيلَ يُشْتَرَطُ فِيهِ مُعْظَمُ اللَّيْلِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَبِيتُ بِمَكَانٍ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِمُعْظَمِ اللَّيْلِ، وَهَذَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ، ثُمَّ اسْتَشْكَلَهُ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُمْ لَا يَصِلُونَهَا حَتَّى يَمْضِيَ نَحْوُ رُبْعِ اللَّيْلِ مَعَ جَوَازِ الدَّفْعِ مِنْهَا بَعْدَ النِّصْفِ (فَمَتَى) وَفِي نُسْخَةٍ وَمَتَى لَمْ يَبِتْ فِيهَا أَوْ بَاتَ لَكِنْ (دَفَعَ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ النِّصْفِ (وَلَمْ يَعُدْ إلَيْهِ) الْأَوْلَى إلَيْهَا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ (لَزِمَهُ دَمٌ) لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ.

(وَيَأْخُذُونَ مِنْهَا) نَدْبًا (حَصَى الرَّمْيِ) لِمَا رَوَى النَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ جَيِّدٍ عَنْ الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ غَدَاةَ يَوْمِ النَّحْرِ الْتَقِطْ لِي حَصًى قَالَ فَلَقَطْت لَهُ حَصَيَاتٍ مِثْلَ حَصَى الْخَذْفِ» وَلِأَنَّ بِهَا جَبَلًا فِي أَحْجَارِهِ رَخَاوَةٌ وَلِأَنَّ السُّنَّةَ أَنَّهُ إذَا أَتَى مِنًى لَا يُعَرِّجُ عَلَى غَيْرِ الرَّمْيِ فَسُنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْحَصَى مِنْ مُزْدَلِفَةَ حَتَّى لَا يَشْتَغِلَ عَنْهُ وَيَأْخُذُونَهُ (لَيْلًا) لِفَرَاغِهِمْ فِيهِ قَالَهُ الْجُمْهُورُ وَقَالَ الْبَغَوِيّ نَهَارًا بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ، وَهُوَ الصَّوَابُ نَقْلًا وَدَلِيلًا لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَالْإِمْلَاءِ وَلِظَاهِرِ الْخَبَرِ السَّابِقِ وَيَأْخُذُونَ (لِيَوْمِهِمْ) أَيْ لِرَمْيِ يَوْمِهِمْ، وَهُوَ يَوْمُ النَّحْرِ فَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ سَبْعًا فَقَطْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ، وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَزِيدَ فَرُبَّمَا سَقَطَ مِنْهَا شَيْءٌ (وَيَجُوزُ الْأَخْذُ مِنْ غَيْرِهِمْ) كَوَادِي مُحَسِّرٍ أَوْ غَيْرِهِ كَمَا يَجُوزُ الْأَخْذُ مِنْهُ لِرَمْيِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ.

(وَيُكْرَهُ) أَخْذُهَا (مِنْ حِلٍّ) لِعُدُولِهِ عَنْ الْحَرَمِ الْمُحْتَرَمِ (وَ) مِنْ (مَسْجِدٍ) ؛ لِأَنَّهَا فُرُشُهُ فَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ جُزْءٌ مِنْهُ وَالْإِحْرَامُ (وَ) مِنْ (حَشٍّ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ أَشْهَرُ مِنْ ضَمِّهَا الْمِرْحَاضُ لِنَجَاسَتِهِ وَكَذَا مِنْ كُلِّ مَوْضِعٍ نَجَسٍ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَمُقْتَضَى إطْلَاقِهِمْ بَقَاءَ الْكَرَاهَةِ، وَلَوْ غُسِلَ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْمَوْضِعِ النَّجَسِ وَيُؤَيِّدُهُ اسْتِحْبَابُ غَسْلِ الْجِمَارِ قَبْلَ الرَّمْيِ بِهَا سَوَاءٌ أَخَذَهَا مِنْ مَوْضِعٍ نَجَسِ أَمْ لَا (وَ) مِنْ (مَرْمِيٍّ بِهِ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ الْمَقْبُولَ يُرْفَعُ وَالْمَرْدُودَ يُتْرَكُ» وَلَوْلَا ذَلِكَ لَسَدَّ مَا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ فَإِنْ رَمَى بِشَيْءٍ مِنْهَا جَازَ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ فَإِنْ قِيلَ لِمَ جَازَ الرَّمْيُ بِحَجَرٍ بِهِ دُونَ الْوُضُوءِ بِمَا تَوَضَّأَ بِهِ قُلْنَا فَرَّقَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الْوُضُوءَ بِالْمَاءِ إتْلَافٌ لَهُ كَالْعِتْقِ فَلَا يَتَوَضَّأُ بِهِ مَرَّتَيْنِ كَمَا لَا يَعْتِقُ الْعَبْدُ عَنْ الْكَفَّارَةِ مَرَّتَيْنِ وَالْحَجَرُ كَالثَّوْبِ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّي فِيهِ صَلَوَاتٍ وَذِكْرُ الْحِلِّ مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ.

وَيُسَنُّ أَنْ لَا يَكْسِرَ الْحَصَى بَلْ يَلْتَقِطُهُ «؛؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِالْتِقَاطِهِ لَهُ وَنَهَى عَنْ كَسْرِهِ» وَلِأَنَّهُ قَدْ يُفْضِي إلَى التَّأَذِّي

(وَالْأَوْلَى تَقْدِيمُ النِّسَاءِ وَالضُّعَفَاءِ بَعْدَ النِّصْفِ) مِنْ اللَّيْلِ إلَى مِنًى لِيَرْمُوا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ قَبْلَ زَحْمَةِ النَّاسِ وَلِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ سَوْدَةَ أَفَاضَتْ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ مُزْدَلِفَةَ بِإِذْنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالدَّمِ، وَلَا النَّفَرَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهَا» وَفِيهِمَا «عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ أَنَا مِمَّنْ قَدَّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ فِي ضَعَفَةِ أَهْلِهِ» (وَيَقِفُ غَيْرُهُمْ) نَدْبًا أَيْ يَمْكُثُونَ بِمُزْدَلِفَةَ (فَيُصَلُّونَ الصُّبْحَ بِغَلَسٍ، ثُمَّ يَرْكَبُونَ) أَيْ يَدْفَعُونَ إلَى مِنًى لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَيَتَأَكَّدُ التَّغْلِيسُ هُنَا عَلَى بَاقِي الْأَيَّامِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلِيَتَّسِعَ الْوَقْتُ لِمَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ مِنْ أَعْمَالِ يَوْمِ النَّحْرِ (وَيَقِفُونَ) بِمُزْدَلِفَةُ فِي أَيِّ جُزْءٍ شَاءُوا لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «وَجَمْعٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ» (مُسْتَقْبِلِينَ الْقِبْلَةَ) لِلِاتِّبَاعِ وَلِأَنَّهَا أَشْرَفُ الْجِهَاتِ (وَالْأَفْضَلُ) وُقُوفُهُمْ (عِنْدَ قُزَحَ) بِضَمِّ الْقَافِ وَبِالزَّايِ الْمُعْجَمَةِ، وَهُوَ الْمُسَمَّى، وَهُوَ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَالنَّوَوِيُّ، وَهُوَ جَبَلٌ صَغِيرٌ بِآخِرِ الْمُزْدَلِفَةِ، وَهُوَ مِنْهَا قَالَا، وَقَدْ اسْتَبْدَلَ النَّاسُ الْوُقُوفَ بِهِ عَلَى بِنَاءٍ مُحْدَثٍ هُنَاكَ يَظُنُّونَهُ الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ وَلَيْسَ كَمَا يَظُنُّونَهُ لَكِنْ يَحْصُلُ بِالْوُقُوفِ عِنْدَهُ أَصْلُ السُّنَّةِ وَقَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ هُوَ بِأَوْسَطِ الْمُزْدَلِفَةِ، وَقَدْ بُنِيَ عَلَيْهِ بِنَاءٌ، ثُمَّ حَكَى كَلَامَ ابْنِ الصَّلَاحِ.

ثُمَّ قَالَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْبِنَاءَ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْجَبَلِ وَالْمُشَاهَدَةُ تَشْهَدُ لَهُ قَالَ، وَلَمْ أَرَ مَا ذَكَرَهُ لِغَيْرِهِ وَيَحْصُلُ أَصْلُ السُّنَّةِ بِالْمُرُورِ وَإِنْ لَمْ يَقِفْ فِي عَرَفَةَ نَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْقَاضِي وَأَقَرَّهُ وَإِذَا وَقَفُوا (فَيَذْكُرُونَ) اللَّهَ تَعَالَى (وَيَدْعُونَ) فِي وُقُوفِهِمْ (إلَى الْإِسْفَارِ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَيَقُولُونَ اللَّهُمَّ كَمَا وَقَّفْتَنَا فِيهِ وَأَرَيْتنَا إيَّاهُ فَوَفِّقْنَا لِذِكْرِك كَمَا هَدَيْتنَا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا كَمَا وَعَدْتنَا

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

عَنْ الْمَبِيتِ بِهَا أَوْ اشْتَغَلَ بِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ بَعْدَ نِصْفِ لَيْلَةِ النَّحْرِ فَفَاتَهُ مَبِيتُ مُزْدَلِفَةَ بِسَبَبِ ذَلِكَ كَأَصْحَابِ الْأَعْذَارِ الْمَذْكُورِ فِي مَبِيتِ لَيَالِي مِنًى وَاسْتَنْبَطَ الْبُلْقِينِيُّ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَوْ بَاتَ مَنْ شُرِطَ مَبِيتُهُ فِي مَدْرَسَةٍ خَارِجَهَا لِخَوْفٍ عَلَى نَفْسٍ أَوْ زَوْجَةٍ أَوْ مَالٍ أَوْ نَحْوِهِمَا أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ مِنْ جَامِكِيَّتِهِ شَيْءٌ، كَمَا لَا يُجْبَرُ تَرْكُ الْمَبِيتِ لِلْمَعْذُورِينَ بِدَمٍ قَالَ وَهُوَ مِنْ النَّفَائِسِ الْحُسْنَى، وَلَمْ أُسْبَقْ إلَيْهِ.

(قَوْلُهُ كَمَا يَجُوزُ الْأَخْذُ مِنْهُ لِرَمْيِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ) سَكَتَ الْجُمْهُورُ عَنْ مَوْضِعِ أَخْذِ حَصَى الْجِمَار لِرَمْيِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ إذَا قُلْنَا بِالْأَصَحِّ أَنَّهَا لَا تُؤْخَذُ مِنْ مُزْدَلِفَةَ قَالَ ابْنُ كَجٍّ وَغَيْرُهُ تُؤْخَذُ مِنْ بَطْنِ مُحَسِّرٍ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَقَالَ السُّبْكِيُّ لَا يَأْخُذُ لِأَيَّامِ التَّشْرِيقِ إلَّا مِنْ مِنًى نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْإِمْلَاءِ.

(قَوْلُهُ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَمُقْتَضَى إطْلَاقِهِمْ بَقَاءُ الْكَرَاهَةِ إلَخْ) قَالَ بَعْضُهُمْ الْأَقْرَبُ زَوَالُهَا. اهـ.

وَقَدْ صَرَّحَ بِزَوَالِهَا الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ فَمَحْمَلُهُ إذَا لَمْ تَكُنْ جُزْءًا مِنْهُ وَإِلَّا حَرُمَ) قَدْ جَزَمَ النَّوَوِيُّ فِي بَابِ الْغُسْلِ مِنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِتَحْرِيمِ إخْرَاجِ الْحَصَى مِنْ الْمَسْجِدِ فَقَالَ لَا يَجُوزُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَسْجِدِ كَحَصَاةٍ وَحَجَرٍ وَتُرَابٍ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ سَبَقَ تَحْرِيمُ التَّيَمُّمِ بِتُرَابِهِ (قَوْلُهُ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ الْمَقْبُولَ يُرْفَعُ» إلَخْ) أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ.

(قَوْلُهُ وَالْأَوْلَى تَقْدِيمُ النِّسَاءِ إلَخْ) عِبَارَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>