يَجْرِيَ ذَلِكَ فِي سَائِرِ وُجُوهِ الْإِكْرَامِ أَيْ حَتَّى فِي التَّقْدِيمِ بِالدَّعْوَى كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ قُلْت الْخُصُومُ الْمُسْلِمُونَ وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ لِكَثْرَةِ ضَرَرِ التَّأْخِيرِ (وَلِيُقْبِلَ عَلَيْهِمَا) بِقَلْبِهِ (وَعَلَيْهِ السَّكِينَةُ بِلَا مَزْحٍ) مَعَهُمَا أَوْ مَعَ أَحَدِهِمَا وَلَا تَسَارٍّ (وَلَا نَهْرٍ وَلَا صِيَاحٍ) عَلَيْهِمَا (مَا لَمْ يَتْرُكَا أَدَبًا) فَإِنْ تَرَكَا أَدَبًا نَهَرَهُمَا وَصَاحَ عَلَيْهِمَا وَيُنْدَبُ أَنْ يَجْلِسَا بَيْنَ يَدَيْهِ لِيَتَمَيَّزَا وَلِيَكُونَ اسْتِمَاعُهُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَسْهَلَ وَإِذَا جَلَسَا تَقَارَبَا إلَّا أَنْ يَكُونَا رَجُلًا وَامْرَأَةً غَيْرَ مَحْرَمٍ فَيَتَبَاعَدَانِ (وَلَا يَتَعَنَّتُ شُهُودًا) بِأَنْ يَقُولَ لَهُمْ لِمَ تَشْهَدُونَ وَمَا هَذِهِ الشَّهَادَةُ (وَلَا يُلْزِمُهُمْ) بِهَا وَلَا بِمَنْعِهَا (وَلَا يُلَقِّنُ أَحَدًا) مِنْهُمْ وَلَا مِنْ الْخَصْمَيْنِ حُجَّتَهُ (وَلَا يُشَكِّكُ) أَحَدًا مِنْهُمْ وَذِكْرُ مَنْعِ إلْزَامِهِ الشُّهُودَ بِالشَّهَادَةِ وَمَنْعِ تَشْكِيكِهِ الْخَصْمَيْنِ مِنْ زِيَادَتِهِ (وَلَا يَحْمِلُ) أَحَدًا مِنْهُمْ (عَلَى الْجَرَاءَةِ) كَأَنْ يُجْزِئَ الْمَائِلَ إلَى النُّكُولِ عَنْ الْيَمِينِ عَلَيْهَا أَوْ إلَى التَّوَقُّفِ عَنْ الشَّهَادَةِ عَلَيْهَا (لَكِنْ يُرْشِدُ إلَى الْإِنْكَارِ فِي حُقُوقِ) عِبَارَةُ الْأَصْلِ فِي حُدُودِ (اللَّهِ تَعَالَى) كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي مَحَلِّهِ (وَلَوْ عَلِمَ) الْمُدَّعِي وَالشَّاهِدُ (كَيْفَ تَصِحُّ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةُ جَازَ) لَمْ يُصَحِّحْ الْأَصْلُ شَيْئًا فِي الْأُولَى فَالتَّصْحِيحُ فِيهَا مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ لَكِنْ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ.
وَرَجَّحَهُ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ النَّوَوِيُّ وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ إنَّهُ الْمَذْهَبُ عَدَمُ الْجَوَازِ كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْلِمَهُ احْتِجَاجًا وَلِمَا فِيهِ مِنْ كَسْرِ قَلْبِ صَاحِبِهِ وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الثَّانِيَةِ بِأَنَّ الدَّعْوَى أَصْلٌ وَالشَّهَادَةَ تَبَعٌ (وَلَا بَأْسَ أَنْ يَسْأَلَ) مِنْ الْمُدَّعِي (عَنْ صِفَةِ الدَّرَاهِمِ الْمُدَّعَاةِ) كَأَنْ يَقُولَ أَهِيَ صَحِيحَةٌ أَمْ مُكَسَّرَةٌ (وَنُدِبَ) لَهُ (نَدْبُهُمَا) أَيْ الْخَصْمَيْنِ بَعْدَ ظُهُورِ وَجْهِ الْحُكْمِ (إلَى صُلْحٍ يُرْجَى وَيُؤَخَّرُ لَهُ الْحُكْمُ يَوْمًا وَيَوْمَيْنِ بِرِضَاهُمَا) بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَرْضَيَا وَالتَّصْرِيحُ بِنَدْبِ ذَلِكَ مِنْ زِيَادَتِهِ (وَإِذَا وَقَفَا) عِبَارَةُ الْأَصْلِ جَلَسَا وَالْمُرَادُ حَضَرَا (بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَهُ أَنْ يَسْكُتَ) حَتَّى يَتَكَلَّمَا (وَأَنْ يَقُولَ لِيَتَكَلَّمَ الْمُدَّعِي) مِنْكُمَا لِمَا فِيهِ مِنْ إزَالَةِ هَيْبَةِ الْقُدُومِ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَأَنْ يَقُولَ لِلْمُدَّعِي إذَا عَرَفَهُ تَكَلَّمْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: تَبِعَ فِيهِ الْبَغَوِيّ وَابْنُ شَدَّادٍ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ لَا يَقُولُ ذَلِكَ قَالَ أَعْنِي الزَّرْكَشِيَّ وَهُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْجُمْهُورِ؛ لِأَنَّهُ مَيْلٌ وَكَانَ الْمُصَنِّفُ تَرَكَهُ لِذَلِكَ (وَهَذَا) الْقَوْلُ صُدُورُهُ (مِنْ الْأَمِينِ) الْوَاقِفِ عَلَى رَأْسِهِ (أَوْلَى وَيُطَالَبُ) جَوَازُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (بِجَوَابِ الدَّعْوَى) ، وَإِنْ لَمْ يَسْأَلْهُ الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فَصْلُ الْخُصُومَةِ وَبِذَلِكَ تَنْفَصِلُ (فَلَوْ أَقَرَّ) بِالْمُدَّعَى (أَوْ حَلَفَ) الْمُدَّعِي الْيَمِينَ (الْمَرْدُودَةَ) عَلَيْهِ (ثَبَتَ) الْمُدَّعَى (بِغَيْرِ حُكْمٍ بِخِلَافِ الْبَيِّنَةِ) ؛ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْإِقْرَارِ وَلَوْ حُكْمًا عَلَى وُجُوبِ الْحَقِّ جَلِيَّةٌ إذْ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَالْبَيِّنَةُ تَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ وَلِلْمُدَّعِي بَعْدَ الْإِقْرَارِ أَنْ يَطْلُبَ مِنْ الْقَاضِي الْحُكْمَ عَلَيْهِ فَيَحْكُمُ كَأَنْ يَقُولَ لَهُ اُخْرُجْ مِنْ حَقِّهِ أَوْ كَلَّفْتُك الْخُرُوجَ مِنْ حَقِّهِ أَوْ أَلْزَمْتُك بِهِ.
(وَإِنْ أَنْكَرَ سَكَتَ) الْقَاضِي (أَوْ قَالَ لِلْمُدَّعِي أَلَكَ بَيِّنَةٌ) نَعَمْ إنْ جَهِلَ الْمُدَّعِي أَنَّ لَهُ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ فَلَا يَسْكُتُ بَلْ يَجِبُ إعْلَامُهُ بِأَنَّ لَهُ ذَلِكَ كَمَا أَفْهَمهُ كَلَامُ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إنْ عَلِمَ عِلْمَهُ بِذَلِكَ فَالسُّكُوتُ أَوْلَى، وَإِنْ شَكَّ فَالْقَوْلُ أَوْلَى، وَإِنْ عَلِمَ جَهْلَهُ بِهِ وَجَبَ إعْلَامُهُ انْتَهَى وَلَوْ عَبَّرَ بِالْحُجَّةِ بَدَلَ الْبَيِّنَةِ كَانَ أَوْلَى لِشُمُولِهَا الشَّاهِدَ مَعَ الْيَمِينِ وَالْيَمِينُ إذَا كَانَتْ فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي لِكَوْنِهِ أَمِينًا أَوْ فِي قَسَامَةٍ أَوْ فِي قَذْفِ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ فَإِنَّ الْحَقَّ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
يَجْرِيَ ذَلِكَ فِي سَائِرِ وُجُوهِ الْإِكْرَامِ) وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ إنَّهُ الْأَصَحُّ وَفِي الْإِبَانَةِ لِلْفُورَانِيِّ نَقْلُ الْوَجْهَيْنِ فِي الْجَمْعَيْنِ (قَوْلُهُ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ) ذَكَرَهُ الشَّيْخُ بُرْهَانُ الدِّينِ الْفَزَارِيّ وَالْبُلْقِينِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْجَوَازِ أَوْ الْوُجُوبِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُمْ الْوُجُوبُ وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ التَّمْيِيزِ وَهُوَ قِيَاسُ الْقَاعِدَةِ أَنَّ مَا كَانَ مَمْنُوعًا مِنْهُ إذَا جَازَ وَجَبَ كَقَطْعِ الْيَدِ فِي السَّرِقَةِ لَكِنْ صَرَّحَ سُلَيْمٌ فِي الْمُجَرَّدِ بِأَنَّهُ فِي الْجَوَازِ وَعِبَارَتُهُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُرْفَعَ الْمُسْلِمُ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُرْتَدًّا وَالْآخَرُ ذِمِّيًّا فَيُتَّجَهُ تَخْرِيجُهُ عَلَى التَّكَافُؤِ فِي الْقِصَاصِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمُرْتَدَّ يُقْتَلُ بِالذِّمِّيِّ دُونَ عَكْسِهِ وَتَعَجَّبَ مِنْهُ الْبُلْقِينِيُّ فَإِنَّ التَّكَافُؤَ فِي الْقِصَاصِ لَيْسَ مِمَّا يُخَفْ فِيهِ سَبِيلٌ وَلَوْ اعْتَبَرْنَاهُ لِرَفْعِ الْحُرِّ عَلَى الْعَبْدِ وَالْوَالِدِ عَلَى الْوَلَدِ.
وَقَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُمْ الْوُجُوبُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَقَوْلُهُ وَتَعَجَّبَ مِنْهُ الْبُلْقِينِيُّ إلَخْ قَالَ شَيْخُنَا كَلَامُ الْبُلْقِينِيِّ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ قُلْت الْخُصُومُ الْمُسْلِمُونَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ عَلِمَ الْمُدَّعِي وَالشَّاهِدُ كَيْفَ تُصَحَّحُ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةُ جَازَ) قَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْقَسَامَةِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ لَوْ أَطْلَقَ دَعْوَاهُ اسْتَفْصَلَهُ الْقَاضِي نَدْبًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ (قَوْلُهُ وَقَدْ يُفَرَّقُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَأَنْ يَقُولَ لِيَتَكَلَّمَ الْمُدَّعِي مِنْكُمَا) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ مَحَلُّ هَذَا مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْهُمَا مُدَّعٍ وَمُدَّعًى عَلَيْهِ فِي قَضِيَّةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ قَضِيَّتَيْنِ فَإِنْ كَانَ فَيَقُولُ تَكَلَّمَا وَلِهَذَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يَقُولُ لِيَتَكَلَّمَ الْمُدَّعِي مِنْكُمَا قَالَ وَعِنْدَنَا كَلَامُ الشَّافِعِيِّ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَعَمِّ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا مُدَّعِيًا وَمُدَّعًى عَلَيْهِ فِي قَضِيَّةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا لَوْ اخْتَلَفَ الْمُتَعَاقِدَانِ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فِي قَضِيَّتَيْنِ وَلَا سَابِقَ مِنْهُمَا فَيَقُولُ لِيَتَكَلَّمْ وَاحِدٌ مِنْكُمَا بِرِضَا الْآخَرِ بِتَقْدِيمِهِ فَإِنْ لَمْ يَتَّفِقَا أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا فَمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ قَالَ تَكَلَّمْ قَالَ وَلَمْ يَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ وَمَحَلُّهُ أَيْضًا مَا إذَا لَمْ يَكُنْ سُكُوتُهُمَا لِتَعَبٍ وَنَحْوِهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنْ كَانَ السُّكُوتُ لِلتَّأَهُّبِ فِي الْكَلَامِ تَوَقَّفَ حَتَّى تَسْكُنَ نُفُوسُهُمَا فَيَتَكَلَّمَا (قَوْلُهُ، وَإِنْ لَمْ يَسْأَلْهُ الْمُدَّعِي) أَيْ وَعَرَفَ بِالْقَرِينَةِ كَذِبَ الْمُدَّعِي كَأَنْ ادَّعَى الذِّمِّيُّ اسْتِئْجَارَ الْأَمِيرِ أَوْ الْكَبِيرِ لِعَلْفِ الدَّوَابِّ أَوْ كَنْسِ بَيْتِهِ أَوْ الْمَعْرُوفُ بِالتَّعَنُّتِ وَجَرِّ ذَوِي الْأَقْدَارِ بِمَجْلِسِ الْقُضَاةِ وَاسْتِحْلَافِهِمْ لِيَفْتَدُوا مِنْهُ بِشَيْءٍ.
(قَوْلُهُ فَلَوْ أَقَرَّ وَحَلَّفَ الْمَرْدُودَةَ ثَبَتَ بِغَيْرِ حُكْمٍ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ هَذَا عِنْدِي مُقَيَّدٌ بِأَنْ يَكُونَ الْإِقْرَارُ عَلَى صُورَةٍ مُتَّفَقٍ عَلَيْهَا فَإِنْ كَانَ عَلَى صُورَةٍ مُخْتَلَفٍ فِيهَا فَلَا بُدَّ مِنْ الْحُكْمِ بِالْإِقْرَارِ لِأَجْلِ الْخِلَافِ (قَوْلُهُ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ إنْ عَلِمَ عِلْمَهُ بِذَلِكَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ مَنْقُولٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute