للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَنَامَهَا الْيُمْنَى بِحَدِيدَةٍ) فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا سَنَامٌ أَشْعَرَ مَوْضِعَهُ لَا يُقَالُ هَذَا مُثْلَةٌ، وَهِيَ مَنْهِيٌّ عَنْهَا وَعَنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ أَخْبَارُ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ عَامَّةٌ وَأَخْبَارُ الْإِشْعَارِ خَاصَّةٌ فَقُدِّمَتْ (مُسْتَقْبِلًا بِهَا) فِي حَالَتَيْ التَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ (الْقِبْلَةَ) كَمَا صَحَّ عَنْ فِعْلِ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَحَكَى فِي الرَّوْضَةِ وَجْهَيْنِ فِي أَنَّ تَقْدِيمَ الْإِشْعَارِ أَفْضَلُ أَوْ التَّقْلِيدِ قَالَ: وَقَدْ صَحَّ فِي الْأَوَّلِ خَبَرٌ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَصَحَّ فِي الثَّانِي عَنْ فِعْلِ ابْنِ عُمَرَ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَعَلَيْهِ جَرَى الْمُصَنِّفُ حَيْثُ عَطَفَ بِثُمَّ وَزَادَ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّ الْمَاوَرْدِيَّ حَكَى الْأَوَّلَ عَنْ أَصْحَابِنَا كُلِّهِمْ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا (وَيُلَطِّخُهَا بِالدَّمِ لِتُعْرَفَ) فَلَا يُتَعَرَّضُ لَهَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ، وَالسُّنَّةُ أَنْ يُقَلِّدَ هَدْيَهُ وَيُشْعِرَهُ عِنْدَ إحْرَامِهِ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ فِيهِ قَالَ وَيُسَنُّ لِمَنْ لَمْ يُرِدْ الذَّهَابَ إلَى النُّسُكِ أَنْ يَبْعَثَ هَدْيًا، وَأَنْ يُقَلِّدَهُ وَيُشْعِرَهُ مِنْ بَلَدِهِ لِلْخَبَرِ الْآتِي.

وَيُسَنُّ أَنْ يُجَلِّلَ هَدْيَهُ وَيَتَصَدَّقَ بِذَلِكَ الْجَلِّ وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ الْعُلَمَاءِ: أَنَّ التَّجْلِيلَ يَكُونُ بَعْدَ الْإِشْعَارِ لِئَلَّا يَتَلَطَّخَ بِالدَّمِ وَأَنْ يَشُقَّ الْجِلَالَ عَنْ الْأَسْنِمَةِ إنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا قَلِيلَةً؛ لِئَلَّا تَسْقُطَ وَلِيَظْهَرَ الْإِشْعَارُ فَإِنْ كَانَتْ نَفِيسَةً لَمْ تُشَقَّ (فَإِنْ قَرَنَ هُدَيَيْنِ بِحَبْلٍ أَشْعَرَ) مَعَ إشْعَارِهِ أَحَدَهُمَا، وَهُوَ الْأَيْمَنُ فِي الصَّفْحَةِ الْيُمْنَى كَمَا عُلِمَ مَا مَرَّ (الْآخَرُ) ، وَهُوَ الْأَيْسَرُ (فِي الصَّفْحَةِ الْيُسْرَى) لِيُشَاهَدَا وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْأَيْسَرُ أَطْوَلَ أَشْعَرَهُ فِي الصَّفْحَةِ الْيُمْنَى، وَهُوَ مَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ، وَلَوْ قَرَنَ ثَلَاثَةً بِحَبْلٍ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ يُشْعِرُ الْأَوْسَطَ فِي الصَّفْحَةِ الْيُمْنَى مُطْلَقًا.

(، وَلَا تُشْعَرُ الْغَنَمُ) لِضَعْفِهَا؛ وَلِأَنَّ الْإِشْعَارَ لَا يَظْهَرُ فِيهَا لِكَثْرَةِ شَعْرِهَا وَصُوفِهَا (بَلْ يُقَلِّدُهَا عُرَا الْقِرَبِ وَآذَانِهَا) قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَالْخُيُوطَ الْمَفْتُولَةَ وَنَحْوَهَا لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْدَى مَرَّةً غَنَمًا مُقَلَّدَةً» ، وَلَا يُقَلِّدُهَا بِالنِّعَالِ إذْ يَثْقُلُ عَلَيْهَا حَمْلُهَا قَالَ وَيُسْتَحَبُّ فَتْلُ قَلَائِدِ الْهَدْيِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ فَتَلْت قَلَائِدَ بُدْنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدَيْ، ثُمَّ أَشْعَرَهَا وَقَلَّدَهَا، ثُمَّ بَعَثَ بِهَا إلَى الْبَيْتِ وَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ فَمَا حَرُمَ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَانَ لَهُ حَلَالًا» (وَلَا يَلْزَمُ بِذَلِكَ) أَيْ بِمَا ذَكَرَ مِنْ إشْعَارِهَا وَتَقْلِيدِهَا (ذَبْحُهَا) إذْ لَمْ تَصِرْ بِذَلِكَ هَدْيًا وَاجِبًا كَمَا لَوْ كَتَبَ الْوَقْفَ عَلَى بَابِ دَارِهِ أَوْ غَيْرِهِ بِلَا نِيَّةٍ (فَإِنْ عَطِبَ) الْهَدْيُ (فِي الطَّرِيقِ، وَكَانَ تَطَوُّعًا فَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ) بِبَيْعٍ وَأَكْلٍ وَغَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ ثَابِتٌ عَلَيْهِ (أَوْ) كَانَ (نَذْرًا لَزِمَهُ ذَبْحُهُ) مَكَانَهُ لِلْخَبَرِ الْآتِي؛ وَلِأَنَّهُ هَدْيٌ مَعْكُوفٌ عَلَى الْحَرَمِ فَوَجَبَ نَحْرُهُ مَكَانَهُ كَهَدْيِ الْمُحْصَرِ، وَلَيْسَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِمَا يُزِيلُ الْمِلْكَ أَوْ يَئُولُ إلَى زَوَالِهِ كَالْوَصِيَّةِ وَالْهِبَةِ وَالرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ بِالنَّذْرِ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ وَصَارَ لِلْمَسَاكِينِ وَفَارَقَ مَا لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ إعْتَاقُ هَذَا الْعَبْدِ حَيْثُ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ إلَّا بِإِعْتَاقِهِ، وَإِنْ امْتَنَعَ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِأَنَّ الْمِلْكَ يَنْتَقِلُ هُنَا إلَى الْمَسَاكِينِ فَانْتَقَلَ بِنَفْسِ النَّذْرِ كَالْوَقْفِ.

وَأَمَّا الْمِلْكُ فِي الْعَبْدِ فَلَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِ، وَلَا إلَى غَيْرِهِ بَلْ يَنْفَكُّ الْعَبْدُ عَنْهُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَذْبَحْهُ حَتَّى تَلِفَ (ضَمِنَهُ) لِتَفْرِيطِهِ كَنَظِيرِهِ فِي الْوَدِيعَةِ، وَسَيَأْتِي فِيهِ زِيَادَةٌ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَمَا ذُكِرَ فِي النَّذْرِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ مَحَلُّهُ فِي الْمُعَيَّنِ ابْتِدَاءً، فَلَوْ كَانَ قَدْ عَيَّنَهُ عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ عَادَ إلَى مِلْكِهِ بِالْعَطَبِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَيَتَصَرَّفُ فِيهِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ النَّصِّ وَالْأَصْلُ بَاقٍ فِي ذِمَّتِهِ (ثُمَّ) بَعْدَ ذَبْحِهِ (يَغْمِسُ تِلْكَ النَّعْلَ) الَّتِي قَلَّدَهُ بِهَا فِي دَمِهِ (وَيَضْرِبُ بِهَا سَنَامَهُ) وَيَتْرُكُهُ لِيَعْلَمَ مَنْ مَرَّ بِهِ أَنَّهُ هَدْيٌ فَيَأْكُلُ مِنْهُ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَبْعَثُ مَعَ أَبِي قَبِيصَةَ بِالْبُدْنِ، ثُمَّ يَقُولُ إنْ عَطِبَ مِنْهَا شَيْءٌ فَخَشِيتَ عَلَيْهِ مَوْتًا فَانْحَرْهَا، ثُمَّ اغْمِسْ نَعْلَهَا فِي دَمِهَا، ثُمَّ اضْرِبْ بِهِ صَفْحَتَهَا، وَلَا تَطْعَمْهَا أَنْتَ، وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ رُفْقَتِك» (فَإِنْ) وَفِي نُسْخَةٍ فَإِذَا (كَانَ) الْهَدْيُ (نَذْرًا حَلَّ) لِمَنْ مَرَّ بِهِ غَيْرَ مَنْ يَأْتِي الْأَكْلَ مِنْهُ (وَإِنْ لَمْ يَقُلْ) مَنْ أَهْدَاهُ (أَبَحْتُهُ) لِمَنْ يَأْكُلُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ بِالنَّذْرِ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ وَصَارَ لِلْمَسَاكِينِ كَمَا مَرَّ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَتَقْيِيدُهُمْ بِالْأَكْلِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَحِلُّ غَيْرُهُ حَتَّى لَوْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ جَمِيعَهُ أَوْ يَأْكُلَ وَيَنْقُلَ مَعَهُ بَعْضَهُ لَمْ يَجُزْ، وَهُوَ نَظِيرُ السِّقَايَةِ الْمُسَبَّلَةِ فِي الطَّرِيقِ يَجُوزُ لِلْمَارِّ الشُّرْبُ مِنْهَا، وَلَا يَجُوزُ نَقْلُ الْمَاءِ مَعَهُ مِنْهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ انْتَهَى.

وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْمَاءَ لَا يَمْلِكُهُ الْمَارَّةُ بِخِلَافِ الْهَدْيِ يَمْلِكُونَهُ؛ لِأَنَّهُمْ بَدَلٌ عَنْ فُقَرَاءِ الْحَرَمِ الَّذِينَ يَمْلِكُونَهُ بِالنَّذْرِ وَمَعَ هَذَا فَالظَّاهِرُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُمْ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَكْلِ (وَيَتَوَقَّفُ التَّطَوُّعُ) أَيْ حِلُّ هَدْيِهِ إذَا ذَبَحَهُ (عَلَى الْإِبَاحَةِ) كَأَنْ يَقُولَ أَبَحْتُهُ لِلْفُقَرَاءِ أَوْ الْمَسَاكِينِ أَوْ جَعَلْته لَهُمْ (وَلِمَنْ وَجَدَهُ الْأَكْلُ) مِنْهُ (وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْإِبَاحَةِ) ؛ لِأَنَّ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ، وَلَا تَطْعَمْهَا أَنْتَ، وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ رُفْقَتِك) قَالَ شَيْخُنَا أَيْ لِمَا فِيهِ مِنْ التُّهْمَةِ الْحَاصِلَةِ لَهُمْ بِأَنَّهُمْ أَعْطَبُوهَا وَرُبَّمَا اتَّخَذُوا ذَلِكَ ذَرِيعَةً لِأَكْلِهَا فَحَسَمَ بَابَ أَكْلِهِمْ مِنْهَا حَيْثُ عَطِبَتْ أَمَّا لَوْ ذُبِحَتْ، وَهِيَ سَلِيمَةٌ لَا عَطَبَ فِيهَا فَيَنْبَغِي لِرَفِيقِهِ جَوَازُ الْأَكْلِ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُمْ فُقَرَاءُ حَاضِرُونَ بِالْحَرَمِ كَمَا سَيُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ بَعْدَ كَاتِبِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>