للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ تَعَالَى {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الأحزاب: ٣٠] الْآيَتَيْنِ (وَهُنَّ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ) أَيْ مِثْلُهُنَّ لَا فِي حُكْمِ الْخَلْوَةِ وَالنَّظَرِ وَالْمُسَافَرَةِ وَالظِّهَارِ وَالنَّفَقَةِ وَالْمِيرَاثِ بَلْ فِي تَحْرِيمِ نِكَاحِهِنَّ وَوُجُوبِ احْتِرَامِهِنَّ وَطَاعَتِهِنَّ (إكْرَامًا) لَهُ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: ٦] (فَقَطْ) أَيْ يُقَالُ لَهُمْ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ لَا أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنَاتِ وَلَا يُقَالُ لِبَنَاتِهِنَّ أَخَوَاتُ الْمُؤْمِنِينَ وَلَا لِآبَائِهِنَّ وَأُمَّهَاتِهِنَّ أَجْدَادُ الْمُؤْمِنِينَ وَجَدَّاتُهُمْ وَلَا لِإِخْوَتِهِنَّ وَإِخْوَانِهِنَّ أَخْوَالُ الْمُؤْمِنِينَ وَخَالَاتُهُمْ (كَهُوَ فِي الْأُبُوَّةِ) أَيْ كَمَا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبٌ (لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ) .

وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} [الأحزاب: ٤٠] فَمَعْنَاهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَدَ صُلْبِهِ (وَتَحْرِيمُ سُؤَالِهِنَّ إلَّا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ) قَالَ تَعَالَى {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب: ٥٣] وَأَمَّا غَيْرُهُنَّ فَيَجُوزُ أَنْ يُسْأَلْنَ مُشَافَهَةً، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ خُصِّصْنَ بِفَرْضِ الْحِجَابِ عَلَيْهِنَّ بِلَا خِلَافٍ فِي الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ فَلَا يَجُوزُ لَهُنَّ كَشْفُ ذَلِكَ لِشَهَادَةٍ وَلَا غَيْرِهَا وَلَا إظْهَارُ شُخُوصِهِنَّ وَإِنْ كُنَّ مُسْتَتِرَاتٍ إلَّا لِضَرُورَةِ خُرُوجِهِنَّ لِلْبِرَازِ

(فَائِدَةٌ) ذَكَرَ الْبَغَوِيّ عَنْ الْخَطَّابِيِّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ أَنَّهُ قَالَ كَانَ نِسَاءُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَعْنَى الْمُعْتَدَّاتِ وَلِلْمُعْتَدَّةِ السُّكْنَى فَجَعَلَ لَهُنَّ سُكْنَى الْبُيُوتِ مَا عِشْنَ وَلَا يَمْلِكْنَ رِقَابَهَا (وَأَفْضَلُهُنَّ خَدِيجَةُ) لِمَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَفْضَلُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ» ، وَلِمَا ثَبَتَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ لِعَائِشَةَ - حِينَ قَالَتْ لَهُ: قَدْ رَزَقَك اللَّهُ خَيْرًا مِنْهَا لَا -: وَاَللَّهِ مَا رَزَقَنِي خَيْرًا مِنْهَا آمَنَتْ بِي حِينَ كَذَّبَنِي النَّاسُ وَأَعْطَتْنِي مَالَهَا حِينَ حَرَمَنِي النَّاسُ» وَسُئِلَ ابْنُ دَاوُد أَيُّهُمَا أَفْضَلُ فَقَالَ عَائِشَةُ أَقْرَأَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السَّلَامَ مِنْ جِبْرِيلَ وَخَدِيجَةَ أَقْرَأَهَا جِبْرِيلُ مِنْ رَبِّهَا السَّلَامَ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ فَهِيَ أَفْضَلُ فَقِيلَ لَهُ فَمَنْ أَفْضَلُ خَدِيجَةُ أَمْ فَاطِمَةُ فَقَالَ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي وَلَا أَعْدِلُ بِبِضْعَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَدًا (ثُمَّ عَائِشَةُ) لِخَبَرِ فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ، وَخَبَرِ سَأَلَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إلَيْك قَالَ عَائِشَةُ رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ وَهُمَا مَخْصُوصَانِ بِمَا مَرَّ.

وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ كُلًّا مِنْ خَدِيجَةَ وَعَائِشَةَ أَفْضَلُ مِنْ فَاطِمَةَ وَيُخَالِفُهُ مَا مَرَّ آنِفًا وَقَدْ سُئِلَ السُّبْكِيُّ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ الَّذِي نَخْتَارُهُ وَنَدِينُ اللَّهَ بِهِ أَنَّ فَاطِمَةَ أَفْضَلُ ثُمَّ أُمُّهَا خَدِيجَةُ ثُمَّ عَائِشَةُ، وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ بِمَا تَقَدَّمَ بَعْضُهُ وَبِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِفَاطِمَةَ عِنْدَمَا سَارَّهَا ثَانِيًا عِنْدَ مَوْتِهِ أَمَا تَرْضِينَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ إلَّا مَرْيَمَ، وَأَمَّا خَبَرُ الطَّبَرَانِيِّ «خَيْرُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ ثُمَّ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ ثُمَّ فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ ثُمَّ آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ» فَأُجِيبُ عَنْهُ بِأَنَّ خَدِيجَةَ إنَّمَا فُضِّلَتْ عَلَى فَاطِمَةَ بِاعْتِبَارِ الْأُمُومَةِ لَا بِاعْتِبَارِ السِّيَادَةِ، وَاخْتَارَ السُّبْكِيُّ أَنَّ مَرْيَمَ أَفْضَلُ مِنْ خَدِيجَةَ لِهَذَا الْخَبَرِ وَلِلِاخْتِلَافِ فِي نُبُوَّتِهَا، وَقِيلَ: عَائِشَةُ أَفْضَلُ مِنْ خَدِيجَةَ وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ.

(وَهُوَ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (خَاتَمُ النَّبِيِّينَ) قَالَ تَعَالَى {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: ٤٠] وَلَا يُعَارِضُهُ مَا ثَبَتَ مِنْ نُزُولِ عِيسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - آخِرِ الزَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْتِي بِشَرِيعَةٍ نَاسِخَةٍ بَلْ مُقَرِّرَةٌ لِشَرِيعَةِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامِلًا بِهَا (وَسَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ) رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَنَوْعُ الْآدَمِيِّ أَفْضَلُ الْخَلْقِ فَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ الْخَلْقِ وَأَمَّا قَوْلُهُ «لَا تُفَضِّلُوا بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ» وَقَوْلُهُ «لَا تُفَضِّلُونِي عَلَى يُونُسَ» وَنَحْوِهِمَا فَأُجِيبُ عَنْهَا بِأَنَّهُ نَهَى عَنْ تَفْضِيلٍ يُؤَدِّي إلَى تَنْقِيصِ بَعْضِهِمْ فَإِنَّ ذَلِكَ كُفْرٌ أَوْ عَنْ تَفْضِيلٍ فِي نَفْسِ النُّبُوَّةِ الَّتِي لَا تَتَفَاوَتُ لَا فِي ذَوَاتِ الْأَنْبِيَاءِ الْمُتَفَاوِتِينَ بِالْخَصَائِصِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ} [البقرة: ٢٥٣] أَوْ نَهَى عَنْ ذَلِكَ تَأَدُّبًا وَتَوَاضُعًا أَوْ نَهَى عَنْهُ قَبْلَ عِلْمِهِ أَنَّهُ أَفْضَلُ الْخَلْقِ وَلِهَذَا لَمَّا عَلِمَ قَالَ أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَتَبِعَ كَأَصْلِهِ وَغَيْرِهِ الْخَبَرَ فِي التَّعْبِيرِ بِسَيِّدِ وَلَدِ آدَمَ وَمُرَادُهُمْ أَنَّهُ سَيِّدُ آدَمَ وَوَلَدِهِ وَسَائِرِ الْخَلْقِ كَمَا مَرَّ.

(وَأَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ) يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَأَمَّا خَبَرُ «فَإِذَا مُوسَى مُتَعَلِّقٌ بِقَائِمَةِ الْعَرْشِ فَلَا أَدْرِي أَكَانَ فِيمَنْ صُعِقَ فَأَفَاقَ قَبْلِي أَمْ كَانَ مِمَّنْ اسْتَثْنَى اللَّهُ» فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ قَالَهُ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ (وَ) أَوَّلُ (مَنْ يَقْرَعُ بَابَ الْجَنَّةِ وَأَوَّلُ شَافِعٍ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

لِكَمَالِهِنَّ وَفَضْلِهِنَّ كَمَا جُعِلَ حَدُّ الْحُرِّ مِثْلَا حَدِّ الْعَبْدِ قَالَهُ فِي الْبَيَانِ قَالَ النَّاشِرِيُّ: وَعَلَى ذِكْرِك أَنَّ فُرُشَ الْأَنْبِيَاءِ مَحْفُوظَةٌ عَنْ الْفَاحِشَةِ وَمَا عَلِمَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا بَعْدَ قِصَّةِ الْإِفْكِ (قَوْلُهُ وَلَا يُقَالُ لِبَنَاتِهِنَّ أَخَوَاتُ الْمُؤْمِنِينَ إلَخْ) لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَوْ جَازَ ذَلِكَ لَمَا جَازَ التَّزَوُّجُ بِهِنَّ وَالثَّانِي أَنَّ التَّسْمِيَةَ لَا تَكُونُ بِالْقِيَاسِ وَإِنَّمَا طَرِيقُهَا التَّوْقِيفُ وَلَمْ يَرِدْ ر (قَوْلُهُ فَقِيلَ لَهُ فَمَنْ أَفْضَلُ خَدِيجَةُ أَمْ فَاطِمَةُ إلَخْ) وَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ لَا أُفَضِّلُ عَلَى بِضْعَةٍ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَدًا، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي خَيْرَ نِسَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ (قَوْلُهُ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ) قِيلَ لَمْ يُرِدْ عَيْنَ الثَّرِيدِ وَإِنَّمَا أَرَادَ الطَّعَامَ الْمُتَّخَذَ مِنْ اللَّحْمِ وَالثَّرِيدِ مَعًا؛ لِأَنَّ الثَّرِيدَ غَالِبًا لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ لَحْمٍ نِهَايَةٌ.

(قَوْلُهُ وَقَدْ سُئِلَ السُّبْكِيُّ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ الَّذِي نَخْتَارُهُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَاخْتَارَ السُّبْكِيُّ أَنَّ مَرْيَمَ أَفْضَلُ مِنْ خَدِيجَةَ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ أَيْضًا (قَوْلُهُ وَقِيلَ عَائِشَةُ أَفْضَلُ مِنْ خَدِيجَةَ) قَالَ الْمُحَقِّقُونَ كُلُّ مَسْأَلَةٍ إنْ كُلِّفَ فِيهَا بِالْعِلْمِ فَلَا يَجُوزُ الْأَخْذُ فِيهَا بِالظَّنِّ وَإِلَّا جَازَ كَالتَّفَاضُلِ بَيْنَ فَاطِمَةَ وَخَدِيجَةَ وَعَائِشَةَ (قَوْلُهُ أَوْ نَهَى عَنْ ذَلِكَ تَأَدُّبًا وَتَوَاضُعًا) أَوْ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى الْخُصُومَةِ (قَوْلُهُ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ قَالَهُ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ) لَا يَتَأَتَّى هَذَا الِاحْتِمَالُ فِي الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ عَمَّا يَقَعُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كا (قَوْلُهُ وَأَوَّلُ مَنْ يَقْرَعُ بَابَ الْجَنَّةِ) لَمْ يَتَعَرَّضْ لِأُمَّتِهِ هَلْ هِيَ أَوَّلُ الْأُمَمِ دُخُولًا الْجَنَّةَ وَسُئِلَ ابْنُ الصَّلَاحِ عَنْ دُخُولِ الْأَنْبِيَاءِ الْجَنَّةَ هَلْ كُلُّ نَبِيٍّ بِأُمَّتِهِ أَوْ الْأَنْبِيَاءُ جَمِيعُهُمْ ثُمَّ أُمَمُهُمْ؟ فَأَجَابَ الظَّاهِرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>