للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَ) أَوَّلُ (مُشَفَّعٍ) أَيْ مَنْ تُجَابُ شَفَاعَتُهُ رَوَاهَا مُسْلِمٌ (وَأُمَّتُهُ خَيْرُ الْأُمَمِ) لِآيَةِ {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} [آل عمران: ١١٠] وَشُهَدَاءَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ عَلَى الْأُمَمِ بِتَبْلِيغِ الرُّسُلِ إلَيْهِمْ رِسَالَتَهُ لِآيَةِ {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: ١٤٣] (مَعْصُومَةٌ لَا تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلَالَةٍ) وَيُحْتَجُّ بِإِجْمَاعِهَا لِخَبَرِ «لَا تَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللَّهِ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ وَلَا مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ (وَصُفُوفُهُمْ كَصُفُوفِ الْمَلَائِكَةِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَشَرِيعَتُهُ مُؤَبَّدَةٌ وَنَاسِخَةٌ لِغَيْرِهَا) مِنْ الشَّرَائِعِ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَقَدْ أَمَرَ بِتَرْكِ شَرَائِعِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ (وَمُعْجِزَتُهُ بَاقِيَةٌ وَهِيَ الْقُرْآنُ) عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَكِتَابُهُ مُعْجِزٌ مَحْفُوظٌ عَنْ التَّحْرِيفِ وَالتَّبْدِيلِ وَأُقِيمَ بَعْدَهُ حُجَّةً عَلَى النَّاسِ وَمُعْجِزَاتُ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ انْقَرَضَتْ فَعُدُولُ الْمُصَنِّفِ عَنْهَا إلَى مَا قَالَهُ الْمُفِيدُ لِحَصْرِ بَقَاءِ مُعْجِزَتِهِ فِي الْقُرْآنِ قَدْ يُقَالُ إنْ أَرَادَ بِهِ الْمُعْجِزَةَ الْكُبْرَى فَمُسَلَّمٌ وَإِلَّا فَمَمْنُوعٌ إذْ لَهُ مُعْجِزَاتٌ أُخَرُ بَاقِيَةٌ كَقَوْلِهِ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثِينَ كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، وَقَوْلُهُ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ» ، وَقَوْلُهُ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا» ، وَقَوْلُهُ: «إنَّ أُمَّتِي لَا تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلَالَةٍ» وَمِنْهَا مَا يَظْهَرُ مِنْ كَرَامَاتِ أَحَدٍ مِنْ أُمَّتِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ كَرَامَاتِ أَوْلِيَاءِ أُمَّةِ كُلِّ نَبِيٍّ مُعْجِزَاتٌ لَهُ وَهُوَ الْحَقُّ، وَيُجَابُ بِأَنَّهُ أَرَادَ مُعْجِزَتَهُ الَّتِي ظَهَرَتْ وَبَقِيَتْ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ لَمْ تَظْهَرْ بَعْدُ وَإِنَّمَا تَظْهَرُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَكَانَ سُكُوتُهُ حُجَّةً عَلَى جَوَازِ مَا رَأَى وَلَمْ يُنْكِرْهُ بِخِلَافِ سُكُوتِ غَيْرِهِ.

«وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ وَجُعِلَتْ لَهُ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَتُرَابُهَا طَهُورًا وَأُحِلَّتْ لَهُ الْغَنَائِمُ» رَوَاهَا الشَّيْخَانِ إلَّا قَوْلَهُ: «وَتُرَابُهَا طَهُورًا» فَمُسْلِمٌ وَمَعْنَى اخْتِصَاصِهِ بِمَا عَدَا الْأُولَى أَنَّ أَحَدًا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ وَإِلَّا فَأُمَّتُهُ مُشَارِكَةٌ لَهُ فِيهِ (وَلَمْ يُورَثْ وَتَرِكَتُهُ صَدَقَةٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ) لَا يَخْتَصُّ بِهَا الْوَارِثُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «إنَّا مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ» وَمَعْنَى اخْتِصَاصِهِ بِهِ أَنَّ أَحَدًا مِنْ الْأُمَمِ لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ وَإِلَّا فَالْأَنْبِيَاءُ يُشَارِكُونَهُ فِيهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخَبَرِ وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا} [مريم: ٥] {يَرِثُنِي} [مريم: ٦] وَقَوْلُهُ {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ} [النمل: ١٦] فَالْمُرَادُ الْإِرْثُ فِي النُّبُوَّةِ وَالْعِلْمِ وَالدِّينِ.

(وَأُكْرِمَ بِالشَّفَاعَاتِ الْخَمْسِ) يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْأُولَى: الْعُظْمَى فِي الْفَصْلِ بَيْنَ أَهْلِ الْمَوْقِفِ حِينَ يَفْزَعُونَ إلَيْهِ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ، الثَّانِيَةُ: فِي إدْخَالِ خَلْقِ الْجَنَّةِ بِغَيْرِ حِسَابٍ، الثَّالِثَةُ: فِي نَاسٍ اسْتَحَقُّوا دُخُولَ النَّارِ فَلَا يَدْخُلُونَهَا، الرَّابِعَةُ: فِي نَاسٍ دَخَلُوا النَّارَ فَيَخْرُجُونَ، الْخَامِسَةُ: فِي رَفْعِ دَرَجَاتِ نَاسٍ فِي الْجَنَّةِ وَكُلُّهَا ثَبَتَتْ فِي الْأَخْبَارِ (وَخُصَّ) مِنْهَا (بِالْعُظْمَى وَدُخُولِ خَلْقٍ مِنْ أَمَتَهُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ) وَهِيَ الثَّانِيَةُ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خُصَّ بِالثَّالِثَةِ وَالْخَامِسَةِ أَيْضًا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: إنَّ شَفَاعَتَهُ لِإِخْرَاجِ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ إيمَانٍ مُخْتَصَّةٌ بِهِ، قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ السِّرَاجُ بْنُ الْمُلَقِّنِ: وَمِنْ شَفَاعَتِهِ أَنْ يَشْفَعَ لِمَنْ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَمِنْهَا تَخْفِيفُ الْعَذَابِ عَمَّنْ اسْتَحَقَّ الْخُلُودَ فِي النَّارِ كَأَبِي طَالِبٍ وَهَاتَانِ نَبَّهَ عَلَيْهِمَا الْقَاضِي عِيَاضٌ وَفِي الْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لِلْقَزْوِينِيِّ أَنَّهُ يَشْفَعُ لِجَمَاعَةٍ مِنْ صُلَحَاءِ الْمُؤْمِنِينَ فَيَتَجَاوَزُ عَنْهُمْ فِي تَقْصِيرِهِمْ فِي الطَّاعَاتِ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يَشْفَعُ فِي أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يَدْخُلُوا الْجَنَّةَ.

(وَأُرْسِلَ إلَى الْكَافَّةِ) مِنْ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَرِسَالَةٌ غَيْرِهِ خَاصَّةٌ وَأَمَّا عُمُومُ رِسَالَةِ نُوحٍ بَعْدَ الطُّوفَان فَلِانْحِصَارِ الْبَاقِينَ فِيمَنْ كَانَ مَعَهُ فِي السَّفِينَةِ (وَهُوَ أَكْثَرُ الْأَنْبِيَاءِ اتِّبَاعًا وَكَانَ لَا يَنَامُ قَلْبُهُ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «إنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي» وَفِي الْبُخَارِيِّ فِي خَبَرِ الْإِسْرَاءِ عَنْ أَنَسٍ «وَكَذَلِكَ الْأَنْبِيَاءُ تَنَامُ أَعْيُنُهُمْ وَلَا تَنَامُ قُلُوبُهُمْ» ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُمْ يُشَارِكُونَهُ فِي هَذَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ الْأَحْدَاثِ: فَإِنْ قِيلَ: هَذَا مُخَالِفٌ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَامَ فِي الْوَادِي عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ» وَلَوْ كَانَ غَيْرَ نَائِمِ الْقَلْبِ لَمَا تَرَكَ صَلَاةَ الصُّبْحِ فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا، وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَنَّ الْقَلْبَ يَقْظَانُ يُحِسُّ بِالْحَدَثِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْبَدَنِ وَيَشْعُرُ بِهِ الْقَلْبُ وَلَيْسَ طُلُوعُ الشَّمْسِ وَالْفَجْرِ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُدْرَكُ بِالْعَيْنِ وَهِيَ نَائِمَةٌ، وَالثَّانِي حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ بَعْضِ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ يَدْخُلُونَهَا أَوَّلًا وَأَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُهَا نَبِيُّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّ أُمَّتَهُ تَدْخُلُ أَوَّلَ الْأُمَمِ قُلْت أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْإِفْرَادِ عَنْ عُمَرَ مَرْفُوعًا أَنَّ «الْجَنَّةَ حُرِّمَتْ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ كُلِّهِمْ حَتَّى أَدْخُلَهَا وَحُرِّمَتْ عَلَى الْأُمَمِ حَتَّى تَدْخُلَهَا أُمَّتِي» ر (قَوْلُهُ وَتَرِكَتُهُ صَدَقَةٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ) قَالَ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ الصَّوَابُ الْإِنْفَاقُ مِنْهُ عَلَى زَوْجَاتِهِ كَمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ، وَقَالَ ابْنُ النَّحْوِيِّ فِي كِتَابِهِ الْخَصَائِصُ هَلْ يَرِثُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا لَكِنْ فِي كِتَابِ مُشْكِلِ الْحَدِيثِ فِي أَوَاخِرِهِ قَالَ وَمِنْ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُورَثُ أَنَّهُ لَا يَرِثُ بَعْدَ أَنْ أَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ وَإِنَّمَا كَانَتْ وِرَاثَةُ أَبَوَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إلَيْهِ. اهـ. وَفِي شَرْحِ الْمَصَابِيحِ فِي بَابِ الْفَرَائِضِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ مَوْلًى لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَاتَ وَلَمْ يَدَعْ وَلَدًا وَلَا حَمِيمًا فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أُعْطُوا مِيرَاثَهُ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ قَرْيَتِهِ» قَالَ الشَّارِحُ إنَّمَا أَمَرَ أَنْ يُعْطَى رَجُلًا مِنْ أَهْلِ قَرْيَتِهِ تَصَدُّقًا مِنْهُ أَوْ تَرَفُّعًا أَوْ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لِبَيْتِ الْمَالِ وَمَصْرِفُهُ لِمَصَالِح الْمُسْلِمِينَ وَصَدَقَاتِهِمْ فَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ كَمَا لَا يُورَثُ عَنْهُمْ لَا يَرِثُونَ عَنْ غَيْرِهِمْ.

وَقَالَ الْقَلَعِيُّ فِي كِتَابِ الْإِيضَاحِ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ يَرِثُونَ وَلَا يُورَثُونَ، وَقَوْلُهُ قَالَ الْقَلَعِيُّ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ الثَّالِثَةُ فِي نَاسٍ اسْتَحَقُّوا دُخُولَ النَّارِ إلَخْ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ وَيُشْرِكُهُ فِيهَا مَنْ يَشَاءُ اللَّهُ (قَوْلُهُ وَمِنْ شَفَاعَاتِهِ أَنْ يَشْفَعَ لِمَنْ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ إلَخْ) وَأَنْ يَشْفَعَ فِي التَّخْفِيفِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ لِخَبَرِ الْقَبْرَيْنِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا (قَوْلُهُ وَمِنْهَا تَخْفِيفُ الْعَذَابِ عَمَّنْ اسْتَحَقَّ الْخُلُودَ فِي النَّارِ إلَخْ) وَجَعَلَ ابْنُ دِحْيَةَ مِنْهُ التَّخْفِيفَ عَنْ أَبِي لَهَبٍ فِي كُلِّ يَوْمِ اثْنَيْنِ لِسُرُورِهِ بِوِلَادَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِعْتَاقِهِ ثُوَيْبَةَ حِينَ بَشَّرَتْهُ ر (قَوْلُهُ مِنْ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ لَا الْمَلَائِكَةِ) خِلَافًا لِابْنِ حَزْمٍ وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان: ١] وَالْعَالَمُ كُلُّ مَوْجُودٍ سِوَى اللَّهِ تَعَالَى

<<  <  ج: ص:  >  >>