حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا (وَلَا يُشْتَرَطُ رِضَاهُ) لِجَوَازِ التَّبَرُّعِ بِأَدَاءِ دَيْنِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَمَعْرِفَتِهِ (فَيَصِحُّ) الضَّمَانُ (عَنْ الْمَيِّتِ) وَإِنْ لَمْ يَخْلُفْ وَفَاءً لِخَبَرِ أَبِي قَتَادَةَ السَّابِقِ (وَكَذَا) يَصِحُّ (عَمَّنْ لَمْ يَعْرِفْهُ) الضَّامِنُ وَلَوْ بِعَيْنِهِ لِمَا مَرَّ
(الرُّكْنُ الثَّانِي الْمَضْمُونُ لَهُ) وَهُوَ مُسْتَحِقُّ الدَّيْنِ (وَمَعْرِفَتُهُ) بِأَنْ يَعْرِفَ الضَّامِنُ عَيْنَهُ (شَرْطٌ) لِتَفَاوُتِ النَّاسِ فِي اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ تَشْدِيدًا وَتَسْهِيلًا، وَأَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ مَعْرِفَةَ وَكِيلِ الْمَضْمُونِ لَهُ كَمَعْرِفَتِهِ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرُهُ بِخِلَافِهِ (لَا رِضَاهُ) لِأَنَّ الضَّمَانَ مَحْضُ الِالْتِزَامِ لَمْ يُوضَعْ عَلَى قَوَاعِدِ الْمُعَاقَدَاتِ (وَلَوْ ضَمِنَ أَوْ قَضَى) شَخْصٌ (دَيْنَ رَجُلٍ) أَيْ دَيْنًا عَلَى رَجُلٍ (بِإِذْنِهِ لَا بِغَيْرِهِ) أَيْ بِغَيْرِ إذْنِهِ (لَزِمَ الْغَرِيمَ) وَهُوَ رَبُّ الدَّيْنِ (قَبُولُ الْمَالِ) الَّذِي يُؤَدِّيهِ لَهُ الشَّخْصُ الْمَذْكُورُ؛ لِأَنَّ مَا يُؤَدِّيهِ فِي حُكْمِ مِلْكِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلِلْغَرِيمِ أَنْ يَقْبَلَ، وَأَنْ يَمْتَنِعَ، وَلَهُ فِي صُورَةِ الضَّمَانِ أَنْ يُطَالِبَ الشَّخْصَ الْمَذْكُورَ، وَأَنْ يَتْرُكَهُ
(الرُّكْنُ الثَّالِثُ الضَّامِنُ وَشَرْطُهُ) لِيَصِحَّ ضَمَانُهُ (صِحَّةُ الْعِبَارَةِ وَأَهْلِيَّةُ التَّبَرُّعِ) مِنْهُ وَالْقَيْدُ الثَّانِي يُغْنِي عَنْ الْأَوَّلِ فَلَا يَصِحُّ ضَمَانُ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ إلَّا السَّكْرَانَ كَمَا سَيَأْتِي، وَلَا ضَمَانُ الْمُكْرَهِ، وَلَوْ رَقِيقًا بِإِكْرَاهِ سَيِّدٍ وَلَا ضَمَانُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ وَلَوْ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ كَمَا سَيَأْتِي وَإِذَا شَرَطَ ذَلِكَ (فَيَصِحُّ) الضَّمَانُ مِمَّنْ اتَّصَفَ بِهِ (وَلَوْ بِإِشَارَةِ الْأَخْرَسِ الْمُفْهِمَةِ وَكِتَابَتِهِ عِنْدَ الْقَرِينَة الْمُشْعِرَةِ) بِالضَّمَانِ وَإِنْ أَحْسَن الْإِشَارَة بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ إشَارَةٌ مُفْهِمَةٌ، وَلَا كِتَابَةٌ تُشْعِرُ بِالْمُرَادِ كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ ثُمَّ إنْ اخْتَصَّ بِفَهْمِ إشَارَتِهِ فَطِنُونَ فَهِيَ كِنَايَةٌ، وَإِلَّا فَصَرِيحَةٌ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كِتَابِ الطَّلَاقِ (وَكَذَا كِتَابَةُ نَاطِقٍ نَوَى) بِهَا الضَّمَانَ كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ، وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ نَوَى مِنْ زِيَادَتِهِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّ كِتَابَةَ النَّاطِقِ كِنَايَةٌ، وَكِتَابَةُ الْأَخْرَسِ بِالْقَرِينَةِ صَرِيحَةٌ، وَهُوَ ظَاهِرٌ.
(فَإِنْ قَالَ ضَمِنْت وَأَنَا صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ إنْ أَمْكَنَ صِبَاهُ) فِي الْأُولَى عِنْدَ ضَمَانِهِ (أَوْ سَبَقَ لَهُ جُنُونٌ) فِي الثَّانِيَةِ، وَأَمْكَنَ عِنْدَهُ بِأَنْ عُرِفَ مِنْهُ ذَلِكَ أَوْ أَقَامَ بِهِ بَيِّنَةً، وَإِلَّا صُدِّقَ الْمَضْمُونُ لَهُ بِيَمِينِهِ، وَفَارَقَ مَا إذَا زَوَّجَ أَمَتَهُ ثُمَّ ادَّعَى ذَلِكَ حَيْثُ صَدَّقَ الزَّوْجَ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ قُبَيْلَ الصَّدَاقِ بِأَنَّ الْأَنْكِحَةَ يُحْتَاطُ فِيهَا غَالِبًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَقَعُ بِشُرُوطِهَا (وَيَصِحُّ ضَمَانُ سَكْرَانَ بِمُحَرَّمٍ) كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ (لَا بِمُبَاحٍ) كَالْمَجْنُونِ (وَلَا يَصِحُّ) الضَّمَانُ (مِنْ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ) لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ، وَتَبَرُّعُهُ لَا يَصِحُّ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ (وَيَصِحُّ ضَمَانُ الْمُفْلِسِ فِي الذِّمَّةِ) كَشِرَائِهِ فِيهَا، وَيُطَالَبُ بِمَا ضَمِنَهُ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ (وَالْمَرِيضُ إنْ ضَمِنَ) شَخْصًا (بِلَا إذْنٍ) مِنْهُ (فَمِنْ الثُّلُثِ) مُعْتَبَرٌ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ تَبَرُّعٌ كَمَا مَرَّ (أَوْ بِإِذْنٍ) مِنْهُ، وَوَجَدَ الضَّامِنُ مَرْجِعًا (فَمِنْ رَأْسِ الْمَالِ) مُعْتَبَرٌ (لَا يَرْجِعُ بِهِ) أَيْ لَا يَرْجِعُ وَارِثُهُ بِشَيْءٍ مِنْهُ وَالْمُوَافِقُ لِأَصْلِهِ أَنْ يُقَالَ: لِأَنَّهُ يَرْجِعُ بِهِ أَيْ لِأَنَّ الضَّامِنَ يَرْجِعُ بِمَا أَدَّى وَلَعَلَّهُ سَقَطَ مِنْهُ النُّونُ وَالْهَاءُ مَعَ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ مَسْأَلَةَ الْمَرِيضِ كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ سَيَذْكُرُهَا مَعَ مَا لَهَا بِهِ تَعَلُّقٌ.
(فَرْعٌ لَوْ ضَمِنَ الْعَبْدُ) وَلَوْ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ (بِلَا إذْنٍ) مِنْ سَيِّدِهِ (لَمْ يَصِحَّ) ضَمَانُهُ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
امْتِنَاعُهُ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُ شَفَاعَةٌ وَشَفَاعَتُهُ مَقْبُولَةٌ، وَنَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُتَعَلِّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ قَالَ جَابِرٌ فِي رِوَايَتِهِ: كَانَ ذَلِكَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ، وَفِي قِلَّةٍ فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ الْفُتُوحَ «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ مَنْ خَلَّفَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ، وَمَنْ خَلَّفَ كَلًّا أَوْ دَيْنًا فَكُلُّهُ إلَيَّ وَدَيْنُهُ عَلَيَّ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَعَلَى كُلِّ إمَامٍ بَعْدَك قَالَ: وَعَلَى كُلِّ إمَامٍ بَعْدِي» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَقَضِيَّتُهُ وُجُوبُ قَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ الْمُعْسِرِ عَلَى كُلِّ إمَامٍ، وَالصَّحِيحُ عِنْدَ أَئِمَّتِنَا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَعِدَّاتِهِ بِدَلِيلِ قَضَائِهَا بَعْدَ وَفَاتِهِ فَيُحْمَلُ الْخَبَرُ بِتَقْدِيرِ صِحَّتِهِ عَلَى تَأَكُّدِ نَدْبِ ذَلِكَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ
ش (قَوْلُهُ بِأَنْ يَعْرِفَ الضَّامِنُ عَيْنَهُ) وَجْهُ الِاكْتِفَاءِ بِمَعْرِفَةِ عَيْنِهِ أَنَّ الظَّاهِرَ عِنْوَانُ الْبَاطِنِ فَيَظُنُّهُ بِهَا إنْ طَلَبَهُ لِلدَّيْنِ عَلَى وَجْهِ السُّهُولَةِ فَيَضْمَنُ أَوْ عَلَى وَجْهِ الشِّدَّةِ فَلَا يَضْمَنُ وَكَتَبَ أَيْضًا أَفَلَا تَكْفِي مَعْرِفَتُهُ نَسَبَهُ، وَبِهَذَا قَطَعَ فِي الْبَسِيطِ وَالْبَيَانِ وَالْمَاوَرْدِيِّ وَالْمُعِينِ وَادَّعَى جَمَالُ الدِّينِ فِي شَرْحِهِ أَنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: مَعْرِفَةُ مُعَامَلَتِهِ، وَبِهِ قَطَعَ الْمَحَامِلِيُّ وَعَلِيُّ بْنُ قَاسِمٍ الْحَكَمِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ عُجَيْلٍ وَإِسْمَاعِيلُ الْحَضْرَمِيُّ قَالَ الرِّيمِيُّ وَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدِي؛ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي مُشَاهَدَةِ مَنْ لَا يَعْرِفُ مُعَامَلَتَهُ، وَقَوْلُهُ: وَبِهَذَا قَطَعَ فِي الْبَسِيطِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَأَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ مَعْرِفَةَ وَكِيلِ الْمَضْمُونِ لَهُ كَمَعْرِفَتِهِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الظَّاهِرُ الْمُخْتَارُ الصِّحَّةُ وَأَحْكَامُ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِالْوَكِيلِ اهـ وَبِهَا أَفْتَيْت وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّا إذَا قُلْنَا بِاشْتِرَاطِ رِضَا الْمَضْمُونِ لَهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: يَكْفِي رِضَا وَكِيلِهِ (قَوْلُهُ لَا رِضَاهُ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ مَحْضُ الْتِزَامٍ إلَخْ) فَيَصِحُّ مَعَ سُكُوتِهِ وَيَرْتَدُّ إنْ رَدَّهُ
(قَوْلُهُ: وَلَا ضَمَانُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ) وَلَوْ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ؛ لِأَنَّهُ إيجَابٌ مَالِيٌّ بِعَقْدٍ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ (قَوْلُهُ: وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّ كِتَابَةَ النَّاطِقِ كِنَايَةٌ إلَخْ) لَيْسَ ذَلِكَ قَضِيَّةَ كَلَامِ أَصْلِهِ، وَلَا كَلَامِهِ؛ إذْ مَعْنَى قَوْلِهِ عِنْدَ الْقَرِينَةِ الْمُشْعِرَةِ أَنْ يَكْتُبَ أَنَّهُ نَوَى بِهَا لِضَمَانٍ فَالْكِتَابَةُ كِنَايَةٌ، وَلَوْ مِنْ الْأَخْرَسِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ كَأَصْلِهِ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ (قَوْلُهُ أَوْ مَجْنُونٍ) أَيْ أَوْ مُبَرْسَمٍ (قَوْلُهُ إنْ أَمْكَنَ صِبَاهُ فِي الْأُولَى) هَذَا إذَا كَانَ بُلُوغُهُ بِالِاحْتِلَامِ، فَإِنْ كَانَ بِالسِّنِّ رَجَعَ إلَى تَارِيخِ الْوِلَادَةِ فَإِنْ وَقَعَ فِيهِ نِزَاعٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الضَّامِنِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ قَالَهُ فِي التَّتِمَّةِ (قَوْلُهُ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ قُبَيْلَ الصَّدَاقِ) وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ ثَمَّ (قَوْلُهُ بِأَنَّ الْأَنْكِحَةَ) أَيْ وَنَحْوَهَا مِنْ الْمُعَاوَضَاتِ، وَسَكَتُوا عَمَّا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِالسَّفَهِ فَيُحْتَمَلُ إلْحَاقُهُ بِدَعْوَى الصِّبَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: إقْدَامُهُ عَلَى الضَّمَانِ مُتَضَمِّنٌ لِدَعْوَاهُ الرُّشْدَ فَلَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ أَنَّهُ كَانَ سَفِيهًا بِخِلَافِ الصِّبَا، وَقَوْلُهُ: فَيُحْتَمَلُ إلْحَاقُهُ بِدَعْوَى الصِّبَا أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَصِحُّ مِنْ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ إلَخْ) خَرَجَ بِهِ مَنْ سَفُهَ بَعْدَ رُشْدِهِ فَإِنَّ تَصَرُّفَهُ صَحِيحٌ (قَوْلُهُ وَيَصِحُّ ضَمَانُ الْمُفْلِسِ فِي الذِّمَّةِ) ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ، وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِمْ فِيهِ (قَوْلُهُ مَعَ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ مَسْأَلَةَ الْمَرِيضِ كَانَ أَوْلَى) هِيَ مَتْرُوكَةٌ فِي نُسَخٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute