للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدَّمْت فِي كِتَابِ الِاعْتِكَافِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِيهِ (وَ) يَصِحُّ وَقْفُ (الْأَشْجَارِ وَالْمَنْقُولَاتِ) كَعَبِيدٍ وَثِيَابٍ وَدَوَابَّ (لِرِيعِهَا) مِنْ ثَمَرَةٍ وَصُوفٍ وَوَبَرٍ وَكَسْبٍ وَلُبْسٍ وَرُكُوبٍ وَغَيْرِهَا.

(وَ) يَصِحُّ (وَقْفُ عَبْدٍ وَجَحْشٍ صَغِيرَيْنِ وَزَمِنٍ يُرْجَى) زَوَالُ زَمَانَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْمَنْفَعَةُ مَوْجُودَةً فِي الْحَالِ كَمَا يَجُوزُ نِكَاحُ رَضِيعَةٍ (وَ) وَقْفُ (حُلِيٍّ لِلُبْسٍ لَا) وَقْفُ (النَّقْدَيْنِ) كَمَا لَا تَصِحُّ إجَارَتُهُمَا قَالَ فِي الْأَصْلِ وَحَكَى الْإِمَامُ أَنَّهُمْ أَلْحَقُوا وَقْفَهُمَا لِيُصَاغَ مِنْهُمَا الْحُلِيُّ بِوَقْفِ الْعَبْدِ الصَّغِيرِ وَتَرَدَّدَ هُوَ فِيهِ (وَ) لَا (الرَّيَاحِينِ) الْمَشْمُومَةِ لِسُرْعَةِ فَسَادِهَا وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ مَحَلَّهُ فِي الرَّيَاحِينِ الْمَحْصُودَةِ وَأَنَّهُ يَصِحُّ فِي الْمَزْرُوعَةِ لِلشَّمِّ؛ لِأَنَّهَا تَبْقَى مُدَّةً وَنَبَّهَ عَلَيْهِ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْوَسِيطِ فَقَالَ الظَّاهِرُ الصِّحَّةُ فِي الْمَزْرُوعَةِ وَقَالَ الْخُوَارِزْمِيَّ وَابْنُ الصَّلَاحِ يَصِحُّ وَقْفُ الْمَشْمُومِ الدَّائِمِ نَفْعُهُ كَالْعَنْبَرِ، وَالْمِسْكِ (وَلَا أُمِّ وَلَدٍ وَمُكَاتَبٍ) ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَقْبَلَانِ النَّقْلَ؛ لِأَنَّهُمَا قَدْ حَلَّهُمَا حُرْمَةُ الْعِتْقِ فَالْتَحَقَا بِالْحُرِّ.

(وَيَصِحُّ وَقْفُ الْمُدَبَّرِ، وَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ) كَمَا فِي بَيْعِهِمَا (لَكِنْ يَعْتِقَانِ لَوْ وُجِدَتْ) أَيْ الصِّفَةُ وَيَبْطُلُ وَقْفُهُمَا لِتَقَدُّمِ سَبَبِ عِتْقِهِمَا عَلَى وَقْفِهِمَا وَهَذَا مَا فِي الْأَصْلِ تَبَعًا لِلْبَغَوِيِّ تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ فِي الْوَقْفِ لِلْوَاقِفِ، أَوْ لِلَّهِ تَعَالَى.

وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْفُورَانِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ فِي بَسِيطِهِ وَغَيْرُهُمْ أَنَّهُ إنَّمَا يَعْتِقُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمِلْكَ لِلْوَاقِفِ فَقَطْ وَقَدْ نَسَبَ ابْنُ الرِّفْعَةِ الْبَغَوِيّ إلَى انْفِرَادِهِ بِمَا ذَكَرَهُ فَعَلَى مَا ذَكَرَهُ غَيْرُهُ لَا يَبْطُلُ الْوَقْفُ (وَلَا يَصِحُّ) مِنْ الْحُرِّ (وَقْفُ نَفْسِهِ) لِأَنَّ رَقَبَتَهُ غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ (وَ) لَا وَقْفُ (الْمَلَاهِي) لِحُرْمَةِ الِانْتِفَاعِ بِهَا فَهِيَ كَالْمَعْدُومَةِ (وَلَا) وَقْفُ (كَلْبِ صَيْدٍ) أَوْ غَيْرِهِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ (وَلَا) وَقْفُ (أَحَدِ عَبْدَيْهِ) لِعَدَمِ تَعَيُّنِهِ وَفَارَقَ الْعِتْقَ بِأَنَّهُ أَنْفَذُ بِدَلِيلِ سِرَايَتِهِ وَتَعْلِيقِهِ (وَلَا) وَقْفُ (مَنْفَعَةٍ دُونَ عَيْنٍ) سَوَاءٌ أَمَلَكَهَا مُؤَقَّتًا كَالْمُسْتَأْجِرِ أَمْ مُؤَبَّدًا كَالْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ لِانْتِفَاءِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ.

وَحِكْمَتُهُ أَنَّ الْوَقْفَ يَسْتَدْعِي أَصْلًا يُحْبَسُ لِتُسْتَوْفَى مَنْفَعَتُهُ عَلَى مَمَرِّ الزَّمَانِ وَلِأَنَّ الْوَقْفَ يُشْبِهُ التَّحْرِيرَ، وَمِلْكُ الْمَنْفَعَةِ لَا يُفِيدُ وِلَايَةَ التَّحْرِيرِ.

(وَلَا) وَقْفُ (عَبْدٍ) مَثَلًا (فِي الذِّمَّةِ) أَيْ ذِمَّتِهِ، أَوْ ذِمَّةِ غَيْرِهِ كَمَا لَا يَصِحُّ عِتْقُهُ وَلِعَدَمِ تَعَيُّنِهِ وَلَا يَصِحُّ وَقْفُ الْحَمْلِ، وَإِنْ صَحَّ عِتْقُهُ، نَعَمْ إنْ وَقَفَ الْحَامِلَ صَحَّ فِيهِ تَبَعًا لِأُمِّهِ (وَيَصِحُّ وَقْفُ الْمَغْصُوبِ) إذْ لَيْسَ فِيهِ إلَّا الْعَجْزُ عَنْ صَرْفِ مَنْفَعَتِهِ إلَى جِهَةِ الْوَقْفِ فِي الْحَالِ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ (وَ) يَصِحُّ وَقْفُ (الْعُلُوِّ وَحْدَهُ) مِنْ دَارٍ، أَوْ نَحْوِهَا وَلَوْ مَسْجِدًا (وَ) وَقْفُ (الْفَحْلِ لِلضِّرَابِ) بِخِلَافِ إجَارَتِهِ لَهُ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ قُرْبَةٌ يُحْتَمَلُ فِيهَا مَا لَا يُحْتَمَلُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ (وَلَوْ وَقَفَ مَا لَمْ يَرَهُ، أَوْ) وَقَفَ (الْمُؤَجِّرُ أَرْضُهُ) الَّتِي أَجَّرَهَا (أَوْ الْوَارِثُ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ مُدَّةً، أَوْ الْمُسْتَأْجِرُ) لِأَرْضٍ (بِنَاءَهُ) أَوْ غِرَاسَهُ الَّذِي بَنَاهُ، أَوْ غَرَسَهُ فِيهَا (صَحَّ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَمْلُوكٌ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْوَقْفُ فِي الْأَخِيرَةِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ أَمْ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ: وَيَصِحُّ وَقْفُ الْأَشْجَارِ) لَوْ وَقَفَ شَجَرَةً أَوْ جِدَارًا فَفِي دُخُولِ مَقَرِّهِمَا وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا عَدَمُ دُخُولِهِ (قَوْلُهُ: كَعَبِيدٍ وَثِيَابٍ) اتَّفَقَتْ الْأُمَّةُ فِي الْأَعْصَارِ عَلَى وَقْفِ الْحُصُرِ، وَالْقَنَادِيلِ وَالزَّلَالِيّ فِي الْمَسَاجِدِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ (قَوْلُهُ: أَنَّهُمْ أَلْحَقُوا وَقْفَهُمَا إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَأَنَّهُ يَصِحُّ فِي الْمَزْرُوعَةِ لِلشَّمِّ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: لِتَقَدُّمِ سَبَبِ عِتْقِهِمَا عَلَى وَقْفِهِمَا) وَلِأَنَّهُ قَدْ اجْتَمَعَ حَقَّانِ لِلَّهِ تَعَالَى فَقُدِّمَ أَقْوَاهُمَا وَهُوَ الْعِتْقُ وَيُشْكِلُ ذَلِكَ بِأَنَّ تَنْفِيذَ الْعِتْقِ - وَقَدْ زَالَ مِلْكُ الْمُعْتِقِ - خِلَافُ مُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ. أث: جَوَابُهُ مَنْعُ مُخَالَفَتِهِ لِلْقَوَاعِدِ؛ إذْ الْمُعْتَبَرُ فِي نُفُوذِ الْعِتْقِ بِالتَّعْلِيقِ وُجُودُهُ فِي مِلْكِهِ وَلَا يُعْتَبَرُ وُجُودُ صِفَتِهِ فِي مِلْكِهِ أَيْضًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِرَقِيقِهِ إذَا مِتّ وَمَضَى شَهْرٌ فَأَنْت حُرٌّ عَتَقَ بِمُضِيِّهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَقَالَ ابْنُ الْعِمَادِ وَجْهُ إشْكَالِهِ أَنَّ الصِّفَةَ تَزُولُ بِزَوَالِ الْمِلْكِ لَكِنَّ جَوَابَهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا مَنْعُ الزَّوَالِ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا تَبْطُلُ الصِّفَةُ إذَا انْتَقَلَ الْمِلْكُ إلَى غَيْرِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ فِي الصِّفَةِ وَهَاهُنَا انْتَقَلَ الْمِلْكُ إلَى مَنْ لَهُ حَقُّ الْعِتْقِ وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِذَا وُجِدَتْ الصِّفَةُ عَتَقَ تَقْدِيمًا لِأَقْوَى السَّبَبَيْنِ وَهُوَ الْعِتْقُ فَإِنَّهُ أَقْوَى مِنْ الْوَقْفِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَسْرِي بِخِلَافِ الْوَقْفِ.

الثَّانِي أَنَّ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى قَدْ سَبَقَ عَلَى حَقِّ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ إلَى وَقْتِ التَّعْلِيقِ لَا إلَى وَقْتِ وُجُودِ الصِّفَةِ وَلِأَنَّ حَقَّ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَنْفَعَةِ وَذَلِكَ لَا يُنَافِي نُفُوذَ الْعِتْقِ فِي الرَّقَبَةِ كَمَا أَنَّ الْعَبْدَ الْمُوصَى بِمَنَافِعِهِ يَصِحُّ عِتْقُهُ (قَوْلُهُ: وَهَذَا مَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ تَبَعًا لِلْبَغَوِيِّ إلَخْ) لَا تَخَالُفَ بَيْنَ مَا نَقَلَاهُ عَنْ الْبَغَوِيّ هُنَا وَأَقَرَّاهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِمَا فِي الْبَابِ الثَّانِي مِنْ هَذَا الْكِتَابِ: إنَّهُ إذَا وَطِئَ الْوَاقِفُ الْجَارِيَةَ الْمَوْقُوفَةَ بِغَيْرِ شُبْهَةٍ لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ إنْ جَعَلْنَا الْمِلْكَ فِي رَقَبَةِ الْمَوْقُوفِ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْعِتْقِ وَهُوَ التَّعْلِيقُ سَابِقٌ عَلَى حَقِّ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ فَلَمْ يَبْطُلْ فِي الْوَقْفِ الْمُتَأَخِّرِ عَنْهُ وَلَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْعِتْقِ، وَالْوَقْفِ فَأَبْطَلْنَا الْوَقْفَ لِتَأَخُّرِهِ وَضَعْفِهِ بِخِلَافِ الِاسْتِيلَادِ فَإِنْ سَبَبَ الْعِتْقِ فِيهِ مُتَأَخِّرٌ عَنْ الْوَقْفِ فَلَمْ يَثْبُتْ لِعَدَمِ وُقُوعِ الْوَطْءِ فِي مِلْكِهِ لِانْتِقَالِهِ عَنْهُ بِالْوَقْفِ (قَوْلُهُ: فَعَلَى مَا ذَكَرَهُ غَيْرُهُ لَا يَبْطُلُ الْوَقْفُ) أَمَّا إذَا قُلْنَا الْمِلْكُ لِلَّهِ لَمْ يَعْتِقْ كَمَا لَوْ خَرَجَ عَنْ مِلْكِ السَّيِّدِ بِالْبَيْعِ، ثُمَّ وُجِدَتْ الصِّفَةُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ وَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَالْبَغَوِيُّ هُنَا أَفْقَهُ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ الْإِشْكَالِ بِأَنَّ مَقْصُودَ كُلٍّ مِنْ التَّعْلِيقِ بِالصِّفَةِ، وَالْوَقْفِ هُوَ إخْرَاجُ الرَّقِيقِ عَنْ الْمِلْكِ لِيَكُونَ الْمِلْكُ فِيهِ لِلَّهِ تَعَالَى؛ فَلَمْ يَكُنْ الْإِخْرَاجُ بِالْوَقْفِ مَانِعًا مِنْ تَرَتُّبِ أَثَرِ التَّعْلِيقِ الَّذِي تَشَوَّفَ الشَّارِعُ إلَى مَقْصُودِهِ أَرْجَحُ لِأَنَّ كَوْنَ الْمِلْكِ لِلَّهِ فِي الْوَقْفِ لَا يَقْطَعُ تَعَلُّقَ الْوَاقِفِ اتِّبَاعَ شَرْطِهِ فَفَارَقَ إخْرَاجَ الرَّقِيقِ عَنْ الْمِلْكِ بِالْبَيْعِ أب.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ وَقَفَ مَا لَمْ يَرَهُ إلَخْ) لِأَنَّ عُمَرَ لَمْ يَرَ السَّوَادَ فَيَصِحُّ وَقْفُ الْأَعْمَى (قَوْلُهُ: وَالْمُؤَجِّرُ أَرْضَهُ) وَلَوْ مَسْجِدًا (قَوْلُهُ: وَالْمُسْتَأْجِرُ لِأَرْضٍ بِنَاءَهُ وَلَوْ مَسْجِدًا) وَكَتَبَ أَيْضًا لَوْ بَنَى مَسْجِدًا فِي أَرْضٍ مَوْقُوفَةٍ لِلسُّكْنَى لَمْ يَجُزْ فَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يَبْنِيَ الْعَرْصَةَ بِالْآجُرِّ وَالنُّورَةِ فَيَصِيرُ مَسْجِدًا إذَا وَقَفَهُ قِيَاسًا عَلَى الْعُلُوِّ دُونَ السُّفْلِ ذَكَرَهُ الْقَمُولِيُّ وَالْإِسْنَوِيُّ وَهُوَ الرَّاجِحُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>