للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَمَّا نَادَى أَبَا سَعِيدِ بْنَ الْمُعَلَّى فَلَمْ يُجِبْهُ لِكَوْنِهِ فِي الصَّلَاةِ قَالَ لَهُ: مَا مَنَعَك أَنْ تَسْتَجِيبَ وَقَدْ سَمِعْت قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ} [الأنفال: ٢٤] » وَشَمِلَ كَلَامُهُ كَأَصْلِهِ الْإِجَابَةَ بِالْفِعْلِ وَإِنْ كَثُرَ فَتَجِبُ وَلَا تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَهُوَ الْمُتَّجَهُ.

(وَكَانَ يُتَبَرَّكُ وَيُسْتَشْفَى بِبَوْلِهِ وَدَمِهِ) رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ «أَنَّ أُمَّ أَيْمَنَ شَرِبَتْ بَوْلَهُ فَقَالَ إذًا لَا تَلِجُ النَّارُ بَطْنَك» لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ، وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي الضُّعَفَاءِ «أَنَّ غُلَامًا حَجَمَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ حِجَامَتِهِ شَرِبَ دَمَهُ فَقَالَ وَيْحَك مَا صَنَعْت بِالدَّمِ قَالَ غَيَّبْته فِي بَطْنِي قَالَ اذْهَبْ فَقَدْ أَحْرَزْت نَفْسَك مِنْ النَّارِ» ، قَالَ شَيْخُنَا الْمَذْكُورُ آنِفًا: وَكَأَنَّ السِّرَّ فِي ذَلِكَ مَا صَنَعَهُ الْمَلَكَانِ مِنْ غَسْلِهِمَا جَوْفَهُ (وَمَنْ زَنَى بِحَضْرَتِهِ أَوْ اسْتَخَفَّ بِهِ كَفَرَ) قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَفِي الزِّنَا نَظَرٌ (وَأَوْلَادُ بَنَاتِهِ يُنْسَبُونَ إلَيْهِ) فِي الْكَفَاءَةِ وَغَيْرِهَا بِخِلَافِ أَوْلَادِ بَنَاتِ غَيْرِهِ «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ إنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ» وَقَوْلُهُ حِينَ بَالَ عَلَيْهِ وَهُوَ صَغِيرٌ «لَا تَزْرِمُوا ابْنِي هَذَا» قَالَ فِي الْأَصْلِ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ سَبَبٍ وَنَسَبٍ يَنْقَطِعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَّا سَبَبِي وَنَسَبِي» قِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّ أُمَّتَهُ يَنْتَسِبُونَ إلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأُمَمَ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ لَا يَنْتَسِبُونَ إلَيْهِمْ، وَقِيلَ: يُنْتَفَعُ يَوْمَئِذٍ بِالِانْتِسَابِ إلَيْهِ وَلَا يُنْتَفَعُ بِسَائِرِ الْأَنْسَابِ.

(وَتَحِلُّ لَهُ الْهَدِيَّةُ) مُطْلَقًا بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْحُكَّامِ وَوُلَاةِ الْأُمُورِ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ عَنْهُ دُونَهُمْ (وَأُعْطِيَ جَوَامِعَ الْكَلِمِ) وَمِنْهُ الْقُرْآنُ، وَأُوتِيَ الْآيَاتِ الْأَرْبَعِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ (وَكَانَ يُؤْخَذُ عَنْ نَفْسِهِ) عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ عَنْ الدُّنْيَا (عِنْدَ) تَلَقِّي (الْوَحْيِ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ التَّكْلِيفُ) قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَفَاتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكْعَتَانِ بَعْدَ الظُّهْرِ فَقَضَاهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ ثُمَّ وَاظَبَ عَلَيْهِمَا بَعْدَ الْعَصْرِ وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِهَذِهِ الْمُدَاوَمَةِ عَلَى الْأَصَحِّ (وَلَا يَجُوزُ الْجُنُونُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِخِلَافِ الْإِغْمَاءِ) يَجُوزُ عَلَيْهِمْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ فِي لَحْظَةٍ أَوْ لَحْظَتَيْنِ قَالَهُ الْقَاضِي عَنْ الدَّارَكِيِّ (وَلَا) يَجُوزُ (الِاحْتِلَامُ) عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الشَّيْطَانِ (وَرُؤْيَتُهُ فِي النَّوْمِ حَقٌّ) فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ بِهِ كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ (وَلَا يُعْمَلُ بِهَا) فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَحْكَامِ (لِعَدَمِ ضَبْطِ النَّائِمِ) لَا لِلشَّكِّ فِي رُؤْيَتِهِ.

(وَلَا تَأْكُلُ الْأَرْضُ لُحُومَ الْأَنْبِيَاءِ) لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ فِيهِ (وَالْكَذِبُ عَلَيْهِ عَمْدًا كَبِيرَةٌ) لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ إنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَلَا يَكْفُرُ فَاعِلُهُ عَلَى الصَّحِيحِ وَخَصَائِصُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَنْحَصِرُ فِيمَا ذَكَرَهُ فَمِنْهَا مَا قَدَّمْته وَمِنْهَا أَنَّ الْمَاءَ الطَّهُورَ نَبَعَ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ -

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ فَيَجِبُ وَلَا تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَأَوْلَادُ بَنَاتِهِ يُنْسَبُونَ إلَيْهِ) سُئِلَ ابْنُ ظَهِيرَةَ عَنْ أَوْلَادِ بَنَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرَ فَاطِمَةَ هَلْ لَهُمْ رُتْبَةُ الشَّرَفِ وَهَلْ يَكُونُونَ وَأَوْلَادَ فَاطِمَةَ سَوَاءً فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ بِأَنَّ الشَّرَفَ إنَّمَا هُوَ فِي وَلَدِ فَاطِمَةَ دُونَ سَائِرِ بَنَاتِهِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْهُنَّ عَقَبٌ إلَّا فَاطِمَةُ وَالشَّرَفُ مُخْتَصٌّ بِأَوْلَادِهَا الذُّكُورِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَمُحْسِنٍ فَأَمَّا مُحْسِنٌ فَمَاتَ صَغِيرًا فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْعَقَبُ لِلْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَإِنَّمَا اخْتَصَّا بِالشَّرَفِ هُمَا وَذُرِّيَّتُهُمَا لِأُمُورٍ كَثِيرَةٍ مِنْهَا كَوْنُ أُمِّهِمَا أَفْضَلُ بَنَاتِهِ وَكَوْنُهَا سَيِّدَةُ نِسَاءِ الْعَالَمِ وَسَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّهَا بِضْعَةٌ مِنِّي يُرِيبُنِي مَا أَرَابَهَا وَيُؤْذِينِي مَا آذَاهَا وَكَوْنُهَا أَشْبَهَ بَنَاتِهِ بِهِ فِي الْخَلْقِ وَالْخُلُقِ حَتَّى فِي الْجَنَّةِ، وَمِنْهَا إكْرَامُهُ لَهَا حَتَّى أَنَّهَا إذَا جَاءَتْ إلَيْهِ قَامَ لَهَا وَأَجْلَسَهَا فِي مَجْلِسِهِ وَكُلُّ ذَلِكَ لِسِرٍّ أَوْدَعَهُ اللَّهُ فِيهَا وَمِنْهَا كَوْنُهُمَا شَارَكَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نَسَبِهِ فَإِنَّهُمَا هَاشِمِيَّانِ وَمَحَبَّتُهُ لَهُمَا وَكَوْنُهُمَا سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ.

(قَوْلُهُ قَالَهُ الْقَاضِي عَنْ الدَّارَكِيِّ) وَهُوَ ظَاهِرٌ وَإِنْ قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ إنَّهُ بَاطِلٌ (قَوْلُهُ وَمِنْهَا أَنَّ الْمَاءَ الطَّهُورَ نَبَعَ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ إلَخْ) وَمِنْهَا كُلُّ مَوْضِعٍ صَلَّى فِيهِ وَضَبَطَ مَوْقِفَهُ فَهُوَ نَصٌّ بِمَعْنَى لَا يَجْتَهِدُ فِيهِ بِتَيَامُنٍ وَلَا تَيَاسُرٍ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْمَحَارِيبِ، وَمِنْهَا وُجُوبُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ وَمِنْهَا أَنَّهُ قَدْ عُرِضَ عَلَيْهِ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ مِنْ آدَمَ إلَى مَنْ بَعْدَهُ كَمَا عَلَّمَ آدَمَ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ ذَكَرَهُ الْإسْفَرايِينِيّ فِي تَعْلِيقِهِ قَالَهُ فِي الذَّخَائِرِ وَمِنْهَا كَانَ لَا يَتَثَاءَبُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ الْكَبِيرِ مُرْسَلًا وَفِي كِتَابِ الْأَدَبِ تَعْلِيقًا، وَقَالَ سَلَمَةُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ مَا تَثَاءَبَ نَبِيٌّ قَطُّ وَأَنَّهَا مِنْ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ، وَمِنْهَا سُئِلَ الْحَافِظُ عَبْدُ الْغَنِيِّ عَمَّا كَانَ يَخْرُجُ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَبْتَلِعُهُ الْأَرْضُ فَقَالَ قَدْ رُوِيَ ذَلِكَ مِنْ وَجْهٍ غَرِيبٍ وَالظَّاهِرُ مُؤَيِّدُهُ، فَإِنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ رَآهُ وَلَا ذَكَرَهُ أَمَّا الْبَوْلُ فَقَدْ شَاهَدَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَشَرِبَتْهُ أُمُّ أَيْمَنَ، وَمِنْهَا أَنَّ مَنْ حَكَمَ عَلَيْهِ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ حَرَجٌ مِنْ حُكْمِهِ كَفَرَ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْحُكَّامِ ذَكَرَهُ الْإِصْطَخْرِيُّ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ ر.

وَمِنْهَا أَنَّهُ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ وَإِنَّمَا صَلَّى النَّاسُ عَلَيْهِ إرْسَالًا الرِّجَالُ حَتَّى إذَا فَرَغُوا دَخَلَ النِّسَاءُ حَتَّى إذَا فَرَغْنَ دَخَلَ الصِّبْيَانُ وَلَمْ يَكُنْ هَذَا إلَّا عَنْ تَوْقِيفٍ وَرُوِيَ أَنَّهُ أَوْصَى بِالصَّلَاةِ فُرَادَى رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مُسْنَدًا وَالتِّرْمِذِيُّ وَمِنْ خَصَائِصِهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ أَنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ بِهِ ذَكَرَهُ الْقُضَاعِيُّ كَمَا قَالَهُ ابْنُ النَّحْوِيِّ فِي خَصَائِصِهِ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَمْزَةَ هَلْ جَمِيعُ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ لَا يَتَمَثَّلُ الشَّيْطَانُ عَلَى صُوَرِهِمْ أَوْ هَذَا خَاصٌّ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْخُصُوصِ قَطْعًا وَلَا عَلَى الْعُمُومِ قَطْعًا وَلَا هَذِهِ الْأُمُورُ مِمَّا تُؤْخَذُ بِالْقِيَاسِ وَلَا بِالْعَقْلِ، وَمَا عُلِمَ مِنْ عُلُوِّ مَكَانَتِهِمْ عِنْدَ اللَّهِ يُشْعِرُ بِأَنَّ الْعِنَايَةَ تَعُمُّهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ عُصِمُوا مِنْ تَعَرُّضِ الشَّيْطَانِ وَحِزْبِهِ فَأَشْعَرَ بِأَنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ بِصُوَرِهِمْ، وَقَالَ فِي كِتَابِ آكَامِ الْمَرْجَانِ فِي أَحْكَامِ الْجَانِّ لَا شَكَّ أَنَّهُ لَمْ يَجُزْ لِلشَّيْطَانِ أَنْ يَتَمَثَّلَ عَلَى صُورَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَحْرَى أَنْ لَا يَتَمَثَّلَ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَجْدَرُ أَنْ تَكُونَ رُؤْيَاهُ تَعَالَى فِي الْمَنَامِ حَقًّا وَأَنْ تَكُونَ تَخْلِيطًا مِنْ الشَّيْطَانِ هَذَا عَلَى قَوْلِ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيُّ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ طَائِفَةٍ أُخْرَى مِنْ الْعُلَمَاءِ ذَهَبُوا إلَى أَنَّ الْعِصْمَةَ مِنْ تَصَوُّرِ الشَّيْطَانِ وَتَمْثِيلِهِ إنَّمَا هِيَ فِي حَقِّ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهُ بَشَرٌ يَجُوزُ عَلَيْهِ التَّصَوُّرُ يَصْرِفُ اللَّهُ الشَّيْطَانَ أَنْ يَتَمَثَّلَ بِهِ لِئَلَّا يَخْلِطَ رُؤْيَاهُ بِالرُّؤْيَا الْكَاذِبَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>