ثُمَّ إنْ كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِالْحَاكِمِ فَهِيَ تَتَضَمَّنُ الْحُكْمَ بِالْمَوْتِ أَوْ بِأَنْفُسِهِمْ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ اعْتِبَارُ حُكْمِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ تَصَرُّفَ الْحَاكِمِ بِالْحُكْمِ حُكْمٌ حَتَّى لَا يُنْقَضَ، وَفِيهِ اضْطِرَابٌ.
وَقَالَ السُّبْكِيُّ فِي بَابِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ: الصَّحِيحُ عِنْدِي وِفَاقًا لِلْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ أَنَّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ (وَتَعْتَدُّ زَوْجَتُهُ) بَعْدَ الْحُكْمِ بِمَوْتِهِ وَتَتَزَوَّجُ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا (وَلَا يَرِثُهُ مَنْ مَاتَ قَبْلَ الْحُكْمِ بِمَوْتِهِ) وَلَوْ (بِلَحْظَةٍ) لِاحْتِمَالِ عَدَمِ تَأَخُّرِ مَوْتِهِ عَنْ مَوْتِهِ، وَكَذَا مَنْ مَاتَ مَعَ الْحُكْمِ كَمَا لَوْ مَاتَا مَعًا نَبَّهَ عَلَيْهِ السُّبْكِيُّ قَالَ: وَهَذَا كُلُّهُ إذَا أُطْلِقَ الْحُكْمُ فَإِنْ أَسْنَدَهُ إلَى مَا قَبْلَهُ لِكَوْنِ الْمُدَّةِ زَادَتْ عَلَى مَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ فَوْقَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ وَيُعْطِي لِمَنْ كَانَ وَارِثًا لَهُ ذَلِكَ الْوَقْتَ وَإِنْ كَانَ سَابِقًا عَلَى الْحُكْمِ قَالَ: وَلَعَلَّهُ مُرَادُهُمْ وَمُرَادُهُمْ بِوَقْتِ الْحُكْمِ الْوَقْتُ الَّذِي حَكَمَ الْحَاكِمُ أَنَّ الْمَفْقُودَ مَيِّتٌ فِيهِ (وَكَذَا الرَّقِيقُ الْمُنْقَطِعُ خَبَرُهُ لَا تَجِبُ بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْمُدَّةِ (فِطْرَتُهُ وَلَا يُجْزِئُ) عِتْقُهُ (عَنْ الْكَفَّارَةِ) لِعَدَمِ تَحَقُّقِ حَيَاتِهِ (وَلَوْ مَاتَ قَرِيبُهُ) قَبْلَ الْحُكْمِ بِمَوْتِهِ (وُقِفَ مِيرَاثُهُ) مِنْهُ (حَتَّى يَتَبَيَّنَ هَلْ كَانَ حَيًّا) حِينَئِذٍ (أَوْ مَيِّتًا وَيُقَدِّرُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ) مِنْ الْوَرَثَةِ (الْأَسْوَأَ مِنْ مَوْتِهِ وَحَيَاتِهِ) فَمَنْ سَقَطَ مِنْهُمْ بِهِ لَا يُعْطَى شَيْئًا حَتَّى يَتَبَيَّنَ حَالُهُ، وَمَنْ يَنْقُصُ حَقُّهُ بِحَيَاتِهِ يُقَدَّرُ فِي حَقِّهِ حَيَاتُهُ، وَمَنْ يَنْقُصُ حَقُّهُ بِمَوْتِهِ يُقَدَّرُ فِي حَقِّهِ مَوْتُهُ وَمَنْ لَا يَخْتَلِفُ نَصِيبُهُ بِحَيَاتِهِ وَمَوْتِهِ يُعْطَى نَصِيبَهُ.
(مِثَالُهُ: أَخٌ لِأَبٍ مَفْقُودٍ، وَأَخٌ لِأَبَوَيْنِ وَجَدٍّ حَاضِرَانِ فَلِلْأَخِ) لِلْأَبَوَيْنِ مِنْ الْمَتْرُوكِ (الثُّلُثَانِ وَلِلْجَدِّ الثُّلُثُ إنْ كَانَ) الْمَفْقُودُ (حَيًّا وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا اقْتَسَمَاهُ نِصْفَيْنِ فَيُعْطَى الْأَخُ النِّصْفَ بِتَقْدِيرِ مَوْتِهِ وَالْجَدُّ الثُّلُثَ بِتَقْدِيرِ حَيَاتِهِ) فَيُقَدَّرُ فِي حَقِّ الْأَخِ مَوْتُهُ وَفِي حَقِّ الْجَدِّ حَيَاتُهُ مِثَالٌ آخَرُ: أَخٌ لِأَبَوَيْنِ مَفْقُودٌ وَأُخْتَانِ لِأَبَوَيْنِ وَزَوْجٌ حَاضِرُونَ فَإِنْ كَانَ حَيًّا فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمْ فَلِلْأُخْتَيْنِ الرُّبْعُ وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا فَلِلزَّوْجِ ثَلَاثَةٌ مِنْ سَبْعَةٍ وَلِلْأُخْتَيْنِ أَرْبَعَةٌ مِنْهَا فَيُقَدَّرُ فِي حَقِّ الزَّوْجِ مَوْتُهُ وَفِي حَقِّ الْأُخْتَيْنِ حَيَاتَهُ. الْمُوجِبُ.
(الثَّانِي: الشَّكُّ فِي النَّسَبِ فَيُوقَفُ مِيرَاثُ الْوَلَدِ) مِنْ تَرِكَةِ أَحَدِ الْمُتَنَازِعَيْنِ فِيهِ (إلَى الْبَيَانِ إنْ مَاتَ أَحَدُ الْمُتَنَازِعَيْنِ فِيهِ) فِي زَمَنِ الْإِشْكَالِ (وَمِيرَاثُ أَبٍ إنْ مَاتَ الْوَلَدُ) كَذَلِكَ، وَأَخَذْنَا فِي نَصِيبِ كُلِّ مَنْ يَرِثُ مِنْهُمَا لَوْ ثَبَتَ نَسَبُهُمَا بِالْأَسْوَأِ كَمَا سَبَقَ فِي الْمَفْقُودِ الْمُوجِبِ.
(الثَّالِثُ: الْحَمْلُ الْوَارِثُ فَيُوقَفُ لَهُ) مِيرَاثُهُ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْمَيِّتِ سَوَاءٌ وَرِثَ مُطْلَقًا) كَالْحَمْلِ مِنْ الْمَيِّتِ (أَوْ بِتَقْدِيرِ) كَحَمْلِ زَوْجَةِ أَخٍ لِأَبٍ أَوْ جَدٍّ فَحَمْلُ زَوْجَةِ (الْأَخِ، وَالْجَدُّ لَا يَرِثُ إلَّا بِتَقْدِيرِ الذُّكُورَةِ، وَفِيهِ) أَيْ فِيمَنْ لَا يَرِثُ إلَّا بِتَقْدِيرِ (مَنْ لَا يَرِثُ إلَّا بِتَقْدِيرِ الْأُنُوثَةِ كَمَنْ مَاتَتْ عَنْ زَوْجٍ وَأُخْتٍ لِأَبَوَيْنِ وَحَمْلٍ مِنْ الْأَبِ) فَالْحَمْلُ يَرِثُ بِتَقْدِيرِ الْأُنُوثَةِ السُّدُسَ عَائِلًا؛ لِأَنَّهُ أُخْتٌ دُونَ تَقْدِيرِ الذُّكُورَةِ؛ لِأَنَّهُ أَخٌ وَهُوَ عَاصِبٌ وَلَمْ يَبْقَ ذَوُو الْفُرُوضِ شَيْئًا وَإِذَا وَرِثَ مُطْلَقًا فَقَدْ يَرِثُ بِتَقْدِيرِ الذُّكُورَةِ أَكْثَرَ كَحَمْلٍ مِنْ الْأَبِ بِالْعَكْسِ كَزَوْجَةٍ وَأُمٍّ وَأَخَوَيْنِ مِنْهَا وَحَمْلٍ مِنْ الْأَبَوَيْنِ وَقَدْ يَرِثُ بِهِمَا عَلَى السَّوَاءِ كَبِنْتٍ وَحَمْلٍ مِنْ الْأَبِ (وَلَوْ ادَّعَتْهُ الْمَرْأَةُ صُدِّقَتْ وَلَوْ) وَصَفَتْهُ (بِعَلَامَةٍ خَفِيَّةٍ) لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْهَا (وَلَوْ لَمْ تَدَّعِهِ وَاحْتُمِلَ هُوَ لِقُرْبِ الْوَطْءِ فَفِي الْوَقْفِ لَهُ) مِنْ الْمِيرَاثِ (تَرَدُّدٌ) وَكَلَامُ الْأَصْلِ يَقْتَضِي تَرْجِيحَ الْوَقْفِ (وَأُعْطِيَ) فِي الْحَالِ (مَنْ لَهُ فَرْضٌ مُقَدَّرٌ وَلَا يَحْجُبُهُ عَنْهُ) الْحَمْلُ؛ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي الْوَقْفِ (وَإِنْ أَمْكَنَ الْعَوْلُ أَخَذَهُ) أَيْ فَرْضَهُ (عَائِلًا) لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ (مِثَالُهُ: زَوْجَةٌ حَامِلٌ، وَأَبَوَانِ يَدْفَعُ إلَيْهَا ثُمُنُ عَائِلٍ وَإِلَيْهِمَا السُّدُسَانِ) الْأُولَى: سُدُسَانِ (عَائِلَانِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ) أَيْ الْحَمْلِ (أُنْثَيَيْنِ) أَمَّا إذَا كَانَ يَحْجُبُهُ عَنْهُ الْحَمْلُ فَلَا يَأْخُذُ شَيْئًا عَمَلًا بِالْأَحْوَطِ (وَلَوْ لَمْ يَتَقَدَّرْ نَصِيبُهُمْ) أَيْ الْمَوْجُودِينَ مَعَ الْحَمْلِ (كَالْأَوْلَادِ وُقِفَ الْجَمِيعُ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَقْصَى عَدَدِ الْحَمْلِ لَا ضَبْطَ لَهُ لِمَا حُكِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ فِي بَعْضِ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
(قَوْلُهُ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ) رَجَّحَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ الِاشْتِرَاطَ فَقَالَ: وَلَفْظُ الْوَجِيزِ مُشْعِرٌ بِاعْتِبَارِ حُكْمِ الْحَاكِمِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ (قَوْلُهُ: وَقَالَ السُّبْكِيُّ فِي بَابِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ إلَخْ) : لِأَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ حُكْمًا لَاسْتَدْعَى تَقَدُّمَ دَعْوَى فِي ذَلِكَ وَهُوَ مَفْقُودٌ هُنَا. الثَّانِي أَنَّ الْحُكْمَ يَسْتَدْعِي مَحْكُومًا لَهُ وَعَلَيْهِ وَبِهِ وَذَلِكَ مَفْقُودٌ هُنَا. الثَّالِث أَنَّهُمْ قَالُوا: لَوْ ظَهَرَ مَا بَاعَهُ مُسْتَحَقًّا بَطَلَ وَلَوْ كَانَ حُكْمًا لَمْ يَبْطُلْ. الرَّابِعُ أَنَّ مُسْتَنَدَ الْحُكْمِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ سَابِقًا وَالْإِلْزَامُ الَّذِي هُوَ إنْفَاذٌ لِحُكْمٍ يَتَضَمَّنُ الْإِخْبَارَ عَنْ الْمُسْتَنِدِ السَّابِقِ وَقَوْلُ الْقَاضِي: بِعْتُ أَوْ زَوَّجْتُ وَنَحْوَهَا لَيْسَ كَذَلِكَ؛ وَلِأَنَّ الْإِلْزَامَ يَكُونُ عَنْ شَيْءٍ وَقَعَ وَالْعَقْدُ إلَى الْآنَ لَمْ يَقَعْ وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ فِي الرِّسَالَةِ ظَاهِرٌ فِيهِ حَيْثُ قَالَ: أَلَا تَرَى أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي عَلَى الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ إنَّمَا هُوَ خَبَرٌ يُخْبِرُ بِهِ عَنْ بَيِّنَةٍ ثَبَتَتْ عِنْدَهُ أَوْ إقْرَارٍ مِنْ خَصْمٍ أَقَرَّ بِهِ عِنْدَهُ فَأَنْفَذَ الْحُكْمَ فِيهِ؟ .
وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: هَذَا فِي الْعُقُودِ إنَّمَا يَجِيءُ إذَا تَقَدَّمَ الْقَبُولُ عَلَى الْإِيجَابِ أَمَّا إذَا تَقَدَّمَ الْإِيجَابُ الْحَاكِمُ فَلَا يُمْكِنُ الْحُكْمُ بِصِحَّتِهِ لِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى وُجُودِهِ وَاَلَّذِي قَالَهُ حَسَنٌ مُتَعَيِّنٌ (قَوْلُهُ: فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.
(قَوْلُهُ: قَالَ: وَلَعَلَّهُ مُرَادُهُمْ) وَهُوَ ظَاهِرٌ
(قَوْلُهُ: وَكَلَامُ الْأَصْلِ يَقْتَضِي تَرْجِيحَ الْوَقْفِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: لِمَا حُكِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ إلَخْ) وَحُكِيَ أَنَّ امْرَأَةً وَلَدَتْ اثْنَيْ عَشَرَ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ فَرُفِعَ أَمْرُهَا إلَى السُّلْطَانِ فَاسْتَدْعَاهَا وَأَوْلَادَهَا ثُمَّ رَدَّهُمْ عَلَيْهَا إلَّا وَاحِدًا وَلَمْ تَعْلَمْ بِهِ حَتَّى خَرَجَتْ مِنْ الْقَصْرِ فَعَلِمَتْ بِهِ فَصَاحَتْ صَيْحَةً ارْتَجَّ مِنْهَا حِيطَانُ الْقَصْرِ فَقِيلَ لَهَا: أَلَيْسَ لَكِ فِي هَؤُلَاءِ الْأَحَدَ عَشَرَ كِفَايَةٌ فَقَالَتْ: مَا صِحْتُ أَنَا وَإِنَّمَا صَاحَتْ الْأَحْشَاءُ الَّتِي رُبُّوا فِيهَا.
وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَخْبَرَنِي رَجُلٌ وَرَدَ عَلَيَّ مِنْ الْيَمَنِ وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ وَالدِّينِ أَنَّ امْرَأَةً بِالْيَمَنِ وَضَعَتْ حَمْلًا كَالْكِرْشِ فَظُنَّ أَنْ لَا وَلَدَ فِيهِ فَأُلْقِيَ فِي الطَّرِيقِ فَلَمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ حَمِيَ وَتَحَرَّكَ فَشُقَّ فَخَرَجَ مِنْهُ سَبْعَةُ أَوْلَادٍ ذُكُورٍ عَاشُوا جَمِيعًا وَكَانُوا خَلْقًا سَوِيًّا إلَّا أَنَّهُ قَالَ: فِي أَعْضَائِهِمْ قِصَرٌ، قَالَ: وَصَارَعَنِي رَجُلٌ مِنْهُمْ فَصَرَعَنِي فَكُنْتُ أُعَيَّرُ بِالْيَمَنِ بِأَنَّهُ صَرَعَكَ سُبُعُ رَجُلٍ.