للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَأْخُذُ قُوَّةً فِي يَوْمَيْ الْإِقْلَاعِ

(وَلَا حُمَّى يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ إلَّا إنْ اتَّصَلَ بِهَا قَبْلَ الْعَرَقِ مَوْتٌ فَقَدْ بَانَتْ مَخُوفَةً) بِخِلَافِ مَا إذَا اتَّصَلَ بِهَا بَعْدَ الْعَرَقِ لِأَنَّ أَثَرَهَا زَالَ بِالْعَرَقِ، وَالْمَوْتِ بِسَبَبٍ آخَرَ (وَالدِّقُّ) بِكَسْرِ الدَّالِ، وَهُوَ دَاءٌ يُصِيبُ الْقَلْبَ وَلَا يَمْتَدُّ مَعَهُ حَيَاةٌ غَالِبًا (مَخُوفٌ، وَمِنْ الْمَخُوفِ هَيَجَانُ) الْمِرَّةِ (الصَّفْرَاءِ أَوْ الْبَلْغَمِ) وَفِي نُسْخَةٍ وَالْبَلْغَمِ (وَالدَّمِ) بِأَنْ يَثُورَ وَيَنْصَبَّ إلَى عُضْوٍ كَيَدٍ وَرِجْلٍ فَيُخَمَّرُ وَيَنْفَتِحُ (وَ) مِنْ الْمَخُوفِ (الطَّاعُونُ) وَهُوَ هَيَجَانُ الدَّمِ فِي جَمِيعِ الْبَدَنِ وَانْتِفَاخُهُ، وَيُقَالُ: نَبْرٌ مُؤْلِمٌ جِدًّا يَخْرُجُ غَالِبًا مِنْ الْآبَاطِ مَعَ لَهِيبٍ وَخَفَقَانٍ وَقَيْءٍ وَنَحْوِهِ.

(وَ) مِنْهُ (الْجِرَاحَةُ إنْ كَانَتْ) نَافِذَةً (إلَى الْجَوْفِ أَوْ) كَانَتْ (عَلَى مَقْتَلٍ أَوْ) فِي (مَوْضِعٍ كَثِيرِ اللَّحْم أَوْ) حَصَلَ (مَعَهَا ضَرَبَانٌ شَدِيدٌ أَوْ تَآكُلٌ أَوْ تَوَرُّمٌ وَ) مِنْهُ الْقَيْءُ (الدَّائِمُ أَوْ) الْمَصْحُوبُ (بِخَلْطٍ) مِنْ الْأَخْلَاطِ كَالْبَلْغَمِ (أَوْ دَمٍ، وَ) مِنْهُ (الْبِرْسَامُ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ، وَهُوَ وَرَمٌ فِي حِجَابِ الْقَلْبِ أَوْ الْكَبِدِ يَصْعَدُ أَثَرُهُ إلَى الدِّمَاغِ (لَا وَجَعُ الْعَيْنِ وَالضِّرْسِ وَ) لَا (الصُّدَاعُ) وَالْجَرَبُ وَنَحْوُهَا فَلَيْسَتْ مَخُوفَةً (وَأُلْحِقَ بِالْمَخُوفِ) مِنْ الْأَمْرَاضِ (الْتِحَامُ) أَيْ اخْتِلَاطُ (قِتَالِ مُتَكَافِئَيْنِ) أَوْ قَرِيبَيْنِ مِنْ التَّكَافُؤِ لِأَنَّهُ يُخَافُ مِنْهُ الْهَلَاكُ سَوَاءٌ أَكَانَا مُسْلِمَيْنِ أَمْ كَافِرَيْنِ أَوْ مُسْلِمًا وَكَافِرًا بِخِلَافِ قِتَالٍ بِغَيْرِ الْتِحَامٍ وَإِنْ تَرَامَيَا بِالنُّشَّابِ وَالْحِرَابِ أَوْ بِالْتِحَامٍ وَكَانَ أَحَدُهُمَا يَغْلِبُ الْآخَرَ لَكِنْ هَذَا مَحِلُّهُ فِي حَقِّ الْغَالِبِ فَقَطْ.

(وَالتَّقْدِيمُ لِلرَّجْمِ) فِي الزِّنَا أَوْ لِلْقَتْلِ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ وَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِالْإِقْرَارِ (وَهَيَجَانُ الْبَحْرِ بِالرِّيحِ) بِخِلَافِ هَيَجَانِهِ بِلَا رِيحٍ (وَأَسْرُ كَافِرٍ) أَوْ غَيْرِهِ (يَعْتَادُ الْقَتْلَ) لِلْأَسْرَى بِخِلَافِ أَسْرِ مَنْ لَا يَعْتَادُهُ كَالرُّومِ (وَكَذَا) يُلْحَقُ بِهِ (التَّقْدِيمُ لِلْقِصَاصِ) بِخِلَافِ الْحَبْسِ لَهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ، ذَكَرَهُ الْبُلْقِينِيُّ ثُمَّ حُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ حَكَاهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: مُقْتَضَى مَا يَأْتِي فِي الْوَدِيعَةِ أَنَّهُ إذَا مَرِضَ مَرَضًا مَخُوفًا أَوْ حُبِسَ لِيُقْتَلَ لَزِمَتْهُ الْوَصِيَّةُ بِهَا إذْ الْحَبْسُ لِلْقَتْلِ كَالتَّقْدِيمِ لَهُ، انْتَهَى.

وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ يُجَابُ بِأَنَّهُمْ إنَّمَا أَلْحَقُوهُ ثَمَّ بِالْمَخُوفِ احْتِيَاطًا لِحَقِّ الْغَيْرِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْمُوصَى بِهِ هُنَا حَقًّا لِلْغَيْرِ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ أَوْ بِأَنَّ مَعْنَى الْحَبْسِ ثَمَّ التَّقْدِيمُ لِلْقَتْلِ لِأَنَّهُ حَبْسٌ لَهُ (وَكَذَا) يَلْحَقُ بِهِ (ظُهُورُ طَاعُونٍ وَفَاشِيُّ وَبَاءٍ) فِي الْبُقْعَةِ وَإِنْ لَمْ يُصِيبَا الْمُتَبَرِّعَ، وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الطَّاعُونِ. وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ الطَّاعُونُ: الْمَرَضُ الْعَامُّ وَالْوَبَاءُ الَّذِي يَفْسُدُ لَهُ الْهَوَاءُ فَتَنْفَسِدُ مِنْهُ الْأَمْزِجَةُ، فَجَعَلَ الْوَبَاءَ قِسْمًا مِنْ الطَّاعُونِ، وَهُوَ مَمْدُودٌ وَمَقْصُورٌ، وَبَعْضُهُمْ فَسَّرَ الطَّاعُونَ بِغَيْرِ ذَلِكَ وَلَعَلَّهُ أَنْوَاعٌ، وَقِيلَ: الْوَبَاءُ الْمَرَضُ الْعَامُّ، وَقِيلَ: الْمَوْتُ الذَّرِيعُ، أَيْ السَّرِيعُ (وَ) كَذَا (الطَّلْقُ) وَيَمْتَدُّ خَوْفُهُ (إلَى انْفِصَالِ الْمَشِيمَةِ) وَهِيَ الَّتِي تُسَمِّيهَا النِّسَاءُ الْخَلَاصَ (أَوْ) إلَى زَوَالِ مَا حَصَلَ بِالْوِلَادَةِ فِيمَا لَوْ (انْفَصَلَتْ) أَيْ الْمَشِيمَةُ (وَحَصَلَ مِنْ الْوِلَادَةِ جُرْحٌ أَوْ ضَرَبَانٌ شَدِيدٌ أَوْ وَرَمٌ لَا) حَالَ الْحَمْلِ (قَبْلَ الطَّلْقِ وَلَا إلْقَاءُ عَلَقَةٍ وَمُضْغَةٍ) فَلَيْسَتْ مَخُوفَةً لِأَنَّهُ لَا يُخَافُ مِنْهَا الْهَلَاكُ كَمَا يُخَافُ مِنْ وِلَادَةِ الْمُتَخَلِّقِ (وَمَوْتُ الْجَنِينِ) فِي الْجَوْفِ (مَخُوفٌ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ كَانَ مَعَهُ وَجَعٌ شَدِيدٌ وَإِلَّا فَفِيهِ نَظَرٌ، وَلِمَ لَا يُرَاجَعُ الْأَطِبَّاءُ (وَمَا أَشْكَلَ) مِنْ الْأَمْرَاضِ فَلَمْ يُدْرَ أَمَخُوفٌ هُوَ أَمْ لَا (رُوجِعَ فِيهِ طَبِيبَانِ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ) لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ حُقُوقُ آدَمِيِّينَ مِنْ الْوَرَثَةِ وَالْمُوصَى لَهُمْ فَاعْتُبِرَتْ الشَّهَادَةُ فَيُعْتَبَرُ الْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالْبُلُوغُ وَالْعَدَالَةُ (ذَكَرَانِ) فِيمَا لَا يَخْتَصُّ النِّسَاءُ بِالِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ غَالِبًا (فَإِنْ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ إلَّا النِّسَاءُ) غَالِبًا (فَأَرْبَعٌ) أَيْ فَيَكْفِي فِيهِ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ (أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ) لَوْ اخْتَلَفَ قَوْلُ الْأَطِبَّاءِ فِي كَوْنِهِ مَخُوفًا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ أُخِذَ بِقَوْلِ الْأَعْلَمِ ثُمَّ بِالْأَكْثَرِ عَدَدًا ثُمَّ بِمَنْ يُخْبِرُ بِأَنَّهُ مَخُوفٌ، وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَأَقَرَّهُ (وَالْقَوْلُ فِي كَوْنِهِ غَيْرِ مَخُوفٍ) بَعْدَ مَوْتِ الْمُتَبَرِّعِ كَأَنْ قَالَ الْوَارِثُ: كَانَ الْمَرَضُ مَخُوفًا وَالْمُتَبَرَّعُ عَلَيْهِ كَانَ غَيْرَ مَخُوفٍ (قَوْلُ الْمُتَبَرَّعِ عَلَيْهِ) بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمَخُوفِ وَعَلَى الْوَارِثِ الْبَيِّنَةُ، وَيُعْتَبَرُ فِيهَا طَبِيبَانِ، ثُمَّ إنْ اخْتَلَفَا فِي عَيْنِ الْمَرَضِ كَأَنْ قَالَ الْوَارِثُ: كَانَ الْمَرَضُ حُمَّى مُطْبِقَةً وَالْمُتَبَرَّعُ عَلَيْهِ كَانَ وَجَعَ ضِرْسٍ كَفَى غَيْرُ طَبِيبَيْنِ، نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ.

(فَرْعٌ: وَإِنْ بَرِئَ) الْمَرِيضُ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ وَالْقَيْءُ الدَّائِمُ إلَخْ) الْقَيْءُ إنْ كَانَ مَعَهُ دَمٌ أَوْ بَلْغَمٌ أَوْ غَيْرُهُمَا مِنْ الْأَخْلَاطِ فَمَخُوفٌ وَإِلَّا فَغَيْرُ مَخُوفٍ إلَّا إذَا دَامَ (قَوْلُهُ: وَهَيَجَانُ الْبَحْرِ بِالرِّيحِ) يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْ رَاكِبِ السَّفِينَةِ مَنْ يُحْسِنُ السِّبَاحَةَ وَيَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ النَّجَاةُ بِذَلِكَ ع وَالْأَقْرَبُ أَنَّ الْأَنْهَارَ الْعَظِيمَةَ كَالنِّيلِ وَالْفُرَاتِ مِثْلُ الْبَحْرِ، وَأَلْحَقَ الْمَاوَرْدِيُّ بِذَلِكَ مَنْ أَدْرَكَهُ سَيْلٌ أَوْ نَارٌ أَوْ أَفْعَى قَتَّالَةٌ أَوْ أَسَدٌ وَلَمْ يَتَّصِلْ ذَلِكَ بِهِ لَكِنَّهُ يُدْرِكُهُ لَا مَحَالَةَ أَوْ كَانَ بِمَفَازَةٍ وَلَيْسَ ثَمَّ مَا يَأْكُلُهُ وَيَشْرَبُهُ وَاشْتَدَّ جُوعُهُ وَعَطَشُهُ (قَوْلُهُ: وَيُجَابُ بِأَنَّهُمْ أَلْحَقُوهُ ثَمَّ بِالْمَخُوفِ إلَخْ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ وَقْتَ التَّقْدِيمِ لِلْقَتْلِ وَقْتُ دَهْشَةٍ فَلَوْ قُلْنَا لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ الْوَصِيَّةَ إلَيْهِ ثُمَّ تَرَكَهُ وَضَمِنَاهُ لَمْ نُوَفِّ لَهُ بِعُذْرِ الدَّهْشَةِ وَإِنْ قُلْنَا يُؤَخِّرُ ثُمَّ إذَا تَرَكَ لَا يَضْمَنُ لَكُنَّا مُضَيِّعِينَ لِحَقِّ مَالِكِ الْوَدِيعَةِ فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ جُعِلَ وَقْتُ وَصِيَّتِهِ مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ

، وَأَمَّا كَوْنُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يُحْسَبُ تَبَرُّعُهُ مِنْ الثُّلُثِ فَلِأَنَّ بَدَنَهُ صَحِيحٌ وَلَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ حُصُولُ الْهَلَاكِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَدَّمَ فَإِنَّهُ يَغْلِبُ ذَلِكَ فَكَانَ تَبَرُّعُهُ فِيهِ مِنْ الثُّلُثِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا ظُهُورُ طَاعُونٍ إلَخْ) وَفِي الْكَافِي: وَإِذَا وَقَعَ فِي الْبَلَدِ فِي أَمْثَالِهِ فَهُوَ مَخُوفٌ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَقَوْلُهُ: فِي أَمْثَالِهِ قَيْدٌ حَسَنٌ لَا بُدَّ مِنْهُ عَلَى مَا شَاهَدْنَاهُ، قَالَ شَيْخُنَا هُوَ كَمَا قَالَهُ (قَوْلُهُ: وَكَذَا الطَّلْقُ) لِعِظَمِ الْأَمْرِ وَلِهَذَا جُعِلَ مَوْتُهَا شَهَادَةً (قَوْلُهُ: رُوجِعَ فِيهِ طَبِيبَانِ إلَخْ) وَالْأَصَحُّ قَبُولُ شَهَادَتِهِمَا بِأَنَّهُ غَيْرُ مَخُوفٍ كَمَا تُقْبَلُ بِأَنَّهُ مَخُوفٌ، وَقَالَ الْمُتَوَلِّي لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى النَّفْي، وَقَوْلُهُ: وَقَالَ الْمُتَوَلِّي إلَخْ أَشَارَ شَيْخُنَا إلَى تَضْعِيفِهِ (قَوْلُهُ: أُخِذَ بِقَوْلِ الْأَعْلَمِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ بِمِنْ يُخْبِرُ بِأَنَّهُ مَخُوفٌ) لِأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ مِنْ غَامِضِ الْعِلْمِ مَا خَفِيَ عَلَى غَيْرِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>