للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْ مَا هَرَبُوا عَنْهُ) لِخَوْفٍ أَوْ غَيْرِهِ كَضُرٍّ أَصَابَهُمْ (أَوْ صُولِحُوا عَلَيْهِ بِلَا قِتَالٍ) أَوْ نَحْوِهَا (فَيُخَمَّسُ) خَمْسَةَ أَخْمَاسٍ لِآيَةِ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ، وَشَمِلَ تَعْبِيرُهُ بِمَا أُخِذَ مَا فِيهِ اخْتِصَاصٌ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالْمَالِ الْمَأْخُوذِ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ أُخِذَ مِنْ الْكُفَّارِ صَيْدُ دَارِ الْحَرْبِ وَحَشِيشُهُ وَنَحْوُهُمَا فَإِنَّهَا كَمُبَاحِ دَارِنَا وَبِقَوْلِهِ وَلَا إيجَافٍ نَحْوِ السَّرِقَةِ مِمَّا فِيهِ إسْرَاعٌ فَإِنَّهُ غَنِيمَةٌ لَا فَيْءٌ

(فَصْلٌ وَيُقْسَمُ خُمُسُهُ) أَيْ الْفَيْءِ (عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ)

فَالْقِسْمَةُ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ:

(سَهْمٌ) مِنْ الْخَمْسَةِ (لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) كَانَ يُنْفِقُ مِنْهُ عَلَى مَصَالِحِهِ وَمَا فَضَلَ مِنْهُ يَصْرِفُهُ فِي السِّلَاحِ وَسَائِرِ الْمَصَالِحِ وَإِضَافَتُهُ لِلَّهِ فِي الْآيَةِ لِلتَّبَرُّكِ بِالِابْتِدَاءِ بِاسْمِهِ (وَمَصْرِفُهُ) أَيْ السَّهْمِ الْمَذْكُورِ (بَعْدَهُ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (لِلْمَصَالِحِ) الْعَامَّةِ (كَسَدِّ الثُّغُورِ وَعِمَارَةِ الْحُصُونِ وَالْقَنَاطِرِ وَالْمَسَاجِدِ وَأَرْزَاقِ الْقُضَاةِ وَالْأَئِمَّةِ) ؛ لِأَنَّ بِهَا تُحْفَظُ الْمُسْلِمُونَ وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَالِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إلَّا الْخُمُسُ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَلْيَكُنْ الصَّرْفُ لِلْمَصَالِحِ بِتَقْدِيمِ (الْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ) مِنْهَا وُجُوبًا قَالَ فِي التَّنْبِيهِ وَأَهَمُّهَا سَدُّ الثُّغُورِ السَّهْمُ (الثَّانِي لِذَوِي الْقُرْبَى) لِلْآيَةِ (وَهُمْ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ) دُونَ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَبَنْيِ نَوْفَلٍ وَإِنْ كَانَ الْأَرْبَعَةُ أَوْلَادَ عَبْدِ مَنَافٍ لِاقْتِصَارِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْقِسْمَةِ عَلَى بَنِي الْأَوَّلَيْنِ مَعَ سُؤَالِ بَنِي الْأَخِيرَيْنِ لَهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَلِأَنَّهُمْ لَمْ يُفَارِقُوهُ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إسْلَامٍ حَتَّى أَنَّهُ لَمَّا بُعِثَ بِالرِّسَالَةِ نَصَرُوهُ وَذَبُّوا عَنْهُ بِخِلَافِ بَنِي الْأَخِيرَيْنِ بَلْ كَانُوا يُؤْذُونَهُ وَالْعِبْرَةُ بِالِانْتِسَابِ إلَى الْآبَاءِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أَمَّا مَنْ يُنْسَبُ مِنْهُمْ إلَى الْأُمَّهَاتِ فَلَا شَيْءَ لَهُ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُعْطِ الزُّبَيْرَ وَعُثْمَانَ مَعَ أَنَّ أُمَّ كُلٍّ مِنْهُمَا هَاشِمِيَّةٌ.

وَاسْتَثْنَى السُّبْكِيُّ أَوْلَادَ بَنَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَأُمَامَةَ بِنْتِ أَبِي الْعَاصِ مِنْ بِنْتِهِ زَيْنَبَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ مِنْ بِنْتِهِ رُقَيَّةَ. فَإِنَّهُمْ مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى بِلَا شَكٍّ قَالَ وَلَمْ أَرَهُمْ تَعَرَّضُوا لِذَلِكَ فَيَنْبَغِي الضَّبْطُ بِقَرَابَةِ هَاشِمٍ وَالْمُطَّلِبِ لَا بَنِيهِمَا وَأَجَابَ عَنْهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْمَذْكُورِينَ تَوَفَّيَا صَغِيرَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمَا عَقِبٌ فَلَا فَائِدَةَ لِذِكْرِهِمَا انْتَهَى عَلَى أَنَّ مَا ضَبَطَ بِهِ السُّبْكِيُّ وَإِنْ دَخَلَ فِيهِ مَا أَرَادَهُ دَخَلَ فِيهِ غَيْرُ الْمُرَادِ لِأَنَّ قَرَابَةَ هَاشِمٍ وَالْمُطَّلِبِ أَعَمُّ مِنْ فُرُوعِهِمَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ.

(لَا مَوَالِيهِمْ) فَلَا شَيْءَ لَهُمْ (وَيُفَضَّلُ بِالذُّكُورَةِ) فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ مَا لِأُنْثَيَيْنِ لِأَنَّهُ عَطِيَّةٌ مِنْ اللَّهِ يُسْتَحَقُّ بِقَرَابَةِ الْأَبِ كَالْإِرْثِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخُنْثَى كَالْأُنْثَى وَلَا يُوقَفُ شَيْءٌ وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِي عَدَمِ وَقْفِ شَيْءٍ (وَيَعُمُّهُمْ) بِالْعَطَاءِ وُجُوبًا (كَالْمِيرَاثِ) وَلِلْآيَةِ (وَلَا يَخْتَصُّ) بِهِ (فَقِيرٌ وَحَاضِرٌ) بِمَوْضِعِ الْفَيْءِ وَكَبِيرٌ وَقَرِيبٌ لِعُمُومِ الْآيَةِ وَقَدْ أَعْطَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعَبَّاسَ وَكَانَ غَنِيًّا (نَعَمْ يُجْعَلُ مَا فِي كُلِّ إقْلِيمٍ لِسَاكِنِهِ فَإِنْ عَدِمَهُ بَعْضُ الْأَقَالِيمِ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَعْضِهَا شَيْءٌ (أَوْ لَمْ يَسْتَوْعِبْهُمْ) السَّهْمُ بِأَنْ لَمْ يَفِ بِمَنْ فِيهِ إذَا وُزِّعَ عَلَيْهِمْ (نَقَلَ إلَيْهِمْ حَاجَتَهُمْ) إذْ لَا تَعْظُمُ فِيهِ الْمَشَقَّةُ عِبَارَةُ الْأَصْلِ قَدْرُ الْحَاجَةِ أَيْ بِقَدْرِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْإِمَامُ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْمَنْقُولِ إلَيْهِمْ وَغَيْرِهِمْ وَالتَّعْبِيرُ بِحَاجَتِهِمْ يَفُوتُ هَذَا الْمَعْنَى بَلْ يَقْتَضِي خِلَافَهُ (فَإِنْ كَانَ) الْحَاصِلُ (يَسِيرًا لَا يَسُدُّ مَسَدًّا بِالتَّوْزِيعِ قُدِّمَ الْأَحْوَجُ) فَالْأَحْوَجُ وَلَا يَسْتَوْعِبُ لِلضَّرُورَةِ وَتَصِيرُ الْحَاجَةُ مُرَجَّحَةً وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُعْتَبَرَةً فِي الِاسْتِحْقَاقِ السَّهْمَ (الثَّالِثُ لِلْيَتَامَى) لِلْآيَةِ (وَهُمْ كُلُّ صَغِيرٍ) ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى أَوْ خُنْثَى (لَا أَب لَهُ) وَلَوْ كَانَ لَهُ أُمٌّ وَجَدٌّ أَمَّا كَوْنُهُ صَغِيرًا فَلِخَبَرِ «لَا يُتْمَ بَعْدَ احْتِلَامٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَحَسَّنَهُ النَّوَوِيُّ لَكِنْ ضَعَّفَهُ الْمُنْذِرِيُّ وَغَيْرُهُ وَأَمَّا كَوْنُهُ لَا أَبَ لَهُ فَلِلْوَضْعِ وَالْعُرْفِ سَوَاءٌ أَكَانُوا مِنْ أَوْلَادِ الْمُرْتَزِقَةِ أَمْ لَا قُتِلَ أَبُوهُمْ فِي الْجِهَادِ أَمْ لَا (وَيُشْتَرَطُ) فِي إعْطَائِهِمْ (فَقْرُهُمْ) لِإِشْعَارِ لَفْظِ الْيُتْمِ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ وَيُقْسَمُ خُمُسُهُ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ إلَخْ) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَا يُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَبْلَ الشَّافِعِيِّ قَالَ فِي الْفَيْءِ الْخُمُسُ كَخُمُسِ الْغَنِيمَةِ دَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} [الحشر: ٧] الْآيَةَ فَأَطْلَقَ هَاهُنَا وَقَيَّدَ فِي الْغَنِيمَةِ فَحَمَلَ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ لِاتِّحَادِ الْحُكْمِ وَاخْتِلَافِ السَّبَبِ فَإِنَّ الْحُكْمَ وَاحِدٌ وَهُوَ رُجُوعُ الْمَالِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ لِلْمُسْلِمِينَ إلَّا أَنَّهُ اخْتَلَفَ بِالْقِتَالِ وَعَدَمِهِ كَمَا حَمَلْنَا الرَّقَبَةَ فِي الظِّهَارِ عَلَى الْمُؤْمِنَةِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ.

(قَوْلُهُ وَأَرْزَاقِ الْقُضَاةِ) أَيْ قُضَاةِ الْبِلَادِ (قَوْلُهُ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ) وَلَمْ يُرَدَّ إلَّا بَعْدَ الْوَفَاةِ وَلَمْ يُمْكِنْ تَوْزِيعُهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ أَنْ جَعَلَهُ لَهُمْ إلَّا بِالصَّرْفِ فِي مَصَالِحِهِمْ.

(قَوْلُهُ وَيَفْضُلُ بِالذُّكُورَةِ) إنَّمَا أَعْطَى النِّسَاءَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الزُّبَيْرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَأْخُذُ سَهْمَ أُمِّهِ صَفِيَّةَ عَمَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَدْفَعُ لِفَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مِنْهُ وَفِي النَّسَائِيّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَسْهَمَ يَوْمَ خَيْبَرَ لِصَفِيَّةَ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَدْفَعْ لَهُنَّ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ لَا تَدُلُّ إلَّا عَلَى الصَّرْفِ لِلذُّكُورِ فَإِنَّ ذُو اسْمٌ مَذْكُورٌ جَعَلَهُ لِلشَّخْصِ الَّذِي يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ قَالَهُ السُّبْكِيُّ (قَوْلُهُ وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِي عَدَمِ وَقْفِ شَيْءٍ) قَالَ شَيْخُنَا فَالْأَوْجَهُ وَقْفُ مَا زَادَ إلَى حِصَّةِ ذَكَرٍ (قَوْلُهُ كَالْمِيرَاثِ) لَكِنْ سَوَّى بَيْنَ مُدْلٍ بِجِهَتَيْنِ وَمُدْلٍ بِجِهَةِ خِلَافًا لِلْقَاضِي الْحُسَيْنِ (قَوْلُهُ وَهُمْ كُلُّ صَغِيرٍ لَا أَبَ لَهُ) شَمِلَ اللَّقِيطَ وَوَلَدَ الزِّنَا وَالْمَنْفِيَّ بِاللِّعَانِ قَالَ النَّاشِرِيُّ: فَإِنْ: قِيلَ مَا الْحُكْمُ لَوْ كَانَ لَهُ أَبٌ وَلَكِنَّ الْأَبَ فَقِيرٌ أَيُعْطَى أَمْ لَا وَمَا الْحُكْمُ لَوْ كَانَ لَهُ جَدٌّ مُوسِرٌ أَيَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ فِي الْمُسْتَغْنِي بِنَفَقَةِ غَيْرِهِ أَمْ لَا وَالْجَوَابُ أَنَّهُ يَجْرِي عَلَى الصَّحِيحِ وَكَذَا يُعْطَى مَنْ أَبُوهُ فَقِيرٌ عَلَى الصَّحِيحِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَلَا خَفَاءَ أَنَّ مَسْكَنَةَ الْيَتِيمِ كَفَقْرِهِ.

(قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ فَقْرُهُمْ) يُشْتَرَطُ فِي الْيَتَامَى الْإِسْلَامُ وَكَذَا فِي بَقِيَّةِ الْأَصْنَافِ نَعَمْ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ يَصْرِفُ لِلْكَافِرِ مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ عِنْدَ الْمَصْلَحَةِ وَاضْطَرَبَ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَالنَّوَوِيِّ فِيهِ فَقَالَا هُنَا لَا يَجُوزُ الصَّرْفُ لِلْكَافِرِ وَفِي اللَّقِيطِ الْمَحْكُومِ بِكُفْرِهِ يُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فِي الْأَصَحِّ وَفِي السَّرِقَةِ يُقْطَعُ الذِّمِّيُّ بِمَالِ الْمَصَالِحِ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالْمُسْلِمِينَ وَلَا نَظَرَ لِإِنْفَاقِ الْإِمَامِ عَلَيْهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ؛ لِأَنَّهُ لِلضَّرُورَةِ وَبِشَرْطِ الضَّمَانِ وَلَا لِارْتِفَاقِهِ بِالْقَنَاطِرِ وَالرُّبُطِ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>