الذِّمِّيَّةِ إذَا رَضَوْا بِحُكْمِنَا وَإِلَّا فَلَا نَتَعَرَّضُ لَهَا، وَمِثْلُهَا الْمُعَاهَدَةُ وَالْمُسْتَأْمَنَةُ (وَيُلْزِمُهَا) أَيْ الصَّبِيَّةَ وَالْمَجْنُونَةَ (الْوَلِيُّ) بِذَلِكَ.
(فَصْلٌ: الْإِحْدَادُ) مِنْ أَحَدَّ وَيُقَالُ الْحِدَادُ مِنْ حَدَّ لُغَةً الْمَنْعُ وَاصْطِلَاحًا (تَرْكُ الزِّينَةِ) مِنْ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ (بِالثِّيَابِ وَالطِّيبِ وَالْحُلِيِّ) وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِمَّا يَأْتِي لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ كُنَّا «نُنْهَى أَنْ نُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَأَنْ نَكْتَحِلَ وَأَنْ نَتَطَيَّبَ، وَأَنْ نَلْبَسَ ثَوْبًا مَصْبُوغًا» . وَخَبَرِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ «الْمُتَوَفَّى عَنْهَا لَا تَلْبَسُ الْمُعَصْفَرَ مِنْ الثِّيَابِ وَلَا الْمُمَشَّقَةَ وَلَا الْحُلِيَّ وَلَا تَخْتَضِبُ وَلَا تَكْتَحِلُ» وَالْمُمَشَّقَةُ الْمَصْبُوغَةُ بِالْمِشْقِ بِكَسْرِ الْمِيمِ، وَهُوَ الْمَغْرَةُ بِفَتْحِهَا وَيُقَالُ طِينٌ أَحْمَرُ يُشْبِهُهَا. وَأَمَّا خَبَرُ «لَا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ» ، وَهُوَ ضَرْبٌ مِنْ بُرُودِ الْيَمِينِ يُعْصَبُ غَزْلُهُ أَيْ يُجْمَعُ ثُمَّ يُشَدُّ ثُمَّ يُصْبَغُ مَعْصُوبًا ثُمَّ يُنْسَخُ فَمُعَارَضٌ بِرِوَايَةِ وَلَا ثَوْبَ عَصْبٍ أَوْ مُؤَوَّلٌ بِالصَّبْغِ الَّذِي لَا يَحْرُمُ كَالْأَسْوَدِ (فَلَهَا لُبْسُ غَيْرِ الْمَصْبُوغِ) مِنْ قُطْنٍ وَصُوفٍ وَوَبَرٍ وَشَعْرٍ وَغَيْرِهَا (وَلَوْ حَرِيرًا) وَنَفِيسًا؛ لِأَنَّ نَفَاسَتَهُ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ لَا مِنْ زِينَةٍ دَخَلَتْ عَلَيْهِ كَالْمَرْأَةِ الْحَسْنَاءِ لَا يَلْزَمُهَا أَنْ تُغَيِّرَ لَوْنَهَا بِسَوَادٍ وَنَحْوِهِ.
(وَالْمَصْبُوغُ وَلَوْ قَبْلَ النَّسْجِ) كَالْبُرُودِ (حَرَامٌ) لِمَا مَرَّ (لَا) الْمَصْبُوغُ (بِالسَّوَادِ، وَكَذَا زُرْقَةٌ وَخُضْرَةٌ كَدِرَانِ) أَيْ الْمَصْبُوغُ بِهِمَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُقْصَدُ لِلزِّينَةِ بَلْ لِنَحْوِ حَمْلِ وَسَخٍ أَوْ مُصِيبَةٍ بِخِلَافِ الْمَصْبُوغِ بِزُرْقَةٍ وَخُضْرَةٍ صَافِيَيْنِ. وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ مَا صُبِغَ لِزِينَةٍ يَحْرُمُ، وَمَا صُبِغَ لَا لِزِينَةٍ كَالْأَسْوَدِ لَمْ يَحْرُمْ لِانْتِفَاءِ الزِّينَةِ عَنْهُ، وَإِنْ تَرَدَّدَ بَيْنَ الزِّينَةِ وَغَيْرِهَا كَالْأَخْضَرِ وَالْأَزْرَقِ كَأَنْ كَانَ بَرَّاقًا صَافِيَ اللَّوْنِ حَرُمَ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحْسَنٌ يُتَزَيَّنُ بِهِ أَوْ كَدِرًا أَوْ مُشْبَعًا أَوْ أَكْهَبَ بِأَنْ يَضْرِبَ إلَى الْغُبْرَةِ فَلَا؛ لِأَنَّ الْمُشْبَعَ مِنْ الْأَخْضَرِ يُقَارِبُ الْأَسْوَدَ، وَمِنْ الْأَزْرَقِ يُقَارِبُ الْكُحْلِيَّ، وَمِنْ الْأَكْهَبِ يُقَارِبُهُمَا (وَالطِّرَازُ) عَلَى الثَّوْبِ (حَرَامٌ عَلَيْهَا) إنْ كَبِرَ لِظُهُورِ الزِّينَةِ فِيهِ (وَإِنْ صَغُرَ فَوُجُوهٌ) ثَلَاثَةٌ ثَالِثُهَا إنْ نُسِجَ مَعَ الثَّوْبِ جَازَ، وَإِنْ رُكِّبَ عَلَيْهِ حَرُمَ؛ لِأَنَّهُ مَحْضُ زِينَةٍ وَبِهِ جَزَمَ فِي الْأَنْوَارِ (وَيَحْرُمُ) عَلَيْهَا (الْحُلِيُّ) مِنْ خَلْخَالٍ وَسِوَارٍ وَغَيْرِهِمَا (وَلَوْ خَاتَمَ فِضَّةٍ) أَوْ حُلِيَّ لُؤْلُؤٍ لِظَاهِرِ خَبَرِ أَبِي دَاوُد السَّابِقِ وَلِظُهُورِ الزِّينَةِ فِيهِ (وَلَهَا لُبْسُ الْحُلِيِّ لِلْإِحْرَازِ) لَهُ أَوْ لِحَاجَةٍ أُخْرَى (لَيْلًا) بِلَا كَرَاهَةٍ وَلَهَا ذَلِكَ فِيهِ أَيْضًا بِلَا حَاجَةٍ لَكِنْ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَاسْتُشْكِلَ بِحُرْمَةِ التَّطَيُّبِ وَلِبَاسِ الْمَصْبُوغِ لَيْلًا وَفُرِّقَ بِأَنَّ ذَلِكَ يُحَرِّكُ الشَّهْوَةَ بِخِلَافِ التَّحَلِّي.
قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ أَمَّا لُبْسُهُ نَهَارًا فَحَرَامٌ إلَّا أَنْ يَتَعَيَّنَ طَرِيقًا لِإِحْرَازِهِ فَظَاهِرٌ جَوَازُهُ لِلضَّرُورَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ (فَإِنْ تَعَوَّدُوا) أَيْ قَوْمُهَا (التَّحَلِّي بِالنُّحَاسِ أَوْ الرَّصَاصِ أَوْ أَشْبَهَا التِّبْرَيْنِ) أَيْ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ بِحَيْثُ لَا يُعْرَفَانِ إلَّا بِتَأَمُّلٍ (أَوْ مَوَّهَا بِهِمَا حَرُمَا) ، وَإِلَّا فَلَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالتَّمْوِيهُ بِغَيْرِهِمَا أَيْ مِمَّا يَحْرُمُ تَزَيُّنُهَا بِهِ كَالتَّمْوِيهِ بِهِمَا، وَإِنَّمَا اقْتَصَرُوا عَلَى ذِكْرِهِمَا اعْتِبَارًا بِالْغَالِبِ (وَهِيَ فِي تَحْرِيمِ الطِّيبِ، وَأَكْلِهِ وَالدُّهْنِ كَالْمُحَرَّمِ) فِي تَحْرِيمِهِمَا عَلَيْهِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهَا مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ لِمَا مَرَّ فِي خَبَرِ أُمِّ عَطِيَّةَ لَكِنْ يَلْزَمُهَا إزَالَةُ الطِّيبِ الْكَائِنِ مَعَهَا حَالَ الشُّرُوعِ فِي الْعِدَّةِ وَلَا يَقْدَحُ اسْتِعْمَالُهَا الطِّيبَ فِي عِدَّتِهَا وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهَا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي بِخِلَافِ الْمُحَرَّمِ فِي ذَلِكَ (وَيَحْرُمُ عَلَيْهَا الِاكْتِحَالُ) بِإِثْمِدٍ وَنَحْوِهِ وَلَوْ كَانَتْ سَوْدَاءَ لِلْخَبَرَيْنِ السَّابِقَيْنِ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ زِينَةً وَجَمَالًا لِلْعَيْنِ (وَ) يَحْرُمُ عَلَيْهَا (تَسْوِيدُ الْحَاجِبِ بِالْأَسْوَدِ كَالْإِثْمِدِ)
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
فِي غَالِبِ الْأَمْرِ يَتَحَرَّكُ لِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ إنْ كَانَ ذَكَرًا وَلِأَرْبَعَةٍ إنْ كَانَ أُنْثَى، وَاعْتُبِرَ أَقْصَى الْأَجَلَيْنِ وَزِيدَ عَلَيْهِ اسْتِظْهَارًا إذْ رُبَّمَا تَضْعُفُ حَرَكَتُهُ فِي الْمَبَادِي فَلَا تَحُسُّ بِهَا.
(قَوْلُهُ: فَلَهَا لُبْسُ غَيْرِ الْمَصْبُوغِ إلَخْ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِغَيْرِ الْمَصْبُوغِ مِنْ الْإِبْرَيْسَمِ مَا نُسِجَ عَلَى هَيْئَتِهِ مِنْ غَيْرِ إحْدَاثِ تَحْسِينٍ فِيهِ أَصْلًا فَالظَّاهِرُ مَذْهَبًا وَدَلِيلًا جَوَازُهُ وَيَجُوزُ حَمْلُ ظَاهِرِ النَّصِّ، وَكَلَامِ الْعِرَاقِيِّينَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ أَعَمَّ مِنْ ذَلِكَ كَيْفَ صُنِعَ فَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الزِّينَةَ فِيمَا بُيِّضَ مِنْ أَبْيَضِهِ وَحَسُنَ مِنْ أَصْفَرِهِ، وَأَحْمَرِهِ وَصُقِلَ بَعْدَ نَسْجِهِ ظَاهِرَةٌ بَلْ هُوَ أَحْسَنُ، وَأَزْيَنُ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ الْمُصَبَّغَاتِ، وَيَبْعُدُ أَنْ يَحْرُمَ الْمَصْبُوغُ الْبَرَّاقُ مِنْ الْقُطْنِ، وَالصُّوفِ وَالْكَتَّانِ، وَإِنْ خَشُنَ وَلَا يَحْرُمُ الْأَصْفَرُ، وَالْأَحْمَرُ الْخِلْقِيُّ مَعَ صَفَائِهِمَا وَشِدَّةِ بِرِيقِهِمَا وَزِيَادَةِ الزِّينَةِ فِيهِمَا عَلَى الْمَصْبُوغِ مِنْ غَيْرِ الْحَرِيرِ، وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ الشَّيْخِ إبْرَاهِيمَ الْمَرُّوذِيِّ فِي تَعْلِيقِهِ آخِرَ الْبَابِ وَعَقْدُ الْبَابِ أَنَّ كُلَّ مَا فِيهِ زِينَةٌ تُشَوِّقُ الرِّجَالَ بِهِ إلَى نَفْسِهَا تُمْنَعُ مِنْهُ (قَوْلُهُ: لَا الْمَصْبُوغُ بِالسَّوَادِ، وَكَذَا زُرْقَةٌ إلَخْ) قَالَ شَيْخُنَا يُؤْخَذُ مِمَّا سَيَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ التَّحَلِّي بِالنُّحَاسِ أَيْ حَيْثُ كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ يَتَزَيَّنُونَ بِهِ أَنَّهُ لَوْ جَرَتْ عَادَةُ قَوْمٍ بِالتَّزَيُّنِ بِالْأَسْوَدِ، وَالْأَزْرَقِ الْكَدِرِ وَنَحْوِهِمَا حَرُمَ عَلَيْهَا، وَهُوَ ظَاهِرٌ. كا (قَوْلُهُ: وَبِهِ جَزَمَ فِي الْأَنْوَارِ) هُوَ الْأَصَحُّ (قَوْلُهُ: وَلِظُهُورِ الزِّينَةِ فِيهِ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا صَدِئَ الذَّهَبُ بِحَيْثُ لَا يَبِينُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ (قَوْلُهُ: فَظَاهِرٌ جَوَازُهُ لِلضَّرُورَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ تَعَوَّدُوا التَّحَلِّيَ بِالنُّحَاسِ إلَخْ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيَنْقَدِحُ أَنْ يَحْرُمَ بِكُلِّ بِلَادٍ مَا يَعُدُّهُ أَهْلُهَا زِينَةً وَحُلِيًّا كَالْخَرَزِ وَالْوَدَعِ عِنْدَ السُّودَانِ قَالَ وَلَا شَكَّ فِي تَحْرِيمِ تَخَتُّمِهَا بِالْعَقِيقِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْجَوَاهِرِ، وَقَدْ صَرَّحَ الصَّيْمَرِيُّ بِتَحْرِيمِ لُبْسِ الدَّمَالِجِ، وَالْخَوَاتِمِ مِنْ الْعَاجِ، وَالدُّبُلِ؛ لِأَنَّ لَهَا زِينَةً، وَقَوْلُهُ: قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيَنْقَدِحُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ، وَكَذَا قَوْلُهُ: وَقَدْ صَرَّحَ الصَّيْمَرِيُّ إلَخْ (قَوْلُهُ: قَالَ الْأَذْرَعِيُّ، وَالتَّمْوِيهُ بِغَيْرِهِمَا إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.
(قَوْلُهُ: وَفِي تَحْرِيمِ الطِّيبِ، وَأَكْلِهِ، وَالدُّهْنِ كَالْمُحَرَّمِ) لَوْ دَعَتْ إلَى اسْتِعْمَالِ الطِّيبِ حَاجَةٌ جَازَ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ، وَقَوْلُهُ: ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَتَسْوِيدُ الْحَاجِبِ بِالْأَسْوَدِ كَالْإِثْمِدِ إلَخْ) قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُ الْإِثْمِدِ فِي جَمِيعِ بَدَنِهَا إلَّا فِي حَاجِبِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ الزِّينَةُ فِي غَيْرِ الْعَيْنَيْنِ، وَالْحَاجِبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute