وَعَشْرًا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحُوهُ، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ السُّكْنَى لِلْمُعْتَدَّةِ عَنْ وَفَاةٍ دُونَ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهَا لِصِيَانَةِ مَاءِ الزَّوْجِ، وَهِيَ تَحْتَاجُ إلَيْهَا بَعْدَ الْوَفَاةِ كَالْحَيَاةِ، وَالنَّفَقَةُ لِسُلْطَتِهِ عَلَيْهَا، وَقَدْ انْقَضَتْ (لَا) لِمُعْتَدَّةٍ (عَنْ) وَطْءِ (شُبْهَةٍ) وَلَوْ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ؛ لِأَنَّ سَبَبَ التَّرَبُّصِ فِيهَا لَمْ تَتَأَكَّدْ حُرْمَتُهُ فَلَا يَلْحَقُ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ (وَلَا سُكْنَى لِأُمِّ وَلَدٍ عَتَقَتْ) بِإِعْتَاقِ سَيِّدِهَا أَوْ مَوْتِهِ كَذَلِكَ (وَلَا صَغِيرَةٍ لَا تُوطَأُ) أَيْ لَا سُكْنَى لَهَا (وَلَا لِأَمَةٍ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا) لِعَدَمِ التَّسْلِيمِ التَّامِّ كَمَا لَا نَفَقَةَ لَهُمَا (بَلْ لِلزَّوْجِ إسْكَانُهَا حَالَ فَرَاغِ الْخِدْمَةِ) لِلسَّيِّدِ لِتُحْصِنَهَا (وَلَا) سُكْنَى (لِمَنْ طَلُقَتْ) أَوْ تُوُفِّيَ زَوْجُهَا (نَاشِزَةً أَوْ نَشَزَتْ فِي الْعِدَّةِ) وَلَوْ فِي عِدَّةٍ لِوَفَاةٍ (بِالْخُرُوجِ) مِنْ مَنْزِلِهِ (حَتَّى تُطِيعَ) كَمَا لَوْ نَشَزَتْ فِي صُلْبِ النِّكَاحِ بَلْ أَوْلَى.
(فَصْلٌ: وَيَجِبُ لَهَا) أَيْ لِلْمُعْتَدَّةِ أَيْ تَسْتَحِقُّ (السُّكْنَى بِمَسْكَنِ يَوْمِ الْفِرَاقِ) بِمَوْتٍ أَوْ غَيْرِهِ لِخَبَرِ فُرَيْعَةَ السَّابِقِ، وَمُحَافَظَةً عَلَى حِفْظِ مَاءِ الزَّوْجِ هَذَا إنْ كَانَ الْمَسْكَنُ مُسْتَحَقًّا لِلزَّوْجِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ (وَعَلَيْهَا مُلَازَمَتُهُ) إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَلَا تَخْرُجُ مِنْهُ وَلَا يُخْرِجُهَا مِنْهُ ذُو الْعِدَّةِ إلَّا لِعُذْرٍ كَمَا سَيَأْتِي لِآيَةِ {لا تُخْرِجُوهُنَّ} [الطلاق: ١] ، وَمِثْلُهَا الْمُعْتَدَّةُ عَنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ، وَإِنْ لَمْ تَسْتَحِقَّ السُّكْنَى عَلَى الْوَاطِئِ وَالنَّاكِحِ وَشَمِلَ كَلَامُهُ كَأَصْلِهِ الرَّجْعِيَّةَ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي النِّهَايَةِ وَفِي حَاوِي الْمَاوَرْدِيِّ وَالْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يُسْكِنَهَا حَيْثُ شَاءَ؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الزَّوْجِيَّةِ وَبِهِ جَزَمَ النَّوَوِيُّ فِي نُكَتِهِ وَالْأَوَّلُ هُوَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ قَالَ السُّبْكِيُّ، وَهُوَ أَوْلَى لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنَّهُ الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ وَالزَّرْكَشِيُّ: إنَّهُ الصَّوَابُ. (نَعَمْ إنْ كَانَ) الْمَسْكَنُ (خَسِيسًا لَمْ يَلْزَمْهَا الرِّضَا بِهِ) فَلَهَا طَلَبُ النَّقْلَةِ إلَى لَائِقٍ بِهَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَسْمَحُ بِالسُّكْنَى فِيهِ لِدَوَامِ الصُّحْبَةِ، وَقَدْ زَالَتْ؛ وَلِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ يَتَجَدَّدُ لَهَا يَوْمًا بِيَوْمٍ فَلَا تُؤَثِّرُ الْمُسَامَحَةُ فِيهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ (أَوْ) كَانَ (نَفِيسًا لَمْ يَلْزَمْهُ) الرِّضَا بِهِ فَلَهُ نَقْلُهَا إلَى لَائِقٍ بِهَا إنْ وَجَدَهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُتَبَرِّعًا لَهَا وَبِهِ وَالتَّبَرُّعُ لَا يَلْزَمُ قَبْلَ اتِّصَالِهِ بِالْقَبْضِ (فَإِنْ كَانَ لَائِقًا) بِهَا وَ (رَضِيَا بِالنَّقْلَةِ مِنْهُ بِلَا حَاجَةٍ لَمْ يَجُزْ) ؛ لِأَنَّ فِي الْعِدَّةِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ وَجَبَتْ فِي ذَلِكَ الْمَسْكَنِ فَكَمَا لَا يَجُوزُ إبْطَالُ أَصْلِ الْعِدَّةِ بِاتِّفَاقِهِمَا لَا يَجُوزُ إبْطَالُ تَوَابِعِهِ وَلَيْسَ هَذَا كَمَا فِي صُلْبِ النِّكَاحِ حَيْثُ يَسْكُنَانِ وَيَنْتَقِلَانِ كَيْفَ شَاءَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا عَلَى الْخُلُوصِ وَلَوْ تَرَكَا الِاسْتِقْرَارَ، وَأَدَامَا السَّفَرَ جَازَ بِخِلَافِهِ هُنَا (فَإِنْ طَلَّقَهَا) أَوْ مَاتَ (وَقَدْ انْتَقَلَتْ) مِنْ مَسْكَنِهَا (إلَى مَسْكَنٍ أَوْ بَلَدٍ) آخَرَ (بِلَا إذْنٍ) مِنْهُ (عَادَتْ إلَى الْأَوَّلِ) وَاعْتَدَّتْ فِيهِ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ هُوَ أَوْ وَارِثُهُ لَهَا فِي الْإِقَامَةِ فِي لَا الثَّانِي فَتَلْزَمُهَا فِيهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ (أَوْ) ، وَقَدْ انْتَقَلَتْ (بِإِذْنٍ) مِنْهُ (اعْتَدَّتْ فِي الثَّانِي) ؛ لِأَنَّهُ الْمَسْكَنُ عِنْدَ الْفِرَاقِ (وَكَذَا) تَعْتَدُّ فِيهِ (لَوْ طَلَّقَهَا) أَوْ مَاتَ (بَعْدَ الْخُرُوجِ) إلَيْهِ مِنْ الْمَسْكَنِ أَوْ عُمْرَانِ الْبَلَدِ وَبَعْدَ الْإِذْنِ فِي الِانْتِقَالِ إلَيْهِ (وَقَبْلَ الْوُصُولِ إلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهَا مَأْمُورَةٌ بِالْمُقَامِ فِيهِ مَمْنُوعَةٌ مِنْ الْأَوَّلِ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَقَعَ ذَلِكَ قَبْلَ الْخُرُوجِ فَتَعْتَدُّ فِي الْأَوَّلِ وَلَوْ بَعْدَ الْإِذْنِ فِي الِانْتِقَالِ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ وَجَبَتْ فِيهِ.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ: وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّ ذَلِكَ مُرَتَّبٌ عَلَى مُجَرَّدِ الْخُرُوجِ مِنْ الْبَلَدِ وَالْمُتَّجَهُ اعْتِبَارُ مَوْضِعِ التَّرَخُّصِ (وَالِاعْتِبَارُ بِنَقْلِهِ بَدَنَهَا لَا) بِنَقْلِهِ (أَثَاثَهَا وَخَدَمَهَا) كَمَا أَنَّ حَاضِرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مَنْ هُوَ بِمَكَّةَ لَا مَنْ أَثَاثُهُ وَخَدَمُهُ بِهَا (وَلَا أَثَرَ لِعَوْدِهَا) إلَى الْأَوَّلِ (لِنَقْلِ الْمَتَاعِ) أَوْ لِغَيْرِهِ فَلَوْ أَذِنَ فِي الِانْتِقَالِ إلَى الثَّانِي فَانْتَقَلَتْ ثُمَّ عَادَتْ إلَى الْأَوَّلِ لِذَلِكَ فَطَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا اعْتَدَّتْ فِي الثَّانِي كَمَا لَوْ خَرَجَتْ لِحَاجَةٍ فَطَلَّقَهَا، وَهِيَ خَارِجَةٌ (وَإِنْ أَذِنَ لَهَا فِي سَفَرٍ لِحَاجَتِهَا) الْأَوْلَى لَا لِنَقْلِهِ كحج (وَلَوْ صَحِبَهَا) فِيهِ (فَطَلَّقَهَا أَوْ مَاتَتْ قَبْلَ الْخُرُوجِ مِنْ) عُمْرَانِ (الْبَلَدِ لَمْ تُسَافِرْ) ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَشْرَعْ فِي السَّفَرِ، وَقِيلَ تَتَخَيَّرُ؛ لِأَنَّ عَلَيْهَا ضَرَرًا فِي إبْطَالِ سَفَرِهَا بِخِلَافِ سَفَرِ النَّقْلَةِ فَإِنَّ مُؤْنَتَهُ عَلَى الزَّوْجِ قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ بَلْ صَرِيحُهُ (أَوْ) ، وَقَعَ ذَلِكَ بَعْدَهُ أَيْ بَعْدَ الْخُرُوجِ (فَعَوْدُهَا أَفْضَلُ) مِنْ الْمُضِيِّ، وَإِنَّمَا لَمْ يَلْزَمْهَا الْعَوْدُ؛ لِأَنَّ فِي قَطْعِ السَّيْرِ مَشَقَّةٌ ظَاهِرَةٌ، وَهِيَ مُعْتَدَّةٌ فِي سَيْرِهَا مَضَتْ أَوْ عَادَتْ (فَإِنْ مَضَتْ وَالسَّفَرُ لِحَاجَةٍ عَادَتْ بَعْدَ انْقِضَائِهَا) لِتَمَامِ الْعِدَّةِ، وَإِنْ انْقَضَتْ فِي الطَّرِيقِ (وَلَوْ لَمْ تَنْقَضِ مُدَّةُ إقَامَةِ الْمُسَافِرِ) الَّتِي بِإِقَامَتِهِ فِيهَا لَا يَنْتَفِي عَنْهُ حُكْمُ السَّفَرِ، وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ غَيْرِ يَوْمَيْ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ نِهَايَةُ سَفَرِهَا وَلَهَا أَنْ تُقِيمَ إلَى قَضَاءِ حَاجَتِهَا، وَإِنْ زَادَتْ إقَامَتُهَا عَلَى مُدَّةِ الْمُسَافِرِ كَمَا شَمِلَهُ كَلَامُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ السَّفَرِ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ: وَعَلَيْهَا مُلَازَمَتُهُ) إذَا تَبَرَّعَ السَّيِّدُ بِتَسْلِيمِ أَمَتِهِ لَيْلًا وَنَهَارًا ثُمَّ طَلُقَتْ أَوْ مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا فَهَلْ يَلْزَمُهُ تَقْرِيرُهَا فِي الْمَسْكَنِ الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ الْعِدَّةُ أَمْ لَا لِكَوْنِهِ مُتَبَرِّعًا فِي الْأَوَّلِ فِيهِ وَقْفَةٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي. اهـ. الْوَجْهُ الْأَوَّلُ (قَوْلُهُ: وَشَمِلَ كَلَامُهُ كَأَصْلِهِ الرَّجْعِيَّةَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَبِهِ جَزَمَ النَّوَوِيُّ فِي نُكَتِهِ) ، وَهُوَ أَوْضَحُ ع وَبِهِ أَفْتَيْت (قَوْلُهُ: وَالْمُتَّجَهُ اعْتِبَارُ مَوْضِعِ التَّرَخُّصِ) هُوَ مُرَادُهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute