عَنْ الدِّيَةِ، أَوْ عَنْ الْعَاقِلَةِ) ، أَوْ مُطْلَقًا (صَحَّ) الْعَفْوُ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ، وَذِكْرُ عَفْوِ الْوَارِثِ عَنْ الدِّيَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ (أَوْ عَنْ الْجَانِي فَلَا) يَصِحُّ الْعَفْوُ (لَا إنْ لَزِمَتْهُ دُونَهُمْ بِأَنْ) الْأَوْلَى كَأَنْ (كَانَ ذِمِّيًّا وَعَاقِلَتُهُ مُسْلِمِينَ) ، أَوْ حَرْبِيِّينَ فَيَصِحُّ الْعَفْوُ لِمُصَادَفَتِهِ الْجَانِيَ وَعَلَيْهِ الدِّيَةُ بِخِلَافٍ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ تَنْتَقِلُ عَنْهُ فَيُصَادِفُهُ الْعَفْوُ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ هَذَا إذَا ثَبَتَتْ الْجِنَايَةُ بِالْبَيِّنَةِ، أَوْ بِاعْتِرَافِ الْعَاقِلَةِ (فَإِنْ أَنْكَرَتْ الْعَاقِلَةُ الْجِنَايَةَ، وَلَا بَيِّنَةَ فَهِيَ) أَيْ الدِّيَةُ (عَلَى الْقَاتِلِ) ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا ثَبَتَتْ بِاعْتِرَافِهِ، وَيَكُونُ الْعَفْوُ تَبَرُّعًا عَلَيْهِ.
(وَإِنْ جَرَحَهُ جُرْحًا لَا قِصَاصَ فِيهِ) كَالْجَائِفَةُ، وَكَسْرِ الذِّرَاعِ (فَعَفَا عَنْ الْقِصَاصِ لَغَا) الْعَفْوُ لِعَدَمِ الْقِصَاصِ (فَإِنْ مَاتَ) الْمَجْرُوحُ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْجُرْحِ (اُقْتُصَّ) مِنْ الْجَارِحِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ لَمْ تَتَوَلَّدْ مِنْ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ فَإِنْ عَفَا الْوَلِيُّ أَخَذَ الدِّيَةَ (وَكَذَا) يُقْتَصُّ مِنْهُ (إنْ أَخَذَ) الْمَجْرُوحُ (أَرْشَهُ) قَبْلَ مَوْتِهِ لِذَلِكَ (وَإِنْ قَطَعَ يَدَهُ) مَثَلًا (فَعَفَا) عَنْهُ (بِمَالٍ) ثُمَّ عَادَ الْقَاطِعُ (فَحَزَّهُ قَبْلَ الِانْدِمَالِ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ) فِي النَّفْسِ؛ لِأَنَّ الزُّهُوقَ لَمْ يَتَوَلَّدْ مِنْ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ (ثُمَّ لَوْ عَفَا الْوَلِيُّ) عَنْ الْقِصَاصِ عَلَى بَاقِي الدِّيَةِ (اسْتَحَقَّ بَاقِي الدِّيَةِ لَا الْكُلَّ) وَالْأَطْرَافُ تَدْخُلُ فِي الدِّيَةِ، وَإِنْ لَمْ تَدْخُلْ فِي الْقِصَاصِ (أَوْ) حَزَّهُ (بَعْدَ الِانْدِمَالِ) لَزِمَهُ (الْقِصَاصُ) فِي النَّفْسِ (وَدِيَةُ يَدٍ) فَإِنْ عَفَا الْوَلِيُّ عَنْ الْقِصَاصِ عَلَى دِيَةِ النَّفْسِ اسْتَحَقَّهَا وَدِيَةَ الْيَدِ.
(وَلِوَارِثِ الْقِصَاصِ الْعَفْوُ) عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ خَلِيفَةُ مُوَرِّثِهِ (فَلَوْ اسْتَحَقَّ) وَاحِدٌ (طَرَفَ إنْسَانٍ، وَنَفْسَهُ) أَيْ قِصَاصَهَا بِأَنْ قَطَعَ طَرَفَهُ ثُمَّ حَزَّ رَقَبَتَهُ، وَلَوْ قَبْلَ الْبُرْءِ (فَعَفَا) وَلِيُّهُ (عَنْ الطَّرَفِ طَالَبَ بِالنَّفْسِ، أَوْ عَنْ النَّفْسِ طَالَبَ بِالطَّرَفِ) ؛ لِأَنَّهُمَا حَقَّانِ ثَبَتَا لَهُ فَالْعَفْوُ عَنْ أَحَدِهِمَا لَا يُسْقِطُ الْآخَرَ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ (لَا إنْ ذَهَبَتْ) أَيْ النَّفْسُ (بِسِرَايَتِهِ) أَيْ قَطْعِ الطَّرَفِ فَلَا يُطَالِبُ الْعَافِي عَنْهَا بِالطَّرَفِ؛ لِأَنَّ مُسْتَحَقَّهُ الْقَتْلُ وَالْقَطْعُ طَرِيقُهُ، وَقَدْ عَفَا عَنْ الْمُسْتَحَقِّ فَلَيْسَ لَهُ التَّوَصُّلُ إلَيْهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ عَفَا عَنْ الطَّرَفِ لَا يَسْقُطُ قِصَاصُ النَّفْسِ كَمَا شَمِلَهُ أَوَّلُ كَلَامِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْعُدُولِ إلَى حَزِّ الرَّقَبَةِ فَرُبَّمَا قَصَدَهُ بِالْعَفْوِ؛ وَلِأَنَّ لَهُ الْقَطْعَ ثُمَّ الْحَزَّ فَفِي الْعَفْوِ عَنْ الْقَطْعِ تَسْهِيلُ الْأَمْرِ عَلَيْهِ (وَإِنْ اسْتَحَقَّهُمَا اثْنَانِ لَمْ يُسْقِطْ عَفْوُ أَحَدِهِمَا حَقَّ الْآخَرِ كَأَنْ قُطِعَتْ يَدُ عَبْدٍ فَأُعْتِقَ ثُمَّ مَاتَ بِسِرَايَةٍ فَقِصَاصُ النَّفْسِ لِلْوَرَثَةِ) ، وَقِصَاصُ الْيَدِ لِلسَّيِّدِ (وَإِنْ اسْتَحَقَّ قَتْلَهُ) شَخْصٌ (فَقَطَعَهُ) بِأَنْ قَطَعَ طَرَفَهُ (عُدْوَانًا، أَوْ بِحَقٍّ بِأَنْ كَانَ الْقَتْلُ بِالْقَطْعِ) السَّارِي مَثَلًا (وَعَفَا) بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ النَّفْسِ (لَمْ يَلْزَمْهُ غُرْمٌ) لِقَطْعِ الطَّرَفِ؛ لِأَنَّهُ قَطَعَ طَرَفَ مَنْ يُبَاحُ لَهُ دَمُهُ فَلَا يَضْمَنُهُ كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَ مُرْتَدٍّ، وَالْعَفْوُ إنَّمَا يُؤَثِّرُ فِيمَا بَقِيَ لَا فِيمَا اسْتَوْفَى هَذَا إذَا لَمْ يَمُتْ بِالسِّرَايَةِ (فَإِنْ مَاتَ) بِهَا (بَانَ بُطْلَانُ الْعَفْوِ) ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ وُجِدَ قَبْلَهُ وَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ مُقْتَضَاهُ فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ الْعَفْوُ، وَفَائِدَةُ بُطْلَانِهِ تَظْهَرُ فِيمَا لَوْ عَفَا بِمَالٍ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ.
(فَإِنْ رَمَى) الْمُسْتَحِقُّ إلَى الْجَانِي (فَعَفَا عَنْهُ فَأَصَابَ صَحَّ الْعَفْوُ، وَوَجَبَ عَلَى الْعَافِي الدِّيَةُ) ؛ لِأَنَّهُ مَحْقُونُ الدَّمِ عِنْدَ الْإِصَابَةِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ تَرَتُّبِ صِحَّةِ الْعَفْوِ عَلَى الْإِصَابَةِ عَكْسُ مَا فِي الْأَصْلِ مِنْ تَرَتُّبِهَا عَلَى عَدَمِهَا لَكِنَّهُ تَبِعَ فِي ذَلِكَ الْإِسْنَوِيَّ حَيْثُ قَالَ تَصْحِيحُ إيجَابِ الدِّيَةِ بَعْدَ الْجَزْمِ بِبُطْلَانِ الْعَفْوِ غَلَطٌ وَاضِحٌ فَإِنَّهُ إذَا بَطَلَ الْعَفْوُ اسْتَحَقَّ الْعَافِي الدَّمَ فَلَا يَضْمَنُ دِيَةَ الْجَانِي نَعَمْ حَكَى الْغَزَالِيُّ فِي بَسِيطِهِ وَجْهًا أَنَّ عَفْوَهُ صَحِيحٌ مَعَ الْإِصَابَةِ وَيَلْزَمُهُ ضَمَانُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِحَالَةِ الْإِصَابَةِ وَحِينَئِذٍ يَسْتَقِيمُ بِنَاءُ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَكَلَامُ الْإِمَامِ يُشِيرُ إلَيْهِ، وَكَلَامُ الْقَاضِي صَرِيحٌ فِيهِ. انْتَهَى. وَيُجَابُ عَنْ الْإِشْكَالِ بِأَنَّ بُطْلَانَ الْعَفْوِ إنَّمَا هُوَ بِالنَّظَرِ إلَى الْبَدَلِ فَلَا يَسْتَحِقُّهُ الْعَافِي.
(فَإِنْ قَطَعَ ذِمِّيٌّ مُسْلِمًا) فَاقْتَصَّ مِنْهُ (أَوْ ذِمِّيًّا فَأَسْلَمَ بَعْدَمَا اقْتَصَّ) مِنْ قَاطِعِهِ (ثُمَّ مَاتَ) الْمَقْطُوعُ (بِالسِّرَايَةِ وَجَبَ الْقِصَاصُ) فِي النَّفْسِ (وَلَوْ عَفَا) عَنْهُ (عَلَى مَالٍ فَعَلَى الذِّمِّيِّ) الْقَاطِعِ (خَمْسَةُ أَسْدَاسِ الدِّيَةِ) أَيْ دِيَةِ مُسْلِمٍ وَيَسْقُطُ سُدُسُهَا بِالْيَدِ الَّتِي اُسْتُوْفِيَتْ؛ لِأَنَّهَا نِصْفُ جُمْلَةِ الذِّمِّيِّ الَّتِي هِيَ ثُلُثُ جُمْلَةِ الْمُسْلِمِ بِالنَّظَرِ إلَى الدِّيَةِ (وَعَلَى الْمَرْأَةِ) فِيمَا لَوْ قَطَعَتْ يَدَ رَجُلٍ فَاقْتَصَّ مِنْهَا ثُمَّ مَاتَ بِالسِّرَايَةِ فَعَفَا الْوَلِيُّ عَلَى مَالٍ (ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا) أَيْ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَا يُقَابِلُ رُبُعَهَا (فَإِنْ كَانَ الْقِصَاصُ فِي) قَطْعِ (الْيَدَيْنِ) لِكَوْنِ الذِّمِّيِّ، أَوْ الْمَرْأَةِ قَطَعَ يَدَيْ مَنْ ذُكِرَ (لَزِمَهُ) أَيْ الذِّمِّيُّ (ثُلُثَا دِيَةٍ) أَيْ دِيَةِ مُسْلِمٍ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ اسْتَوْفَى مَا يُقَابِلُ ثُلُثَهَا (وَلَزِمَهَا) أَيْ الْمَرْأَةَ (نِصْفُهَا) أَيْ نِصْفُ دِيَةِ مُسْلِمٍ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ اسْتَوْفَى مَا يُقَابِلُ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ:، كَسَائِرِ الْحُقُوقِ وَكَمَا لَوْ تَعَدَّدَ الْمُسْتَحَقُّ.
(قَوْلُهُ: وَلَزِمَهَا نِصْفُهَا) وَالْقِيَاسُ جَرَيَانُهُ فِي عَكْسِهَا كَمَا بَحَثَهُ ابْنُ النَّقِيبِ، وَقَالَ إنَّهُ لَمْ يَرَهُ مَسْطُورًا، وَهُوَ الرَّاجِحُ فَلَوْ قَطَعَ رَجُلٌ يَدَ امْرَأَةٍ فَاقْتَصَّتْ مِنْهُ ثُمَّ مَاتَتْ بِالسِّرَايَةِ وَعَفَا وَلِيُّهَا عَلَى مَالٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute