كَمَا جَاءَ فِي خَبَرِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ (وَتَكْمُلُ) الدِّيَةُ (بِلَقْطِ الْأَصَابِعِ) لِمَا ثَبَتَ أَنَّ فِي كُلِّ أُصْبُعٍ عَشَرًا مِنْ الْإِبِلِ (وَتَدْخُلُ حُكُومَةُ الْكَفِّ فِي دِيَتِهَا) أَيْ الْأَصَابِعِ كَمَا فِي الْمَارِنِ مَعَ قَصَبَتِهِ (بِخِلَافِ مَا قُطِعَ مِنْ السَّاعِدِ، وَ) مِنْ (الْمَرْفِقِ، وَ) مِنْ (الْعَضُدِ) فَلَا تَدْخُلُ حُكُومَتُهَا فِي دِيَةِ الْيَدِ (بَلْ تَجِبُ حُكُومَتُهَا مَعَ الْيَدِ) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا مَعَ الْيَدِ عُضْوَانِ بِخِلَافِ الْكَفِّ مَعَ الْأَصَابِعِ فَإِنَّهُمَا كَالْعُضْوِ الْوَاحِدِ بِدَلِيلِ قَطْعِهِمَا فِي السَّرِقَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: ٣٨] (ثُمَّ) بَعْدَ لَقْطِهِ الْأَصَابِعَ (إنْ قَطَعَ الْكَفَّيْنِ) أَوْ أَحَدَهُمَا (بَعْدَ ذَلِكَ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ فَحُكُومَةٌ) تَجِبُ (كَمَا فِي السِّنْخِ) مَعَ السِّنِّ لِاخْتِلَافِ الْجِنَايَةِ (وَفِي الْأُصْبُعِ) أَيْ فِي قَطْعِ كُلِّ أُصْبُعٍ (عَشَرَةُ أَبْعِرَةٍ) كَمَا جَاءَ فِي خَبَرِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ (وَ) فِي قَطْعِ (أُنْمُلَةِ الْإِبْهَامِ نِصْفُهَا) أَيْ الْعَشَرَةِ (وَ) أُنْمُلَةِ (غَيْرِهَا ثُلُثُهَا) ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ أُصْبُعٍ ثَلَاثَ أَنَامِلَ إلَّا الْإِبْهَامَ فَلَهَا أُنْمُلَتَانِ فَلَوْ انْقَسَمَتْ أُصْبُعٌ بِأَرْبَعِ أَنَامِلَ مُتَسَاوِيَةٍ فَفِي كُلِّ وَاحِدَةٍ رُبُعُ الْعُشْرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ.
وَيُقَاسُ بِهَذِهِ النِّسْبَةِ الزَّائِدَةِ عَلَى الْأَرْبَعِ وَالنَّاقِصَةِ عَنْ الثَّلَاثِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ ثُمَّ قَالَ فَإِنْ قِيلَ لِمَ لَمْ يَقْسِمُوا دِيَةَ الْأَصَابِعِ عَلَيْهَا إنْ زَادَتْ أَوْ نَقَصَتْ كَمَا فِي الْأَنَامِلِ بَلْ أَوْجَبُوا فِي الْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ حُكُومَةً قُلْنَا الْفَرْقُ أَنَّ الزَّائِدَةَ مِنْ الْأَصَابِعِ مُتَمَيِّزَةٌ، وَمِنْ الْأَنَامِلِ غَيْرُ مُتَمَيِّزَةٍ (، وَمَنْ لَهُ يَمِينَانِ أَوْ شِمَالَانِ أَوْ كَفَّانِ) مَعَ الْأَصَابِعِ (عَلَى مَنْكِبٍ فِي) الْأُولَيَيْنِ (أَوْ مِعْصَمٌ) فِي الثَّالِثَةِ (وَإِحْدَاهُمَا أَكْمَلُ) مِنْ الْأُخْرَى (فَهِيَ الْيَدُ) الْأَصْلِيَّةُ (فَفِيهَا) أَيْ فِي قَطْعِهَا (الْقِصَاصُ، وَفِي الْأُخْرَى الْحُكُومَةُ، وَيُعْرَفُ الْكَمَالُ بِالْبَطْشِ أَوْ قُوَّتِهِ) ، وَإِنْ كَانَتْ الْبَاطِشَةُ أَوْ الْقَوِيَّةُ مُنْحَرِفَةً عَنْ الذِّرَاعِ أَوْ نَاقِصَةَ أُصْبُعٍ كَمَا أَفَادَهُ كَلَامُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الْيَدَ خُلِقَتْ لِلْبَطْشِ فَهُوَ أَقْوَى دَلِيلًا عَلَى كَمَالِهَا أَيْ أَصَالَتِهَا (فَإِنْ كَانَتْ) إحْدَاهُمَا (مُعْتَدِلَةً وَالْأُخْرَى مُنْحَرِفَةً فَالْيَدُ) الْأَصْلِيَّةُ هِيَ (الْمُعْتَدِلَةُ لَا إنْ كَانَتْ الْمُنْحَرِفَةُ أَقْوَى بَطْشًا) فَإِنَّهَا الْأَصْلِيَّةُ لِمَا مَرَّ، وَلَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا مُعْتَدِلَةً وَالْأُخْرَى زَائِدَةَ أُصْبُعٍ فَلَا تَمْيِيزَ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ؛ لِأَنَّ الْيَدَ الْأَصْلِيَّةَ كَثِيرًا مَا تَشْتَمِلُ عَلَى الْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ (فَإِنْ) ، وَفِي نُسْخَةٍ، وَإِنْ (اسْتَوَيَا) بَطْشًا (وَإِحْدَاهُمَا) مُسْتَوِيَةٌ لَكِنَّهَا (نَاقِصَةُ أُصْبُعٍ وَالْأُخْرَى مُنْحَرِفَةٌ) كَامِلَةٌ (فَفِيهِ تَرَدُّدٌ لِلْإِمَامِ) .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَالْأَقْرَبُ أَنَّ الْمُنْحَرِفَةَ هِيَ الْأَصْلِيَّةُ كَمَا فِي زِيَادَةِ الْبَطْشِ وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُمَا إذَا اسْتَوَيَا بَطْشًا، وَكَانَتْ إحْدَاهُمَا أَكْبَرَ مِنْ الْأُخْرَى فَالْكَبِيرَةُ هِيَ الْأَصْلِيَّةُ (فَإِنْ) ، وَفِي نُسْخَةٍ، وَإِنْ (اسْتَوَيَا) بَطْشًا وَغَيْرُهُ (فَهُمَا كَيَدٍ وَاحِدَةٍ فَعَلَى قَاطِعِهِمَا الْقِصَاصُ أَوْ الدِّيَةُ، وَيَجِبُ مَعَ ذَلِكَ حُكُومَةٌ لِزِيَادَةِ الصُّورَةِ، وَفِي) قَطْعِ (إحْدَاهُمَا نِصْفُ دِيَةِ الْيَدِ، وَحُكُومَةٌ) ؛ لِأَنَّهَا نِصْفٌ فِي صُورَةِ الْكُلِّ (وَلَا قِصَاصَ) فِيهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلْقَاطِعِ مِثْلُهَا (، وَفِي) قَطْعِ (الْأُصْبُعِ وَالْأُنْمُلَةِ) مِنْهَا (نِصْفُ دِيَتِهِمَا، وَحُكُومَةٌ) لِمَا مَرَّ آنِفًا (فَلَوْ عَادَ) الْقَاطِعُ إحْدَاهُمَا بَعْدَ أَخْذِ الْأَرْشِ وَالْحُكُومَةِ مِنْهُ (وَقَطَعَ) الْيَدَ (الثَّانِيَةَ فَهَلْ لَهُ) أَيْ لِلْمَقْطُوعِ (رَدُّ الْأَرْشِ) الَّذِي أَخَذَهُ (غَيْرَ قَدْرِ الْحُكُومَةِ، وَيُقْتَصُّ) مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْأَرْشَ إنَّمَا أُخِذَ لِتَعَذُّرِ الْقِصَاصِ لَا لِإِسْقَاطِهِ فَإِذَا قَطَعَ الثَّانِيَةَ حَصَلَ الْإِمْكَانُ أَوَّلًا؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ يَتَعَلَّقُ بِقَطْعِ الْيَدَيْنِ جَمِيعًا، وَقَدْ سَبَقَ مِنْهُ أَخْذُ الْأَرْشِ عَنْ إحْدَاهُمَا، وَهُوَ يَتَضَمَّنُ إسْقَاطَهُ فَلَا عَوْدَ إلَيْهِ بَعْدَ إسْقَاطِهِ (وَجْهَانِ) كَنَظِيرِهِمَا
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
وَتُوجِبُ عَلَيْهِ الْبَاقِي مَعَ أَنَّهُ لَوْ قَتَلَهُ قَاتِلٌ لَأَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الْقَوَدَ (قَوْلُهُ: وَتَدْخُلُ حُكُومَةُ الْكَفِّ فِي دِيَتِهَا) نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ؛ وَلِأَنَّهَا الْمُعَبَّرُ عَنْهَا بِالْيَدَيْنِ شَرْعًا كَمَا قَالَ {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: ٣٨] ، وَقَدْ «قُطِعَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السَّارِقُ مِنْ مَفْصِلِ الْكَفِّ» فَإِطْلَاقُ الشَّرْعِ يُحْمَلُ عَلَى عُرْفِهِ؛ وَلِأَنَّ الدِّيَةَ تَكْمُلُ فِي الرَّجُلِ إذَا قُطِعَتْ مِنْ مَفْصِلِ الْقَدَمِ؛ لِأَنَّهَا تُقْطَعُ مِنْهُ فِي السَّرِقَةِ فَكَذَا الْيَدُ؛ وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَمَّلَ الدِّيَةَ فِي الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ بِأَصَابِعِهَا وَكَمَّلَهَا فِي الْأَصَابِعِ بِدُونِ الْكَفِّ» فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ مُقَابَلَةٍ عِنْدَ قَطْعِ الْمَجْمُوعِ بِشَيْءٍ.
(فَائِدَةٌ) قَالَ الْعَلَائِيُّ فِي قَوَاعِدِهِ: مِمَّا نَظَمَهُ الْمَعَرِّيُّ يُشَكِّكُ بِهِ عَلَى الشَّرِيعَةِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الدِّيَةِ وَالْقَطْعُ فِي السَّرِقَةِ
يَدٌ بِخَمْسٍ مِئِينَ عَسْجَدٍ وُدِيَتْ ... مَا بَالُهَا قُطِعَتْ فِي رُبْعِ دِينَارِ
فَأَجَابَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الْمَالِكِيُّ
وِقَايَةُ النَّفْسِ أَغْلَاهَا وَأَرْخَصَهَا ... وِقَايَةُ الْمَالِ فَافْهَمْ حِكْمَةَ الْبَارِي
وَهُوَ جَوَابٌ بَدِيعٌ مَعَ اخْتِصَارِهِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْيَدَ لَوْ كَانَتْ تُودَى بِمَا تُقْطَعُ فِيهِ أَوْ بِمَا يُقَارِبُهُ لَكَثُرَتْ الْجِنَايَاتُ عَلَى الْأَطْرَافِ لِسُهُولَةِ مَا يَغْرَمُ الْجَانِي فِي مُقَابَلَتِهَا فَغَلَّظَ الشَّرْعُ ذَلِكَ بِأَنْ جَعَلَ دِيَتَهَا ذَلِكَ الْمِقْدَارَ حِفْظًا لَهَا وَدَفْعًا لِضَرَرِ الْجِنَايَةِ عَلَيْهَا، وَلَوْ كَانَتْ لَا تُقْطَعُ إلَّا فِي سَرِقَةِ مَا نُودَى بِهِ لَكَثُرَتْ الْجِنَايَاتُ عَلَى الْأَمْوَالِ، وَقَلَّ مَنْ يُقْطَعُ بِخَمْسِمِائَةِ دِينَارٍ فَحَفِظَ الشَّارِعُ ذَلِكَ بِتَقْلِيلِ مَا تُقْطَعُ فِيهِ حِفْظًا لِلْأَمْوَالِ وَدَفْعًا لِضَرَرِ الْجِنَايَةِ عَلَيْهَا. اهـ. وَقَدْ أَجَابَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَيْضًا عَنْ ذَلِكَ بِجَوَابٍ مُخْتَصَرٍ جَيِّدٍ فَقَالَ لَمَّا كَانَتْ أَمِينَةً كَانَتْ ثَمِينَةً، وَلَمَّا خَانَتْ هَانَتْ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَفِي الْأُصْبُعِ عَشَرَةُ أَبْعِرَةٍ) شَمِلَ مَا إذَا كَانَتْ الْأُصْبُعُ الْوُسْطَى مِثْلَ الْمُسَبِّحَةِ، وَالْبِنْصِرُ مِثْلُ الْخِنْصَرِ، وَكَتَبَ أَيْضًا يَدْخُلُ فِي إطْلَاقِهِ الْعَشْرُ فِي كُلِّ أُصْبُعٍ مَا لَوْ كَانَ فِي الْكَفِّ سِتُّ أَصَابِعَ أَصْلِيَّةٍ لِاسْتِوَائِهَا فِي الْكَمَالِ وَالْقُوَّةِ فَتَجِبُ سِتُّونَ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فِي طَرِيقِ الْمُمَاثَلَةِ فِي الْقِصَاصِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ غَيْرُ خَمْسِينَ فَإِنَّهُ أَوْجَبَ فِي الْوَاحِدِ مِنْهَا سُدُسَ الدِّيَةِ، وَدَخَلَ فِي إطْلَاقِهِ الْأُصْبُعُ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا مَفَاصِلُ، وَنَقْلًا عَنْ الْإِمَامِ هُنَاكَ أَنَّ الْأَرْجَحَ عِنْدَهُ نُقْصَانُ شَيْءٍ مِنْ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الِانْثِنَاءَ إذَا زَالَ سَقَطَ مُعْظَمُ مَنَافِعِ الْأُصْبُعِ (قَوْلُهُ: وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ) أَيْ وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ: قُلْنَا الْفَرْقُ أَنَّ الزَّائِدَةَ إلَخْ) ، وَأَنَّ الْأَنَامِلَ لَمَّا اخْتَلَفَتْ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ الْغَالِبَةِ بِالزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ كَانَ كَذَلِكَ فِي الْخِلْقَةِ النَّادِرَةِ، وَلَمَّا لَمْ تَخْتَلِفْ الْأَصَابِعُ فِي الْخِلْقَةِ الْمَعْهُودَةِ فَارَقَهَا حُكْمُ الْخِلْقَةِ النَّادِرَةِ (قَوْلُهُ: كَمَا أَفَادَهُ كَلَامُ الْقَاضِي) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ كِلَاهُمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي (قَوْلُهُ: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَالْأَقْرَبُ إلَخْ) هُوَ الْأَصَحُّ