عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي التَّشَهُّدِ (وَهُوَ) أَيْ التَّشَهُّدُ (مَعْرُوفٌ) وَهُوَ «التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ بِلَفْظِ» التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، وَالصَّلَوَاتُ، وَالطَّيِّبَاتُ السَّلَامُ عَلَيْك إلَى آخِرِهِ «إلَّا أَنَّهُ قَالَ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ» وَفِيهِ أَخْبَارٌ أُخَرُ بِنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ النَّوَوِيُّ وَكُلُّهَا مُجْزِئَةٌ يَتَأَدَّى بِهَا الْكَمَالُ وَأَصَحُّهَا خَبَرُ ابْنِ مَسْعُودٍ، ثُمَّ خَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ، لَكِنْ الْأَفْضَلُ تَشَهُّدُ ابْنُ عَبَّاسٍ لِزِيَادَةِ لَفْظِ الْمُبَارَكَاتِ فِيهِ وَلِمُوَافَقَتِهِ قَوْله تَعَالَى {تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} [النور: ٦١] وَلِتَأَخُّرِهِ عَنْ تَشَهُّدِ ابْنِ مَسْعُودٍ (وَالسُّنَنُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ التَّشَهُّدِ (الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ وَأَشْهَدُ الثَّانِي) فَأَقَلُّهُ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ سَلَامٌ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ سَلَامٌ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَوْ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ لِأَنَّ مَا بَعْدَ التَّحِيَّاتِ مِنْ الْكَلِمَاتِ الثَّلَاثِ تَابِعٌ لَهَا وَلَا يَكْفِي، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُهُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَصَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ وَغَيْرُهُ وَوَقَعَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ يَكْفِي، وَالْمَنْقُولُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ فِي تَشَهُّدِهِ وَأَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ» ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْأَذَانِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَهُوَ مَمْنُوعٌ بَلْ الْمَنْقُولُ أَنَّ تَشَهُّدَهُ كَتَشَهُّدِنَا، وَكَذَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْكِفَايَةِ (وَتَعْرِيفُ السَّلَامِ) فِي الْمَوْضِعَيْنِ (فِيهِ) أَيْ فِي التَّشَهُّدِ (أَوْلَى) مِنْ تَنْكِيرِهِ لِكَثْرَتِهِ فِي الْأَخْبَارِ وَكَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَلِزِيَادَتِهِ وَمُوَافَقَتِهِ سَلَامَ التَّحَلُّلِ (وَلَا تُسْتَحَبُّ التَّسْمِيَةُ قَبْلَهُ) لِعَدَمِ ثُبُوتِهَا.
(وَأَمَّا) التَّشَهُّدُ (الْأَوَّلُ وَجُلُوسُهُ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا (فَسُنَّةٌ) لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ وَصَرَفَنَا عَنْ وُجُوبِهِمَا خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَامَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ وَلَمْ يَجْلِسْ فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ كَبَّرَ وَهُوَ جَالِسٌ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ السَّلَامِ، ثُمَّ سَلَّمَ» دَلَّ عَدَمُ تَدَارُكِهِمَا عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِمَا.
(وَكَيْفَ جَلَسَ) فِي جِلْسَاتِ الصَّلَاةِ (أَجْزَأَهُ) ، لَكِنْ (الْأَفْضَلُ أَنْ يَتَوَرَّكَ فِي) جُلُوسِهِ (الْأَخِيرِ لَا مَسْبُوقٌ حَالَ الْمُتَابَعَةِ) لِإِمَامِهِ (وَ) لَا (مَنْ يُرِيدُ سُجُودَ سَهْوٍ) فَلَا يَتَوَرَّكُ بَلْ يَفْتَرِشُ كَمَا شَمِلَهُ قَوْلُهُ (وَيَفْتَرِشُ فِي سَائِرِ الْجِلْسَاتِ) الْوَاجِبَةِ، وَالْمَنْدُوبَةِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ الِاتِّبَاعُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَالْحِكْمَةُ فِي الْمُخَالَفَةِ بَيْنَ الْأَخِيرِ وَغَيْرِهِ أَنَّهَا أَقْرَبُ لِعَدَمِ اشْتِبَاهِ عَدَدِ الرَّكَعَاتِ وَفِي تَخْصِيصِ الِافْتِرَاشِ بِغَيْرِ الْأَخِيرِ أَنَّ الْمُصَلِّيَ مُسْتَوْفِزٌ فِيهِ لِلْحَرَكَةِ بِخِلَافِهِ فِي الْأَخِيرِ، وَالْحَرَكَةُ عَنْ الِافْتِرَاشِ أَهْوَنُ وَتَقْيِيدُ الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ بِالْإِرَادَةِ تَبَعًا لِلْإِسْنَوِيِّ مِنْ زِيَادَتِهِ وَقَضِيَّتُهُ: أَنَّهُ إذَا لَمْ يُرِدْ السُّجُودَ يَتَوَرَّكُ وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ أَرَادَ عَدَمَهُ، فَإِنْ لَمْ يُرِدْ شَيْئًا، فَالْأَوْجَهُ أَنْ يَفْتَرِشَ نَظَرًا لِلْغَالِبِ مِنْ السُّجُودِ مَعَ قِيَامِ سَبَبِهِ (وَالِافْتِرَاشُ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى بَطْنِ قَدَمِهِ الْيُسْرَى وَيَنْصِبَ الْيُمْنَى وَيَضَعَ أَصَابِعَهَا عَلَى الْأَرْضِ مُوَجِّهًا لَهَا إلَى الْقِبْلَةِ، وَالتَّوَرُّكُ أَنْ يُخْرِجَ يُسْرَاهُ) وَهُوَ (بِهَيْئَةِ) أَيْ بَاقِي هَيْئَةِ (الِافْتِرَاشِ عَنْ يَمِينِهِ وَيُمَكِّنَ وَرِكَهُ مِنْ الْأَرْضِ) لِلِاتِّبَاعِ فِيهِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
(وَ) الْأَفْضَلُ فِي التَّشَهُّدَيْنِ أَنْ (يَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي التَّشَهُّدِ، وَالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى (قَوْلُهُ: وَهُوَ التَّحِيَّاتُ إلَخْ) رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي بَابِ الْأَخْذِ بِالْيَدِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ بَعْدَ قَوْلِهِ «وَرَسُولُهُ وَهُوَ بَيْنَ ظَهْرَانِينَا فَلَمَّا قُبِضَ قُلْنَا السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» .
وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْخِطَابَ الْآنَ غَيْرُ وَاجِبٍ، وَقَدْ رَأَيْته مُصَرَّحًا بِهِ فِي كِتَابِ تَذْكِرَةِ الْعَالِمِ لِأَبِي حَفْصٍ عُمَرَ وَلَدِ الْإِمَامِ ابْنِ سُرَيْجٍ، وَهُوَ غَرِيبٌ د، لَكِنْ تَشَهُّدُ عُمَرَ وَتَعْلِيمُهُ إيَّاهُ لِلنَّاسِ عَلَى الْمِنْبَرِ بِلَفْظِ الْخِطَابِ يُنَازِعُ فِي ذَلِكَ وَيَقْتَضِي أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَهُ كَذَلِكَ مِنْ بَعْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَكُونُ مَسْأَلَةً خِلَافِيَّةً لِلصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ت قُلْت وَاَلَّذِي فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ «أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ ذَلِكَ وَهُوَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ فَلَمَّا قُبِضَ قُلْنَا سَلَامٌ» يَعْنِي عَلَى النَّبِيِّ هَذَا هُوَ الْمَوْجُودُ فِيهِ، وَلَيْسَ صَرِيحًا فِي أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ قُلْنَا السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ كَلَامِ الرَّاوِي عَنْهُ أَعْنِي قَوْلَهُ يَعْنِي، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ ذَكَرْنَا السَّلَامَ كَمَا كُنَّا نَذْكُرُهُ فِي حَيَاتِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَعْرَضْنَا بَعْدَ مَا قُبِضَ عَنْ كَافِ الْخِطَابِ وَاقْتَصَرْنَا عَلَى قَوْلِنَا السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِذَا احْتَمَلَ اللَّفْظُ لَمْ تَبْقَ فِيهِ دَلَالَةٌ، لَكِنْ يَشْهَدُ لِلثَّانِي مَا فِي مُسْنَدِ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَلَمَّا قُبِضَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُلْنَا السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ، وَهَذَا أَصْرَحُ فِي الْمَقْصُودِ وَيَخْرُجُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ أَقَلُّهُ السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ بَلْ السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ (قَوْلُهُ: وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ) هَذَا يَدُلُّ عَلَى إيجَابِ حَرْفِ الْعَطْفِ وَهُوَ مُقْتَضَى الْحَدِيثِ، فَإِنْ قِيلَ مَا الْحِكْمَةُ فِي إثْبَاتِهِ هُنَا وَإِسْقَاطِهِ مِنْ الْأَذَانِ قُلْنَا؛ لِأَنَّ الْأَذَانَ يُطْلَبُ فِيهِ إفْرَادُ كُلِّ كَلِمَةٍ بِنَفَسٍ وَذَلِكَ يُنَاسِبُ تَرْكَ الْعَطْفِ بِخِلَافِ التَّشَهُّدِ فَإِنْ قِيلَ هَذَا الْمَعْنَى مَفْقُودٌ فِي الْإِقَامَةِ قُلْنَا نَعَمْ وَلَكِنْ سُلِكَ بِهِ مَسْلَكُ الْأَصْلِ ح (قَوْلُهُ: فِي مَجْمُوعِهِ وَغَيْرِهِ) التَّحْقِيقِ وَالتَّنْقِيحِ د (قَوْلُهُ: وَوَقَعَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ يَكْفِي) فَلَعَلَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ مِنْهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ش وَكَتَبَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا فِي تَشَهُّدِ ابْنِ مَسْعُودٍ بِلَفْظِ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَفِي مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مُوسَى، وَقَدْ حَكَوْا الْإِجْمَاعَ عَلَى إجْزَاءِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا، فَالصَّوَابُ أَنَّهُ يَكْفِي، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُهُ لَا كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُهُمَا وَوَقَعَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَأَمَّا أَقَلُّهُ فَنَصَّ الشَّافِعِيُّ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ كَذَا إلَى قَوْلِهِ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُهُ هَكَذَا نَقَلَ الْعِرَاقِيُّونَ وَالرُّويَانِيُّ. اهـ.
، وَالصَّوَابُ فِي نَقْلِ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ مَا قَدَّمْنَاهُ، وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ إجْزَاءَ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُهُ إذْ لَا أَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا اشْتَرَطَ لَفْظَةَ عَبْدُهُ (قَوْلُهُ: بَلْ الْمَنْقُولُ أَنَّ تَشَهُّدَهُ كَتَشَهُّدِنَا إلَخْ) يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ قَالَ كُلًّا مِنْهُمَا وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ.
(قَوْلُهُ: أَنَّهَا أَقْرَبُ لِعَدَمِ اشْتِبَاهِ عَدَدِ الرَّكَعَاتِ) ؛ وَلِأَنَّ الْمَسْبُوقَ إذَا رَآهُ عَلِمَ فِي أَيْ التَّشَهُّدَيْنِ هُوَ (قَوْلُهُ: مِنْ زِيَادَتِهِ) وَنَظِيرُهُ مَا ذَكَرُوهُ فِي الْحَاجِّ إذَا طَافَ لِلْقُدُومِ أَنَّهُ إنْ قَصَدَ السَّعْيَ بَعْدَهُ اضْطَبَعَ وَرَمَلَ وَإِلَّا فَلَا ج (قَوْلُهُ: فَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ يَفْتَرِشُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.
(قَوْلُهُ: وَيَضَعُ يَدَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ)