الْحُرِّ، وَهُوَ غَيْرُ الْمُحْصَنِ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً (جَلْدُ مِائَةٍ، وَتَغْرِيبُ عَامٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: ٢] مَعَ أَخْبَارِ الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا الْمَزِيدُ فِيهَا التَّغْرِيبُ عَلَى الْآيَةِ (فَلَا تَرْتِيبَ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَلْدِ لَكِنَّ الْأَوْلَى تَأْخِيرُهُ عَنْ الْجَلْدِ.
(وَ) حَدُّ (مَنْ فِيهِ رِقٌّ) ، وَلَوْ مُبَعَّضًا (خَمْسِينَ) ، وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ مُهَايَأَةٌ وَوَافَقَ نَوْبَةَ نَفْسِهِ (وَيُغَرَّبُ نِصْفَ عَامٍ) عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْحُرِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: ٢٥] ، وَلَا يُبَالِي بِضَرَرِ السَّيِّدِ فِي عُقُوبَاتِ الْجَرَائِمِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِرِدَّتِهِ وَيُحَدُّ بِقَذْفِهِ، وَإِنْ تَضَرَّرَ السَّيِّدُ، وَلَوْ زَنَى الْعَبْدُ الْمُؤَجَّرُ حُدَّ، وَهَلْ يُغَرَّبُ فِي الْحَالِ وَيَثْبُتُ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْخِيَارُ أَوْ يُؤَخَّرُ إلَى مُضِيِّ الْمُدَّةِ؟ . وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الدَّارِمِيُّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيَقْرَبُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ طُولِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ، وَقِصَرِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنْ طَالَتْ غُرِّبَ فِي الْحَالِ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ قَالَ وَيُشْبِهُ أَنْ يَجِيءَ ذَلِكَ فِي الْأَجِيرِ الْحُرِّ أَيْضًا. انْتَهَى.
وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا يُغَرَّبُ إنْ تَعَذَّرَ عَمَلُهُ فِي الْغُرْبَةِ كَمَا لَا يُحْبَسُ لِغَرِيمِهِ إنْ تَعَذَّرَ عِلْمُهُ فِي الْحَبْسِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ ذَاكَ حَقُّ آدَمِيٍّ، وَهَذَا حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيمَا ذُكِرَ بَيْنَ الْكَافِرِ وَالْمُسْلِمِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ لَكِنَّ الَّذِي يَقْتَضِيهِ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي الرِّسَالَةِ تَخْصِيصُهُ بِالْمُسْلِمِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ الْكَافِرَ فِي مَعْنَى الْمُعَاهَدِ إذْ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ وَالْمُعَاهَدُ لَا يُحَدُّ فَكَذَا الْعَبْدُ الْكَافِرُ، وَعَلَيْهِ جَرَى ابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا (وَلِلْإِمَامِ) ، وَلَوْ بِنَائِبِهِ (تَغْرِيبُهُمَا) أَيْ الْحُرُّ وَمَنْ فِيهِ رِقٌّ (مَسَافَةَ الْقَصْرِ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إيحَاشُهُ بِالْبُعْدِ عَنْ الْأَهْلِ وَالْوَطَنِ (وَفَوْقَهَا) إنْ رَآهُ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - غَرَّبَ إلَى الشَّامِ وَعُثْمَانَ إلَى مِصْرَ وَعَلِيًّا إلَى الْبَصْرَةِ (لَا دُونَهَا) إذْ لَا يَتِمُّ الْإِيحَاشُ الْمَذْكُورُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْأَخْبَارَ تَتَوَاصَلُ حِينَئِذٍ (وَلْيَكُنْ) تَغْرِيبُ مَنْ ذُكِرَ (إلَى بَلَدٍ مُعَيَّنٍ) فَلَا يُرْسِلُهُ الْإِمَامُ إرْسَالًا.
(وَلَوْ عَيَّنَ الْإِمَامُ جِهَةً) لِتَغْرِيبِهِ (تَعَيَّنَتْ) فَلَوْ طَلَبَ جِهَةً أُخْرَى لَمْ يَجِبْ؛ لِأَنَّهُ اللَّائِقُ بِالزَّجْرِ (فَلَوْ انْتَقَلَ بَعْدُ) أَيْ بَعْدَ التَّغْرِيبِ مِنْ الْبَلَدِ الَّذِي غُرِّبَ إلَيْهِ (إلَى بَلَدٍ آخَرَ لَمْ يُمْنَعْ) ؛ لِأَنَّهُ امْتَثَلَ، وَالْمَنْعُ مِنْ الِانْتِقَالِ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ (وَيُسْتَصْحَبُ) مَعَهُ جَوَازًا (سُرِّيَّةً مَعَ نَفَقَةٍ يَحْتَاجُهَا) وَمَالًا يَتَّجِرُ فِيهِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ (لَا أَهْلًا، وَعَشِيرَةً) لَهُ لِانْتِفَاءِ إيحَاشِهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ تَغْرِيبِهِ إلَى بَلَدٍ فِيهِ أَهْلُهُ لَكِنْ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمُتَوَلِّي فِيهِ بِالْجَوَازِ (فَإِنْ خَرَجُوا) مَعَهُ (لَمْ يُمْنَعُوا وَالْغَرِيبُ يُغَرَّبُ) مِنْ بَلَدِ الزِّنَا تَنْكِيلًا، وَإِبْعَادًا عَنْ مَحَلِّ الْفَاحِشَةِ فَرُبَّمَا أَلِفَهُ (لَا إلَى بَلَدِهِ، وَلَا إلَى دُونَ الْمَسَافَةِ مِنْهَا) أَيْ، وَلَا إلَى بَلَدٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَلَدِهِ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ إيحَاشُهُ، وَتَغْرِيبُهُ إلَى ذَلِكَ يَأْبَاهُ (فَإِنْ رَجَعَ إلَيْهَا) أَيْ إلَى بَلْدَتِهِ أَوْ إلَى دُونَ الْمَسَافَةِ مِنْهَا (مُنِعَ) مُعَارَضَةً لَهُ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ.
(وَ) يُغَرَّبُ (الْمُسَافِرُ) إذَا زَنَى فِي طَرِيقِهِ (لَا إلَى مَقْصِدِهِ) لِذَلِكَ (وَمَنْ لَا وَطَنَ لَهُ كَالْمُهَاجِرِ) إلَيْنَا (مِنْ دَارِ الْحَرْبِ) ، وَلَمْ يَتَوَطَّنْ بَلَدًا (يُمْهَلُ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ: وَتَغْرِيبُ عَامٍ) أَيْ هِلَالِيٌّ قِيلَ أَوَّلُ الْعَامِ مِنْ وَقْتِ إخْرَاجِهِ مِنْ بَلَدِهِ، وَقِيلَ مِنْ وَقْتِ حُصُولِهِ فِي مَكَانِ التَّغْرِيبِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ هَذَا إنْ لَمْ يُجَاوِزْ مَسَافَةَ الْقَصْرِ فَإِنْ جَاوَزَهَا فَيُحْسَبُ مِنْ حِينِ الْمُجَاوَزَةِ جَزْمًا وَالرَّاجِحُ الْأَوَّلُ، وَلَوْ ادَّعَى انْقِضَاءَ السَّنَةِ، وَلَا بَيِّنَةَ صُدِّقَ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَحَلَفَ اسْتِظْهَارًا، وَعَلَيْهِ فِي الْمُدَّةِ نَفَقَةُ زَوْجَتِهِ، وَتَنْقَضِي مُدَّةُ الْعُنَّةِ وَالْإِيلَاءِ (قَوْلُهُ: بِلَا تَرْتِيبٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَلْدِ إلَخْ) ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِيهِ إشْكَالٌ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ خِلَافُ مَا دَرَجَ عَلَيْهِ السَّلَفُ وَالْبَابُ بَابُ تَوْقِيفٍ وَالثَّانِي أَنَّ فِيهِ تَعْرِيضَ الْحَدِّ لِلْفَوَاتِ وَالتَّضْيِيعِ إمَّا بِمَوْتٍ أَوْ بِغَيْرِهِ، وَلَهُ الرُّجُوعُ بَعْدَ السَّنَةِ إلَى وَطَنِهِ.
(قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا يُغَرَّبُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ، وَكَتَبَ أَيْضًا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ هَلْ يُغَرَّبُ قَبْلَ أَدَائِهِ أَوْ يُؤَخَّرُ حَتَّى يُوَفِّيَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَفْلَسَ وَحُجِرَ عَلَيْهِ أَوْ كَانَ مُسْتَأْجِرَ الْعَيْنِ الظَّاهِرُ فِي الْجَمِيعِ أَنَّهُ لَا يُؤَخَّرُ لِأَجْلِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرَّافِعِيَّ، قَالَ فِي الْمُعْتَدَّةِ عَنْ الْوَفَاةِ إذَا زَنَتْ تُغَرَّبُ، وَلَا يُؤَخَّرُ لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ (قَوْلُهُ: وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيمَا ذُكِرَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ) كَالْبُلْقِينِيِّ (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ جَرَى ابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا) ، وَهُوَ مَرْدُودٌ فَقَدْ صَرَّحَ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا بِخِلَافِهِ حَيْثُ، قَالُوا لِلْكَافِرِ أَنْ يَحُدَّ عَبْدَهُ الْكَافِرَ وَبِأَنَّ الرَّقِيقَ تَابِعٌ لِسَيِّدِهِ فَحُكْمُهُ حُكْمُهُ بِخِلَافِ الْمُعَاهَدِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْتِزَامِ الْجِزْيَةِ عَدَمُ الْحَدِّ كَمَا فِي الْمَرْأَةِ الذِّمِّيَّةِ.
(تَنْبِيهٌ) إنَّمَا جُعِلَتْ عُقُوبَةُ الزِّنَا بِمَا ذُكِرَ، وَلَمْ تُجْعَلْ بِقَطْعِ آلَةِ الزِّنَا كَمَا جُعِلَتْ عُقُوبَةُ السَّرِقَةِ بِقَطْعِ آلَتِهَا، وَهِيَ الْيَدُ وَالرِّجْلُ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ النَّسْلِ؛ وَلِأَنَّ قَطْعَ آلَةِ السَّرِقَةِ يَعُمُّ السَّارِقَ وَالسَّارِقَةَ، وَقَطْعَ الذَّكَرِ يَخُصُّ الرَّجُلَ دُونَ الْمَرْأَةِ، قَالَ شَيْخُنَا، وَأَيْضًا فَالذَّكَرُ أَوْ الْفَرْجُ لَا مِثْلَ لَهُ وَالْيَدُ لِصَاحِبِهَا مِثْلُهَا غَالِبًا، وَأَيْضًا فَقَطْعُ الْيَدِ الْغَالِبُ فِيهِ السَّلَامَةُ، وَقَطْعُ الْفَرْجِ الْغَالِبُ فِيهِ عَدَمُهُ فَيُؤَدِّي إلَى أَنْ تَفُوتَ رُوحُ الْبِكْرِ. (فَائِدَةٌ) قَدْ سَأَلَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الشَّافِعِيَّ عَنْ خَمْسَةِ رِجَالٍ زَنَوْا بِامْرَأَةٍ، وَجَبَ عَلَى أَحَدِهِمْ الْقَتْلُ، وَعَلَى الثَّانِي الرَّجْمُ، وَعَلَى الثَّالِثِ الْجَلْدُ وَعَلَى الرَّابِعِ نِصْفُهُ، وَلَمْ يَجِبْ عَلَى الْخَامِسِ شَيْءٌ فَقَالَ الْأَوَّلُ اسْتَحَلَّ الزِّنَا فَقُتِلَ بِرِدَّتِهِ وَالثَّانِي مُحْصَنٌ وَالثَّالِثُ بِكْرٌ وَالرَّابِعُ عَبْدٌ وَالْخَامِسُ مَجْنُونٌ (قَوْلُهُ: وَعَلِيًّا إلَى الْبَصْرَةِ) وَالصِّدِّيقَ إلَى فَدَكَ (قَوْلُهُ: فَلَوْ طَلَبَ جِهَةً غَيْرَهَا لَمْ يُجَبْ إلَخْ) اسْتَثْنَى مِنْهُ الْبُلْقِينِيُّ مَا إذَا صَادَفَنَا مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّغْرِيبُ مُحْرِمًا أَوْ خَارِجًا لِجِهَادٍ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ، وَلَوْ غَرَّبْنَاهُ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى فَاتَهُ الْحَجُّ أَوْ الْجِهَادُ، قَالَ فَيُجَابُ إذَا طَلَبَ جِهَةَ قَصْدِهِ، وَلَا يُصَارُ إلَى تَفْوِيتِ مَقْصِدِهِ عَلَيْهِ، وَلَا إلَى تَأْخِيرِ التَّغْرِيبِ حَتَّى يَفْرُغَ، وَقَوْلُهُ اسْتَثْنَى مِنْهُ الْبُلْقِينِيُّ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَيَسْتَصْحِبُ سُرِّيَّةً) ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ بَعْدَ الزِّنَا أَنَّهُ يُمَكَّنُ مِنْ حَمْلِ زَوْجَتِهِ مَعَهُ كَالسُّرِّيَّةِ لِغَيْرِ الْمُتَزَوِّجِ، وَلَا شَكَّ فِيهِ إذَا خِيفَ فُجُورُهُ فِي مُدَّةِ التَّغْرِيبِ، وَقَوْلُهُ الظَّاهِرُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَمَا يَتَّجِرُ فِيهِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: لَكِنْ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمُتَوَلِّي فِيهِ بِالْجَوَازِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.
(قَوْلُهُ: وَيُغَرَّبُ الْمُسَافِرُ لَا إلَى مَقْصِدِهِ)