للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِيهَا إلَى نِيَّةٍ حَتَّى لَوْ حُدَّ بِنِيَّةِ الشُّرْبِ فَظَهَرَ أَنَّ حَدَّهُ الزِّنَا جَازَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَخْطَأَ مِنْ يَدِهِ الْيُمْنَى إلَى الْيُسْرَى فِي السَّرِقَةِ أَجْزَأَ قَالَ: وَعَلَى هَذَا لَوْ أَنَّ الْإِمَامَ جَلَدَ رَجُلًا مِائَةً ظُلْمًا فَبَانَ أَنَّ عَلَيْهِ حَدَّ الزِّنَا سَقَطَ عَنْهُ كَمَا لَوْ قَتَلَ رَجُلًا فَبَانَ أَنَّهُ قَاتِلُ أَبِيهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ بَعْدَ نَقْلِهِ ذَلِكَ: وَالْأَشْبَهُ فِي صُورَةِ جَلْدِهِ ظُلْمًا مَا قَالَهُ الْقَاضِي، وَأَمَّا مَا قَبْلَهَا فَالْإِجْزَاءُ فِيهِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ الْحَدَّ فَلَا عِبْرَةَ بِظَنِّهِ أَنَّهُ عَنْ الشُّرْبِ.

(وَيُسْتَحَبُّ حُضُورُهُ) أَيْ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ اسْتِيفَاءَ حَدِّ الزِّنَا سَوَاءٌ أُثْبِتَ بِالْإِقْرَارِ أَمْ بِالْبَيِّنَةِ، وَلَا يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَمَرَ بِرَجْمِ مَاعِزٍ وَالْغَامِدِيَّةِ، وَلَمْ يَحْضُرْ» (وَحُضُورُ جَمْعٍ) مِنْ الرِّجَالِ الْمُسْلِمِينَ الْأَحْرَارِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: ٢] (، وَأَقَلُّهُمْ أَرْبَعَةٌ) ؛ لِأَنَّ الزِّنَا لَا يَثْبُتُ بِأَقَلَّ مِنْهُمْ، وَالتَّصْرِيحُ بِاسْتِحْبَابِ حُضُورِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ، وَصَرَّحَ الْأَصْلُ بِاسْتِحْبَابِ حُضُورِ الشُّهُودِ إذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ وَظَاهِرُهُ اسْتِحْبَابُ حُضُورِ الْجَمْعِ الْمَذْكُورِ حِينَئِذٍ أَيْضًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا يُسْتَحَبُّ إذَا ثَبَتَ زِنَاهُ بِالْإِقْرَارِ أَوْ بِالْبَيِّنَةِ، وَلَمْ تَحْضُرْ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَتُعْرَضُ عَلَيْهِ التَّوْبَةُ قَبْلَ رَجْمِهِ فَإِنْ حَضَرَ وَقْتُ صَلَاةٍ أُمِرَ بِهَا، وَإِنْ تَطَوَّعَ مُكِّنَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ، وَإِنْ اسْتَسْقَى مَاءً سُقِيَ، وَإِنْ اسْتَطْعَمَ لَمْ يُطْعَمْ.

(وَ) يُسْتَحَبُّ (أَنْ يُحَاطَ بِالْمَحْدُودِ) الْمُحْصَنِ فَيُرْمَى مِنْ الْجَوَانِبِ (وَأَنْ يُرْجَمَ بِحِجَارَةٍ) وَمَدَرٍ وَنَحْوِهَا (مُعْتَدِلَةٍ) فَفِي خَبَرِ مَاعِزٍ فَرَمَيْنَاهُ بِالْعِظَامِ وَالْمَدَرِ وَالْخَزَفِ وَخَرَجَ بِالْمُعْتَدِلَةِ الْحَصَيَاتُ الْخَفِيفَةُ لِئَلَّا يَطُولَ تَعْذِيبُهُ وَالصَّخَرَاتُ لِئَلَّا تُذَفِّفَهُ فَيَفُوتَ بِهِ التَّنْكِيلُ الْمَقْصُودُ، وَلَيْسَ لِمَا يُرْجَمُ بِهِ تَقْدِيرٌ لَا جِنْسًا، وَلَا عَدَدًا فَقَدْ تُصِيبُ الْأَحْجَارُ مَقَاتِلَهُ فَيَمُوتُ سَرِيعًا، وَقَدْ يُبْطِئُ مَوْتُهُ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ لَكِنْ ضَبَطَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فَقَالَ الِاخْتِيَارُ أَنْ تَكُونَ مِلْءَ الْكَفِّ، وَأَنْ يَكُونَ مَوْقِفُ الرَّامِي مِنْهُ بِحَيْثُ لَا يَبْعُدُ عَنْهُ فَيُخْطِئُهُ، وَلَا يَدْنُو مِنْهُ فَيُؤْلِمُهُ، وَجَمِيعُ بَدَنِهِ مَحَلٌّ لِلرَّجْمِ وَيَخْتَارُ أَنْ يَتَوَقَّى الْوَجْهَ، وَلَا يَرْبِطُ، وَلَا يُقَيِّدُ (وَأَنْ يَبْدَأَ الشُّهُودُ) بِالرَّجْمِ ثُمَّ الْإِمَامُ ثُمَّ النَّاسُ فَإِنْ ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ بَدَأَ الْإِمَامُ ثُمَّ النَّاسُ قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ.

(وَأَنْ يُحْفَرَ لِلْمَرْأَةِ) عِنْدَ رَجْمِهَا (إلَى صَدْرِهَا إنْ ثَبَتَ) زِنَاهَا (بِبَيِّنَةٍ) لِئَلَّا تَنْكَشِفَ بِخِلَافِ مَا إذَا ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ لِيُمْكِنَهَا الْهَرَبُ إنْ رَجَعَتْ وَبِخِلَافِ الرَّجُلِ لَا يُحْفَرُ لَهُ، وَإِنْ ثَبَتَ زِنَاهُ بِالْبَيِّنَةِ، وَأَمَّا ثُبُوتُ الْحَفْرِ فِي قِصَّةِ الْغَامِدِيَّةِ مَعَ أَنَّهَا كَانَتْ مُقِرَّةً فَبَيَانٌ لِلْجَوَازِ وَوُجُوبُ الْحَدِّ عَلَى الْمَرْأَةِ بِاللِّعَانِ كَوُجُوبِهِ بِالْبَيِّنَةِ.

(وَلَا يُقْتَلُ بِالسَّيْفِ) وَنَحْوُهُ إذْ الْقَصْدُ التَّنْكِيلُ بِهِ بِالرَّجْمِ (، وَتُؤَخَّرُ وُجُوبًا حُدُودُ اللَّهِ كَقَطْعِ السَّرِقَةِ لِمَرَضٍ يُرْجَى زَوَالُهُ وَشِدَّةِ حَرٍّ وَبَرْدٍ) إلَى الْبُرْءِ وَاعْتِدَالِ الزَّمَنِ لِئَلَّا يَهْلِكَ الْمَحْدُودُ؛ وَلِأَنَّ حُقُوقَهُ تَعَالَى مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُسَاهَلَةِ بِخِلَافِ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ كَقِصَاصٍ وَحَدِّ قَذْفٍ فَلَا تُؤَخَّرُ؛ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُضَايَقَةِ وَكَالْمَرَضِ الْمَذْكُورِ النِّفَاسُ وَالْحَمْلُ وَالْجُرْحُ وَالضَّرْبُ، وَاسْتَثْنَى الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ مَا لَوْ كَانَ بِبِلَادٍ لَا يَنْفَكُّ حَرُّهَا أَوْ بَرْدُهَا فَلَا يُؤَخَّرُ، وَلَا يُنْقَلُ إلَى الْبِلَادِ الْمُعْتَدِلَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَأْخِيرِ الْحَدِّ وَلِخَوْفِ الْمَشَقَّةِ وَكُلُّ مَنْ أُخِّرَ حَدُّهُ لِعُذْرٍ فَلَا يُخَلَّى بَلْ يُحْبَسُ حَتَّى يَزُولَ عُذْرُهُ، قَالَهُ الْإِمَامُ، وَتَوَقَّفَ فِيهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَقَالَ: لَا يُتَّجَهُ حَبْسُ الْمُقِرِّ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ احْتِمَالًا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَأَمَّا الثَّابِتُ زِنَاهُ بِالْبَيِّنَةِ فَإِنْ أَمِنَ هَرَبَهُ لَمْ يُحْبَسْ، وَإِلَّا فَيُشْبِهُ أَنْ يُوَكِّلَ بِهِ مَنْ يَحْفَظُهُ أَوْ يُرَاقِبُهُ (لَا الرَّجْمُ) فَلَا يُؤَخَّرُ لِشَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ.

(وَلَوْ ثَبَتَ) زِنَاهُ (بِإِقْرَارِهِ) ؛ لِأَنَّ نَفْسَهُ مُسْتَوْفَاةٌ بِهِ وَيُؤَخَّرُ لِلْحَمْلِ وَانْقِضَاءِ الْفِطَامِ، وَلَوْ كَانَ الْحَمْلُ مِنْ زِنًا كَمَا فِي اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ (فَلَوْ أُقِيمَتْ) حُدُودُ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ مَا ذُكِرَ فَمَاتَ الْمَحْدُودُ (فَلَا ضَمَانَ) عَلَى الْمُقِيمِ لَهَا، وَإِنْ عَصَى بِتَرْكِ التَّأْخِيرِ؛ لِأَنَّهُ تَلِفَ بِوَاجِبٍ أُقِيمَ عَلَيْهِ، وَيُفَارِقُ الضَّمَانَ فِيمَا لَوْ خُتِنَ أَقْلَفُ فِي مَرَضٍ أَوْ شِدَّةِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ فَمَاتَ بِأَنَّ الْجَلْدَ ثَبَتَ قَدْرًا بِالنَّصِّ وَالْخِتَانُ أَصْلًا، وَقَدْرًا بِالِاجْتِهَادِ؛ وَلِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْحُدُودِ إلَى الْإِمَامِ فَلَا يُؤَاخَذُ بِمَا يَتَوَلَّدُ مِنْهَا وَالْخِتَانُ لَا يَتَوَلَّاهُ الْإِمَامُ أَصَالَةً بَلْ يَتَوَلَّاهُ الْإِنْسَانُ بِنَفْسِهِ أَوْ يَقُومُ بِهِ وَلِيُّهُ فِي صِغَرِهِ فَإِذَا تَوَلَّاهُ الْإِمَامُ بِالنِّيَابَةِ اُشْتُرِطَ فِيهِ سَلَامَةُ الْعَاقِبَةِ.

(وَإِنْ لَمْ يُرْجَ) زَوَالُ الْمَرَضِ كَالسُّلِّ وَالزَّمَانَةِ (أَوْ كَانَ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِيهَا إلَى نِيَّةٍ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ حُدَّ بِنِيَّةِ الشُّرْبِ فَظَهَرَ أَنَّ حَدَّهُ الزِّنَا جَازَ) أَيْ أَنْ يَكْمُلَ حَدَّ الزِّنَا (قَوْلُهُ: قَالَ وَعَلَى هَذَا لَوْ أَنَّ الْإِمَامَ جَلَدَ رَجُلًا إلَخْ) هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ وَبِهِ أَفْتَيْت (قَوْلُهُ: وَالْأَشْبَهُ فِي صُورَةِ جَلْدِهِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

(قَوْلُهُ: وَصَرَّحَ الْأَصْلُ بِاسْتِحْبَابِ حُضُورِ الشُّهُودِ) هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَأَنْ يَبْدَأَ الشُّهُودُ، وَكَتَبَ أَيْضًا، وَلَا يَجِبُ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ. (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُهُ اسْتِحْبَابُ حُضُورِ الْجَمْعِ الْمَذْكُورِ حِينَئِذٍ أَيْضًا) ، وَهُوَ كَذَلِكَ فَقَدْ صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَاتٌ أَمَّا اسْتِحْبَابُ حُضُورِ الْجَمْعِ فَلِمَا مَرَّ، وَأَمَّا حُضُورُ شُهُودِ الزِّنَا فَلِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ يَقُولُ بِوُجُوبِهِ وَلِاحْتِمَالِ رُجُوعِهِمْ أَوْ رُجُوعِ بَعْضِهِمْ (قَوْلُهُ: وَإِنْ اسْتَسْقَى مَاءً سُقِيَ، وَإِنْ اُسْتُطْعِمَ لَمْ يُطْعَمْ) ؛ لِأَنَّ الشُّرْبَ لِعَطَشٍ مُتَقَدِّمٍ، وَالْأَكْلُ لِشِبَعِ مُسْتَقْبَلٍ.

(قَوْلُهُ: وَأَنْ يَبْدَأَ الشُّهُودُ بِالرَّجْمِ) فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَرَى أَنَّ إمْسَاكَهُمْ عَنْ الرَّجْمِ شُبْهَةٌ يُدْرَأُ بِهَا الْحَدُّ.

(قَوْلُهُ: وَبِخِلَافِ الرَّجُلِ لَا يُحْفَرُ لَهُ، وَإِنْ ثَبَتَ زِنَاهُ بِالْبَيِّنَةِ) ظَاهِرُ كَلَامِهِ امْتِنَاعُ الْحَفْرِ وَاسْتَشْكَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ فِي التَّنْقِيحِ بِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ أَنَّ مَاعِزًا حُفِرَ لَهُ مَعَ أَنَّ زِنَاهُ ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مُعَارَضٌ بِمَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ لَمْ يَحْفِرْ لَهُ وَلِهَذَا مَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ إلَى التَّخْيِيرِ مُطْلَقًا وَاخْتَارَهُ الْبُلْقِينِيُّ، وَجَمَعَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ فَإِنَّهُ حَفَرَ لِمَاعِزٍ حَفِيرَةً صَغِيرَةً فَلَمَّا رُجِمَ هَرَبَ مِنْهَا.

(قَوْلُهُ: وَاسْتَثْنَى الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: بَلْ يُحْبَسُ حَتَّى يَزُولَ عُذْرُهُ، قَالَهُ الْإِمَامُ) الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُحْبَسُ فَقَدْ، قَالَ الشَّيْخَانِ إنَّ الْحَامِلَ لَا تُحْبَسُ فِي الرَّجْمِ، وَلَا فِي حَدٍّ لِلَّهِ عَلَى الصَّحِيحِ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَيُشْبِهُ أَنْ يُوَكِّلَ بِهِ مَنْ يَحْفَظُهُ أَوْ يُرَاقِبُهُ) الرَّاجِحُ أَنَّهُ لَا يُحْبَسُ فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي بَابِ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ.

(قَوْلُهُ: وَيُؤَخَّرُ لِلْحَمْلِ وَانْقِضَاءِ الْفِطَامِ) أَيْ وَوُجُودِ مَنْ يَكْفُلُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>