للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيْ مَالُهُ (لِوَارِثِهِ) لَا فَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِي أَمَانٍ مُدَّةَ حَيَاتِهِ وَالْأَمَانُ حَقٌّ لَازِمٌ يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ فَيَنْتَقِلُ بِحُقُوقِهِ إلَى وَارِثِهِ (الذِّمِّيِّ فَقَطْ) أَيْ دُونَ الْحَرْبِيِّ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّهُ لَا تَوَارُثَ بَيْنَ ذِمِّيٍّ وَحَرْبِيٍّ وَعَلَيْهِ يُقَالُ لَنَا حَرْبِيٌّ يَرِثُهُ ذِمِّيٌّ (فَإِنْ فُقِدَ) وَارِثُهُ (فَفَيْءٌ وَكَذَا يَكُونُ) مَالُهُ (فَيْئًا إذَا سُبِيَ) وَاسْتُرِقَّ (وَمَاتَ رَقِيقًا) ؛ لِأَنَّ الرَّقِيقَ لَا يُورَثُ (فَإِنْ عَتَقَ) كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ فِيمَا يَظْهَرُ (فَلَهُ) أَيْ فَمَالُهُ لَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَوْ مَاتَ قَبْلَ اسْتِرْقَاقِهِ كَانَ مَالُهُ لِوَارِثِهِ.

(وَتَحْرُمُ أَمْوَالُ أَهْلِ الْحَرْبِ عَلَى مَنْ أَمَّنُوهُ) مِنَّا فَلَوْ دَخَلَ مُسْلِمٌ دَارَهُمْ بِأَمَانٍ فَاقْتَرَضَ مِنْهُمْ شَيْئًا أَوْ سَرَقَ وَعَادَ إلَى دَارِنَا لَزِمَهُ رَدُّهُ إذْ لَيْسَ لَهُ التَّعَرُّضُ لَهُمْ إذَا دَخَلَ بِأَمَانٍ.

(فَصْلٌ) لَوْ (حَاصَرْنَا قَلْعَةً) مَثَلًا (فَنَزَلُوا) أَيْ أَهْلُهَا (عَلَى حُكْمِ الْإِمَامِ أَوْ رَجُلٍ عَدْلٍ) فِي الشَّهَادَةِ (عَارِفٍ بِمَصَالِحِ الْحَرْبِ جَازَ) ؛ لِأَنَّ بَنِي قُرَيْظٍ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّعْوِيلُ إلَّا عَلَى رَأْيِ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ وِلَايَةُ حُكْمٍ كَالْقَضَاءِ فَخَرَجَ بِذَلِكَ الْمَرْأَةُ وَالْكَافِرُ وَالْفَاسِقُ وَالرَّقِيقُ وَغَيْرُ الْمُكَلَّفِ وَغَيْرُ الْعَارِفِ بِمَصَالِح الْحَرْبِ وَحَذَفَ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْأَصْلِ التَّكْلِيفَ وَالْحُرِّيَّةَ وَالْإِسْلَامَ اكْتِفَاءً بِالْعَدَالَةِ (وَلَا يَضُرُّ الْعَمَى) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا الرَّأْيُ وَيُمْكِنُ الْأَعْمَى أَنْ يَبْحَثَ وَيَعْرِفَ مَا فِيهِ صَلَاحُ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ كَالشَّهَادَةِ بِالِاسْتِفَاضَةِ تَصِحُّ مِنْ الْأَعْمَى وَيَجُوزُ نُزُولُهُمْ عَلَى حُكْمِ أَكْثَرَ مِنْ رَجُلٍ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا يَأْتِي وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ (وَكَذَا) يَجُوزُ نُزُولُهُمْ عَلَى حُكْمِ (مَنْ يَخْتَارُهُ الْإِمَامُ) وَحْدَهُ أَوْ مَعَ مَنْ يَتَّفِقُونَ عَلَيْهِ مَعَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَارُ إلَّا مَنْ يَصْلُحُ لِلْحُكْمِ (لَا) مَنْ يَخْتَارُهُ (هُمْ) فَلَا يَجُوزُ نُزُولُهُمْ عَلَى حُكْمِهِ (حَتَّى تُشْتَرَطَ فِيهِ الْأَوْصَافُ) الْمَذْكُورَةُ بِأَنْ يَشْتَرِطُوهَا فِيهِ.

(وَكُرِهَ تَحْكِيمُ مُصَادِقِهِمْ) أَيْ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ صَدَاقَةٌ.

(وَلَوْ اسْتُنْزِلُوا عَلَى قَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِمْ) أَيْ اسْتَنْزَلَهُمْ الْإِمَامُ عَلَى أَنَّ مَا يَقْضِيه اللَّهُ فِيهِمْ يُنْفِذُهُ (لَمْ يَجُزْ لِجُهَّالِهِمْ بِهِ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ عَنْ بُرَيْدَةَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ وَإِنْ حَاصَرْت أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوك أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِك فَإِنَّك لَا تَدْرِي أَتُصِيبُ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِمْ أَمْ لَا» قَالَ فِي الْأَصْلِ وَلَوْ اسْتَنْزَلَهُمْ عَلَى أَنْ يَحْكُمَ فِيهِمْ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى كُرِهَ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَيْسَ مَنْصُوصًا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَحْصُلُ مِنْهُ اخْتِلَافٌ هَكَذَا ذَكَرَهُ الرُّويَانِيُّ انْتَهَى.

(وَإِنْ حَكَمَ اثْنَانِ فَاخْتَلَفَا) فِي الْحُكْمِ (وَرَضِيَا) أَيْ الْفَرِيقَانِ (مَعًا بِحُكْمِ أَحَدِهِمَا جَازَ) وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ لَمْ يَخْتَلِفَا فَوَاضِحٌ (فَإِنْ مَاتَ الْمُحَكَّمُ) قَبْلَ الْحُكْمِ سَوَاءٌ الْمُحَكَّمُ وَحْدَهُ أَمْ مَعَ غَيْرِهِ (أَوْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا) لِلْحُكْمِ (رُدُّوا إلَى الْقَلْعَةِ) إلَّا أَنْ يَرْضَوْا بِحُكْمِ حَاكِمٍ فِي الْحَالِ.

(وَلْيَحْكُمْ) الْمُحَكَّمُ (بِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْقَتْلِ وَالِاسْتِرْقَاقِ وَالْمَنِّ وَالْفِدَاءِ) لِعُلُوِّ الْإِسْلَامِ عَلَى الشِّرْكِ وَيَتَخَيَّرُ فِيمَنْ يَرِقُّ بِالْأَسْرِ كَالنِّسَاءِ بَيْنَ الْمَنِّ وَالْإِرْقَاقِ وَالْفِدَاءِ.

(فَإِنْ حَكَمَ بِمُحَرَّمٍ) أَيْ بِمَا يُخَالِفُ الشَّرْعَ (كَقَتْلِ الذَّرَارِيِّ) وَالنِّسَاءِ (لَمْ يَنْفُذْ) وَلَوْ حَكَمَ بِقَتْلِ الْمُقَاتِلَةِ وَسَبْيِ الذُّرِّيَّةِ وَأَخْذِ الْأَمْوَالِ جَازَ وَتَكُونُ الْأَمْوَالُ غَنِيمَةً أَوْ بِاسْتِرْقَاقِ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ وَقَتْلِ مَنْ أَقَامَ مِنْهُمْ عَلَى الْكُفْرِ أَوْ بِاسْتِرْقَاقِ مَنْ أَسْلَمَ وَمَنْ أَقَامَ عَلَى الْكُفْرِ جَازَ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَصْلُ وَيَنْفُذُ حُكْمُ الْمُحَكَّمِ عَلَى الْإِمَامِ.

(وَلِلْإِمَامِ التَّخْفِيفُ مِنْ حُكْمِهِ) أَيْ الْمُحَكَّمِ (لَا التَّشْدِيدُ) فِيهِ فَإِذَا حَكَمَ بِالْقَتْلِ أَوْ بِالْفِدَاءِ فَلَهُ الْمَنُّ أَوْ بِالْمَنِّ فَلَيْسَ لَهُ مَا عَدَاهُ (لَكِنْ لَا يُسْتَرَقُّ إنْ حَكَمَ بِالْقَتْلِ) ؛ لِأَنَّ الِاسْتِرْقَاقَ يَتَضَمَّنُ ذُلًّا مُؤَبَّدًا وَقَدْ يَخْتَارُ الْإِنْسَانُ الْقَتْلَ عَلَيْهِ (وَكَذَا لَا يَمُنُّ إنْ اسْتَرَقَّ) أَيْ حَكَمَ بِاسْتِرْقَاقِهِ (إلَّا بِرِضَا الْغَانِمِينَ) ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَالًا لَهُمْ بِنَفْسِ الْحُكْمِ وَالْفِدَاءِ لَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِمْ قَبْلَ قَبْضِهِ.

(وَلَوْ حَكَمَ) عَلَيْهِمْ (بِالْجِزْيَةِ أَوْ الْفِدَاءِ أُلْزِمُوهُمَا) أَيْ أُلْزِمُوا بِقَبُولِهِمَا وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ بِهِ الْأَسِيرُ لِرِضَاهُمْ بِحُكْمِهِ أَوَّلًا بِخِلَافِهِ (فَإِنْ امْتَنَعُوا) مِنْ الْقَبُولِ (فَكَأَهْلِ ذِمَّةٍ امْتَنَعُوا) مِنْ بَذْلِ الْجِزْيَةِ.

(وَمَنْ أَسْلَمَ) مِنْهُمْ (قَبْلَ الْحُكْمِ) عَلَيْهِ (حَقَنَ دَمَهُ وَمَالَهُ وَوَلَدَهُ) وَلَمْ يَجُزْ اسْتِرْقَاقُهُ بِخِلَافِ الْأَسِيرِ يُسَلِّمُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ فِي قَبْضَةِ الْإِمَامِ وَثَبَتَ بِالسَّبْيِ حَقُّ الِاسْتِرْقَاقِ فِيهِ وَذِكْرُ الْوَلَدِ مِنْ زِيَادَتِهِ.

(أَوْ) أَسْلَمَ (بَعْدَ الْحُكْمِ) عَلَيْهِ (بِالْقَتْلِ خُلِّيَ سَبِيلُهُ) فَيَمْتَنِعُ قَتْلُهُ وَإِرْقَاقُهُ وَفِدَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُنْزِلُوا هَذَا الشَّرْطَ.

(أَوْ) أَسْلَمَ (بَعْدَ الْحُكْمِ) عَلَيْهِ (بِالرِّقِّ) أَيْ بِالْإِرْقَاقِ (لَا قَبْلَهُ اُسْتُرِقَّ) ؛ لِأَنَّهُمْ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ الْمُحَكَّمِ وقَدْ حَكَمَ بِإِرْقَاقِهِ وَالْإِسْلَامُ لَا يَمْنَعُ الْإِرْقَاقَ الَّذِي كَانَ جَائِزًا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَسْلَمَ قَبْلَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِإِرْقَاقِهِ وَكَلَامُهُ كَأَصْلِهِ هُنَا يَقْتَضِي أَنَّ الْحُكْمَ بِالْإِرْقَاقِ لَا يَسْتَلْزِمُ الرِّقَّ عَكْسُ مَا قَدَّمَهُ فِي قَوْلِهِ إلَّا بِرِضَا

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ أَوْ بَعْضُهُ فِيمَا يَظْهَرُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

(قَوْلُهُ: وَلِلْإِمَامِ التَّخْفِيفُ مِنْ حُكْمِهِ) فَلَهُ تَقْرِيرُهُمْ بِالْجِزْيَةِ إذَا حُكِمَ بِقَتْلِهِمْ أَوْ إرْقَاقِهِمْ (قَوْلُهُ: فَإِذَا حُكِمَ بِالْقَتْلِ إلَخْ) وَإِذَا حُكِمَ بِالْقَتْلِ أَوْ الْإِرْقَاقِ لَمْ يَجِبْ تَقْرِيرُهُمْ بِالْجِزْيَةِ لَوْ طَلَبُوا وَهَلْ لِلْإِمَامِ تَقْرِيرُهُمْ تَرَدَّدَ فِيهِ الْبُلْقِينِيُّ وَقَالَ لَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا وَالْأَرْجَحُ هُنَا الْجَوَازُ لِأَنَّهُمْ فِي قُوَّةٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ إذَا لَمْ يَتِمَّ الْأَمْرُ يَرُدُّونِ إلَى قَلْعَتِهِمْ وَقَوْلُهُ وَالْأَرْجَحُ هُنَا الْجَوَازُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>