للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَزِيرَةِ الْعَرَبِ» وَخَبَرِ مُسْلِمٍ «لَأَخْرَجْنَا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ» وَالْمُرَادُ مِنْهَا الْحِجَازُ الْمُشْتَمِلَةُ هِيَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ عُمَرَ أَجَلَاهُمْ مِنْهُ وَأَقَرَّهُمْ فِيمَا عَدَاهُ مِنْ الْيَمَنِ وَنَجْرَانَ وَسُمِّيَ ذَلِكَ حِجَازًا؛ لِأَنَّهُ حَجْزٌ بَيْنَ نَجْدٍ وَتِهَامَةَ (لَا بَحْرًا) أَيْ يُمْنَعُونَ الْإِقَامَةَ بِمَا ذَكَرَ لَا رُكُوبَ بَحْرِ الْحِجَازِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَوْضِعُ إقَامَةٍ (وَيُمْنَعُونَ مِنْ) الْإِقَامَةِ فِي (جَزَائِرِهِ وَسَوَاحِلِهِ الْمَسْكُونَةِ) بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَسْكُونَةِ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ التَّقْيِيدُ بِالْمَسْكُونَةِ لَكِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ: التَّقْيِيدُ بِهِ تَبِعَ فِيهِ الشَّيْخَانِ الْبَغَوِيّ وَالصَّوَابُ حَذْفُهُ كَمَا حَذَفَهُ الشَّرْحُ الصَّغِيرُ وَغَيْرُهُ تَبَعًا لِنُصُوصِ الشَّافِعِيِّ مَعَ أَنَّهُ لَا يُلَائِمُ مَا رَجَّحُوهُ مِنْ الْمَنْعِ مِنْ الْإِقَامَةِ بِالطُّرُقِ الْمُمْتَدَّةِ.

وَالْبَغَوِيُّ إنَّمَا قَيَّدَ بِذَلِكَ بِاعْتِبَارِ الْغَالِبِ (فَإِنْ دَخَلَ) الْكَافِرُ الْحِجَازَ (بِلَا إذْنٍ) مِنْ الْإِمَامِ (أُخْرِجَ) مِنْهُ (وَيُعَزَّرُ إنْ عَلِمَ بِالتَّحْرِيمِ) لِدُخُولِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا جَهِلَهُ (وَيُؤْذَنُ) لَهُ جَوَازًا مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ (فِي دُخُولِ الْحِجَازِ غَيْرِ حَرَمِ مَكَّةَ) إنْ كَانَ دُخُولُهُ (لِلْمَصْلَحَةِ) لَنَا (كَأَدَاءِ رِسَالَةٍ وَعَقْدِ ذِمَّةٍ وَهُدْنَةٍ وَحَمْلِ) مَتَاعِ (تِجَارَةٍ يُحْتَاجُ) إلَيْهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُحْتَجْ إلَيْهِ (اشْتَرَطَ) فِي الْإِذْنِ لَهُ فِي الدُّخُولِ (أَخْذَ شَيْءٍ مِنْهَا) أَيْ مِنْ مَتَاعِهَا (وَقَدْرُهُ) أَيْ الْمَشْرُوطِ مَنُوطٌ (بِرَأْيِ الْإِمَامِ وَ) إذَا دَخَلَهُ بِالْإِذْنِ (لَا يُقِيمُ) فِيهِ (أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ) مِنْ الْأَيَّامِ (سِوَى يَوْمَيْ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ) ؛ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ مُدَّةُ الْإِقَامَةِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهَا ثُمَّ سَوَاءٌ أَدَخَلَ لِمَصْلَحَةٍ أَمْ لَا (وَيَشْتَرِطُ ذَلِكَ عَلَيْهِ عِنْدَ الدُّخُولِ وَيُوَكِّلُ) غَيْرَهُ كَمُسْلِمٍ (بِقَبْضِ دَيْنَهُ) إنْ كَانَ لَهُ ثَمَّ دَيْنٌ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ (وَلَهُ إقَامَةُ ثَلَاثَةٍ) مِنْ الْأَيَّامِ وَفِي نُسْخَةٍ ثَلَاثٌ (فِي كُلِّ قَرْيَةٍ) حَيْثُ كَانَ يَنْتَقِلُ مِنْ قَرْيَةٍ إلَى أُخْرَى قَالَ الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِصَاحِبِ الْوَافِي وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَيْنَ كُلِّ قَرْيَتَيْنِ مَسَافَةُ الْقَصْرِ وَإِلَّا فَيُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا دُونَهَا فِي حُكْمِ الْإِقَامَةِ.

(وَيُمْنَعُ الْمُرُورَ بِحَرَمِ مَكَّةَ) وَلَوْ لِمَصْلَحَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} [التوبة: ٢٨] وَالْمُرَادُ جَمِيعُ الْحَرَمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً} [التوبة: ٢٨] أَيْ فَقْرًا بِمَنْعِهِمْ مِنْ الْحَرَمِ وَانْقِطَاعِ مَا كَانَ لَكُمْ بِقُدُومِهِمْ مِنْ الْمَكَاسِبِ فَسَوْفَ يُغْنِيكُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْجَلْبَ إنَّمَا يُجْلَبُ إلَى الْبَلَدِ لَا إلَى الْمَسْجِدِ نَفْسِهِ وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّهُمْ أَخْرَجُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُ فَعُوقِبُوا بِالْمَنْعِ مِنْ دُخُولِهِ بِكُلِّ حَالٍ (وَيَخْرُجُ) وَاحِدٌ مِنَّا (إلَيْهِ لِسَمَاعِ رِسَالَةٍ) وَيُبَلِّغُهَا لِلْإِمَامِ (فَإِنْ قَالَ لَا أُؤَدِّيهَا إلَّا مُشَافَهَةً خَرَجَ إلَيْهِ الْإِمَامُ، وَإِنْ طَلَبَ) مِنَّا (الْمُنَاظَرَةَ) لِيُسْلِمَ (خَرَجَ إلَيْهِ مَنْ يُنَاظِرُهُ فَإِنْ بَذَلَ عَلَى دُخُولِهِ) الْحَرَمَ (مَا لَا لَمْ يُقْبَلْ) أَيْ لَمْ يُجَبْ إلَيْهِ (فَإِنْ أُجِيبَ) فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ (وَ) إنْ (وَصَلَ الْمَقْصِدَ أُخْرِجَ وَثَبَتَ الْمُسَمَّى) وَيُفَارِقُ الْإِجَارَةَ الْفَاسِدَةَ حَيْثُ يَجِبُ فِيهَا أُجْرَةُ الْمِثْلِ بِأَنَّهُ لَا يُقَابِلُ بِعِوَضٍ حَتَّى يَكُونَ لَهُ مِثْلٌ (أَوْ) وَصَلَ (دُونَهُ) أَيْ الْمَقْصِدِ (فَبِالْقِسْطِ) مِنْ الْمُسَمَّى يُؤْخَذُ وَحَرَمُ مَكَّةَ مِنْ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ وَمِنْ طَرِيقِ الْعِرَاقِ وَالطَّائِفِ عَلَى سَبْعَةٍ وَمِنْ طَرِيقِ الْجِعْرَانَةِ عَلَى تِسْعَةٍ وَمِنْ طَرِيقِ جُدَّةَ عَلَى عَشَرَةٍ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلِلْحَرَمِ التَّحْدِيدُ مِنْ أَرْضِ طَيْبَةَ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ إذَا رُمْت إتْقَانَهُ وَسَبْعَةُ أَمْيَالٍ عِرَاقٌ وَطَائِفٌ وَجُدَّةُ عَشَرٌ ثُمَّ تِسْعٌ جِعْرَانَةُ وَزَادَ الشَّيْخُ كَمَالُ الدِّينِ الدَّمِيرِيِّ وَمِنْ يَمَنٍ سَبْعٌ وَكَرُّ زَلِّهَا اهْتَدَى فَلَمْ يَعُدْ سَيْلُ الْحِلِّ إذْ جَاءَ بُنْيَانُهُ (وَلَا يَجْرِي هَذَا الْحُكْمُ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ) لِاخْتِصَاصِ حَرَمِ مَكَّةَ بِالنُّسُكِ وَثَبَتَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَدْخَلَ الْكُفَّارَ مَسْجِدَهُ وَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ نُزُولِ بَرَاءَةٌ»

(وَإِنْ دُفِنَ) الْكَافِرُ (فِي حَرَمِ مَكَّةَ نُبِشَ) قَبْرُهُ وَأُخْرِجَ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ عُمَرَ أَجَلَاهُمْ مِنْهُ) وَكَانُوا زُهَاءَ أَرْبَعِينَ أَلْفًا (قَوْلُهُ لَا بَحْرًا) قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَلَا يُمَكَّنُونَ مِنْ الْمَقَامِ فِي الْمَرْكَبِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ إذَا أَذِنَ الْإِمَامُ وَأَقَامَ بِمَوْضِعٍ وَاحِدٍ قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ اهـ، وَهُوَ الْمُرَادُ (قَوْلُهُ وَالصَّوَابُ حَذْفُهُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ مَعَ أَنَّهُ لَا يُلَائِمُ مَا رَجَّحُوهُ مِنْ الْمَنْعِ إلَخْ) الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَاضِحٌ (قَوْلُهُ وَيُعَزَّرُ إنْ عَلِمَ بِالتَّحْرِيمِ) وَبَانَ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ مِنْ الْحِجَازِ.

(قَوْلُهُ وَحَمْلِ مَتَاعِ تِجَارَةٍ إلَخْ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ مَحَلُّ مَا ذَكَرُوهُ فِي التِّجَارَةِ فِي الذِّمِّيِّ أَمَّا الْحَرْبِيُّ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ دُخُولِ الْحِجَازِ لِلتِّجَارَةِ وَحَكَى نَصًّا لِلشَّافِعِيِّ يَقْتَضِيهِ قَالَ وَعَلَى مُقْتَضَاهُ جَرَى الْأَصْحَابُ وَدَخَلَ فِي عِبَارَتِهِ الْمَرْأَةُ فَهِيَ فِي ذَلِكَ كَالرَّجُلِ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ وَقَلَّ مَنْ ذَكَرَهُ وَقَوْلُهُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: مَحَلُّ مَا ذَكَرُوهُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَلَهُ إقَامَةُ ثَلَاثَةٍ فِي كُلِّ قَرْيَةٍ إلَخْ) وَفِي الْبَسِيطِ أَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا يَتَرَدَّدُونَ فَرْسَخًا فَرْسَخًا وَيُقِيمُونَ فِي كُلِّ فَرْسَخٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَلَا مَنْعَ فَإِنَّهُ فِي صُورَةِ السَّفَرِ اهـ وَكَانَ الْمُرَادُ حَالَةَ الِاجْتِيَازِ وَإِلَّا فَقَدْ يَتَّخِذُ ذَلِكَ وَسِيلَةً إلَى التَّوَطُّنِ كَأَهْلِ النُّجْعَةِ وَأَصْلُهُ قَوْلُ إمَامِهِ لَوْ كَانُوا يَتَنَاقَلُونَ مِنْ بُقْعَةٍ إلَى بُقْعَةٍ وَلَوْ لُفِّقَتْ أَيَّامُ تَرَدُّدِهِمْ لَزَادَتْ عَلَى مَقَامِ الْمُسَافِرِينَ فَلَا بَأْسَ؛ لِأَنَّ خُطَّةَ الْحِجَازِ لَا يُمْكِنُ قَطْعُهَا بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ حَتَّى قَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ وَغَيْرُهُ لَا يُكَلِّفُهُمْ أَنْ يَجْرُوا فِي انْتِقَالِهِمْ عَلَى الْمَنَازِلِ الْمَعْهُودَةِ وَلَوْ قَطَعُوا فَرْسَخًا فَرْسَخًا وَكَانُوا يُقِيمُونَ عَلَى مُنْتَهَى كُلِّ فَرْسَخٍ فَلَا مَنْعَ وَلَا حَجْرَ. اهـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ.

(قَوْلُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِصَاحِبِ الْوَافِي إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ، وَهَذَا، وَإِنْ أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مُرَادُهُمْ فَإِنَّ الْمُسَافِرَ إذَا أَقَامَ فِي مَسِيرِهِ فِي كُلِّ مَنْزِلٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَا يَصِيرُ مُقِيمًا إلَّا أَنَّهُ فِي مَسْأَلَتِنَا انْتَهَى سَفَرُهُ بِوُصُولِهِ إلَى الْمَقْصِدِ فَانْتِقَالُهُ مِنْ مَكَان إلَى آخَرَ مَا لَمْ يَكُنْ مَسَافَةَ الْقَصْرِ لَا يُعَدُّ بِهِ مُسَافِرًا ر (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ جَمِيعُ الْحَرَمِ بِإِجْمَاعِ الْمُفَسِّرِينَ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَكُلُّ مَوْضِعٍ ذُكِرَ فِيهِ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ فَالْمُرَادُ بِهِ الْحَرَمُ إلَّا فِي قَوْله تَعَالَى {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: ١٤٤] فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْكَعْبَةُ (قَوْلُهُ وَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ نُزُولِ بَرَاءَةٍ) فَإِنَّهَا نَزَلَتْ سَنَةَ تِسْعٍ وَقُدُومُ نَصَارَى نَجْرَانَ فِي جُمْلَةِ الْوُفُودِ سَنَةَ عَشَرَةٍ فَأَنْزَلَهُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَسْجِدِ وَضَرَبَ عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>