للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَبِمَا مَرَّ فِي الطَّلَاقِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ عَلَّقَهُ بِمَشِيئَةِ نَاطِقٍ فَخَرِسَ وَأَشَارَ بِالْمَشِيئَةِ طَلُقَتْ وَيُجَابُ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْخَرَسَ مَوْجُودٌ فِيهِ قَبْلَ الْحَلِفِ وَفِي مَسْأَلَتِنَا بَعْدَهُ وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْكَلَامَ مَدْلُولُهُ اللَّفْظُ فَاعْتُبِرَ بِخِلَافِ الْمَشِيئَةِ، وَإِنْ كَانَتْ تُؤَدَّى بِاللَّفْظِ (وَيَرْتَفِعُ بِهَا) أَيْ بِالرِّسَالَةِ وَالْكِتَابَةِ وَالْإِشَارَةِ (الْإِثْمُ) أَيْ إثْمُ الْهِجْرَانِ (فِي حَالِ الْغَيْبَةِ) لِأَحَدِهِمَا (إنْ) صَوَابُهُ أَوْ (كَانَتْ الْمُوَاصَلَةُ) بَيْنَهُمَا قَبْلَ الْهِجْرَانِ (بِهَا وَتَضَمَّنَتْ) فِي الْحَالَيْنِ (الْأُلْفَةَ) بَيْنَهُمَا (لَا إنْ كَانَ فِيهَا إيذَاءٌ) وَإِيحَاشٌ فَلَا يَرْتَفِعُ بِهَا الْإِثْمُ بَلْ هِيَ زِيَادَةُ وَحْشَةٍ وَتَأْكِيدٍ لِلْمُهَاجَرَةِ وَلَا إنْ كَانَتْ فِي حَالِ الْحُضُورِ وَلَمْ تَكُنْ الْمُوَاصَلَةُ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الْهِجْرَانِ بِهَا وَلَوْ حَلَفَ أَنْ يُهَاجِرَهُ فَرَاسَلَهُ أَوْ كَاتَبَهُ أَوْ أَشَارَ إلَيْهِ فَإِنْ كَانَ إثْمُ الْهِجْرَانِ لَا يَرْتَفِعُ بِهَا مَا لَمْ يَحْنَثْ وَإِلَّا حَنِثَ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ (وَيَحْنَثُ) فِيمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ أَوْ لَا يُسَلِّمُ عَلَيْهِ (بِسَلَامٍ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ كَلَامٌ وَسَلَامٌ.

(وَكَذَا) بِسَلَامٍ (عَلَى قَوْمٍ هُوَ فِيهِمْ) وَعَلِمَ بِهِ (وَإِنْ كَانَ سَلَامُ الصَّلَاةِ) عَمَلًا فَظَاهِرُ اللَّفْظِ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إذَا سَمِعَ سَلَامَهُ، وَبِهِ صَرَّحَ الْبَغَوِيّ كَمَا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَنُقِلَ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ أَنَّهُ لَوْ كَلَّمَهُ، وَهُوَ مَجْنُونٌ أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ وَكَانَ لَا يَعْلَمُ بِالْكَلَامِ لَمْ يَحْنَثْ وَإِلَّا حَنِثَ، وَإِنْ لَمْ يَفْهَمْهُ وَأَنَّهُ لَوْ كَلَّمَهُ، وَهُوَ نَائِمٌ بِكَلَامٍ يُوقِظُ مِثْلَهُ حَنِثَ وَإِلَّا فَلَا، وَأَنَّهُ لَوْ كَلَّمَهُ، وَهُوَ بَعِيدٌ مِنْهُ فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يَسْمَعُ كَلَامَهُ حَنِثَ، وَإِلَّا فَلَا، سَمِعَ كَلَامَهُ أَمْ لَا وَسَتَأْتِي مَسْأَلَةُ الْإِيقَاظِ مَعَ زِيَادَةٍ تُوَافِقُ كَلَامَ الْبَغَوِيّ وَتَوَقَّفَ الْأَذْرَعِيُّ فِي الْحِنْثِ بِسَلَامِ الصَّلَاةِ وَقَالَ الرَّاجِحُ الْمُخْتَارُ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ قَوَاعِدُ الْبَابِ وَالْعُرْفُ الظَّاهِرِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ كَلَّمَهُ أَصْلًا بِخِلَافِ السَّلَامِ مُوَاجَهَةً خَارِجَ الصَّلَاةِ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ (لَا إنْ اسْتَثْنَاهُ) مِنْ الْقَوْمِ فِي سَلَامِهِ عَلَيْهِمْ (وَلَوْ بِنِيَّتِهِ) فَلَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ الْعَامَّ يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ (وَيَحْنَثُ بِتَفْهِيمٍ بِقِرَاءَةٍ) بِأَنْ قَرَأَ آيَةً أَفْهَمَهُ بِهَا وَلَمْ يَقْصِدْ قِرَاءَةً؛ لِأَنَّهُ كَلَّمَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَصَدَهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُكَلِّمْهُ (لَا بِفَتْحِهَا) أَيْ الْقِرَاءَةِ عَلَيْهِ (وَلَا بِتَسْبِيحٍ وَلَوْ لِسَهْوٍ) مِنْ إمَامِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُكَلِّمْهُ وَظَاهِرٌ مِمَّا مَرَّ فِي الصَّلَاةِ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إذَا قَصَدَ بِهِ الْقِرَاءَةَ أَوْ الذِّكْرَ وَإِلَّا فَيَحْنَثُ بِهِ فَيُسَاوِي قِرَاءَةَ الْآيَةِ الْمُفْهِمَةِ لِلْغَرَضِ، وَإِنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بَعْضُهُمْ بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَصَالِحِ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ قِرَاءَةِ الْآيَةِ وَقَوْلُهُ وَلَوْ مِنْ زِيَادَتِهِ

(فَرْعٌ) لَوْ (حَلَفَ لَا يَتَكَلَّمُ حَنِثَ) بِكُلِّ كَلَامٍ حَتَّى (بِشِعْرٍ) رَدَّدَهُ مَعَ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ كَلَامٌ (لَا بِذِكْرٍ) مِنْ تَسْبِيحٍ وَتَهْلِيلٍ وَتَكْبِيرٍ وَدُعَاءٍ (وَقِرَاءَةِ قُرْآنٍ) وَلَوْ جُنُبًا؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ عُرْفًا يَنْصَرِفُ إلَى كَلَامِ الْآدَمِيِّينَ فِي مُحَاوَرَاتِهِمْ وَفِي خَبَرِ مُسْلِمٍ إنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ إنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَعُلِمَ بِذَلِكَ تَخْصِيصُ عَدَمِ الْحِنْثِ بِمَا لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فَلَوْ حَلَفَ لَا يَسْمَعُ كَلَامَ زَيْدٍ لَمْ يَحْنَثْ بِسَمَاعِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ قَالَهُ الْجِيلِيُّ (وَ) لَا (قِرَاءَةِ شَيْءٍ مِنْ التَّوْرَاةِ) أَوْ الْإِنْجِيلِ (لِلشَّكِّ) فِي أَنَّ الَّذِي قَرَأَهُ مُبَدَّلٌ أَمْ لَا وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِمَا يَعْلَمُهُ مُبَدَّلًا كَأَنْ قَرَأَ جَمِيعَ التَّوْرَاةِ أَوْ الْإِنْجِيلِ

(أَوْ) حَلَفَ (لَيُثْنِيَن عَلَى اللَّهِ بِأَحْسَنِ الثَّنَاءِ أَوْ أَعْظَمِهِ) أَوْ أَجَلِّهِ (فَلْيَقُلْ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْت عَلَى نَفْسِك) زَادَ عَلَيْهِ إبْرَاهِيمُ الْمَرُّوذِيُّ فَلَكَ الْحَمْدُ حَتَّى تَرْضَى وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَحْسَنَ الثَّنَاءِ مَثَلًا ثَنَاءُ اللَّهِ عَلَى نَفْسِهِ؛ وَلِأَنَّ الِاعْتِرَافَ بِالْقُصُورِ عَنْ الثَّنَاءِ وَالْحَوَالَةِ عَلَى ثَنَائِهِ عَلَى نَفْسِهِ أَبْلَغُ الثَّنَاءِ وَأَحْسَنُهُ وَزَادَ الْمُتَوَلِّي فِي أَوَّلِ الذِّكْرِ سُبْحَانَك (أَوْ) حَلَفَ (لَيَحْمَدَنهُ بِمَجَامِع الْحَمْدِ) أَوْ بِأَجَلِّ التَّحْمِيدِ (فَلْيَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا يُوَافِي نِعَمَهُ وَيُكَافِئُ مَزِيدَهُ) يُقَالُ إنَّ جِبْرِيلَ عَلَّمَهُ لِآدَمَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

(قَوْلُهُ وَبِمَا مَرَّ فِي الطَّلَاقِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ عَلَّقَهُ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ إشَارَتَهُ بِمَشِيئَتِهِ كَنُطْقِهِ بِهَا لِلضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ إلَى إقَامَتِهَا مَقَامَ الْكَلَامِ فِي الْحِنْثِ (قَوْلُهُ صَوَابُهُ) أَوْ هُوَ كَذَلِكَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ (قَوْلُهُ وَعَلِمَ بِهِ) فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يَحْنَثْ وَيُسْتَثْنَى مَا لَوْ قَالَ لَا أُكَلِّمُهُ عَامِدًا وَلَا نَاسِيًا فَإِنَّهُ إذَا كَلَّمَهُ نَاسِيًا يَحْنَثُ بِلَا خِلَافٍ لَوْ إذَا حَكَمْنَا بِعَدَمِ الْحِنْثِ فِي النَّاسِي وَالْجَاهِلِ فَلَا تَنْحَلُّ الْيَمِينُ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَوْ قَالَ لَا أُكَلِّمُهُ الْيَوْمَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَدَعَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ كُلَّمَا زَادَ فِي سِتَّةٍ إلَّا شَهْرٍ وَلَوْ قَالَ فِي يَوْمِ السَّبْتِ لَا أُكَلِّمُهُ الْيَوْمَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ فَالْيَمِينُ عَلَى سَبَّتَيْنِ وَكَذَا لَوْ قَالَ لَا أُكَلِّمُهُ يَوْمَ السَّبْتِ يَوْمَيْنِ (قَوْلُهُ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَكَأَنْ لَا يَعْلَمَ بِالْكَلَامِ) كَمَا لَوْ كَلَّمَهُ، وَهُوَ أَصَحُّ (قَوْلُهُ وَسَتَأْتِي مَسْأَلَةُ الْإِيقَاظِ) قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ حُكْمَ التَّكْلِيمِ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ وَغَيْرِهَا فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ (قَوْلُهُ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ) وَرَدَّ ذَلِكَ الْبُلْقِينِيُّ وَقَالَ إنَّمَا أَخَذَهُ الرَّافِعِيُّ مِنْ الشَّامِلِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ فِي الشَّامِلِ بَحْثًا فَقَالَ أَنَّهُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمَذْهَبُ (قَوْلُهُ لَا إنْ اسْتَثْنَاهُ وَلَوْ بِنِيَّتِهِ فَلَا يَحْنَثُ) بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ عَلَى فُلَانٍ فَدَخَلَ عَلَى قَوْمٍ هُوَ فِيهِمْ وَاسْتَثْنَاهُ بِقَلْبِهِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ لِوُجُودِ صُورَةِ الدُّخُولِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا يَصِحُّ فِي الْأَفْعَالِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ دَخَلْت عَلَيْكُمْ إلَّا زَيْدًا وَيَصِحُّ سَلَّمْت عَلَيْكُمْ إلَّا زَيْدًا (قَوْلُهُ وَلَمْ يَقْصِدْ قِرَاءَةً) بِأَنْ قَصَدَ التَّفْهِيمَ فَقَطْ أَوْ أَطْلَقَ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَصَدَهَا) وَلَوْ مَعَ التَّفْهِيمِ (قَوْلُهُ وَظَاهِرٌ مِمَّا مَرَّ فِي الصَّلَاةِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

(فَرْعٌ) سُئِلَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ لَيَنْفَرِدَن بِعِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُشَارِكُهُ فِيهَا غَيْرُهُ أَوْ نَذَرَ ذَلِكَ فَأَجَابَ بِأَنَّ سَبِيلَهُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالطَّوَافِ إذَا خَلَا الْبَيْتُ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ مِنْ الْعِبَادَاتِ يَجُوزُ أَنْ يُوَافِقَهُ غَيْرُهُ فِيهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَكَذَلِكَ الِانْفِرَادُ بِالْإِمَامَةِ الْعُظْمَى فَإِنَّ الْإِمَامَ لَا يَكُونُ إلَّا وَاحِدًا فَإِذَا قَامَ بِهَا وَاحِدٌ فَقَدْ انْفَرَدَ بِهَا بِعِبَادَةٍ، وَهِيَ أَعْظَمُ الْعِبَادَاتِ وَسُئِلَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِزَوْجَتِهِ إنْ لَمْ أَشْتَرِ لَك كُلَّ شَيْءٍ فَأَنْت طَالِقٌ أَوْ نَذَرَ لَيَشْتَرِيَن لَهَا كُلَّ شَيْءٍ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ يَشْتَرِي لَهَا مُصْحَفًا كَرِيمًا فَلَا يَحْنَثُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: ٣٨] (قَوْلُهُ وَعُلِمَ بِذَلِكَ تَخْصِيصُ عَدَمِ الْحِنْثِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ إلَخْ.

(قَوْلُهُ وَلَوْ حَلَفَ لَيُثْنِيَن عَلَى اللَّهِ بِأَحْسَنِ الثَّنَاءِ أَوْ أَعْظَمِهَا إلَخْ) وَلَوْ قَالَ لَأَدْعُوَنهُ بِاسْمِهِ الْأَعْظَمِ قَالَ الْبَغَوِيّ فِي تَعْلِيقِهِ دَعَاهُ بِتِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ اسْمًا فَيَبَرُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>