للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفَارَقَ الْفِعْلُ الْقَوْلَ حَيْثُ اسْتَوَى قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ فِي الْإِبْطَالِ بِأَنَّ الْفِعْلَ يَتَعَذَّرُ، أَوْ يَتَعَسَّرُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَعُفِيَ عَنْ الْقَدْرِ الَّذِي لَا يُخِلُّ بِالصَّلَاةِ بِخِلَافِ الْقَوْلِ (وَالرُّجُوعُ) فِي الْقَلِيلِ، وَالْكَثِيرِ (إلَى الْعُرْفِ، فَالْإِشَارَةُ بِرَدِّ السَّلَامِ، وَاللُّبْسُ الْخَفِيفُ) كَلُبْسِ خَاتَمٍ، أَوْ نَعْلٍ (وَقَتْلُ قَمْلَةٍ وَدَمُهَا عَفْوٌ، وَالْخُطْوَتَانِ، وَالضَّرْبَتَانِ قَلِيلٌ) فَلَا يُبْطِلُ شَيْءٌ مِنْهَا الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رَدَّ السَّلَامَ فِيهَا بِالْإِشَارَةِ» كَمَا مَرَّ «وَخَلَعَ نَعْلَيْهِ فِيهَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ «وَأَخَذَ بِأُذُنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ فِيهَا فَأَدَارَهُ مِنْ يَسَارِهِ إلَى يَمِينِهِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ «وَأَمَرَ بِقَتْلِ الْأَسْوَدَيْنِ الْحَيَّةِ، وَالْعَقْرَبِ فِيهَا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ قَلِيلٌ خَبَرُ الْإِشَارَةِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهَا وَقَوْلُهُ مِنْ زِيَادَتِهِ وَدَمُهَا عَفْوٌ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ فِي مَحَلِّ الْحَالِ، وَالْمُرَادُ مَعْلُومٌ مِمَّا مَرَّ فِي الشَّرْطِ الرَّابِعِ وَخَرَجَ بِدَمِهَا جِلْدُهَا فَلَا يُعْفَى عَنْهُ، وَالْخَطْوَةُ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ، وَهِيَ الْمُرَادَةُ هُنَا وَبِضَمِّهَا مَا بَيْنَ الْقَدَمَيْنِ وَهُوَ الْمُرَادُ فِي صَلَاةِ الْمُسَافِرِ وَقِيلَ لُغَتَانِ فِيهِمَا (وَتَبْطُلُ بِثَلَاثٍ) مُتَوَالِيَةٍ (وَبِوَاحِدَةٍ مَعَ نِيَّتِهِنَّ) بِأَنْ نَوَى فِعْلَ الثَّلَاثِ، ثُمَّ أَتَى بِوَاحِدَةٍ وَالثَّانِيَةُ مِنْ زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهَا الْعِمْرَانِيُّ (وَلَوْ فَرَّقَ الْفِعْلَ) بِأَنْ أَتَى بِالثَّلَاثِ مُتَفَرِّقَةً (بِحَيْثُ تُعَدُّ الثَّانِيَةُ مُنْقَطِعَةً عَنْ الْأُولَى) ، أَوْ الثَّالِثَةُ مُنْقَطِعَةً عَنْ الثَّانِيَةِ (لَمْ يَضُرَّ) ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «حَمَلَ أُمَامَةَ وَوَضَعَهَا فِي الصَّلَاةِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَكَلَامُهُمْ يَقْتَضِي الْبُطْلَانَ بِجَعْلِ الْخُطْوَةِ الْمُغْتَفَرَةِ ثَلَاثًا مُتَوَالِيَةً وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ قَالَ وَلَا أُنْكِرُ الْبُطْلَانَ بِتَوَالِي خُطْوَتَيْنِ وَاسِعَتَيْنِ جِدًّا فَإِنَّهُمَا قَدْ تُوَازِيَانِ الثَّلَاثَ عُرْفًا.

(وَلَوْ فَحُشَتْ الْفِعْلَةُ كَوَثْبَةٍ بَطَلَتْ) إلْحَاقًا لَهَا بِالْكَثِيرِ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْأَصْلِ كَالْوَثْبَةِ الْفَاحِشَةِ إذْ التَّقْيِيدُ بِالْفَاحِشَةِ يُفْهِمُ أَنَّ لَنَا وَثْبَةً غَيْرَ فَاحِشَةٍ لَا تُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ (أَوْ خَفَّتْ الْفِعْلَاتُ كَعَدِّ سُبْحَةٍ) وَآيَاتٍ (وَعَقْدٍ وَحَلٍّ وَحَكِّهِ) بَدَنَهُ لِجَرَبٍ، أَوْ نَحْوِهِ (بِأَصَابِعَ) فِي الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ (لَمْ يَضُرَّ) ؛ لِأَنَّهَا لَا تُخِلُّ بِالصَّلَاةِ (وَ) ، لَكِنْ (الْأَوْلَى تَرْكُهُ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْفِعْلَاتِ الْخَفِيفَةِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَلَا يُقَالُ مَكْرُوهٌ، لَكِنْ جَزَمَ فِي التَّحْقِيقِ بِكَرَاهَتِهِ وَهُوَ غَرِيبٌ أَمَّا تَحْرِيكُ الْيَدِ بِذَلِكَ ثَلَاثًا فَمُبْطِلٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِهِ جَرَبٌ لَا يَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى عَدَمِ الْحَكِّ فَلَا تَبْطُلُ قَالَهُ الْخُوَارِزْمِيَّ قَالَ وَرَفْعُ الْيَدِ عَنْ الصَّدْرِ وَوَضْعُهَا فِي مَحَلِّ الْحَكِّ مَرَّةً وَاحِدَةً.

(وَلَوْ فَضَّ كِتَابًا) أَيْ فَتَحَهُ (وَفَهِمَ مَا فِيهِ، أَوْ قَرَأَ فِي مُصْحَفٍ وَ) لَوْ (قَلَبَ أَوْرَاقَهُ أَحْيَانًا لَمْ تَبْطُلْ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَسِيرٌ، أَوْ غَيْرُ مُتَوَالٍ لَا يُشْعِرُ بِالْإِعْرَاضِ (وَالْقَلِيلُ) مِنْ الْفِعْلِ الَّذِي يُبْطِلُ كَثِيرُهُ إذَا تَعَمَّدَهُ بِلَا حَاجَةٍ (مَكْرُوهٌ لَا فِي) فِعْلٍ (مَنْدُوبٍ كَقَتْلِ حَيَّةٍ وَعَقْرَبٍ) وَنَحْوِهِمَا فَلَا يُكْرَهُ بَلْ يُنْدَبُ لِلْأَمْرِ بِهِ كَمَا مَرَّ.

(وَيُكْرَهُ الِالْتِفَاتُ) بِوَجْهِهِ فِي الصَّلَاةِ بِلَا حَاجَةٍ لِخَبَرِ عَائِشَةَ «سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الِالْتِفَاتِ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ هُوَ اخْتِلَاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلَاةِ الْعَبْدِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اشْتَكَى فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ وَهُوَ قَاعِدٌ، فَالْتَفَتَ إلَيْنَا فَرَآنَا قِيَامًا فَأَشَارَ إلَيْنَا» الْحَدِيثَ (وَنَظَرُ السَّمَاءِ) لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إلَى السَّمَاءِ فِي صَلَاتِهِمْ لَيَنْتَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ، أَوْ لَتُخَطَّفَنَّ أَبْصَارُهُمْ» (وَ) نَظَرُ (مَا يُلْهِي) عَنْ الصَّلَاةِ كَثَوْبٍ لَهُ أَعْلَامٌ وَرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ يَسْتَقْبِلَانِ الْمُصَلِّي لِخَبَرِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي وَعَلَيْهِ خَمِيصَةٌ ذَاتُ أَعْلَامٍ فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ أَلْهَتْنِي أَعْلَامُ هَذِهِ اذْهَبُوا بِهَا إلَى أَبِي جَهْمٍ وَأْتُونِي بِأَنْبِجَانِيَّتِهِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ (، وَالتَّثَاؤُبُ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «إذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ، وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إذَا قَالَ هَا هَا ضَحِكَ الشَّيْطَانُ مِنْهُ» قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَيُكْرَهُ التَّثَاؤُبُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ أَيْضًا (وَالنَّفْخُ) ؛ لِأَنَّهُ عَبَثٌ (وَمَسْحُ الْحَصَى) وَنَحْوُهُ حَيْثُ يَسْجُدُ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ «لَا تَمْسَحْ الْحَصَى وَأَنْتَ تُصَلِّي، فَإِنْ كُنْت لَا بُدَّ فَاعِلًا فَوَاحِدَةً تَسْوِيَةً لِلْحَصَى» ؛ وَلِأَنَّهُ يُخَالِفُ التَّوَاضُعَ، وَالْخُشُوعَ (، وَالِاخْتِصَارُ) بِأَنْ يَجْعَلَ يَدَهُ عَلَى خَاصِرَتِهِ لِلنَّهْيِ عَنْهُ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلِأَنَّهُ يُخَالِفُ مَا ذُكِرَ (وَتَفْقِيعُ الْأَصَابِعِ وَتَشْبِيكُهَا) لِأَنَّ ذَلِكَ عَبَثٌ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَيُكْرَهُ أَنْ يُرَوِّحَ عَلَى نَفْسِهِ فِي الصَّلَاةِ وَأَنْ يَمْسَحَ وَجْهَهُ فِيهَا وَقَبْلَ الِانْصِرَافِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

أَحَدُهُمَا لَا كَمَا لَوْ سَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ نَاسِيًا وَتَكَلَّمَ عَامِدًا لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ. اهـ.

وَأَجَابَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَغَيْرُهُ عَنْ خَبَرِ ذِي الْيَدَيْنِ بِأَنَّهَا غَيْرُ كَثِيرَةٍ وَحَكَاهُ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ (قَوْلُهُ: وَالْخَطْوَةُ بِفَتْحِ الْخَاءِ إلَخْ) هَلْ الْخَطْوَةُ عِبَارَةٌ عَنْ نَقْلِ رِجْلٍ وَاحِدَةٍ فَقَطْ حَتَّى يَكُونَ نَقْلُ الْأُخْرَى إلَى مُحَاذَاتِهَا خَطْوَةً أُخْرَى، أَوْ نَقْلُ الْأُخْرَى إلَى مُحَاذَاتِهَا دَاخِلٌ فِي مُسَمَّى الْخَطْوَةِ كُلٌّ مِنْهُمَا مُحْتَمَلٌ، وَالثَّانِي أَقْرَبُ، أَمَّا نَقْلُ كُلٍّ مِنْ الرِّجْلَيْنِ عَلَى التَّعَاقُبِ إلَى جِهَةِ التَّقَدُّمِ عَلَى الْأُخْرَى أَوْ جِهَةِ التَّأَخُّرِ عَنْهَا فَخُطْوَتَانِ بِلَا شَكٍّ اب وَأَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ الْأَوَّلُ (قَوْلُهُ وَصَرَّحَ بِهِ الْعِمْرَانِيُّ) وَهُوَ الرَّاجِحُ (قَوْلُهُ: وَكَلَامُهُمْ يَقْتَضِي الْبُطْلَانَ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: قَالَ وَلَا أُنْكِرُ الْبُطْلَانَ إلَخْ) ضَعِيفٌ

(قَوْلُهُ: قَالَهُ الْخُوَارِزْمِيَّ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ الْقَاضِي فِي الْفَتَاوَى أَنَّهُ لَوْ أَكْثَرَ مِنْ حَكِّ جَسَدِهِ مِرَارًا مُتَوَالِيَةً مُخْتَارًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، فَإِنْ كَانَ لِجَرَبٍ لَا يُمْكِنُهُ الصَّبْرُ عَنْهُ لَمْ تَبْطُلْ اهـ وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ إطْلَاقُ الْبَغَوِيّ أَنَّ الْحَكَّ ثَلَاثًا مُبْطِلٌ د (تَنْبِيهٌ) لَا تَبْطُلُ بِتَحْرِيكِ جُفُونِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مُتَوَالِيَاتٍ وَلَا بِإِخْرَاجِ لِسَانِهِ مِنْ فَمِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مُتَوَالِيَاتٍ خِلَافًا لِمَا أَفْتَى بِهِ الْبُلْقِينِيُّ

(قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ الِالْتِفَاتُ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إذَا الْتَفَتَ وَلَمْ يُحَوِّلْ قَدَمَيْهِ، فَإِنْ قَصَدَ مُنَافَاةَ الصَّلَاةِ بَطَلَتْ وَإِلَّا لَمْ تَبْطُلْ مَا لَمْ يَتَطَاوَلْ الزَّمَانُ وَيَمْنَعْهُ مِنْ مُتَابَعَةِ الْأَرْكَانِ قُلْت، وَالْأَشْبَهُ إذَا كَرَّرَهُ ثَلَاثًا عَامِدًا ذَاكِرًا مُتَوَالِيًا الْبُطْلَانُ لِمَا سَبَقَ فِي تَحْرِيكِ الْكَفِّ ضَرُورَةً؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ، أَوْ يُخَرَّجُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي تَحْرِيكِ الْأَصَابِعِ قو (قَوْلُهُ: لِخَبَرِ عَائِشَةَ إلَخْ) وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَزَالُ اللَّهُ مُقْبِلًا عَلَى الْعَبْدِ وَهُوَ فِي صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ فَإِذَا الْتَفَتَ انْصَرَفَ عَنْهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

<<  <  ج: ص:  >  >>