لَهُ وَسَلَّطْته عَلَيْهِ) وَمَكَّنْته مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ وَقَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ إلَخْ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ فِي بَابِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ إلَّا قَوْلَهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَعْلَمَ الْخَصْمُ بِأَنَّ الْحُكْمَ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ فَذَكَرَهُ هُنَا فِي الطَّرَفِ الثَّالِثِ.
(ثُمَّ إنَّ الْقَاضِيَ إنْ سَأَلَ) الْإِشْهَادَ بِحُكْمِهِ أَوْ كَتْبَ سِجِلٍّ بِهِ (يَلْزَمُهُ الْإِشْهَادُ بِالْحُكْمِ لَا الْكَتْبُ) بِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ وَلَوْ فِي الدُّيُونِ الْمُؤَجَّلَةِ وَالْوُقُوفِ وَأَمْوَالِ الْمَصَالِحِ (كَمَا سَبَقَ) فِي نَظِيرِهِ فِي كَتْبِ الْمَحْضَرِ وَيَأْتِي فِي اسْتِحْبَابِهِ التَّفْصِيلُ السَّابِقُ ثَمَّ كَمَا أَفَادَهُ كَلَامُ الْأَصْلِ (وَيَكْتُبُ) الْكَاتِبُ (فِي الْمَحْضَرِ حُضُورَ الْخَصْمَيْنِ عِنْدَ الْقَاضِيَ وَيَصِفُ الْجَمِيعَ) أَيْ الثَّلَاثَةَ (بِمَا يُمَيِّزُهُمْ وَكَذَا) يَكْتُبُ (فِي السِّجِلِّ) ذَلِكَ (وَ) يُكْتَبُ فِيهِمَا (دَعْوَى الْمُدَّعِي وَإِقْرَارَ خَصْمِهِ أَوْ إنْكَارَهُ وَإِحْضَارَهُ الشُّهُودَ وَيُسَمِّيهِمْ) وَقَوْلُهُ (وَيَكْتُبُ حِلْيَتَهُمْ) أَيْ إذَا احْتَاجَ إلَيْهَا مِنْ زِيَادَتِهِ وَكَأَنَّهُ قَاسَهُ عَلَى كَتْبِ حِلْيَةِ الْخَصْمَيْنِ فَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ مَعْرِفَتِهِ الشُّهُودَ وَعَدَمِهَا كَمَا يَأْتِي فِي الْخَصْمَيْنِ (وَالنَّظَرُ إلَى الْمَرْأَةِ فِي هَذَا) أَيْ فِي كَتْبِ الْحِلْيَةِ إذَا كَانَتْ أَحَدَ الشُّهُودِ أَوْ الْخُصُومِ (كَتَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ) فَيَجُوزُ إذَا اُحْتِيجَ إلَى إثْبَاتِ حِلْيَتِهَا (فَإِنْ كَانَ) الْقَاضِي (يَعْرِفُ الْخَصْمَيْنِ فَكَتَبَ حِلْيَتَهُمَا) طُولًا وَقِصَرًا وَسُمْرَةً وَشُقْرَةً وَنَحْوَهَا (مُسْتَحَبٌّ وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْهُ وَيَكْتُبُ) مَعَ مَا ذُكِرَ (سَمَاعُ الشَّهَادَةِ بِسُؤَالِهِ) أَيْ الْمُدَّعِي (فِي مَجْلِسِ حُكْمِ الْقَاضِي وَثُبُوتِ عَدَالَتِهِمْ) عِنْدَهُ (وَيُؤَرِّخُ) مَا يَكْتُبُهُ (وَيَكْتُبُ) الْقَاضِي (عَلَى رَأْسِ الْمَحْضَرِ عَلَامَتَهُ) مِنْ الْحَمْدَلَةِ وَغَيْرِهَا.
(وَيَجُوزُ إبْهَامُ الشَّاهِدَيْنِ فَيَكْتُبُ) وَأَحْضَرَ (عَدْلَيْنِ) شَهِدَا بِمَا ادَّعَاهُ (وَإِنْ اكْتَفَى عَنْ الْمَحْضَرِ بِكَتْبِهِ عَلَى شَاهِدَيْ الصَّكِّ شَهِدَا عِنْدِي بِكَذَا وَعَلَامَتُهُ جَازَ) عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَلَوْ كَانَ مَعَ الْمُدَّعِي كِتَابٌ فِيهِ خَطُّ الشَّاهِدَيْنِ وَكَتَبَ تَحْتَ خَطِّهِمَا شَهِدَا عِنْدِي بِذَلِكَ وَأَثْبَتَ عَلَامَتَهُ فِي رَأْسِ الْكِتَابِ وَاكْتَفَى بِهِ عَنْ الْمَحْضَرِ جَازَ، وَإِنْ كَتَبَ الْمَحْضَرَ وَضَمَّنَهُ ذَلِكَ الْكِتَابَ جَازَ وَعَلَى هَذَا قِيَاسُ مَحْضَرٍ يُذْكَرُ فِيهِ تَحْلِيفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ الْمُدَّعِي بَعْدَ نُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. اهـ. (وَفِي السِّجِلِّ يَحْكِي) الْكَاتِبُ (صُورَةَ الْحَالِ وَأَنَّهُ حَكَمَ بِذَلِكَ) لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ (وَأَنْفَذَهُ بِسُؤَالِ الْمَحْكُومِ لَهُ) وَقَدْ بَيَّنَ الْأَصْلُ صُورَتَيْ الْمَحْضَرِ وَالسِّجِلِّ (وَيَجْعَلُ مِنْ الْمَحَاضِرِ وَالسِّجِلَّانِ نُسْخَتَيْنِ لِتَبْقَى عِنْدَهُ) فِي دِيوَانِ الْحُكْمِ (وَاحِدَةٌ) لِلْأَمْنِ مِنْ التَّزْوِيرِ (مَخْتُومَةً مُعَنْوَنَةً بِاسْمِ أَصْحَابِهَا) وَيَجْعَلُ الْأُخْرَى عِنْدَ ذِي الْحَقِّ غَيْرَ مَخْتُومَةٍ لِيُلْقِيَ بِهَا الشُّهُودُ وَالْحَاكِمُ فِي بَعْضِ الْأَزْمِنَةِ وَيُذَكِّرَهُمْ لِئَلَّا يَنْسَوْا (وَتُوضَعُ) الَّتِي عِنْدَ الْقَاضِي (فِي الْقِمَطْرِ) ، وَهُوَ السَّفَطُ الَّذِي يُجْمَعُ فِيهِ الْمَحَاضِرُ وَالسِّجِلَّاتُ وَيَكُونُ (بَيْنَ يَدَيْهِ) إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ (وَيَخْتِمُ عِنْدَ قِيَامِهِ. وَهُوَ يَنْظُرُ وَيَحْمِلُ مَعَهُ)
إلَى مَوْضِعِهِ (وَيَجْمَعُ أُسْبُوعًا) بِأَنْ يَدْعُوَ بِهِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَيَنْظُرُ فِي الْخَتْمِ وَيَفُكُّ، وَهُوَ يَنْظُرُ وَيَضَعُ فِيهِ كُتُبَ الْيَوْمِ الثَّانِي كَمَا ذُكِرَ وَهَكَذَا يَفْعَلُ حَتَّى يَمْضِيَ الْأُسْبُوعُ (ثُمَّ إنْ كَثُرَتْ جَعَلَهَا إضْبَارَةً) بِهَمْزَةٍ مَكْسُورَةٍ وَضَادٍ مُعْجَمَةٍ وَبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ وَرَاءٍ مُهْمَلَةٍ هِيَ الرَّبْطَةُ مِنْ الْوَرَقِ وَيُعَبَّرُ عَنْهَا بِالرِّزْمَةِ وَبِالْحُزْمَةِ تَقُولُ ضَبَرْت الْكُتُبَ أَضْبِرُهَا ضَبْرًا إذَا ضَمَمْت بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ وَجَعَلْتهَا رَبْطَةً وَاحِدَةً وَيُسَمَّى أَيْضًا كُلُّ شَيْءٍ مُجْتَمِعٍ ضِبَارَةً بِكَسْرِ الضَّادِ وَجَمْعُهُ ضَبَائِرُ (وَيَكْتُبُ عَلَيْهَا خُصُومَةَ أُسْبُوعِ كَذَا وَيُؤَرِّخُ) بِأَنْ يَكْتُبَ مِنْ شَهْرِ كَذَا مِنْ سَنَةِ كَذَا (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ تَكْثُرْ (جَمَعَهَا فِي السَّنَةِ) بِأَنْ يَتْرُكَهَا حَتَّى يَمْضِيَ شَهْرٌ ثُمَّ يَعْزِلَهَا فَإِذَا مَضَتْ سَنَةٌ يَجْمَعُهَا (وَيَكْتُبُ) عَلَيْهَا (خُصُومَاتُ سَنَةِ كَذَا) لِيَسْهُلَ الْوُقُوفُ عَلَيْهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ (وَيَحْتَاطُ فِي حِفْظِهَا) بِأَنْ يَجْعَلَهَا بِمَوْضِعٍ لَا يَصِلُهُ غَيْرُهُ (وَيَتَوَلَّى الْأَخْذَ مِنْهَا بِنَفْسِهِ) إذَا احْتَاجَ إلَى شَيْءٍ مِنْهَا وَيَنْظُرُ أَوَّلًا إلَى خَتْمِهِ وَعَلَامَتِهِ (وَ) يَتَوَلَّى (رَدَّهَا مَكَانَهَا)
وَمِنْ الْآدَابِ أَنْ (يَجْمَعَ) الْقَاضِي بِمَجْلِسِ الْحُكْمِ (الْعُلَمَاءَ) الْمُوَافِقِينَ لَهُ وَالْمُخَالِفِينَ (الْأُمَنَاءَ لِلْمُشْكِلَةِ) مِنْ الْمَسَائِلِ ثُمَّ يَخْرُجُ إلَيْهِمْ (وَيُشَاوِرُهُمْ) فِي الْحُكْمِ فِيهَا عِنْدَ تَعَارُضِ الْآرَاءِ وَالْمَذَاهِبِ لِيَأْخُذَ بِالْأَرْجَحِ عِنْدَهُ مِنْ مَجْمُوعِ أَدِلَّتِهِمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: ١٥٩] وَلِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ وَغَيْرِهِ «الْمُسْتَشِيرُ مُعَانٌ وَالْمُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ» ؛ وَلِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ التُّهْمَةِ وَأَطْيَبُ لِلْخُصُومِ بِخِلَافِ الْحُكْمِ الْمَعْلُومِ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ قِيَاسٍ جَلِيٍّ وَلَا يُشَاوِرُ غَيْرَ عَالَمٍ وَلَا عَالِمًا غَيْرَ أَمِينٍ فَإِنَّهُ رُبَّمَا يُضِلُّهُ وَإِذَا حَضَرُوا فَإِنَّمَا يَذْكُرُونَ مَا عِنْدَهُمْ إذَا سَأَلَهُمْ (وَلَا يَبْتَدِرُونَ بِالِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِ إلَّا فِيمَا يَجِبُ نَقْضُهُ) كَمَا سَيَأْتِي (وَ) أَنْ (يُؤَدِّبَ مَنْ أَسَاءَ) الْأَدَبَ (بِمَجْلِسِهِ) مِنْ الْخُصُومِ (بِتَكْذِيبِ شَاهِدٍ وَإِظْهَارِ تَعَنُّتٍ لِخَصْمٍ) كَأَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ وَقَالَ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ يَلْزَمُهُ الْإِشْهَادُ بِالْحُكْمِ) ؛ لِأَنَّ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ قَدْ يُنْكِرُ مِنْ بَعْدُ فَلَا يَتَمَكَّنُ الْقَاضِي مِنْ الْحُكْمِ عَلَيْهِ إنْ قُلْنَا لَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ أَوْ قَدْ يَنْسَى أَوْ يُعْزَلُ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ (قَوْلُهُ فِي الْقِمَطْرِ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الطَّاءِ (قَوْلُهُ وَهُوَ السَّفَطُ) بِفَتْحِ السِّينِ وَالْفَاءِ
(قَوْلُهُ: وَيُشَاوِرُهُمْ فِي الْحُكْمِ عِنْدَ تَعَارُضِ الْآرَاءِ) وَإِنْ كَانُوا دُونَهُ فَإِنَّ الْعُلُومَ مَوَاهِبُ وَقَدْ يُفْتَحُ عَلَى الصَّغِيرِ بِمَا لَيْسَ عِنْدَ الْكَبِيرِ وَقَدْ «شَاوَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْحَابَهُ» وَهُمْ بِلَا شَكٍّ دُونَهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَوْضِعُ النَّدْبِ فِي الْمُجْتَهِدِ الَّذِي لَهُ أَهْلِيَّةُ النَّظَرِ أَوْ التَّخْرِيجِ عَلَى مَذْهَبِ إمَامِهِ فَإِنْ قَصَّرَ عَنْ هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ فَيُتَّجَهُ وُجُوبُ إحْضَارِ فُقَهَاءِ مَذْهَبِهِ اهـ فَلَعَلَّهُمْ يُنَبِّهُونَهُ عَلَى نَصٍّ لِإِمَامِهِ أَوْ قَيْدٍ أَوْ شَرْطٍ فِي الْمَسْأَلَةِ أَوْ نَقْلٍ خَاصٍّ فِيهَا لَمْ يَظْفَرْ بِهِ أَوْ تَرْجِيحٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ قَالَ جَمَاعَةٌ: مِنْ أَصْحَابِنَا وَهُمْ الَّذِينَ تَجُوزُ تَوْلِيَتُهُمْ الْقَضَاءَ وَقَالَ آخَرُونَ الَّذِينَ يَجُوزُ لَهُمْ الْإِفْتَاءُ وَهُوَ الظَّاهِرُ فَيُشَاوِرُ الْأَعْمَى وَالْعَبْدَ وَالْمَرْأَةَ لَكِنْ لَا تَحْضُرُ الْمَرْأَةُ الْمَجْلِسَ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِنَّمَا يُشَاوِرُ مَنْ فَوْقَهُ أَوْ مِثْلَهُ فِي الْعِلْمِ لَا دُونَهُ عَلَى الْأَصَحِّ وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ قَالَ الْقَاضِي وَإِذَا أَشْكَلَ الْحُكْمُ تَكُونُ الْمُشَاوَرَةُ وَاجِبَةً وَإِلَّا فَمُسْتَحَبَّةٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute