للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ أَسْبَابَ الْفِسْقِ خَفِيَّةٌ غَالِبًا فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الْمُزَكِّي حَالَ مَنْ يُزَكِّيهِ وَهَذَا كَمَا فِي الشَّهَادَةِ بِالْإِفْلَاسِ.

(وَ) أَنْ (يَعْلَمَ الْقَاضِي مِنْهُ ذَلِكَ) أَيْ أَنَّهُ خَبِيرٌ بِبَاطِنِ الْحَالِ فِي كُلِّ تَزْكِيَةٍ خَفِيَّةٍ أَيْ يُبْنَى عَلَى الظَّاهِرِ قَالَ فِي الْأَصْلِ: إلَّا إذَا عُلِمَ مِنْ عَادَتِهِ أَنَّهُ لَا يُزَكِّي إلَّا بَعْدَ الْخِبْرَةِ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي خِبْرَةِ الْبَاطِنِ التَّقَادُمُ فِي مَعْرِفَتِهَا لِئَلَّا يَتَضَرَّرَ الْمُتَدَاعِيَانِ بِالتَّأْخِيرِ الطَّوِيلِ بَلْ يَكْتَفِي (بِشِدَّةِ الْفَحْصِ عَنْ الشَّخْصِ وَلَوْ غَرِيبًا يَصِلُ) الْمُزَكِّي بِفَحْصِهِ (إلَى ذَلِكَ) أَيْ كَوْنُهُ خَبِيرًا بِبَاطِنِهِ (فَحِينَ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ عَدَالَتُهُ بِاسْتِفَاضَةٍ) مِنْ جَمْعٍ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِبَاطِنِ حَالِهِ (شَهِدَ بِهَا) إقَامَةً لِخِبْرَتِهِمْ مَقَامَ خِبْرَتِهِ كَمَا أُقِيمَ فِي الْجَرْحِ رُؤْيَتُهُمْ مَقَامَ رُؤْيَتِهِ (وَيَعْتَمِدُ) الْمُزَكِّي (فِي الْجَرْحِ الْمُعَايَنَةَ) بِأَنْ يَرَاهُ يَزْنِي أَوْ يَشْرَبَ الْخَمْرَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ (وَالسَّمَاعُ بِأَنْ يَسْمَعَهُ يَقْذِفُ) شَخْصًا (أَوْ يُقِرَّ) عَلَى نَفْسِهِ (بِكَبِيرَةٍ) أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَتَعْبِيرُهُ بِكَبِيرَةٍ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِزِنًا أَوْ شُرْبِ خَمْرٍ (وَكَذَا إنْ سَمِعَ مِنْ غَيْرِهِ وَتَوَاتَرَ أَوْ اسْتَفَاضَ) لِحُصُولِ الْعِلْمِ أَوْ الظَّنِّ بِذَلِكَ بِخِلَافِ مَا لَوْ سَمِعَ مِنْ عَدَدٍ لَا يَحْصُلُ بِهِ تَوَاتُرٌ وَلَا اسْتِفَاضَةٌ لَكِنَّهُ يَشْهَدُ عَلَى شَهَادَتِهِمْ بِشَرْطِهِ.

(وَلِيُبَيِّنَ) فِي تَجْرِيحِهِ غَيْرَهُ (سَبَبَ الْجَرْحِ) مِنْ زِنًا أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا؛ لِأَنَّ أَسْبَابَهُ مُخْتَلَفٌ فِيهَا وَقَدْ يَظُنُّ الشَّاهِدَانِ مَا لَيْسَ بِجَرْحٍ عِنْدَ الْقَاضِي جَرْحًا وَلَا حَاجَةَ إلَى بَيَانِ سَبَبِ التَّعْدِيلِ؛ لِأَنَّ أَسْبَابَهُ غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِعَدَمِ قَبُولِ الشَّهَادَةِ بِالْجَرْحِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ سَبَبِهِ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ أَصْلًا حَتَّى تُقَدَّمَ عَلَيْهَا بَيِّنَةُ التَّعْدِيلِ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَجِبُ التَّوْقِيفُ عَنْ الْعَمَلِ بِهَا إلَى بَيَانِ السَّبَبِ كَمَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي جَرْحِ الرَّاوِي وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الرِّوَايَةِ وَالشَّهَادَةِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَفِي عَدَمِ الْفَرْقِ وَقْفَةٌ لِلْمُتَأَمِّلِ وَفِي اشْتِرَاطِ ذِكْرِ مَا يَعْتَمِدُهُ الْمُزَكِّي فِي الْجَرْحِ مِنْ الْمُعَايَنَةِ وَالسَّمَاعِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا، وَهُوَ الْأَشْهَرُ نَعَمْ وَثَانِيهِمَا، وَهُوَ الْأَقْيَسُ لَا، ذِكْرُ ذَلِكَ فِي الْأَصْلِ وَظَاهِرُ صَنِيعِ الْمُصَنِّفِ اعْتِمَادُ الثَّانِي (فَإِنْ شَهِدَ بِأَنَّهُ زِنًا لَمْ يُجْعَلْ قَاذِفًا) ، وَإِنْ لَمْ يُوَافِقْهُ غَيْرُهُ لِعُذْرِهِ (لِأَنَّهُ مَسْئُولٌ) عَنْ شَهَادَتِهِ (وَالْجَوَابُ مِنْهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ) أَوْ عَيْنٍ وَبِذَلِكَ فَارَقَ مَا لَوْ شَهِدَ دُونَ أَرْبَعَةٍ بِالزِّنَا فَإِنَّهُ يُجْعَلُ قَاذِفًا؛ لِأَنَّهُ مَنْدُوبٌ إلَى السَّتْرِ فَهُوَ مُقَصِّرٌ (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُزَكِّيَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ الْآخَرَ) لِقِيَامِهِ بِأَحَدِ الشَّطْرَيْنِ فَلَا يَقُومُ بِالْآخَرِ (وَلَا وَالِدُهُ وَ) لَا (وَلَدُهُ) كَالْحُكْمِ لَهُمَا (وَإِنْ جُهِلَ مُزَكٍّ زَكَّى) فَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ وَعَدَّلَهُمَا آخَرَانِ مَجْهُولَانِ وَزَكَّى الْآخَرَيْنِ مُزَكِّيَانِ لِلْقَاضِي جَازَ.

(وَلَا يَكْفِي) فِي ثُبُوتِ الْعَدَالَةِ (رُقْعَةُ مُزَكٍّ بِالتَّزْكِيَةِ) ؛ لِأَنَّ الْخَطَّ لَا يُعْتَمَدُ فِي الشَّهَادَةِ كَمَا مَرَّ (بَلْ لَا بُدَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ مَعَهَا) إنْ كَانَ الْقَاضِي يَحْكُمُ بِشَهَادَةِ الْمُزَكِّينَ فَإِنْ وُلِّيَ بَعْضُهُمْ الْحُكْمَ بِالْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ فَلْيَكُنْ كِتَابُهُ كَكِتَابِ قَاضٍ إلَى قَاضٍ وَالرَّسُولَانِ كَشَاهِدَيْنِ عَلَيْهِ (وَأَصْحَابُ الْمَسَائِلِ فُرُوعٌ فَلَا يَشْهَدُونَ إلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ حُضُورِ الْمُزَكِّينَ) هَذَا جَارٍ عَلَى بَحْثِ الْأَصْلِ السَّابِقِ وَقَدْ عَرَفْت مَا فِيهِ (فَرْعٌ يَكْفِي فِي التَّعْدِيلِ) أَنْ يَقُولَ (أَشْهَدُ أَنَّهُ عَدْلٌ) أَوْ مَرَضِيٌّ أَوْ مَقْبُولُ الْقَوْلِ أَوْ نَحْوُهَا وَإِنْ لَمْ يَقُلْ عَلَيَّ وَلِي؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الْعَدَالَةَ الَّتِي اقْتَضَاهَا قَوْله تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: ٢] وَلَا

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

أَمَّا الْجَرْحُ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْخِبْرَةُ الْبَاطِنَةُ (قَوْلُهُ وَقَدْ يَظُنُّ الشَّاهِدُ إلَخْ) وَلِهَذَا أَنَّ مَالِكًا يُفَسِّقُ الْحَنَفِيَّ بِشُرْبِ النَّبِيذِ غَيْرِ الْمُسْكِرِ وَنَحْوِهِ وَنَحْنُ لَا نُفَسِّقُهُ، وَإِنْ حَدَّدْنَاهُ وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمَنْصُوبِ لِلْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ أَمَّا هُوَ فَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ سُؤَالُهُ عَنْهُ وَقَالَ فِي الْمَطْلَبِ هَذَا إذَا سَمِعَ الْقَاضِي الْجَرْحَ لَا مِنْ أَصْحَابِ الْمَسَائِلِ أَمَّا إذَا سَمِعَهُ مِنْهُمْ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ لَيْسَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ مِنْ أَيْنَ تَشْهَدُونَ بَلْ يَسْمَعُ ذَلِكَ كَمَا يَسْمَعُ شَهَادَتَهُمْ فِي سَائِرِ الْأَشْيَاءِ وَلَوْ قَالَ الشَّاهِدُ أَنَا مَجْرُوحٌ قُبِلَ قَوْلُهُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْسِيرٍ قَالَ الْهَرَوِيُّ لَكِنْ فِي الْبَحْرِ قَالَ رَجُلٌ لِلْحَاكِمِ لَا تَقْبَلْ شَهَادَتِي لِأَنِّي جُرِّحْت أَوْ جَرَحْت نَفْسِي لَمْ يَرُدَّهُ مَا لَمْ يَتَيَقَّنْ قَالَ فِي الْخَادِمِ وَهَذَا هُوَ الْأَشْبَهُ إذَا قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ الشَّهَادَةِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَلَا حَاجَةَ إلَى بَيَانِ سَبَبِ التَّعْدِيلِ إلَخْ) يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا فِي الْعَارِفِ أَمَّا الْعَامِّيُّ إذَا شَهِدَ بِالْعَدَالَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ سَبَبِ التَّعْدِيلِ؛ لِأَنَّ غَالِبَهُمْ يَجْهَلُ ذَلِكَ وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ وَمُعْظَمُ شَهَادَةِ الْعَوَامّ يَشُوبُهَا غُرَّةٌ وَجَهْلٌ، وَإِنْ كَانُوا عُدُولًا فَيَتَعَيَّنُ الِاسْتِفْصَالُ فِيهَا ثُمَّ رَأَيْت الْمَاوَرْدِيَّ ذَكَرَ أَنَّ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ سَبَبِ التَّعْدِيلِ شَرَطُوا كَوْنَ الشَّاهِدِ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ.

(قَوْلُهُ وَثَانِيهِمَا، وَهُوَ الْأَقْيَسُ لَا) هُوَ الْأَصَحُّ (قَوْلُهُ لَمْ يُجْعَلْ قَاذِفًا) ، وَإِنْ عَلِمَ فِيهِ جَارِحًا غَيْرَ الزِّنَا (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ لَا يُزَكِّيَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ الْآخَرَ) يَجُوزُ لِاثْنَيْنِ أَنْ يُزَكِّيَا اثْنَيْنِ قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِنْ كَانَ فِي شَاهِدَيْ الْفَرْعِ قَوْلَانِ ذَكَرَهُ فِي الْحَاوِي عَقِبَ أَصْحَابِ الْمَسَائِلِ وَقَدْ غَلِطَ فِيهَا قَوْمٌ فَلْتَعْرِفْ ر (قَوْلُهُ وَلَا وَالِدُهُ إلَخْ) هَلْ يَحِلُّ لَهُ إذَا كَانَ الْقَاضِي لَا يَرَى ذَلِكَ، وَهُوَ يَجْهَلُ أَنَّهُ أَبُوهُ قَالَ ابْنُ رِفْعَةَ لَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا وَيَظْهَرُ تَخْرِيجُهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي الْفَاسِقِ بَاطِنًا إذَا ادَّعَى لِلْأَدَاءِ هَلْ يَحِلُّ لَهُ الْإِقْدَامُ اهـ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إذَا شَهِدَ الْوَالِدُ لِوَلَدِهِ وَالْعَدُوُّ عَلَى غَيْرِهِ وَالْفَاسِقُ بِمَا يَعْلَمُونَهُ مِنْ الْحَقِّ وَالْحَاكِمُ لَا يَشْعُرُ بِمَانِعِ الشَّهَادَةِ فَفِيهِ خِلَافٌ وَالْمُخْتَارُ جَوَازُهُ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَحْمِلُوا الْحَاكِمَ عَلَى الْبَاطِلِ وَإِنَّمَا حَمَلُوهُ عَلَى إيصَالِ الْحَقِّ لِمُسْتَحِقِّهِ وَإِنَّمَا رُدَّتْ شَهَادَتُهُمْ لِلتُّهْمَةِ، وَهِيَ مَانِعَةٌ لِلْحُكْمِ مِنْ جِهَةِ قَدْحِهَا فِي ظَنِّهِ رَهْنًا لَا إثْمَ عَلَى الْحَاكِمِ لِتَوَفُّرِ ظَنِّهِ وَلَا لِخَصْمٍ لِأَخْذِ حَقِّهِ وَلَا لِشَاهِدٍ لِمَعُونَتِهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الْمُخْتَارُ بَلْ الصَّحِيحُ الْجَوَازُ نَظَرًا إلَى مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَقَدْ تَقَدَّمَ لَهُ نَظَائِرُ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَلْ أَقُولُ يُتَّجَهُ الْجَزْمُ بِالْوُجُوبِ إنْ كَانَ فِيهِ مَنْعُ اسْتِحْلَالِ بُضْعٍ أَوْ دَمٍ بِغَيْرِ حَقٍّ.

(قَوْلُهُ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ عَلَيَّ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ قَدْ يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُعَدِّلِ عَدَاوَةٌ تَمْنَعُ مِنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِ عَلَيْهِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَ الْعَدْلَ أَنْ يَقُولَ عَلَيَّ لِوُجُودِ الْعَدَاوَةِ الْمَانِعَةِ مِنْ قَبُولِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ وَلَوْ قَالَ الْمُعَدِّلُ ذَلِكَ عَلَى قَصْدِ التَّعْمِيمِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُقْتَضِيًا لِانْتِفَاءِ الْعَدَاوَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَقَالَ ابْنُ النَّقِيبِ يَنْبَغِي إنْ لَاحَظْنَا مَا بَيْنَ الشَّاهِدِ وَالْمُزَكِّي اُتُّجِهَ اشْتِرَاطُ لِي فَقَطْ أَوْ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ مِنْ عَدَاوَةٍ اُتُّجِهَ

<<  <  ج: ص:  >  >>